Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكويت و"شعرة معاوية" حين تصبح نهجا ومدرسة

وجدت الدولة الصغيرة المحاطة بثلاث دول كبرى "العراق وإيران والسعودية" من الوساطة ضالتها وقوتها الناعمة

للكويت خبرة تاريخية وسياسية طويلة في حل الخلافات العربية البينية (اندبندنت عربية)

ربما أنها مفارقة، بين المساحة المحدودة والتأثير الكبير اللافت دبلوماسياً. بمساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 17.82 ألف كيلومتر وعدد الـ4.1 مليون نسمة، استعاضت عنها الكويت بدورها وتأثيرها الذي كان برداً على المحيط "الشرق أوسطي" الملتهب في الخارج، وفي الداخل استطاع شيوخها بحكمة "معاوية وشعرته" وبدبلوماسية متناهية تجاوز أزمات كادت تعصف بها.

"شعرة معاوية" التي قامت على أثرها أول إمبراطورية عربية إسلامية، في عهد معاوية بن أبي سفيان في القرن السابع كانت السمة البارزة لآل الصباح، الأسرة التي بنت بلداً ثرياً بالنفط والسكينة والحياد.

مدرسة المباركية

ولربما أن السر وراء الدبلوماسية الخالدة (دبلوماسية الوساطة) التي لا تتغير هي "مدرسة المباركة". فحين أرسى مؤسس الدولة الحقيقي وحاكمها السابع الشيخ مبارك بن صباح بن جابر مقاليد الحكم (1915-1896) سميت باسمه بعد رحيله أشياء كثيرة تيمناً به وباسمه، مشافٍ وموانئ وشوارع وأبراج أطلق عليها (المباركية)، ليتجاوز أثره التأسيسي الجانب الرمزي، إلى قواعد صقلت تجاربها حكام "قصر بيان" شيخاً شيخاً.

تعيش البلاد اليوم لحظات غارقة في الحزن بعد رحيل حاكمها الـ16 الشيخ نواف الأحمد الصباح الذي رحل عن 86 سنة، كان آخر ثلاث سنين منها قضاها في العفو والصفح عن مواطنيه المهجرين في الغربة والسجن، وكانت الوساطة "نهج الأسلاف" حاضرة بين الأشقاء والدول التي تنافرت حيناً من الدهر، حتى إن صحف بلاده بعد رحيله نعته بأحزان كثيرة واتفقت مع شعب المليون ونصف المليون كويتي على تسميته بـ"أمير العفو".

غادر الأمير الحياة بعد أن واصل ما بدأه سلفه الراحل الشيخ صباح الأحمد، حين لعب دور "الوساطة" في إنهاء أزمة خليجية عصفت بالخليج لأربع سنين وتزيد قليلاً، وذلك حين قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع قطر في يونيو (حزيران) 2017، لكن الأزمة طويت لاحقاً في "قمة العلا" 2021 شمال السعودية، بوساطة كويتية - أميركية.

كانت شعلة "الوساطة أو دبلوماسية الوساطة" التي يحملها شيوخ البلاد جيلاً بعد جيل هي السمة المتوارثة بداخل قصر الإمارة.

الوساطة

في خمسينيات القرن الـ20، أشرق على نحو لافت مصطلح "الوساطة" من أميركا التي تقف على رأس هرم النظام العالمي، وقد بدأ الاهتمام حينها بدراسة المصطلح ووضع مبادئه وأساليبه بهدف تطبيق وسائل أكثر فاعلية لحل وإدارة منازعات نقابات العمال مع أصحاب الأعمال والشركات الضخمة، لكن ذلك قد تطور على خريطة السياسة، وفي الشرق الأوسط ونزاعاته التي لا تنتهي.

تقول دراسة أعدتها الشيخة سهيلة بن فهد الصباح مديرة تحرير مجلة "دراسات الخليج والجزيرة العربية" إن بلادها أجادت فن "دبلوماسية الوساطة"، بخاصة أنها تحتل موقعاً جغرافياً مهماً، إذ "يحتل الموقع الجغرافي للبلاد والخلفية التاريخية دوراً رئيساً في فهم السياسة الخارجية للدول، فالكويت تعد دولة صغيرة محاطة بثلاث دول كبرى في المنطقة، وتقع وسط إطار مثلث الضغط بين العراق وإيران والسعودية، ومن ثم وجدت في دور الوساطة ضالتها، خصوصاً في الأزمات العربية والإقليمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترجح الصباح في دراستها التي جاءت عقب الأزمة الخليجية أن "أغلب الظن أن الوساطة التي قام بها أمير الكويت الراحل صباح الأحمد كانت بصورة ذاتية فردية وبشكل سريع منذ اللحظات الأولى للأزمة ومن دون طلب من أحد الطرفين أو كليهما. وعلى رغم أنها لم تفلح في بداية الأمر في إيجاد حل نهائي ودائم للأزمة ومرض لأطرافها، فإنها نجحت - في ما بعد - في الوصول إلى هذه الغاية". وهي إنهاء الأزمة.

وقد حظيت آنذاك وساطة أمير الكويت الراحل بدعم دولي واضح من الدول الكبرى والدول العربية والأمم المتحدة. وتمضي الكاتبة الصباحية بالقول إن "سمعة الكويت ساعدتها بين الأقطار العربية وعلى المستويين الإقليمي والدولي أن تكون مؤهلة للقيام بدور الوسيط في الأزمات التي تعصف بالمنطقة".

اتخذت البلاد من الوساطة قوة ناعمة

للوساطة والكويت تاريخ طويل. تقول وكالتها الرسمية (كونا) في تقرير لها إن "للكويت خبرة تاريخية وسياسية طويلة في حل الخلافات العربية البينية خلال القمم السنوية والمؤتمرات الدورية التي تعقد على أرضها مثل الأحداث في اليمن إبان الستينيات والتوسط بين اليمنين الجنوبي والشمالي عام 1972 لوقف المناوشات بينهما على الحدود المشتركة" وهو ما أسفر عن توقيع اتفاق سلام عقب زيارة قام بها الشيخ صباح الأحمد حينذاك للبلدين.

وكان للبلاد التي اتخذت من الوساطة "قوة ناعمة" وثروة لا تنضب مع نفطها دور في "نزع فتيل الخلاف الأردني - الفلسطيني عام 1970. بحسب كونا، وفي نهاية عقد الستينيات نظمت الكويت عديداً من اللقاءات لمندوبي حكومتي طهران والبحرين في مقر ممثلها بجنيف مما أثمر لاحقاً قبول الطرفين لتسوية النزاع بعرضه على هيئة الأمم المتحدة".

والأمثلة على البلد الذي ينص دستوره على أن إمارته وراثية من ذرية مبارك الصباح كثيرة في أدوار الوساطة. فثمة وساطة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية في الثمانينيات، حين دعت الكويت لاجتماع يعقد على أراضيها بين وزيري خارجية البلدين، إذ "تم الاتفاق على إنهاء الحرب الإعلامية والدعائية بين الدولتين، واحترام كل دولة شؤون الدولة الأخرى الداخلية واحترام مبادئ حسن الجوار وسيادة أراضي الدولة الأخرى وسلامتها" وفق "كونا".

وكذلك "الوساطة بين الإمارات وسلطنة عمان حين قاد الأمير الراحل صباح الأحمد مشروع المصالحة العربية بين القادة العرب الأشقاء، الذي تم على هامش القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي استضافتها بلاده عام 2009.

يقول الكاتب في "الشرق الأوسط" اللندنية سمير عطا الله "عرفت الكويت منذ القرن الثامن عشر استمرارية ثابتة (الاستقرار)، انقطعت مرة واحدة عندما احتلها صدام حسين في طريق عودته من حرب إيران". ويضيف في مقالة له أن الإمارة الخليجية "تجنبت نزاعات العرب، العاربة والمستعربة. وخالف مجلس الأمة أحياناً هذا الحذر، لكن ضمن الحرص على الاستقرار. وبدا البرلمان أحياناً غارقاً في ممارسات معهودة، لكن هالة الأمير وحكمته ومكانته في الناس كانت تستوعب الأزمات مهما اشتدت".

يذكر أنه بحسب الدستور الكويتي الذي وضع لبنته الأولى عام 1961 الشيخ عبدالله السالم الصباح فإن لقب الحاكم هو "الأمير الذي يترأس البلاد، ويشرع قوانينها مجلس الأمة المكون من 50 عضواً ينتخبون كل أربع سنوات بالاقتراع الشعبي الحر". وتنقسم بحسب الدستور السلطات بالكويت إلى سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، يرأسها الأمير. ولا يسمح وفقاً للدستور بتشكيل الأحزاب على رغم وجود الكتل النيابية. والأمير هو الوحيد الذي يمكنه العفو من الأحكام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير