Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم "الفنلدة" مزدهر من فلسطين إلى أوكرانيا وغيانا

فرضت موسكو على هلسنكي شروطاً في سياساتها الخارجية والداخلية مقابل استقلالها

ضابط في حرس الحدود يسير على طول السياج بين فنلندا وروسيا (أرشيفية - أ ف ب)

سياسات القرن الـ19 لا تزال حية ترزق أرضاً ونفوذاً في القرن الـ21 على رغم المتغيرات الراديكالية في القرن الـ20.

وليس صحيحاً أن سياسة "الفنلدة" انتهت بدخول فنلندا في "الناتو" بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والحرب الروسية - الأوكرانية، فما فرضته موسكو على هلسنكي في سياساتها الخارجية وحتى الداخلية مقابل استقلالها والامتناع عن ضمها تفعله أكثر من دولة كبيرة أو قوية مع جارها الصغير أو الضعيف، والأمثلة لا تحصى.

روسيا برئاسة فلاديمير بوتين غزت أوكرانيا وضمت أجزاءً منها وربطت أي اتفاق معها بنزع أسلحتها والامتناع عن الانضمام إلى "الناتو" والاتحاد الأوروبي. وتمارس "الفنلدة" مع بيلاروس التي لجأ رئيسها ألكسندر لوكاشينكو إلى بوتين لحمايته من مد شعبي أسقطه في الانتخابات، فعمد إلى تزويرها ودفع المرشحة المعارضة الفائزة سفيتلانا تسيخانوفسكايا إلى الهرب من البلاد.

وتجربة موسكو مع كييف دفعت رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو إلى التهديد بغزو غيانا لضم إقليم أيسيكيبو الغني بالنفط الذي تصل مساحته إلى ثلثي البلد.

وهذا ما تفعله إسرائيل في غزة والضفة الغربية بالحرب والضم وبناء المستوطنات وفرض اللاتسلح ونوع الحكم "البلدي" الباقي في فلسطين.

هكذا فعل الجنرال ماك آرثر في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حين فرض عليها الدستور ونوع الحكم والسياسة. وهذا ما تفعله إيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان عبر تأسيس ميليشيات عسكرية أيديولوجية مذهبية تابعة لها وتفرض على هذه البلدان سياساتها بالصواريخ أو بالتي هي أحسن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا كان ولا يزال ما تفعله أميركا بدول أميركا اللاتينية منذ مبدأ مونرو "إما الحصار في حال كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، وإما الخضوع وتكيف السياسات مع سياسة واشنطن". وما كانت سياسة فرنسا في مستعمراتها السابقة في أفريقيا أفضل.

سوريا تشرب اليوم الكأس التي سقت لبنان مثلها على مدى 30 عاماً من الوصاية والتحكم بالسياسات الداخلية والخارجية وانتخاب الرؤساء وتشكيل الحكومات وإجراء الانتخابات. هي منعت بيروت خلال مفاوضات التسوية بعد مؤتمر مدريد من التوصل إلى تسوية مع إسرائيل تستعيد بها الأرض المحتلة في الجنوب قبل أن تسترد هي الجولان.

ويروي الرئيس الأميركي بيل كلينتون في مذكراته "حياتي" أن وزيرة الخارجية آنذاك مادلين أولبرايت قالت لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك خلال المحادثات المباشرة مع سوريا برعاية أميركا في شيبرزتاون "السوريون أظهروا مرونة تجاه ما طلبتموه، لكنكم لم تقدموا شيئاً، فماذا تريد؟".

رد باراك "أريد معاودة التفاوض مع لبنان". وكان رأي نائب الرئيس السوري فاروق الشرع "أن باراك ليس جدياً"، لأن دمشق لم تكن تريد مفاوضات إسرائيلية مع لبنان في ذلك الوقت.

الرئيس العراقي صدام حسين مارس "الفنلدة" مع الكويت، وحين صارت مطالبه أكبر من القدرة أو الرغبة في التلبية غزاها وضمها قبل أن تخرجه "عاصفة الصحراء" الأميركية.

والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحتل أجزاءً من سوريا والعراق ويطالبهما بسياسة ملائمة للأمن القومي التركي باعتبار المواطنين الكرد "إرهابيين". ويرسل قوات إلى ليبيا ليكون له دور فيها وفي ثروتها النفطية.

أميركا تصر، بعد غزو فيتنام وأفغانستان والعراق والخروج منها تحت ضربات المقاومة، على استمرار التأثير في سياسات تلك البلدان إلى جانب كوريا الجنوبية واليابان وأوروبا.

وأحدث أنواع "الفنلدة" هو "الفنلدة الناعمة" التي تمارسها الصين عبر مشروع "الحزام والطريق" وتقديم القروض لإقامة بنية تحتية كبيرة في بلدان فقيرة من آسيا وأفريقيا. وهذا قاد إلى ما يسمى "فخ الديون" الصينية، إذ يعجز هذا البلد أو ذاك عن رد القروض الضخمة، فتستولي بكين على المشروع الذي بنته ولا سيما منها الموانئ.

وفي مقال لفرنسيس فوكوياما ومايكل بنسون بعنوان "طريق الصين إلى الإفلاس" كشف الرجلان معلومات دقيقة عن عدد من الدول التي اقترضت من الصين على أساس أنها ميسرة وأسهل من قروض صندوق النقد الدولي، ثم عجزت عن الدفع، فعادت للاقتراض من صندوق النقد من أجل أن تدفع للصين، فضلاً عن أن بكين تمارس حيال جيرانها الكثر شيئاً من بناء "القوة الخشنة" في بحر الصين الجنوبي وشيئاً من ممارسة "القوة الناعمة" بما يسميها خصوم بكين "صيننة" العالم.

فنلدة وأطلسة وأمركة وأورسة وصيننة وأقلمة وعولمة، كلها تنويعات في الهيمنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل