في الوقت الذي تعمل فيه سلطات الدول الغربية على تشديد العقوبات غير المسبوقة على موسكو، لا تتوقف محاولات الالتفاف على العقوبات بما يجعل بعضها غير فعال عملياً. يبدو ذلك واضحاً أكثر في قطاع الطاقة، إذ تستمر الدول المعاقبة في إيجاد طرق لتفادي تأثير تلك العقوبات.
وبحسب أحدث بيانات لشركة "غلوبال ماريتايم إنتليغنس"، شهد الربع الثالث من هذا العام زيادة كبيرة في شحن النفط ومشتقاته بواسطة ما يسمى "أسطول الظل" من الناقلات الخفية التي تغلق أجهزة البث الخاصة للحيلولة دون تتبعها ومعرفة موقعها.
وتشير البيانات إلى ارتفاع عدد عمليات النقل من سفينة إلى سفينة، من الناقلات الخفية، في مناطق حول روسيا وإيران وفنزويلا الخاضعة للعقوبات الأميركية أو دولية.
وتستفيد تلك الدول المصدرة للطاقة المعاقبة من توفر أسطول كبير من السفن والناقلات غير المسجلة في الدول الغربية والمعروف بـ"أسطول الظل"، كما أنها تسعى لتحقيق أعلى عائد بتصدير كميات أكبر مع ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.
زيادة كبيرة في الربع الثالث
في الأشهر الثلاثة من يوليو (تموز) الماضي إلى سبتمبر (أيلول) 2023، وصل عدد عمليات النقل من سفينة إلى سفينة من الناقلات الخفية إلى أعلى مستوى لها منذ العام الماضي عند 792 عملية، وذلك مقابل 615 عملية مماثلة في الربع الثاني من العام.
من بين تلك العمليات 432 عملية في المنطقة الاقتصادية الروسية، مقابل 394 عملية في الربع الثاني من العام، بينما لم يزد عدد عمليات النقل بين السفن الخفية في الربع الأول من العام الماضي في تلك المنطقة على أربع عمليات فحسب.
ولا يقتصر الأمر على روسيا في زيادة عدد عمليات إعادة الشحن والنقل بين سفن "أسطول الظل"، فقد شهدت المياه الإيرانية ومياه الخليج زيادة كبيرة في تلك العمليات في الربع الثالث من هذا العام ليصل عددها إلى 81 عملية مقابل 45 عملية في الربع الثاني من العام نفسه، أما في مياه فنزويلا وفي خطوط الملاحة التجارية ما بين فنزويلا وغرب أفريقيا فارتفع عدد تلك العمليات إلى 27 عملية في الربع الثالث من 2023 مقابل 17 عملية في الربع السابق.
وتعليقاً على ذلك قال الباحث في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف اسحق ليفي، "يوفر ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً أرباحاً كبيرة محتملة لهؤلاء التجار الذين يمكنهم انتهاك العقوبات أو الالتفاف حولها"، مضيفاً "توفر الأسعار المرتفعة حافزا كبيراً للتجارة التي يمكنها استخدام عمليات النقل بين السفن لإخفاء مصدر النفط بالتالي الإبلاغ عن أنه ليس من بلد ما (يخضع للعقوبات مثل روسيا)".
من جهتها قالت كبير الموظفين في منظمة متحدون من أجل إيران غير نووية كلير يونغمان، "توفر أسعار النفط المرتفعة هامش ربح كبيراً للتجارة في النفط بالنسبة للدول الخاضعة للعقوبات، مما يجعلها أكثر إغراء للتجار بصورة غير قانونية".
ومن جانبها قالت إليزابيث برو من شبكة الريادة الأوروبية، إن عمليات النقل بين السفن الخفية أصبحت وسيلة مستقرة تقريباً لشحن النفط حول العالم، مضيفة أن حجم النفط الذي يتم نقله بهذه الطريقة غير القانونية أصبح أكبر كثيراً الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك يقدر المراقبون للتجارة البحرية وشحن النفط أنه نُقل ما يصل إلى 115.2 مليون برميل من النفط الخام والمشتقات عبر عمليات التفريغ والتحميل ما بين سفن الظل الخفية خلال الربع الثالث من هذا العام 2023، مقابل 93.9 مليون برميل تم نقلها بالطريقة نفسها في الربع الثاني من العام نفسه، بزيادة أكثر من الضعف عما نُقل بهذه الطريقة في الربع الثالث من العام الماضي 2022 وبلغ حجمه 55.5 مليون برميل.
أرقام ودلالات
في غضون ذلك أظهر تحليل لشركة "أس أند بي غلوبال"، أنه في الربع الثالث من العام الحالي كانت هناك 241 ناقلة بحمولة ساكنة تصل إلى 11.1 مليون طن اشتركت في عمليات النقل ما بين السفن، وذلك مقابل 188 ناقلة ذات حمولة ساكنة بإجمالي 8.6 مليون طن في الربع الثاني من هذا العام، وذلك مقارنة مع 72 ناقلة بحمولة ساكنة إجمالية 2.4 مليون طن في الربع الأول من العام الماضي 2022.
ورغم العقوبات غير المسبوقة على موسكو وفرض مجموعة السبع سقف سعر للنفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل فإن المتوسط الشهري لسعر خام الأورال (منتج روسيا النفطي الأساسي) ارتفع أيضاً في الربع الثالث من هذا العام.
وبحسب أرقام شركة "بلاتس" لتحليل بيانات ومعلومات الطاقة ارتفع سعر خام الأورال من 52.33 دولار للبرميل في يونيو (حزيران) الماضي إلى 79.96 دولار للبرميل في سبتمبر الماضي، وفي الفترة ذاتها ارتفع سعر خام برنت في العقود الآجلة من 74.69 دولار للبرميل إلى 94 دولاراً للبرميل.
في تلك الأثناء يرى كثير من المحللين أنه مع اقتراب الانتخابات الأميركية العام المقبل لا تبدو واشنطن راغبة في فرض مزيد من العقوبات على إيران وفنزويلا خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى عودة معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع.
وبما أن البلدين في وضع استثناء من حصص الإنتاج المقررة من منظمة "أوبك"، وكلاهما عضو فيها، فقد زاد إنتاجهما في العام ونصف العام الأخير.
وبحسب مسح "بلاتس" الذي تجريه لصالح "أوبك"، كان إنتاج إيران من النفط الخام في الربع الثالث من هذا العام ما بين 2.76 و3.01 مليون برميل يومياً، وهو أعلى معدل إنتاج لإيران منذ عام 2018.
وارتفع سعر بيع الخام الإيراني الخفيف للمشترين في آسيا من 77.6 دولار للبرميل في يونيو الماضي إلى 96.77 دولار للبرميل في سبتمبر 2023.
أما بالنسبة لفنزويلا، فتراوح متوسط إنتاجها الشهري من النفط الخام في الربع الثالث ما بين 770 ألفاً و810 آلاف برميل يومياً، وهو أعلى معدل إنتاج منذ عام 2020.
وبحسب تقديرات "غلوبال داتا" ارتفع سعر الخام الفنزويلي في العقود الآجلة في الربع الثالث إلى 77.4 دولار للبرميل، مقارنة مع سعر 66.2 دولار للبرميل في الربع الثاني من العام.