بعيداً من صخب المدينة وأضوائها، تلتف مجموعة من هواة المخيمات الفلكية وروادها، حول نار مشتعلة وسط صحراء بيت لحم شرق الضفة الغربية، أو ما يعرف فلسطينياً بمنطقة "تل القمر"، ليس لرصد النجوم والكواكب في السماء الصافية هناك فحسب، بل لمناقشة التجربة الجديدة التي ستخوضها فلسطين للمرة الأولى في التاريخ، بتسمية كوكب ونجم بأسماء فلسطينية.
فلسطين خارج المجوعة الشمسية
فالاتحاد الفلكي الدولي وبعد جهود كبيرة خاضها الفلسطينيون على مدار الأشهر الماضية، سمح لهم بتسمية الكوكب والنجم اللذين اكتُشفا عام 2010 خارج المجموعة الشمسية، ويقعان على بُعد 1202 سنة ضوئية من الكرة الأرضية.
الجمعية الفلكية الفلسطينية أطلقت قبل فترة وجيزة الحملة الوطنية لتسمية الكوكب والنجم باسمين فلسطينيين، وذلك للسماح لجميع الفلسطينين من دون استثناء، بالمشاركة باختيار اسمين يعبّران عن تاريخ فلسطين وحضارتها وثقافتها، على أن تعلن النتائج النهائية منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2019.
أسماء غير مسيئة
رئيس الحملة الوطنية ومؤسس الجمعية الفلكية الفلسطينية داوود الطروة قال لـ "اندبندنت عربية"، "نحن في الجمعية الفلكية نتمتع حالياً بصفة عضو مراقب فقط في الاتحاد الفلكي الدولي، وهذه التجربة الفريدة ستؤهلنا للحصول على عضوية كاملة فيه وفي بقية المنظمات المتخصّصة في عالم الفلك. هذا إلى جانب إضافة اسم فلسطين إلى قائمة الدول التي شاركت في تسمية أجرام سماوية مكتشفة حديثاً. الاتحاد الدولي سمح في الفترة الأخيرة للدول المشاركة بتسمية الكواكب والنجوم المكتشفة، وهذا العام وقع الاختيار على فلسطين لإطلاق التسمية على الكوكب المسمى مؤقتاً "HAT-23B"والنجم المسمى مؤقتاً "HAT-P-23". الكوكب عملاق مشابه لكوكب المشتري وأكبر حجماً من الكرة الأرضية بحوالى 1400 مرة، ويدور حوله نجمه كل 1.2 يوم وهو من النوع G مثل شمسنا."
ويضيف الطروة "الأسماء المقترحة للكوكب والنجم يجب ألا تكوّن رابطاً في ما بينها، وألا تكون الأسماء مسيئة ولا تكون لحيوانات أو ذات طبيعة تجارية. كذلك يُمنع تسميتهما بأسماء أشخاص أحياء أو حتى أسماء لأناس ماتوا قبل أقل من 100 عام، كما يمنع علينا الاستيحاء من أسماء أماكن معروفة بالأنشطة السياسية أو العسكرية أو الدينية".
الثقافة الفلكية
أنشطة مختلفة ومتنوعة تضم ورشات عمل وندوات ومحاضرات فلكية إضافة إلى مسارات ومخيمات سياحية فلكية في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، تسعى الجمعية الفلكية الفلسطينية من خلالها إلى نشر الثقافة الفلكية في المجتمع الفلسطيني. فالجمعية التي أسست على يد شبان من هواة علم الفلك عام 2013، تضم اليوم أكثر من 300 متطوع من مختلف مدن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ومن كلا الجنسين.
التصوير الفلكي حقيقي
ومع تزايد إقبال الشبان والشابات على المخيمات الفلكية وعشقهم للتصوير والرصد بالتلسكوبات في الضفة الغربية، انطلقت فكرة المخيمات الفلكية التي يشرف عليها كرسي اليونسكو لعلوم الفضاء والفلك، والتي تبدأ مع زهور فصل الربيع حتى تساقط أوراق الخريف من كل عام، تحت شعار "مجتمع فلسطيني خال من الأمية الفلكية".
المصور الفلسطيني عوض حمد البالغ من العمر 25 سنة، تحدث في هذا الإطار قائلاً "كنت أعتقد في الماضي أن الصور الفلكية بما تظهره من جمال ساحر للمجرات والنجوم والكواكب مفبركة ويجري تعديلها ببرامج معينة، ولم يكن لدي أية معلومات عن التصوير الفلكي حينها، ولكن بعد مشاركتي بالمصادفة بأحد المخيمات الفلكية عام 2015، تبين لي أن الصور حقيقية وتحتاج فقط إلى الوقت والشغف، ومن ثم بدأت أمارس التصوير الفلكي، إلى أن أتقنت أول صورة لي بعد عام كامل تقريباً. والمنطقتان الوحيدتان التي نصور فيهما والبعيدتان عن التلوث الضوئي، هما منطقة (صحراء بيت لحم) و(برية بني نعيم)، فهناك تتاح لنا فرصة التقاط صورٍ فريدة وجميلة لمسارات النجوم ومجرة درب التبانة وغيرها. ولا زلت أحلم كغيري من مصوري الفلك بالوصول إلى صحراء النقب جنوب فلسطين ".
صحراء النقب محرمة
وتابع حمد "الحكومة الإسرائيلية تمنع فلسطينيي الضفة الغربية من الدخول إلى صحراء النقب جنوب فلسطين بشكل قطعي، بحجة وجود معسكرات للجيش هناك. ليس ذلك فحسب، بل إن هواة الفلك كالمصورين مثلاً يعانون الأمّرين في إدخال المعدات اللازمة لهم مثل التلسكوبات ومعدات التصوير الخاصة. فالجنود الإسرائيليون وفي إحدى الرحلات الفلكية عام 2014، صادروا أحد التلسكوبات للجمعية الفلكية بحجة أنه للاستخدام العسكري، فالمعدات الفلكية لا تدخل إلينا إلا من طريق مؤسسات أجنبية أو عندما يقوم بعض زملائنا الفلسطينيين من داخل إسرائيل، بشرائها وتمريرها إلينا في الضفة الغربية".
ويؤكد الطروة حديث حمد قائلاً "شراء التلسكوبات وإدخالها إلينا ليس أمراً سهلاً، إضافة لذلك هناك نقص كبير في الدعم المادي والكوادر المتخصّصة لإقامة مخيمات فلكية بالمستوى الذي يمكنّنا من منافسة دول أخرى. ففي الضفة الغربية جهتان فقط تنظم الأنشطة الفلكية المختلفة، "نحن في الجمعية الفلكية الفلسطينية ومرصد جامعة بيرزيت".
الفلك في المنهاج الدراسي
عالم الفيزياء الفلكية سليمان بركة طالب منذ سنوات المسؤولين في وزارة التعليم العالي في قطاع غزة والضفة الغربية، بإدراج علم الفلك في المنهج الفلسطيني أسوة بالأردن والعراق والسعودية والجزائر ومصر، التي أظهرت في الفترة الأخيرة محاولات جادة لتطوير علم الفلك في المناهج التعليمية، لأنّه علم شامل ومهم لرفع أية دولة في العالم، مؤكداً أن المحاولات في فلسطين ضعيفة جداً ودون المستوى المطلوب.