Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين تتجه أزمة القروض البنكية في تونس مع رفع الفائدة؟

"المركزي" يكبح جماح المصارف و119 مليون دولار فقط دُفعت لمواطنين أواخر سبتمبر 2023

تبدو القروض بالنسبة إلى المواطنين لازمة لهم لمجابهة الأزمة الاقتصادية في البلاد (اندبندنت عربية)

ملخص

تشددت المصارف في تونس ووضعت جملة من "الكوابح" أمام المواطنين لمنعهم من القروض

تؤكد البيانات الرسمية التي أوردها البنك المركزي التونسي منذ بضعة أيام أن النفاذ إلى القروض البنكية في تونس صار صعباً ولم يعد بالإمكان الحصول على قرض بشكل عادي بحكم غلاء كلفتها منذ ما يزيد على العامين تقريباً.

ويعتبر جل المتخصصين الماليين أنه منذ رفع البنك المركزي التونسي نسبة الفائدة الرئيسة لغرض تطويق نسبة التضخم وبخاصة لتقليص اللجوء إلى القروض البنكية الاستهلاكية، تشددت المصارف في تونس ووضعت جملة من "الكوابح" أمام المواطنين لمنعهم من القروض التي تبدو لازمة لهم لمجابهة الأزمة الاقتصادية في البلاد.

مبلغ زهيد

وبلغ إجمالي قائم القروض غير المهنية المسلمة من طرف البنوك التونسية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 ما قيمته 28.4 مليار دينار (9.1 مليار دولار) مقابل 28.1 مليار دينار (تسعة مليارات دولار) في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2022، أي إن البنوك التونسية سلمت في ظرف تسعة أشهر قروضاً بقيمة 317 مليون دينار فقط (119.3 مليون دولار).

ويعد هذا المبلغ زهيداً مقارنة مع حاجات التونسيين إلى النفاذ للقروض البنكية التي صارت صعبة نسبياً في السنوات الأخيرة بسبب ترفيع البنك المركزي التونسي في نسبة الفائدة المديرية، مما انعكس على زيادة نسبة الفائدة في السوق النقدية التي تتعامل بها البنوك مع المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين.

ووفق الإحصاءات المالية للبنك المركزي التونسي، حصلت عليها "اندبندنت عربية"، إلى أواخر سبتمبر (أيلول) من هذا العام، فقد بلغت القروض البنكية غير المهنية، أي تلك المسلمة لعموم المواطنين والمخصصة لقروض السكن 91 مليون دينار (29.3 مليون دولار)، بزيادة 30 مليون دينار فقط (10 ملايين دولار).

أما قائم القروض الموجه لاقتناء سيارات فقد وصل مع أواخر سبتمبر من هذا العام إلى مستوى 389.2 مليون دينار (125.5 مليون دولار) مقابل 396.4 مليون دينار (127.8 مليون دولار) في نهاية السنة المنقضية، أي بتراجع بقيمة 7.2 مليون دينار (2.3 مليون دولار).

وبخصوص قائم قروض الاستهلاك فقد بلغت قيمتها خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 4.7 مليار دينار (1516.1 مليون دولار) مقابل 4.5 مليار دينار (1415.6 مليون دولار) في أواخر ديسمبر 2022 بزيادة 203 ملايين دينار (65.4 مليون دولار).

وتعكس هذه المؤشرات المتواضعة تأثير ترفيع نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي التونسي إلى مستوى ثمانية في المئة، مما نجم عنه زيادة في نسب الفائدة بالسوق النقدية وانعكاسها اللافت على النفاذ إلى القروض البنكية في تونس.

وتتراوح نسبة الفائدة في السوق النقدية على مستوى تعاملات المصارف بين 11 و13 في المئة خصوصاً بالنسبة إلى القروض الاستهلاكية.

ويهدف البنك المركزي من خلال الترفيع في الفائدة الرئيسة أو المديرية إلى الضغط على نسبة التضخم التي بلغت 8.3 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام لمحاربة ارتفاع الأسعار.

من جانب آخر، وجب التأكيد أن المصارف التونسية صارت تفرض شروطاً صعبة للنفاذ إلى القرض البنكي مع تفضيلها استثمار أموالها في عمليات إقراض الدولة باقتناء رقاع الخزانة القصيرة والمتوسطة المدى التي تعود بالنفع عليها وعلى موازناتها المالية، علاوة على مشاركتها المكثفة في مختلف أقساط القروض الرقاعية الوطنية التي تطرحها الدولة لتمويل الموازنة وبنسب فائدة محفزة.

ارتفاع الفائدة

وعزا المتخصص المالي بسام النيفر، تراجع مجموع قروض الأفراد إلى ارتفاع نسب الفائدة البنكية، مما عزف معه الأشخاص الطبيعيون والعائلات التونسية عن الحصول على قرض بنكي.

وأوضح النيفر لـ"اندبندنت عربية" أن ارتفاع مجمل القروض البنكية بنحو هزيل خلال الفترة بين ديسمبر 2022 وسبتمبر 2023 يعود لأسباب تتعلق بثبات سعر الفائدة الرئيسة، مشيراً إلى أن بيانات البنك المركزي التونسي أظهرت أن إجمالي القروض التي تسلمها الأشخاص الطبيعيون خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي تراجع بشكل واضح مقارنة مع نهاية العام الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومضى يقول، "بات من الواضح أن ارتفاع نسب الفائدة للبنك المركزي وما نتج منها من زيادة مهمة في نسب الفائدة في السوق النقدية، جعل التونسيون يراجعون حساباتهم ويفكرون عشرات مرات قبل التوجه إلى المصارف للحصول على قرض".

وأردف أن من أهم أهداف رفع المركزي التونسي لنسب الفائدة ومن ورائها رفع نسبة الفائدة في السوق النقدية، كبح جماح الاقتراض والاستهلاك للضغط على الأسعار والتحكم أكثر في نسبة التضخم المرتفعة.

وعلى رغم التقلص الواضح في نسبة التضخم العامة في البلاد التي بلغت 8.3 في المئة بحلول نوفمبر، فإن مستوى تضخم أسعار المواد الغذائية لا يزال في درجات مرتفعة جداً، مما حدا بـ"المركزي التونسي" نحو عدم إدخال تغيير على مستوى الفائدة الرئيسة التي ظلت عند ثمانية في المئة.

يشار إلى أن البنك المركزي التونسي قرر في نهاية ديسمبر 2022 رفع نسبة الفائدة الرئيسة بـ75 نقطة أساس لتصل إلى مستوى ثمانية في المئة بعد تقييم الأخطار التي تحف بمسار التضخم.

ويقول بسام النيفر في هذا الصدد، "بات من الواضح أيضاً أن السياسة النقدية التي انتهجها البنك المركزي التونسي قلصت من منح القروض البنكية الموجهة للاستهلاك، وأدت إلى تراجعها في الربع الأول من هذا العام".

وبات جلياً، بحسب المتخصص المالي، أن قروض السكن بصدد التراجع، مرجعاً ذلك إلى أن هناك قروضاً سابقة قد تم خلاصها مقارنة مع حجم القروض الجديدة التي تسير بنسق ضعيف.

وتابع "يستشف من البيانات المنشورة من البنك المركزي أن هناك طلباً ضعيفاً على السكن في تونس لأسباب عدة، أهمها ارتفاع نسب الفائدة في السوق النقدية، وثانياً صعود كلفة بناء المساكن"، شارحاً أن تدني هذه القروض مؤشر إلى تراجع الطلب، من ثم هبوط المقدرة الشرائية للتونسيين.

وإجمالاً، أكد بسام النيفر أن هناك تراجعاً في الحصول على القروض البنكية جراء ارتفاع نسبة الفائدة البنكية وصعوبة القدرة على الخلاص والسداد بسبب تدهور القدرة الشرائية، فضلاً عن أن القطاع البنكي صار متشدداً أكثر في تطبيق معايير الأخطار بما يجعل الطلب على الحصول على قرض بنكي يقل بشكل ملحوظ.

كبح جماح القروض

وأفاد المحلل المالي معز حديدان، بأن قرار البنك المركزي التونسي بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة في أواخر عام 2022 إلى مستوى ثمانية في المئة بإضافة 75 نقطة أساس كان متوقعاً لمجابهة التضخم المرتفع الذي بلغ مستويات قياسية وكبح جماح القروض.

واعتبر أن الترفيع بـ75 نقطة هي نسبة مرتفعة بخاصة أن التضخم الذي تعيشه تونس ليس بتضخم نقدي وأسبابه بالأساس خارجية، مشيراً إلى أن الترفيع في نسبة الفائدة أثر سلباً على الشركات والأشخاص الطبعيين وقلص من القدرة الشرائية لدى المواطن التونسي والشركات.

وأوضح حديدان أن الترفيع في نسبة الفائدة من شأنه أن يعطل نسبياً النشاط الاقتصادي، بخاصة أن صاحب رأس المال سيفضل الادخار عوض الاستثمار، لافتاً إلى أن المواطن التونسي المتحصل على قرض من البنوك سيتأثر بصفة مباشرة، فمن كان يسدد قسطاً بنكياً قيمته 300 دينار (96.7 دولار) سيسدد الآن 350 ديناراً تقريباً (113 دولاراً).

أعباء خطرة أخرى

الوجه الآخر في مسألة تشدد المصارف التونسية في منح القروض لعموم التونسيين يعود إلى مشكلة أخرى عويصة وذات أبعاد مالية على الاقتصاد الكلي للبلاد، وتتمثل في تضاعف مديونية الدولة والشركات العمومية لدى القطاع البنكي بثلاث مرات.

وبحسب المؤشرات المتحصل عليها من البنك المركزي التونسي، فقد تضاعفت مديونية الدولة والشركات الحكومية العمومية ثلاث مرات تقريباً لتبلغ منذ 2015 إلى أواخر سبتمبر 2023 ما قيمته 33.4 مليار دينار (10.7 مليار دولار)، أو 21 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.

وترتكز مديونية القطاع العام أساساً لدى البنوك الحكومية في مستوى 18.9 مليار دينار (ستة مليارات دولار)، أو 33 في المئة من إجمالي أصول هذه البنوك، إذ تعتمد هذه التمويلات على الموارد المتأتية من الودائع وإعادة التمويل لدى البنك المركزي التونسي.

كما أن ارتفاع نسق نمو القروض الممنوحة للمؤسسات العمومية، تزامن مع تراجع في حجم ودائع هذه الشركات لدى القطاع البنكي مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الاقتراض والودائع للمؤسسات الحكومية إلى قرابة ثمانية مليارات دينار (2.5 مليار دولار) منها سبعة مليارات (2.2 مليار دولار) ممولة من قبل البنوك العمومية.

في المقابل، تراجعت ودائع الشركات الحكومية إلى 4.6 مليار دينار (1.4 مليار دولار) في أواخر أغسطس (آب) 2023، مقابل 6.1 مليار دينار (1.9 مليار دولار) في الفترة ذاتها من عام 2022.

وحذر البنك المركزي التونسي من هذه الوضعية وتأثيرها في المجالين الاقتصادي والمالي، إذ حصرت هذه الأخطار في ثلاثة محاور يتعلق الأول بأخطار السيولة بالدينار وبالعملة مع الضغط الحاد على البنوك العمومية وخطر انتقال الضغوط إلى المكونات الأخرى للقطاع المالي (التأمين، مؤسسات التوظيف الجماعي).

ويتمثل الخطر الثاني في تدهور الثقة في سلامة القطاع المالي بسبب تعرضه العالي للمخاطر السيادية، أما الخطر الثالث فهو انتقال المشكلات من قطاع اقتصادي إلى آخر.

وزاد البنك المركزي في التحذير من وضع كهذا من خلال تسجيل مؤشرات اقتصادية تنذر بركود هيكلي متزامن مع أخطار تضخمية في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي والمالي وإصلاحات اقتصادية صعبة التنفيذ علاوة على تصاعد أخطار التضخم.