Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ود مدني... جوهرة جغرافية لإدارة الحرب السودانية

تقع وسط البلاد وسقوطها بأيدي "الدعم السريع" أحدث تغيراً نوعياً في مستقبل النزاع وتراجعت معه هيمنة الجيش على المدن المهمة

تحرك سكان المدينة والنازحون من ود مدني إلى الجنوب بعد استيلاء "الدعم السريع" عليها (أ ف ب)

ملخص

ما أهمية ود مدني في حرب السودان؟

مع مرور ثمانية أشهر على اندلاع الحرب في السودان لا تزال قوات "الدعم السريع" تتحرك نحو مدن ومناطق استراتيجية، من دون اعتراضها من قبل الجيش أو الكشف عن ذلك وفق خطط استباقية تمنع الهجوم من أساسه، بدلاً من أن يظل في موقف الدفاع، مما يعني أن الحرب ستطول وربما يحتاج الطرفان إلى وقت أطول لتحقيق هدفهما طويل المدى المتمثل في السيطرة على الحكم، إما منفردين أو على أقل تقدير بميزات أعلى تتوفر لقوات "الدعم السريع" كشريكة للعسكر.

 لذلك تعمل "الدعم السريع" الآن على تحقيق هدف متوسط المدى يتمثل في تقويض قدرات الجيش السوداني بإسقاط المدن المهمة واحدة تلو الأخرى، ويتضح من ذلك مدى ما تمثله من تهديد عسكري، فعلى رغم محاولات الجيش تأمين المناطق العسكرية فإن "الدعم السريع" استطاعت الاستيلاء على بعض القواعد والحاميات العسكرية، واستهدفت مواقع أخرى للجيش والصناعات العسكرية ومصافي البترول وغيرها.

أما اتجاه "الدعم السريع" نحو ود مدني في ولاية الجزيرة وتهديد المناطق على طول الطريق الرئيس من العاصمة الخرطوم وإليها، فيقع ضمن تركيزها على مدن ذات كثافة سكانية عالية، باستهداف السكان أنفسهم بسلب ممتلكاتهم وإيذائهم إذا لم يذعنوا لها، واستخدامهم غطاء ضد ضربات الجيش بالطيران الحربي.

وكانت ولاية الجزيرة بمناطقها وقراها وعاصمتها ود مدني أول الملاذات التي اتجه إليها المدنيون عندما اندلعت الحرب في الخرطوم بين قوات الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، وخلال الأشهر الماضية اتجه إلى الولاية حوالى نصف مليون نازح، أكثر من 86 ألفاً منهم إلى ود مدني وحدها بحسب أرقام الأمم المتحدة، وهم ضمن أكثر من 5.4 مليون شخص نزحوا داخلياً، بينما فر نحو 1.3 مليون إلى الخارج.

توسع المواجهات

بدأت تحركات "الدعم السريع" نحو الجزيرة ووقعت اشتباكات متفرقة زعزعت هدوء القرى الآمنة على ضفاف النيل الأزرق، أما ود مدني التي تبعد من الخرطوم 180 كيلومتراً فقد دخلت إليها القوات بعد اجتياح منطقة أبوقوتة بعشرات المركبات القتالية، وهي وحدة إدارية شمال غرب ولاية الجزيرة توافرت بها ثغرة أمنية مهمة، وهي أنها لم توجد بها مظاهر عسكرية أو تشكيلات تابعة للقوات المسلحة.

ويعد استهداف ود مدني تطوراً نوعياً مهدت له قوات "الدعم السريع" باجتياح هذه المنطقة، إذ استطاعت شغل الرأي العام وصرف انتباه الجيش عن المدينة، في إطار توجهها نحو توسيع رقعة العمليات العسكرية، وقبل أن يتم حسم التدخل في أبوقوتة تحركت أكثر من 200 مركبة قتالية أخرى من منطقة شرق النيل، وفصل تدمير جسر شمبات بين مدينتي الخرطوم بحري وأمدرمان، وأثر جزئياً على فصل منطقة شرق النيل عن العاصمة.

وبينما بثت صفحات "الدعم السريع" مقاطع فيديو للقائد الميداني في القوات أبو عاقلة كيكل وسط جنوده في منطقة رفاعة عاصمة شرق الولاية، متحدثاً عن مواصلة محاربة فلول النظام السابق وأن دخولهم الجزيرة جاء بناء على أنها تمثل نقطة تنطلق منها قوات الجيش للهجوم عليهم، أكد الجيش استقرار الأوضاع الأمنية بولاية الجزيرة ودعا المواطنين إلى "عدم مغادرة منازلهم وعدم الالتفات للإشاعات التي تدعو إلى تثبيط الهمم وإثارة الهلع بين الناس".

وذكر بيان للمتحدث الرسمي باسم الجيش نبيل عبدالله أن "ميليشيات حميدتي باستهدافها هذه المناطق بما فيها ود مدني، وهي مناطق ليس فيها أية أهداف عسكرية، يؤكد أنها تشن حرباً على السودانيين".

ومن جهتها أصدرت لجان مقاومة ود مدني بياناً ذكرت فيه أن "القوات اقتحمت مستشفى المدينة والسوق، كما نهبت مركبات المواطنين وأموالهم من المنازل".

تدابير أمنية

 تحرك سكان المدينة والنازحون من ود مدني إلى الجنوب في ظل قيام قوات "الدعم السريع" بـ "نصب ارتكازات" شرق المدينة، بالتزامن مع تحليق الطيران الحربي فوقها والقرى والبلدات الواقعة شمالها وسماع أصوات انفجارات، وفروا وسط الاشتباكات جماعات إلى ولايتي سنار والقضارف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وباعتبار موقعها وسط السودان وبربطها بين أقاليم السودان المختلفة، فإن سقوط ود مدني يكمل ما بدأته قوات "الدعم السريع" بعد إحكامها السيطرة على الخرطوم ودارفور، ومن جسر حنتوب على النيل الأزرق أعلنت عزمها السيطرة على مناطق أخرى مهمة، فولايات شرق السودان وخصوصاً مدينة بورتسودان مقر الحكومة ومجلس السيادة أهداف باتت أقرب من ذي قبل، وذكر الخبير العسكري صديق عبدالله أن "هناك حملة إعلامية منظمة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تغذيها قوى إعلان الحرية والتغيير، وتهدف إلى تشويه سمعة الجيش ومحاولة بناء صورة سلبية وخداع الرأي العام"، مضيفاً "العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش في ود مدني كفيلة بدحر ’الدعم السريع‘ ولكن تمكين هذه القوات كان بأخطاء كارثية، وهي انسحاب وحدات الجيش من المدينة، وهو ما يتم التحقيق فيه الآن".

أثر سقوط ود مدني في مستوى الأمن داخل الولايات القريبة منها، حيث فرضت تدابير أمنية مشددة شملت حظر تجوال ومنع تجمعات المواطنين، كما نفذت الأجهزة الأمنية في بعض المدن حملات اعتقالات واسعة طاولت عدداً من المدنيين.

موقع استراتيجي

وتعد ود مدني من المدن التي شكلت تاريخ السودان في الممالك القديمة وخلال الثورة المهدية في العصر التركي - المصري خلال القرن الـ19 قبل أن تتخذ اسمها الحديث ووضعها كعاصمة إدارية، وتنبع أهميتها من موقعها وسط السودان، إذ اتخذها الاستعمار الإنجليزي عاصمة له وأصبحت مركزاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً للزراعة وخصوصاً القطن، إذ أنشأت الإدارة البريطانية مشروع الجزيرة عام 1925 بمساحة مليوني فدان.

وبعد استقلال السودان أصبحت ود مدني مركزاً للنشاط السياسي، كما ظلت المركز الاقتصادي الأول في السودان، ويعد القطن الذي تنتجه ولاية الجزيرة أهم صادرات البلاد قبل اكتشاف النفط.

وجاء في "مذكرات وسجلات السودان البريطانية" التي خطها أندرس بيوركيلو "أدى الدخول التركي - المصري إلى السودان عام 1820 لاستسلام مختلف إمارات سلطنة سنار الواقعة على طول نهر النيل، والتي تم إخضاعها لنظام إداري جديد في العاصمة الجديدة ود مدني".

وأضاف بيوركيلو، "في نهاية ثلاثينيات القرن 19 كان الأتراك يستعدون لمزيد من التوسع حتى النيل الأبيض وشرقاً إلى كسلا، واُتبعت الخطوط القبلية في التقسيمات الإقليمية لكل من المجتمعات المستقرة والرعوية، إذ تم تخصيص دار لكل مجموعة قبلية، وكانت هناك عملية تدريجية للمركزية، إذ جاء مصطلح السودان ليحل محل مصطلح سنار إلى جانب ذلك، وكانت هناك مجموعة كاملة من المسؤولين الإداريين ونظام مالي تم تبني معظمه ببساطة من قبل البريطانيين".

وذكر متخصص الجغرافيا الطبيعية بالجامعات السودانية محمد الفاتح أن "أهمية ود مدني تنبع من موقعها وسط السودان وتمثل المدخل الجنوبي للعاصمة الخرطوم بين ولايات الخرطوم وسنار والقضارف، كما تربط بين شرق السودان وغربه ويصلها القادمون من ولايات دارفور وكردفان والنيل الأبيض إلى القضارف وكسلا وموانئ شرق البلاد على البحر الأحمر".

وأضاف الفاتح، "هذا الموقع الاستراتيجي بالوسط وبسهله المنبسط مكّن القوات على مدى التاريخ من التمركز العسكري في ود مدني، وخلال هذه الحرب كان الجيش يتمركز بفرقة كاملة هي الفرقة الأولى مشاة قرب جسر حنتوب، كما أقام عدة ارتكازات في الطرق الرئيسة بالولاية لمنع دخول قوات ’الدعم السريع‘ أو عبور الأسلحة والأموال المنهوبة من الخرطوم".

جهود دولية

وباعتبارها ملجأ للنازحين ومركزاً لجماعات الإغاثة فقد هددت السيطرة على ود مدني بفتح جبهة تؤذن بتعرض النازحين إلى أخطار أخرى غير النزوح وعدم الأمن، وحذرت واشنطن بأن استهداف ود مدني يشكل تهديداً خطراً على المدنيين وجهود الإغاثة، ومع ذلك تعرضت مراكز المساعدات الإنسانية وعشرات آلاف النازحين للمعارك، بينما علقت منظمات الأمم المتحدة عملياتها في الجزيرة، مما يعني قطع الإمدادات والمساعدات العابرة للولاية إلى الخرطوم وإلى ولايات غرب السودان، خصوصاً دارفور التي ظلت تعاني لوقت طويل.

من جهته أعرب المجلس النرويجي للاجئين عن قلقه إزاء الصراع المتصاعد، ووصف ود مدني بأنها "أكثر من مجرد مدينة أخرى تتعرض للهجوم، إنها واحدة من الملاذات القليلة المتبقية في السودان للمدنيين"، إذ تسعى الوكالات الإنسانية إلى توصيل الغذاء والماء لآلاف الأشخاص الفارين من العنف إلى ولاية سنار.

وفي نقص التمويل واحتمال انقطاع الإمدادات قال مدير إقليم السودان بالمجلس النرويجي للاجئين في ود مدني ويل كارتر "إن عمليات الإغاثة معرضة لمزيد من الأخطار على رغم أننا بحاجة إلى البقاء وتقديم أكبر قدر ممكن".

وكانت المنسقة الطبية في منظمة "أطباء بلا حدود" أنجا وولز ذكرت في وقت سابق أن "كثيراً من النازحين الذين وصلوا إلى ود مدني من الخرطوم لم يفقدوا جميع ممتلكاتهم وسبل عيشهم وحسب، بل فقدوا أيضاً أفراد أسرهم خلال القتال في الخرطوم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير