ملخص
كانت الحركة تشن هجمات ضد مشاريع الإعمار والتنمية وتمنع الحكومات السابقة من تنفيذها لكنها تسعى حالياً إلى تحفيز بلدان آسيا الوسطى وجنوب آسيا إلى المشاركة فيها.
تسبب انعدام الأمن الذي شهدته أفغانستان في العهدين الجمهوريين السابقين في عدم تنفيذ المشاريع الاقتصادية الكبرى والمهمة في البلاد. من بين هذه المشاريع مشروع نقل الغاز من تركمانستان إلى جنوب آسيا (تابي)، ومشروع نقل الكهرباء من طاجيكستان وقرغيزستان عبر أفغانستان إلى باكستان (كاسا 1000)، وبرنامج الاستثمار في تنمية تصدير الطاقة (توتاب) وغيرها من المشاريع التي تجني موارد كبيرة إقليمياً. هذه المشاريع أعلن عن تدشين بعضها ولم ينفذ بعضها أو لم يكتمل وقد ورثتها "طالبان" من الحكومات السابقة.
وكان التهديد الذي سببته حركة "طالبان" في أفغانستان من أهم الأسباب التي أدت إلى تعطيل وعدم إكمال هذه المشاريع.
كانت الحركة تشن هجمات ضد مشاريع الإعمار والتنمية في البلاد وتمنع الحكومة السابقة من تنفيذها. واستهدفت هجماتها لسدود ومشاريع سكك الحديد، كما تسببت في تهديدات ضد العاملين في مشروع نقل الغاز من تركمانستان إلى جنوب آسيا، مما أدى إلى منع الحكومة الأفغانية السابقة وشركائها الاقتصاديين من الاستمرار في المشاريع الإقليمية الكبيرة.
لكن "طالبان" تسعى حالياً إلى تحفيز بلدان آسيا الوسطى وجنوب آسيا إلى المشاركة في تنفيذ هذه المشاريع التي كانت تظهر العداء ضدها.
"كاسا 1000"
أحد هذه المشاريع هي "كاسا 1000" لنقل الكهرباء من قرغيزستان وطاجيكستان إلى أفغانستان وباكستان. وكان المشروع قد طرح أول مرة عام 2005 في مؤتمر التعاون الاقتصادي الإقليمي (ريكا)، لكن لم يبدأ إلا في عام 2020 وتقرر افتتاح المشروع عام 2022، وإذا ما نفذ المشروع ستحصل أفغانستان على 45 مليون دولار من رسوم نقل الطاقة و300 ميغاواط من طاقة الكهرباء من هذا المشروع للاستهلاك المحلي ويتم تصدير عبر هذا الخط 1000 ميغاواط إلى باكستان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من المقرر أن توفر أفغانستان مليار دولار لهذا المشروع، كما أن إكمال المشروع داخل الأراضي الأفغانية يبلغ 225 مليون دولار، وقد تعهد البنك الدولي والحكومة الأميركية وبريطانيا وبنك الاستثمار الأوروبي وبنك التنمية الإسلامية بتسديد هذه الكلف، لكن على رغم البدء بالمشروع لم يكتمل بعد، ومع وصول "طالبان" إلى الحكم توقف العمل في تنفيذه.
وتطرح "طالبان" حالياً موضوع إكمال المشروع ويقول القائمون على وزارة الطاقة الأفغانية إنهم ملتزمون تنفيذه على أساس الاتفاق السابق. وفي تصريح الناطق باسم وزارة الطاقة والمياه في حركة "طالبان" مطيع الله عابد لوسائل الإعلام قال إن جزءاً كبيراً من هذا المشروع داخل الأراضي الأفغانية قد نفذ وإنهم يتعهدون بإعادة أفغانستان كطريق لنقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا، لكن بلدان آسيا الوسطى لم توافق بعد بسبب عدم الاستقرار السياسي واحتمال اشتداد الاشتباكات في أفغانستان ولم تتخذ هذه البلدان خطوات عملية للتنفيذ.
مشروع الغاز "تابي"
أما مشروع الغاز "تابي" فلم يدخل حيز التنفيذ بعد – على رغم اهتمام "طالبان" ببدء العمل عليه - بسبب عدم الاعتراف الدولي بالحكومة وارتفاع تهديدات "داعش" والقلق من عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان.
ويعد مشروع نقل الغاز من تركمنستان إلى باكستان والهند من أكبر المشاريع الاقتصادية في أفغانستان. وقد طرح المشروع في التسعينيات عندما كانت حركة "طالبان" تتولى الحكم في البلاد وجرت مفاوضات مبدئية مع "طالبان" عام 1996 للبدء بالمشروع، لكنه لم ينفذ بسبب عدم الثقة بـ"طالبان" وحضور الإرهابيين الأجانب في البلاد وعدم التزام الحركة تعهداتها.
ومع تأسيس نظام ديمقراطي في أفغانستان طرح موضوع مشروع "تابي" من جديد، وقد أعلنت البلدان المرتبطة بالمشروع عن افتتاحه على أراضيها عام 2016، لكن أفغانستان لم تبدأ خطوات تنفيذه.
ومع وصول "طالبان" إلى الحكم أبدت الحركة اهتماماً بتنفيذ المشروع، وأعلنت في نهاية عام 2021 رغبتها بإكمال مشروع "تابي". وقد طرحت وزارتا الدفاع والداخلية خطة أمنية لتأمين المشروع، وأرسلت تركمانستان وفداً إلى أفغانستان عام 2022 لدراسته، كما أن وزير خارجية تركمانستان زار أفغانستان وتحدث إلى مسؤولي "طالبان" عن المشروع، لكن ومع قرب انتهاء عام 2023 لم تتخذ "طالبان" بعد خطوات عملية لتنفيذه.
مشاريع أخرى
وهنالك مشاريع أخرى تسعى "طالبان" إلى تنفيذها منها مشروع "تاب" لنقل الكهرباء من تركمانستان إلى باكستان و"توتاب" لنقل الكهرباء من تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان إلى باكستان عبر أفغانستان.
تعرف "طالبان" التي هي الآن في أمس الحاجة إلى المال، أهمية هذه المشاريع إذ تدر عليها أرباحاً اقتصادية كبيرة، إذ يوفر مشروع "تابي" وحده 450 مليون دولار سنوياً للحركة من رسوم نقل الغاز، وتستطيع الاستفادة من 500 مليون متر مكعب من الغاز خلال السنوات الـ10 الأولى داخل أراضيها. وفي السنوات المقبلة تصل هذه النسبة إلى مليار ثم إلى 1.5 مليار متر مكعب.
هذه المشاريع قد تمنح "طالبان" مكانة سياسية وتخدم ادعاءاتها في موضوع توفير الأمن في أفغانستان.
والسبب الأساس لعدم الرغبة في تمويل المشاريع الاقتصادية الكبيرة في أفغانستان يعود في المقام الأول إلى توجهات "طالبان". لم تنجح الحركة بعد في إقناع العالم بأنها ليست منظمة إرهابية أو داعمة للإرهاب، كما أن "طالبان" تواجه النساء بشدة وتحولهن إلى سجينات داخل المنازل وتمارس التمييز ضد أتباع الطوائف الدينية المختلفة، هذا الأداء يوحي بعدم تمكن الحركة في البقاء بالحكم لفترة طويلة.
لم تقبل "طالبان" بتشكيل حكومة تضم باقي الأطراف في أفغانستان، وفي مثل هذه الظروف لا يقبل أي من المستثمرين المجازفة بالاستثمار في البلاد.
ولهذا، لم تبدأ أي من المشاريع الاقتصادية الكبيرة بعد على رغم الدعاية التي تروج لها "طالبان" في شأن ما تصفه بفرص الاستثمار الاقتصادية الكبيرة.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"