ملخص
جو بايدن يردد قول والده له "ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً"، والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام يقول بصراحة "نحن اليوم في حرب دينية وأنا مع إسرائيل"
"القرن الـ21 يكون دينياً، أو لا يكون". هكذا تكلم أندريه مالرو الأديب الكبير صديق الجنرال ديغول ووزير الثقافة في أيامه. كان الانطباع الأولي أن هذه شطحة أدبية خيالية في قرن الأيديولوجيات القومية والإنسانية والثورية واليمينية التي بدأ بعضها في القرن الـ19، وطبعت القرن الـ20 بطابعها، لكن تكاثر النظريات حول نهاية الأيديولوجيا، و"نهاية التاريخ" و"صدام الحضارات" دفع إلى قراءة ثانية في كلام مالرو.
ففي إيران قامت ثورة دينية بقيادة الإمام الخميني عشية سقوط الاتحاد السوفياتي. وفي أفغانستان لعبت أميركا ودول في الشرق الأوسط دوراً مهماً في تقوية فصائل "المجاهدين" لمحاربة الاحتلال السوفياتي من منطلق أيديولوجيا دينية جاءت ذروتها مع "طالبان". ومن عباءة "الإخوان المسلمين" خرجت تنظيمات متشددة جداً أبرزها "القاعدة" و"داعش" والسعي إلى إقامة "دولة الخلافة".
وكانت الصهيونية ابنة أيديولوجيا دينية أقامت بالقوة في فلسطين دولة على أساطير وخرافات وادعاءات حول "وعد" من الله لإبراهيم الخليل بتخصيص الأرض "من الفرات إلى النيل" له ولذريته بحسب "سفر آشعيا"، كأن الخالق سبحانه وتعالى "مأمور طابو".
اليوم، يعاد الاعتبار إلى ما تصورت البشرية أنها تجاوزته بعد ظلام القرون الوسطى في أوروبا، وهو "الحروب المقدسة" و"الحرب العادلة". وليس هناك حروب مقدسة ولا حرب عادلة. والمشهد ناطق حول حرب غزة. حكومة نتنياهو تأتيها فتوى من حاخامات تجيز قتل المدنيين في فلسطين. الميليشيات المرتبطة بإيران تخوض المعارك على أساس "فتوى شرعية". الرئيس الديمقراطي جو بايدن يردد قول والده له "ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً". السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام يقول بصراحة "نحن اليوم في حرب دينية، وأنا مع إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الحزب الجمهوري تيار يضم الرئيس الجديد لمجلس النواب مايك جونسون يدعي أن "الإنجيل يدعو المسيحيين إلى الوقوف مع إسرائيل واعتبار ذلك واجباً مقدساً". والمسؤول الأعلى عن الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يرى أن "الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لم يعد صراعاً إسرائيلياً – عربياً، بل هو صراع ديني وحضاري".
والطابع الديني تكرس حتى في تسمية المنظمات الفلسطينية التي تقاتل الاحتلال الإسرائيلي: "حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، و"الجهاد الإسلامي". كذلك الأمر في لبنان، حيث "حزب الله" يقود "المقاومة الإسلامية"، وفي العراق، حيث "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"المقاومة الإسلامية في العراق"، وسواها.
والمعنى البسيط لذلك أننا في حرب بلا نهاية. لا فقط في غزة، بل أيضاً في الضفة الغربية وكل العالمين العربي والإسلامي والغرب الأميركي والأوروبي. حرب دينية تلغي الطابع الوطني والقومي للصراع الذي أساسه سطو الصهيونية على الأرض الفلسطينية، بحيث يستحيل الوصول فيها إلى حل جذري وحتى إلى تسوية. وأخطر ما في التصرف على أساس أن حرب غزة حرب دينية هو انتشار مضاعفاتها وشظاياها في المنطقة والعالم، ولو توقفت الحرب. وهذا ما يلغي السياسة ويعطي رجال الدين اليد العليا، حيث "الحكم الإلهي"، وهو ما يسيطر على حياة الناس في كل شيء.
روائع الأدب الإنساني العالمي التي تفتح عقل الإنسان وقلبه على معرفة نفسه ومعرفة سواه، تصبح محرمة أو تتعرض للحرق. والفن الذي يعطي السعادة للبشر، يصير بكل أنواعه أناشيد جنائزية.
ولا مهرب من إعادة الاعتبار إلى شعار قديم: "الدين لله والوطن للجميع"، و"وطن حر شعب سعيد". والمستقبل الزاهر سياسياً واقتصادياً وأدبياً وفنياً واجتماعياً تبنيه الدولة الوطنية، لا الدولة الدينية. ألم يقل أرسطو قبل أكثر من ألفي عام: "الدولة جماعة مواطنين عاقلين أحرار لا جماعة مؤمنين؟". ألم يلاحظ الفيلسوف الفرنسي جان بودريار بمرارة أن "جميع نصبنا أضرحة"؟