Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قوائم سوداء" تهدئ روع مروجيها بـ"أضعف الإيمان"

التاريخ المعاصر يشير إلى أن معظم حملات المقاطعة تمد أنصارها بشعور إيجابي بأنهم فاعلون متضامنون ومهما حققت من انتشار فإنها تخفت مع خفوت الحدث

القوائم السوداء غالبا ما يتزامن ظهورها مع أحداث كبرى مثل الثورات والحروب ثم تختفي (مواقع التواصل) 

ملخص

سواء كانت القوائم السوداء مجدية أو غير مجدية، موقتة أو دائمة، فإنها تأتي كرد فعل آني حماسي على أحداث جسام، وتبقى شراً لا بد منه ومثار شد وجذب بين من كتبوها وآمنوا بها ومن يرفضونها وينددون بها.

هذه قوائم مصنوعة في بيت الأستاذ فتحي. صنعها الأستاذ بنفسه، كتبها على ورقة وعلقها على باب البراد (الثلاجة)، وأعلن أن المنتجات والقنوات التلفزيونية والأشخاص الوارد ذكرها ممنوعة من التداول داخل البيت.

قائمة الأستاذ فتحي تحوي منتجات بعينها من القهوة وغيرها من البرغر والمياه الغازية وثالثة منتجات صابون وشامبو وكريمات، كما تحوي قنوات تلفزيونية بعضها أجنبي والبعض الآخر إقليمي يعتبرها الأستاذ فتحي داعمة لإسرائيل، أو غير داعمة بما يكفي لفلسطين والفلسطينيين وغزة وأهلها في حربهم. أما الأشخاص فقد سن قوائم من الفنانين ولاعبي كرة القدم ومذيعي التلفزيون والكتاب وحرص على رسم علامة "إكس" باللون الأحمر على كل منهم، مذيلاً هذه القائمة البشرية بعبارة "ممنوع منعاً باتاً مشاهدة أعمالهم أو تداول أسمائهم".

وتلك قوائم صنعها أحدهم، لكن تداولتها الآلاف، فصارت أقرب ما تكون إلى "القائمة السوداء" المعتمدة، وإن كانت شعبياً، وعلى وجه أكثر دقة، قائمة الفئة صاحبة الصوت العالي واليد المتصلة بأدوات العنكبوت.

أثير متفجر

أثير العنكبوت في مصر يتفجر منذ اندلاع حرب القطاع بقوائم سوداء يجري سنها من قبل مستخدمين، وتلقى قبولاً أو هوى أو موافقة أو حب إثارة لدى آخرين، فيتم تداولها عبر منصات الـ"سوشيال ميديا" المختلفة، ومنها إلى أثير الواقع، لكن الأثير في مصر أيضاً ينضح بكم هائل في الاتجاه المضاد. فإذا كانت معظم القوائم السوداء التي يجري سنها شعبياً في ضوء حرب القطاع، وذلك تضامناً مع أهل غزة ومناهضة للحرب الشعواء التي تدور رحاها بلا هوادة على رؤوسهم وحيواتهم ومصائرهم، فإن آخرين ينبذون هذه القوائم، لا لعدم التضامن مع غزة وأهلها، لكن نبذاً لجدواها، أو معارضة لمعناها، أو دفاعاً عمن شملتهم هذه القوائم.

القوائم السوداء قديمة قدم الرأي والرأي الآخر، لكن شيوعها وتحولها إلى منظومة شعبية هادرة في مشارق الأرض ومغاربها يعود فضله الأول والأخير للشبكة العنكبوتية وكل ما يتصل بها من أدوات ومنصات. فضل النشر يعود إلى الإنترنت، ونعمة الانتشار مردها المنصات ونظريات الانشطار العنكبوتي حيث دقة زر تنقل مكونات القائمة التي سنها أحدهم لاعتقاد شخصي، أو أيديولوجيا تربى عليها، أو قناعة تولدت لديه إلى فضاءات غير محدودة.

مؤسسات في القوائم السوداء

تحديد تاريخ القوائم السوداء أمر صعب نسبياً. في سياق أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20 في الولايات المتحدة الأميركية، كانت القائمة السوداء عبارة عن قائمة بالأشخاص الذين يعتنقون آراء أو ينتمون لجمعيات أو منظمات كانت تعد "غير ملائمة سياسياً أو مزعجة اقتصادياً"، وهو ما كان يعرض هؤلاء الأشخاص لصعوبات جمة في العثور على عمل أو حتى إنهاء عقود عملهم. في هذه الحقبة كانت معظم القوائم السوداء لأشخاص أو منظمات على علاقة بالحزب الشيوعي الأميركي الذي أسس عام 1919.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ارتبطت القوائم السوداء في هذه الحقبة في أميركا بهوليوود. تم وضع أسماء مئات السينمائيين من ممثلين ومخرجين وفنيين وكتاب من "المتهمين" بالانتماء أو التعاطف مع أو الإعجاب بالحزب الشيوعي أو الأفكار الشيوعية في قوائم سوداء.

وهناك تأريخ لقوائم سوداء تم سنها عام 1774 في أميركا أيضاً، وكانت تخصص لتحديد أسماء عمال التعدين الذين يضربون عن العمل، وذلك كنوع من العقاب لهم، وهو ما يعني حرمانهم من فرص العمل في أماكن أخرى.

كما وردت عبارة القائمة السوداء في رواية "القتال غير الطبيعي" التي كتبها الروائي الإنجليزي فيليب ماسينجر عام 1639. هذه القائمة كانت تحوي أسماء الأشخاص الذي ضلعوا في إعدام الملك تشارلز الأول عام 1649.

منظومة إجرائية

وبعيداً من الجذور التاريخية لـ"القائمة السوداء"، فإن الواقع الحالي لها يشير إلى تحولها لمنظومة إجرائية من جهة، ورد فعل انتقامي أو كيدي أو شعبوي من جهة أخرى.

دول العالم وحكوماتها ومؤسساتها مليئة بقوائم سوداء يتم سنها لمنع التعامل مع جهة ما بحجة دعمها الإرهاب، أو ترقب وصول أشخاص ما لأنهم "مرتبطون بجماعات أو أفكار إرهابية أو مناهضة للقوانين، أو لحظر أشخاص وشركات من التعامل مع المصارف لشبهات تتعلق بجرائم مثل غسل الأموال، أو حتى دول بأكملها يتم وضعها على القوائم السوداء لدول أخرى لأسباب شتى منها دعم الإرهاب أو خرق حقوق الإنسان أو رعاية منظومة زراعة وتجارة المخدرات أو عمالة الأطفال وغيرها. وبالطبع، وكعادة السياسة، فإن القائمة السوداء في دولة ما هي البيضاء في دولة أخرى، تماماً كالجماعة المصنفة إرهابية هنا وتعامل باعتبارها مقاومة هناك.

وهناك قوائم سوداء خاصة بـ"عنوان بروتوكول الإنترنت" الخاص بالأشخاص IP address

وفيها يتم منع وصول عناوين بعينها إلى المواقع المختلفة بعد تصنيفها "مثيرة للمشكلات" أو "خطرة".

أضرار "غير" مقصودة

خطورة القوائم السوداء غير الافتراضية تكمن في الأضرار التي يمكن أن تلحق بمن شملتهم القوائم من دون ذنب اقترفوه أو جرم ارتكبوه، أو لاختلاف في وجهات النظر أفسد للود كل قضية، أو على سبيل الرد على عدوان أو انتهاك أو حرب أو ظلم بعقاب جماعي يطاول جبهة "العدو" ومن معه برمتها.

"العدو" متمثلاً في سلاسل محال برغر ومقاه وماركات منظفات وأنواع حلوى وغيرها من منتجات وسلع وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه. على سبيل المثال فروع "ماكدونالدز" التي تعد إحدى أشهر العلامات التجارية في العالم بـ40 ألف متجر في شتى بقاع الأرض وجدت نفسها على رأس القائمة السوداء في أعقاب رد إسرائيل على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" الشهر الماضي. مطاعم البرغر والبطاطا المقلية الشهيرة التي تمثل الصورة الذهنية المرسومة في أذهان مليارات البشر عن الولايات المتحدة الأميركية تعاني الأمرين، بعد هبوط مبيعات فروعها بشكل كبير في الدول العربية وعدد من الدول الأخرى المتضامنة شعوبها مع الجانب الفلسطيني في حرب القطاع.

برغر أميركا

فإضافة إلى صورة البرغر والبطاطا المرتبطة ارتباطاً شرطياً بالولايات المتحددة، واعتبار أميركا الأم الشرعية والفعلية لإسرائيل في عرف ملايين العرب والمصريين، فقد تلقف البعض خبر قيام شركة "ألونيال" المحدودة المشغلة لفروع ماكدونالدز في إسرائيل توفير وجبات مجانية للمستشفيات والجنود في إسرائيل. واعتبر ذلك النواة الرئيسة لموجة هادرة من القوائم السوداء الدائرة رحاها حالياً على إيقاع حرب القطاع.

ولولا فروق إراقة الدماء وقصف البيوت وتشريد الآلاف لنافست حرب القوائم السوداء حرب القطاع في الشراسة والسخونة والتسبب في موجة عارمة من الاستقطاب. ولولا أن هذه القوائم تكاد تكون متطابقة مع موجات سابقة من حلقات القضية الفلسطينية، لاعتقد البعض أنها قوائم من شأنها أن تقلب اقتصاد العالم رأساً على عقب، وبينما تقلبه تعيد ترتيب أوراق القضية من الألف إلى الياء، أو على أقل تقدير تمد واضعي القوائم ومروجيها ومعتنقيها بشعور جماعي إيجابي بأنهم يدعمون غزة وأهلها بـ"أضعف الإيمان".

انتحار وجهاد

"قاطعوا منتجات الشركات التي تدعم إسرائيل وذات الصلة بأميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وهذا أضعف الإيمان. المقاطعة واجب ديني وجهادي" بحسب ما كتبت "أم جنا" إحدى مؤثرات الطبخ على "فيسبوك".

أحد المؤثرين في الرأي العام - سلباً أو إيجاباً - الطبيب الكاتب خالد منتصر تساءل عن "لماذا الإصرار على الانتحار؟" في إشارة إلى المقاطعة. كتب في مقال عنوانه "أنت مصري وهم مصريون أيضاً" قبل أيام: "انتشرت دعوات المقاطعة وكثرت أسماء الشركات وتضخمت القائمة يوماً بعد يوم، وزاد اللغط والجدل، واشتعل لهيب الحماس، وفي ظل كل هذا الضجيج لم ينتبه المنادون بالمقاطعة إلى أن تلك الشركات مصرية لديها البراند فقط أو ما يسمى الفرانشايز. يدفعون الضرائب في الخزانة المصرية وليست الخزانة الإسرائيلية. المطاعم التي ينادي البعض بمقاطعتها تشغل عجلة الإنتاج المصري بشراء الهامبرغر والزيت والعيش... إلخ. آلاف العمال والموظفين من الشباب يعملون فيها. عشرات الآلاف من الأسر تعتمد على هؤلاء العمال والموظفين لكي يعولوهم. أنت عندما تقاطع تضع العصا في العجلة وتوقف الترس! لماذا هذا الإصرار على الانتحار؟".

ومن جهاد الانتحار عبر مقاطعة سلع ومنتجات تحمل اسم الشركات الأم ومحتوى المواد الخام والعمالة البشرية في الوطن، إلى جهاد الامتناع. هو جهاد يعتمد على قوائم سوداء عتيدة أيضاً، لكنها لا تطالب باستبدال شاي "العروسة" بـ"الإنجليش البريكفاست" أو كفتة "الدهان" بـ"برغر" العم سام، لكن يدعو إلى الامتناع عن متابعة أو مشاهدة أو تشجيع أو تعبير عن حب لأشخاص تم تصنيفهم، من قبل مقرري هذه القوائم، باعتبارهم إما ممتنعين عن مناصرة القضية وإما مقصرين فيها، أو تنقصهم الكياسة أو الذوق أو التراحم أو التعاطف أو التكافل أو كل ما سبق.

قوائم الربيع

سبق وغرق قطاع من المصريين في قوائم سوداء لفنانين وإعلاميين وكتاب بسبب موقفهم الرافض أو المشكك في أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011، لذلك كان تفجر قوائم سوداء على إيقاع حرب القطاع تحوي أسماء فنانين مثل بيومي فؤاد ومحمد أنور ولاعبي كرة قدم مثل محمد صلاح وغيرهم متوقعاً بسبب حرب غزة. ولو لم يصل هؤلاء للقائمة التي جرى سنها وتدشينها ونشرها، لوصل غيرهم.

غيرهم سبقوهم ووصلوا لنهائي قوائم "الربيع العربي" في مصر عام 2011، ومكثوا فيها عاماً أو بعض عام، واليوم تسطع نجومهم على الشاشات وفي الأفلام والمسلسلات وكأن قائمة لم تكن ومقاطعة لم تحدث.

 

أشهر هذه القوائم كانت القوائم السوداء للإعلاميين، وهي القوائم التي دخلت كل بيت مصري وعربي فيه جهاز تلفزيون، وغيره من البيوت العربية المتابعة للشأن المصري الإعلامي والسياسي.

مواقف الإعلاميين السياسية قبل أحداث 2011 لم تكن شديدة التباين أو متعددة الدرجات. كان هناك الإعلاميون الداعمون للنظام المناصرون له، ربما بدرجات خفيفة من الانتقاد بين الحين والآخر، وكان هناك إعلاميون تبدو عليهم أمارات المعارضة، وتلوح من بين كلماتهم علامات عدم الرضا، لكن بتحفظ شديد وحرص أشد.

وعقب اندلاع أحداث 2011، تفرغ بعض الناشطين - مؤسسات وأفراد - لعمل قوائم سود، أطلق عليها بعضهم "قوائم العار" تحوي أسماء الإعلاميين المدافعين عن النظام السابق.

"قوائم العار" تراث منسي

ووصل الأمر لدرجة تخصيص فقرات تلفزيونية للحديث عن الأسماء الواردة في "قوائم العار" من قبل الضيوف "الثوريين". واتخذ بعضها شكل المحاكم الثورية التي تصدر أحكاماً بالخنوع أو الرضوخ والنفاق على "المتهمين". وكانت تتم استضافة "المتهمين" ومعهم ضيوف ثوريون، إذ يقوم الأخير بتقطيع الأول سياسياً ونهشه أخلاقياً وهبشه ثورياً. ووصلت شعبية القوائم السوداء إلى درجة تخصيص 30 حلقة رمضانية على إحدى الشاشات عام 2011 تدور حول القوائم السوداء. وقد حققت أعلى نسب مشاهدة ومتابعة وتفاعل في ذلك العام.

اليوم، تحولت الفقرات والقوائم والثوريون والمهتمون بالمتابعة والمؤيدون للقوائم والمعترضون عليها إلى تراث منسي. تبددت قوائم الماضي في الهواء، وتكرار هذا التبدد عقب كل دعوة مقاطعة - بغض النظر عن مدى نجاحها أو حجم الاستجابة لها - كلما تجدد صراع في غزة أو عدوان على الضفة أو حرق لمصحف لا يعني أبداً أن القوائم ستختفي أو الدعوات ستتبدد.

لكن الملاحظ بشكل كبير في القوائم السوداء لمنتجات أو لشخصيات والخاصة بحرب القطاع هو نبرة عنيفة تنبذ القوائم، وأخرى أكثر عنفاً تنبذ نبذ القوائم. تصاعدت حدة الرفض واعتبار الجبهة المعتنقة مبدأ القوائم من يرفضها ذليلاً خانعاً حيناً، و"صهيونياً" داعماً لإسرائيل حيناً، كما تفاقمت حدة رفض فكرة القائمة من الأصل، باعتبارها إلحاقاً بالضرر لأبرياء لا ناقة لهم أو جمل في حرب القطاع من عمالة وطنية، أو سلباً لحرية الرأي وطريقة التعبير، أو فرضاً لأسلوب بعينه لإعلان التضامن دونه الرقاب.

معارك وهمية أم مدهشة؟

أستاذ مساعد العلاقات الدولية في جامعة دنفر أحمد عبد ربه وصف القوائم السوداء التي شملت مشاهير فن ورياضة وإعلام بـ"الحملة الظالمة". قال في مقال عنوانه "القضية الفلسطينية وفن الكوميديا" إن "مثل هذه الحملات الشعبوية تعبر عن مدى القصور والأزمات النفسية والعقلية التي تنتاب الجماهير فتدخلها في الاتجاه الخاطئ ضد الأشخاص الخطأ في التوقيت الخطأ، فيتم تفريغ القضايا من مضمونها - كما هي عادة تاريخنا العربي - حيث ننجر إلى معارك وهمية نتصور فيها انتصارات ساحقة على أعداء وهميين، فندخل إلى فراشنا لنخلد للنوم شاعرين بسعادة الانتصار الوهمية، بينما هي في الحقيقة مجرد حالة نفسية تعبر عن بؤس واقعنا وفقر إدراكنا وعجزنا عن مواجهة أعدائنا الحقيقيين".

"المسألة تستحق التفكير"! بهذه الكلمات المنبهرة المعجبة أنهى الكاتب الصحافي محمود خليل مقالاً عنوانه "المقاطعة المدهشة"، إذ رأى أن "جيل الشباب المصري أثبت قدرة مدهشة على مقاطعة الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي على غزة، والذي تقف في مساندته الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا".

أعلى خليل من شأن "أضعف الإيمان" (القوائم السوداء والمقاطعة) في مواجهة "عمليات القتل التي تقع كل ساعة، لنساء وأطفال وشيوخ مدنيين عزل... فقاطعوا أشهر الماركات الغربية، من الوجبات إلى زجاجات المياه الغازية".

واستمر خليل في إبداء إعجابه ودهشته بأولئك الشباب الذين سنوا القوائم ونفذوا المقاطعة، مشيراً إلى أن "أغلب من تبنوا سياسة المقاطعة شباب أقل من 25 سنة، ومعهم أطفال لم يبلغوا الـ18 بعد. وهؤلاء لم يعاصروا حرباً ضمن الحروب التي خاضتها مصر لتحرير أرضها، وبعضهم لا يذكر شيئاً عن العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، أو العدوان الإسرائيلي على فلسطين عام 2008، وربما مر بعضهم سريعاً على عدوان 2012 أو 2014 على غزة. هذه المرة مختلفة بكل المقاييس والدليل محال بيع المنتجات الغربية التي جابت ضلفها (تعاني بشدة) وخفضت أسعارها بصورة غير مسبوقة، وعلى رغم ذلك لم يشتر منها أحد".

ورأى الكاتب الوضع في ضوء حرب القطاع مختلفاً، "فللمرة الأولى، يشعر جيل الشباب من المصريين أنه أمام قضية وجودية. إنه الإحساس الذي أفلح شباب المقاومة في نقله إلى الشباب المصري. الإحساس انتقل إلى الشباب المصري، وبناءً عليه تماهوا مع هذا الإحساس لدى الشباب الفلسطيني المقاوم، وتبنوا فكرة المقاومة بمنتهى العزم والإصرار".

وسواء كانت القوائم السوداء مجدية أو غير مجدية اقتصادياً، قادرة أو عاجزة عن إلحاق أضرار موقتة أو دائمة على الواردة أسمائهم فيها، تأتي كرد فعل آني حماسي على أحداث جسام أو تتبلور عبر تخطيط وتنسيق أملاً في تغيير موازين أو تأثير في مجريات، تبقى القوائم السوداء شراً لا بد منه كما يخبرنا تاريخها الطويل. والأهم من ذلك، أنها تبقى مثار شد وجذب بين من كتبوها وآمنوا بها من جهة، ومن رفضوها ونددوا بما جاء فيها من جهة أخرى. رؤى العين، وخبرة التاريخ المعاصر تشيران إلى أن معظم القوائم السوداء وحملات المقاطعة تهدئ من روع أنصارها وتمدهم بشعور إيجابي بأنهم فاعلون متضامنون متفاعلون، ولو من باب "أضعف الإيمان"، لكن الرؤى نفسها والخبرة ذاتها تشيان أيضاً بأن القوائم مهما بلغت من قوة والمقاطعة مهما حققت من انتشار، فإنها تخفت مع خفوت الحدث انتظاراً للحدث المقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات