ملخص
صعود أسهم اليمين المتطرف بشكل لافت في إيطاليا وهولندا والمجر وفرنسا
شكل 2023 عاماً حاسماً في ترسيخ الجماعات السياسية اليمينية في أوروبا وعدداً من دول العالم على غرار الأرجنتين حضورها كقوة في المعادلة السياسية والانتخابية لا يستهان بها مما يشكل مدعاة للتساؤل عن عوامل ذلك، والأهم تأثير هذه التطورات على مستقبل تكتلات مثل الاتحاد الأوروبي والصراع بين الشرق والغرب.
وبمجرد أن يجول المرء اليوم ببصره في أرجاء أوروبا يلحظ صعود أسهم اليمين بخاصة المتطرف بشكل لافت، ففي إيطاليا تحكم اليمينية المتشددة جورجيا ميلوني التي تشغل منصب رئيسة وزراء، وفي هولندا وصل أخيراً اليميني المتطرف الذي يتبنى أفكاراً مثيرة ضد المهاجرين والمسلمين، خيرت فيلدرز إلى سدة الحكم إثر فوزه في الانتخابات، وفي المجر أيضاً يحكم اليمين الشعبوي بقيادة فيكتور أوربان، فيما ثبتت الأحزاب اليمينية سيطرتها على مجلس الشيوخ في فرنسا.
مقاومة في أوروبا
وتتبنى الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتوق إلى إدارة دفة الحكم في القارة الأوروبية وخارجها، أيديولوجيات مختلفة ففيها من هو متعطش لاستعادة أمجاد الفاشية وفيها من هو قومي شعبوي يسعى إلى هدم أي صلة مع التكتلات الإقليمية مثل ما حصل في "بريكست" عندما وافق رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
والآن تبدو الأعين شاخصة فيما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر تنظيمها العام المقبل وما إذا كانت ستعيد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فيما لا يزال كثر تحت صدمة وصول مرشح أقصى اليمين في الأرجنتين، خافيير ميلي، إلى رئاسة البلاد في مؤشر إلى ازدهار اليمين هذا العام.
وقالت الباحثة السياسية الفرنسية، لوفا رينال، إن "القول إن التيارات اليمينية تتقدم بلا مقاومة في العالم بخاصة في أوروبا هو نصف الحقيقة في الواقع، لقد صعد بالفعل اليمين المتطرف في هولندا وإيطاليا، لكن دولاً مثل إسبانيا وبولندا عادت إلى اليسار، وتكون يسارية ومؤيدة لأوروبا، أليس هذا نصراً لأوروبا ومقاومة للنزعة اليمينية؟".
وأردفت رينال في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" أنه "مع ذلك خلقت النزعة اليمينية تطرفاً وانقسامات في قضايا حساسة من شأنها مزيد من تقسيم العالم خصوصاً في ما يتعلق بالمهاجرين، والحرب في أوكرانيا التي ستخلف هي الأخرى تداعيات على أوروبا والعالم".
وتابعت "أعتقد أن الحسم سيكون العام المقبل، والتداعيات ستظهر أكثر حال فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية العام المقبل، علينا أن ننتظر ذلك".
وفيما تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة، فإن أحداثاً هنا وهناك عكست حجم النفوذ الذي باتت تحظى به الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة على غرار أحداث العنف التي عرفتها فرنسا بسبب مقتل المراهق نائل برصاص شرطي، في تطور استغلته أحزاب اليمين المتطرف لإعادة الزخم للنقاشات في شأن الهوية وغيرها.
مساحة كبيرة
التقدم الذي أحرزته في المشهد السياسي لا يلهي التيارات اليمينية على التحضير للانتخابات المقبلة لا سيما في القارة العجوز، حيث تجري الاستعدادات على قدم وساق للانتخابات الأوروبية العام المقبل.
ولم يتردد زعيم حزب الرابطة اليميني المتشدد في إيطاليا في التحرك صوب نظرائه في فرنسا مثل زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبن، حين اتفق الطرفان في اجتماع حاشد في سبتمبر (أيلول) الماضي في مدينة بونتيدا شمال إيطاليا على "تشكيل جبهة موحدة ضد أوروبا وطوفان المهاجرين ودعم الشعوب الأوروبية والهوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الباحث السياسي المقيم في فرنسا نزار الجليدي إنه "لا شك أن التيارات اليمينية بخاصة المتطرفة وجدت مساحة كبيرة من التفاعل خصوصاً على المستوى السياسي في رد فعل أولي على الانشطار السياسي الكبير الذي عرفته القارة والعالم، ولا سيما على ثقافة سياسيي التكنوقراط".
وأوضح الجليدي أن "صعود ترمب وميلي في الأرجنتين يمثل جرعة لليمين المتطرف الذي يسعى إلى التمدد في أوروبا، لكن هذه الجرعة لا تعني صعوداً نهائياً، فالانتخابات الفرنسية المقبلة قد تكون حاسمة جداً باعتبار أن هناك حساسيات تريد العودة لصراع اليمين - اليسار، القارة العجوز في قمة تراجعها وهي بصدد القيام بمراجعات على المستوى السياسي".
وفي وقت يتخوف فيه كثر من أن تحيي توترات مثل الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة وغزو أوكرانيا التوترات الثقافية والحضارية بين الشرق والغرب، فإن اليمين المتطرف يحاول استغلال ذلك للتسويق لنفسه كحارس للثقافة الغربية وهوية الشعوب هناك. وفي أكثر من 12 دولة أوروبية تتصدر أحزاب اليمين المتطرف الواجهة مثل "البديل من أجل ألمانيا" و"التجمع الوطني" في فرنسا وحزب "الرابطة" في إيطاليا وغيرها.
وفيما تعكف النخب الأوروبية على بحث أسباب هذا الصعود التاريخي لليمين المتطرف، فإن هذا التيار يتمدد في مناطق أخرى مثل الأرجنتين والبرازيل على رغم خسارة الرئيس جائير بولسونارو الانتخابات الرئاسية هناك.
بحث عن بدائل
وتتمحور التساؤلات التي ثارت الآن في غمرة صعود اليمين المتطرف في معظمها، حول تداعيات ذلك على تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي الذي شهد هزة كبيرة في السابق بمغادرة بريطانيا، ثالث أكبر اقتصاد في القارة بعد ألمانيا وفرنسا، وأيضاً مستقبل النزاعات بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب والملفات المشتركة التي تؤرق هذه الأطراف مثل الهجرة غير النظامية.
ويرى الجليدي أنه "بالفعل هناك تخوفات كبيرة من وصول هذه التيارات إلى الحكم في أوروبا، لأنه سيعني نهاية الاتحاد الأوروبي المبني على فكرة الوحدة الأوروبية وليس القومية".
ولفت أن "الصعود في الواقع مرتبط بالبحث عن بدائل بعد سقوط نظريات عدة في الفعل السياسي، ولم تصمد أمام التغيرات الواقعة في المنطقة مثل الحروب وواقع الدولار والتهام ما يسمى كينونة الإنسانية أمام رأس المال، هناك فراغ سياسي مكن هذه الأطراف من الوجود في الساحة بقوة".
وشدد الجليدي على أن "الصراع بين الشرق والغرب لم ينته، وهو صراع له وجوه جديدة في كل مرة لكن دائماً ما يتم التطرق لهذا الصراع على أساس أن له خلفية اقتصادية وثقافية لكن واقعه سياسي بامتياز، لذلك سيغذي صعود اليمين هذه الصراعات بلا أدنى شك".