Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفوق "الخط الأحمر الرفيع" على "إنقاذ الجندي ريان" في أفلام الحرب؟

ما إن خرجت في عام 1998 ملحمتان سينمائيتان عن الحرب العالمية الثانية إلى دور العرض حتى بدأ التنافس بينهما. وعلى رغم فوز فيلم ستيفن سبيلبرغ بجوائز أوسكار وإعادة عرضه الآن في دور السينما احتفالاً بالذكرى السنوية الـ25 لإنتاجه، ظل فيلم تيرينس ماليك مثار جدل.

سبيلبرغ في مقابل ماليك: توم هانكس في فيلم "إنقاذ الجندي ريان" وودي هارلسون في فيلم "الخط الأحمر الرفيع" (باراماونت/ فوكس)

ملخص

الذكرى السنوية الـ25 لفيلم "إنقاذ الجندي ريان" حظيت باهتمام أكبر بكثير من ذلك الذي لقيه فيلم تيرينس ماليك عن الحرب العالمية الثانية

أثناء تصوير مشهد الوصول إلى شاطئ النورماندي في اليوم الأول لعملية الإنزال الكبيرة للقوات الأميركية على ساحل النورمادي المعروف بـ"دي - داي" D-Day، في فيلم عام 1998 "إنقاذ الجندي ريان" Saving Private Ryan، التفت ستيفن سبيلبرغ إلى ممثله الرئيس، توم هانكس - الذي كان ولا يزال أحد أشهر النجوم في العالم. وقال له: "على رغم وجودك في هذا الفيلم، أعتقد أن أحداً لن يأتي لمشاهدته".

كان المخرج على اقتناع بأن المشاهدين لن يكونوا قادرين على تحمل العنف الشديد الذي احتواه الفيلم في الـ20 دقيقة الأولى منه. هذه المقدمة الملطخة بالدماء صورت بكاميرات مهتزة محمولة باليد، وهي تتنقل بين جنود أميركيين يواجهون سيناريوهات مرعبة - حيث يتم حرقهم، وتبرز أحشاؤهم، وتتطاير أطرافهم - منذ لحظة خروجهم من سفن الإنزال. وفي إحدى اللحظات المرعبة، تصيب رصاصة خوذة أحد الجنود فتنحرف عنها، لكن عندما قام بنزعها لتفحصها، أتته رصاصة تالية لتخترق جمجمته.

وعلى رغم مخاوف المخرج، فقد أثبت الفيلم الذي أعيد عرضه في دور السينما هذا الأسبوع - احتفالاً بالذكرى السنوية الـ25 لإنتاجه - نجاحاً هائلاً في شبابيك التذاكر. ولم يقتصر الأمر على الفوز بجوائز أوسكار فحسب، بل حظي أيضاً بالثناء من النقاد وقدامى المحاربين في الجيش. ومع ذلك، فإن ما يظل لافتاً للنظر حتى بعد مرور نحو ربع قرن على الفيلم، هو أن كل المناقشات حوله تقريباً تركز على تلك اللحظات الأولى من المذبحة التي وقعت على شاطئ النورماندي. وبطريقة ما يميل جمهور المشاهدين إلى التغاضي عن بقية أحداث القصة، بما فيها مهمة إنقاذ الجندي ريان (الذي لعب دوره الممثل مات ديمون) خلف خطوط العدو، والمشاهد التي تظهره رجلاً مسناً.

قد يكون من السهل فهم لماذا كان لمشهد إنزال الجنود على الشاطئ مثل هذا التأثير الزلزالي. ويبرز هذا التسلسل كإحدى أكثر اللحظات الاستثنائية وغير المعهودة التي التقطتها عدسة سبيلبرغ على الإطلاق. وعلى النقيض من المعارك المبهجة والمضحكة مع النازيين في سلسلة أفلام إنديانا جونز، فإن تصوير مقتل الجنود الأميركيين في الفيلم مشبع بكوابيس الخوف، على غرار الأفلام ذات الطابع الإخباري. وقد أوضح سبيلبرغ ذلك لاحقاً بالقول: "كنا نحاول زرع الخوف والفوضى في أحداث الفيلم. وعندما تلطخت العدسة بالرمال والدم، لم أسارع إلى القول، ’يا إلهي، لقد دمرت اللقطة، وعلينا أن نعاود تصويرها مرة أخرى‘ - لا بل على العكس، قمنا باستخدامها بالفعل في الفيلم".

المخرج الأميركي الشهير سام فولر، الذي خدم كجندي مشاة خلال عمليات الإنزال على شاطئ النورماندي في عام 1944، قال في السابق: "إن صنع فيلم حرب حقيقي يعني إطلاق النار أحياناً على الجمهور من خلف الشاشة، أثناء مشاهد المعركة". وبطريقة ما، بدا أن سبيلبرغ (المعجب جداً بفولر)، ملتزماً هذا المبدأ. وعلى رغم أن سبيلبرغ لم يصوب حقيقة على المشاهدين، فإنه كان يهدف إلى وضعهم في وسط ساحة المذبحة.

صورت مشاهد عملية الإنزال على شاطئ كوراكلو في ويكسفورد، في إيرلندا. ويتذكر شهود عيان كانوا حاضرين، الضجيج المدوي الصادر عن نيران المدافع الرشاشة والانفجارات. وتروي مساعدة المخرج ديزي كامينز أن يانوش كامينسكي المصور السينمائي لسبيلبرغ، وزع كاميرات على مصورين متدربين، وطلب منهم الدخول إلى وسط الفوضى والتقاط مشاهد، كما جند أشخاصاً مبتوري الأطراف لتصوير لقطات الجنود المصابين. وتقول كامينز، "إذا كنت ستقوم بعمل تصويري كتفجير ساق شخص ما، على سبيل المثال، فمن البديهي أن تستخدم فرداً مبتور الأطراف".

عندما وصل سبيلبرغ وفريقه إلى إيرلندا كانوا يتوقعون أن تهطل الأمطار خلال فترة التصوير (فالطقس كان خلال "يوم الإنزال" غائماً وعاصفاً). إلا أن طاقم التصوير فوجئ بطقس جميل في غالب الأوقات. ويتذكر نويل دونيلون الذي عمل مشرفاً على التصوير بالفيديو إلى جانب سبيلبرغ، أن كامينسكي قام بحرق مادة الكيروسين الأسود "لبعث ضباب خفيف" والتخفيف من ضوء الشمس. وقال "لكن في أحد الأيام تغير حال الطقس (إلى الأسوأ)، وسأل سبيلبرغ الجميع عما إذا كنا نرغب في المضي قدماً في تنفيذ ما خططنا له على مدى أسبوع - والذي كان في الواقع مشهد الإنزال الرئيس - فكان ردنا جميعاً نعم، وسارعنا إلى تجهيز 11 كاميرا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد مرور نحو ربع قرن من الزمن، ظلت مشاهد الشاطئ في فيلم "إنقاذ الجندي ريان" مثيرة للصدمة، تماماً كما كانت عليه عند الإصدار الأول للفيلم. ومع ذلك، فإن الفيلم نفسه هو غير متكافئ على نحو غريب. فبمجرد رؤية الصور النهائية للجثث الهامدة والأمواج المصطبغة باللون الأحمر التي تغمر الأسماك النافقة، يشهد الفيلم تحولاً دراماتيكياً. وبعد اصطحاب المشاهدين إلى أعماق الجحيم، يوجههم سبيلبرغ إلى مسار أكثر تقليدية بكثير، إذ يتمحور الجزء المتبقي من الفيلم حول مهمة شبه انتحارية لإنقاذ جندي وحيد يلقى فيها إخوته جميعاً حتفهم.

يبرز سبيلبرغ كأحد أعظم الأشخاص الذين يحلون المشكلات في السينما. ويشعر المتعاونون معه برهبة من مهاراته في ابتكار الحلول والسرعة التي يعمل بها. ويتذكر دونيلون مثالاً محدداً على ذلك بقوله "كان من المفترض في الأساس أن نصور المشاهد الريفية في فرنسا، لكن نظراً إلى التشابه الجغرافي، قال (سبيلبرغ) لماذا لا نقوم بتصويرها (في ويكسفورد) نفسها".

في المقابل، تتشارك شخصية هانكس - الكابتن ميلر - مع المخرج واقعية عملية مماثلة. فبغض النظر عن المصاعب التي واجهها هو ورجاله أثناء إبحارهم إلى فرنسا التي مزقتها الحرب، بحثاً عن ريان بعيد المنال، فإنه يبتكر الحلول باستمرار. وبصفته مدرساً في ثانوية إحدى البلدات الصغيرة، يمتلك الكابتن ميلر مستويات غير محدودة من اللياقة والفطرة السليمة - وهو يجسد بالكامل النموذج الأصلي لصورة البطل الأميركي، والشخص الذي يتعرف عليه المخرج بصورة واضحة من كثب.

 

وتوجد في الفيلم لحظات إضافية وحشية للغاية (كالجندي كابارزو الذي يلعب دوره فين ديزل، والذي ينزف حتى الموت تحت المطر، كما المسعف ويد المصاب بجروح خطرة ويلعب دوره جيوفاني ريبيسي، الذي يتوسل إعطاءه مادة المورفين، وهانكس نفسه الذي يقف في مواجهة دبابة نازية). ومع ذلك، في هذه المرحلة، تأكد جمهور المشاهدين من أن الجندي ريان سيعود إلى الوطن. فالرواية تحولت هنا من قصة خوف وفوضى، إلى قصة مألوفة لجنود أميركيين واسعي الحيلة يجدون الحلول، حتى على حساب حياتهم الخاصة. ويتراجع سبيلبرغ من على حافة الهاوية، ويعتنق الوطنية بدلاً من ذلك. ويختتم الفيلم بلقطة مؤثرة للعلم الأميركي وهو يرفرف متألقاً وسط النسيم.

الذكرى السنوية الـ25 لفيلم "إنقاذ الجندي ريان" حظيت باهتمام أكبر بكثير من ذلك الذي لقيه فيلم تيرينس ماليك عن الحرب العالمية الثانية - عنوانه "الخط الأحمر الرفيع" The Thin Red Line (أنتج في عام 1998) - والذي صدر بعد بضعة أشهر فقط وسط استقبال متواضع نسبياً. وللدلالة على عودة ماليك الغامضة كمخرج بعد مرور عقدين على فيلمه "أيام السماء" Days of Heaven (لعام 1978)، كان فيلم "الخط الأحمر الرفيع" أيضاً ملحمة موسعة تضم طاقماً من النجوم. ومع ذلك، فقد تعامل مع الحرب العالمية الثانية بطريقة شخصية وأكثر خصوصية.

يبدأ ماليك فيلمه بمقطع حالم على جزيرة في البحر الجنوبي. يذهب الجندي ويت (الذي يلعب دوره جيم كافيزيل) من دون استئذان، وهو منغمس في الوقت المناسب مع أفراد القبائل المحلية، ويتواصل مع الطبيعة. وفيما تبدو القصة مقتبسة بشكل فضفاض عن رواية جيمس جونز، وتركز على معركة غوادالكانال، فإن المشاهد المبكرة فيه تتكشف كقصة رحلة "ناشيونال جيوغرافيك" صورت بشكل جميل. ولا تظهر سوى مؤشرات قليلة على الصراع الوشيك، بحيث يقدم ماليك لقطات مذهلة للحشرات والحياة النباتية والأطفال الأبرياء الذين يلعبون على الرمال. أما التلميح الوحيد إلى وجود مشكلة في تلك الجنة، فكانت لقطة تمساح خطر ينزلق في الماء.

 

منتقدو فيلم "الخط الأحمر الرفيع" رأوا أنه مشتت ومنغمس في ذاته، فقد اشتكى المراجع المؤثر روجر إيبرت من أنه "يفتقر لفكرة ثابتة عما يدور حوله"، لكن ماليك كان يتعمق في التجربة الفردية للحرب. وسعى في الواقع إلى اختراق وعي عدد قليل من الشخصيات المختارة، مستخدماً التعليقات الصوتية الشعرية للكشف عن أفكارها الأكثر حميمية وتقديم وجوهها في لقطات مقربة للغاية.

وفي مقارنة مع أسلوب العرض الواضح والصريح لفيلم "إنقاذ الجندي ريان"، يبدو فيلم "الخط الأحمر الرفيع" أكثر غموضاً إلى حد كبير. ومع ذلك، يمكن تقديم حجة مقنعة مفادها أنه الفيلم المتفوق، خصوصاً من حيث أسلوبه الجريء والمبتكر في الشكل. وفي الإجمال يحافظ الفيلم باستمرار على جودة تشبه الحلم من البداية إلى النهاية.

يتأمل ويت أثناء مروره بجوار الجثث والأجساد المصابة والمشوهة لرفاقه، قائلا: "ربما يشترك جميع البشر في روح جماعية واحدة، يشكل كل شخص جزءاً منها، وجميع الوجوه هي للرجل نفسه، ولكيان واحد كبير". وتطغى الموسيقى الرثائية على الموسيقى التصويرية. ومن المثير للدهشة أنه حتى الجثة اليابانية تبدو وكأنها تتحدث. حتى الشخصيات الأكثر رجولة (مثل المقدم تال الذي لعب دوره نيك نولتي) اقتبست فجأة عبارات من هوميروس (الشاعر الإغريقي).

ويقارن ماليك باستمرار بين جمال الغابة الساحر والوحشية والقذارة التي تحيط بالجنود أثناء مناورتهم وزحفهم عبر العشب الطويل، الذي يذكرنا بالنمل الأبيض.

المصور السينمائي جون تول أخبرني بأنه أثناء تصوير فيلم "الخط الحمر الرفيع" في جنوب المحيط الهادئ، بقي على اتصال دائم عبر البريد الإلكتروني مع زوجته لويس بورويل، التي كانت في أوروبا مسؤولة عن المكياج في فيلم سبيلبرغ "إنقاذ الجندي ريان". وكانت تصف له تجاربها المثيرة في العمل على الأطراف الاصطناعية وأجهزة الدم في مشاهد المعارك. ولم يستطع تول إلا أن يشعر بوخز من الغيرة، وهو يفكر: "رائع، إنهم هناك يصنعون الفيلم الذي أريد أن أصنعه، ومع تيري (ماليك)، كل ما نقوم بتصويره هو التماسيح والطيور"!

 

لكن تول سرعان ما فهم رؤية المخرج وما كان يقوم به، فقد قارن "الخط الأحمر الرفيع" بفيلم صامت "لا يكون الحوار فيه بأهمية العناصر المرئية نفسها أو التعليقات الصوتية - والمونولوغات الداخلية الشعرية والفلسفية". لم يكن فيلم حرب تقليدياً على رغم الانفجارات والعدد الكبير من الجثث، بمقدار ما كان "مجموعة من الأفكار والرؤى".

لا يمكن إلا إبداء الإعجاب بجرأة ماليك، فقد جمع طاقماً من النجوم (بعضهم مثل جورج كلوني وجون ترافولتا، اللذين لم يحظيا إلا بمقدار أقل من الوقت أمام الشاشة)، واستثمر أكثر من 50 مليون دولار في صنع ما كان أساساً فيلماً فنياً تجريبياً يصور أهوال الحرب ورعبها.

وكما كان متوقعاً لم يحصل ماليك على أية جوائز أوسكار. وانخفضت مبيعات شباك التذاكر العالمي لفيلمه إلى أقل من 100 مليون دولار، وهو مجرد جزء صغير من الـ482 مليون دولار التي حققتها ملحمة سبيلبرغ. وبعد مرور ربع قرن، لا يزال فيلم "الخط الأحمر الرفيع" يقبع في ظل فيلم "إنقاذ الجندي ريان". ومع ذلك، فإن أية مقارنة بين أفلام الحرب العالمية الثانية المتنافسة يجب أن تقر بالتأكيد، بأنه فيما كان سبيلبرغ راوي القصص المتفوق، كان مالك صاحب رؤية.

يعود فيلم Saving Private Ryan إلى دور السينما، أما فيلم The Thin Red Line فيعرض على منصة "ديزني بلاس" Disney +

© The Independent

المزيد من سينما