Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران بين خياري الحوار والانفجار

طهران ليست لديها خطوط حمراء لعقد أي لقاء مع أي شخصية دولية

انتقادات يقودها أقطاب من الجناح المتشدد في التيار المحافظ للرئيس الإيراني حسن روحاني (غيتي)

لم تمض أكثر من 24 ساعة على الصدمة التي فجّرها الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران لدى حديثه عن استعداده للاجتماع بأي شخص إذا كان ذلك يساعد في تأمين المصالح القومية للشعب الإيراني، حتى فتحت عليه نيران الانتقادات والاتهامات والهجمات يقودها أقطاب من الجناح المتشدد في التيار المحافظ من الذين لم يتردّدوا على مدى السنوات الماضية في إعلان موقفهم الرافض للاتفاق النووي الذي وقّعته حكومة روحاني في يوليو (تموز) 2015، محمّلين روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف مسؤولية الخسائر التي لحقت بالنظام وإيران نتيجة هذا الاتفاق، وهم يعملون الآن على استكمال مسلسل الخسائر بالحديث عن حوار مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يسعى إلى انتزاع ما تبقّى من أوراق قوة للنظام، مقابل وعود "كاذبة" حسب تعبيرهم، برفع العقوبات الاقتصادية.

هذا الهجوم على روحاني سحب من يده إمكانية تأويل كلامه حول الشخصية التي أعلن استعداده للقائها، خصوصاً أن النظام الإيراني ليست لديه خطوط حمراء لعقد أي لقاء مع أي شخصية دولية، وأن من تشملهم هذه الخطوط والمحاذير لا يتعدون المسؤولين في الإدارة الأميركية وتحديداً الرئيس الأميركي، أياً كان، لاعتبارات سياسية ومصالح قومية لا دخل لها بالاعتبارات الأيديولوجية التي تشكّل الغطاء الذي يغلّف هذه المواقف، ومن غير المستهجن أن تُستخدم هذه الاعتبارات الأيديولوجية في تسويغ إمكانية اللقاء مع قيادات إسرائيلية في المدى غير المنظور، في حال كانت الاعتبارات المصلحية والقومية تقتضي ذلك وتستدعيه، إلاً أنّ هذه الخطوة تخضع لظروف الزمان والمكان وقدرة التسويغ الأيديولوجي.

وإذا ما كان الموقف من أكثر المحرمات، الموقف من إسرائيل، محكوماً بعامل الوقت والمصالح، فالأحرى أن تكون العلاقة مع الولايات المتحدة أقل تعقيداً، خصوصاً أنّ البعد الأيديولوجي فيها لا يتغلّب أو يحكم البعد المصلحي والسياسي، وعدم معارضة بناء مثل هذه العلاقة في أدبيات مؤسس الثورة السيد الخميني، صفقة إيران غيت، ولا في أدبيات المرشد الأعلى السيد الخامنئي منذ توليه منصب ولي الفقيه وحتى الآن.

وعلى الرغم من إدراك القيادة الإيرانية، من مرشد النظام، مروراً بالرئيس روحاني، وصولاً إلى كل القيادات السياسية والأمنية والعسكرية، أنها محكومة بالحوار مع واشنطن، وتالياً ببناء علاقة معها، وهو جدل قائم منذ بداية الثورة وبعد قطع العلاقات بينهما، إلاّ أنها تدرك أيضاً، صعوبة الدخول في مثل هذا الحوار والتمهيد لفتح وبناء علاقة معها في حال لم تكن على أسس ثابتة وواضحة، تُفضي إلى علاقة واضحة وطويلة.

من هنا، يمكن فهم الارتكاسة التي حصلت في موقف روحاني الذي أعاد تأكيد تمسّكه بالأسس والشروط التي وضعها النظام لحصول أي انفراجة في العلاقة بين طهران وواشنطن، وعقد لقاء مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، وهي ارتكاسة محكومة أيضاً بالتجربة الكورية الشمالية وما حصل فيها من "استعراض" إعلامي، لم يتحول إلى خطوات عملية تسهم في رفع العقوبات عن هذا البلد.

" لا يمكن أخذ صورة مع حسن روحاني"، بهذه العبارة رسم الرئيس الإيراني الإطار العام للجهود الفرنسية التي بذلها الرئيس إيمانويل ماكرون لعقد هذا اللقاء، وهو إطار عبّر عن حجم الضغوط التي يتعرّض لها في الداخل، ويكشف أيضاً عن تردد المرشد الأعلى في إعلان دعمه العلني لمثل هذه الخطوة، خصوصاً أن القبول بها يجب أن يترافق مع تحقيق إنجاز سياسي واقتصادي يسمح له بالدفاع عنها، لأنها ستنقل إيران والنظام من ضفة إلى أخرى، من ضفة العداء إلى صفة العلاقة المباشرة، وستسهم في تحطيم جبل الجليد والمواقف الأيديولوجية التي عمل النظام على بنائها على مدى أربعة عقود.

"الحذر" الإيراني في اتخاذ هذه الخطوة المصيرية عبّر عنه بوضوح ظريف بعد عودته من قمة G7 بقوله "أمامنا طريق صعب، لكن اختباره مهم"، ما يعني أن الجانب الإيراني لم يُسقط من احتمالاته فشل هذه الخطوة, لذلك، عمد روحاني إلى إعادة الدفع "بالحيثية" الإيرانية المهددة في هذه المفاوضات في حال لم تحقق الحد الأدنى من مطالبها إلى الواجهة، بالتأكيد على شرط إلغاء واشنطن كل العقوبات التي فرضتها على إيران والعودة إلى طاولة الحوار المنبثقة عن الاتفاق النووي كمقدمة لعقد هذا اللقاء، أي أن الثمن الذي تتطلبه إيران يتطلب من واشنطن أن تقدم ثمناً معادلاً له، خصوصاً أن ما بعد الاتفاق لن يكون كما قبله، وسيطلق آلية جديدة للتفاوض المباشر بين الطرفين حول كل المسائل العالقة بينهما في كل المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والنووية وحتى في ما يتعلق بالمعادلات الإقليمية.

قد يكون من الممكن القول إن الجدل الداخلي الإيراني يقف هذه المرة أمام مرحلة فارقة أو مصيرية، فاتخاذ قرار يسمح بعقد لقاء بين الرئيسين روحاني وترمب سيشكل نقلة نوعية وتغييرات كبيرة في السياسية الخارجية للنظام، إلاّ أنّ الأسئلة التي تُطرح أمام هذه الخطوة، هل ستكون بالتنسيق والتوافق بين جميع القوى السياسية الداخلية وتحديداً الجناح المتشدد في التيار المحافظ والمؤسسة العسكرية لحرس الثورة بكل مستوياتها، أم ستعيد إنتاج الثنائية التي رافقت التوقيع على الاتفاق النووي وبشكل أكثر حدة، وهل أن إصرار روحاني على اتخاذ هذه الخطوة يأتي بناء على ضوء أخضر علني ورسمي من النظام والمرشد الأعلى وبالتالي، التأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ إيران، أم أنه سيكون قراراً لا يحظى بالإجماع ويتخذه روحاني بناء على تقديراته السياسية والاقتصادية، ما يعني أنه وصل إلى نقطة فراق مع قيادة النظام، ما سيُدخل إيران بالتالي في صراع مفتوح يدمر كل الإنجازات. أسئلة تنتظر الأسابيع المقبلة قبل انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة على القيادة الإيرانية الإجابة عنها وتحديد خياراتها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء