Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشمال السوري "عالق" بين فزاعة التتريك وطمس الهوية

مراقبون أتراك يخففون من هول نشر ثقافتهم وناشطون أكراد يخشون تغييراً ديموغرافياً

مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية والقوات التركية لا تزال تشهد توتراً حدودياً متزايداً (أ ف ب)

ملخص

صراع شرس تخوضه الهوية سواء العربية أو الكردية للبقاء على الأرض مع ما يوصف بسياسة تتريك الشمال السوري.

يسري بين أهالي الشمال السوري خوف مما يطلق عليه سياسة "التتريك"، خصوصاً في المناطق التي سيطرت عليها تركيا من عام 2016 إلى 2019، عبر ثلاث عمليات عسكرية أطلق عليها تسميات "غصن الزيتون، ودرع الفرات، ونبع السلام"، بذريعة محاربة تهديدات القوات الكردية المسلحة لحدودها الجنوبية وخطرها على أمنها القومي.

ويتوسع منذ ذلك الحين الحضور التركي في مواقع نفوذ له على امتداد أجزاء من أرياف حلب والرقة والحسكة على مساحة تجاوزت 8800 كيلومتر مربع، من أبرزها عفرين وجرابلس وتل أبيض ورأس العين والباب وإعزاز ودابق وغيرها.

ومن أبرز أدوات هذه السياسة التوسعية، وفق مصادر أهلية، ترسيخ تعليم اللغة وفق مناهج تركية طبعت الملايين من نسخ الكتب لتلك الغاية، وطباعة وثائق شخصية جديدة تحمل العلم التركي، مع تداول الليرة التركية إلى جانب العمليات الأجنبية الأخرى.

عفرين في المقدمة

يقول أحد قاطني مدينة جرابلس في ريف حلب، إن هناك حاكماً عسكرياً تركياً إلى جانب المجلس المحلي من السوريين في المدينة يدير شؤونها، إضافة إلى تغيير أسماء عدد من الأماكن إلى التركية، وافتتاح جامعات ومعاهد على النمط نفسه.

في هذه الأثناء أعلن معهد يونس إمره الثقافي التركي عن إطلاق حملة تستهدف تعليم 300 ألف طفل، وقال رئيس المعهد، شرف أتيش في هذا الصدد، "تركيا تزرع غراساً نقية في جغرافيا تهيمن عليها الدماء والحرب".

في المقابل يتجرع أهل الشمال، لا سيما أكراد سوريا من ويلات الحرب كثيراً من المآسي، ولعل الجزء الأكبر من مشهد "التتريك" أصابهم، إذ يعتبر الناشط الحقوقي وعضو منظمة عفرين لحقوق الإنسان، إبراهيم شيخو الفترة الأصعب كانت حين تمكن الأتراك من السيطرة على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي بالتعاون مع فصائل المعارضة المسلحة في 18 مارس (آذار) عام 2018.

وأشار شيخو في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إلى معارك ضارية دارت مع وحدات حماية الشعب الكردي استمرت إلى أكثر من 58 يوماً، وفي أعقابها انتهجت تركيا التغيير الديموغرافي، على حد قوله.

وأضاف، "عفرين هي مدينة سورية ذات غالبية من المكون الكردي، وبعد خمسة أعوام من الحرب توصل ناشطون إلى إحصائية محلية تقول، إن نسبة السكان الأكراد باتت لا تتجاوز 23 في المئة، والعرب والتركمان ناهز 77 في المئة، ومجموع السكان الأصليين مع النازحين إلى المدينة وصل إلى 840 ألفاً، منهم 193 ألفاً من الأكراد".

محو أسماء المدن والقرى

ويعدد الناشط الحقوقي إبراهيم شيخو، أبرز المدن والأماكن التي بدلت تسميتها إلى أسماء تركية، وهي ثلاث قرى تابعة لناحية بلبل بريف عفرين منها (قسطل مقداد) التي تبعد خمسة كيلومترات من مركز الناحية من الجنوب الشرقي للبلدة وباتت تسمى بلدة (سلجوق أوباسي).

أما البلدة الثانية (كوتانلي) فتبعد 10 كيلومترات وجرى تغييرها إلى (ظافر أوباسي) وبلدة ثالثة هي (كورزيلي الجبل) من الجهة الغربية الشمالية وسميت بـ(جعفر أوباسي) أما ساحة الحرية أو أزادي في مركز عفرين وهي ساحة رئيسة في المدينة، سميت بساحة (أتاتورك) نسبة لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى أتتورك.

 

 

وتابع، "أما في داخل مدينة عفرين يوجد بالقرب من السرايا مستديرة جرى تغيير اسمها من (وطني) إلى ساحة غصن الزيتون، إضافة إلى انتشار أعلام وصور الرئيس التركي في المراكز سواء المدنية والعسكرية، ورفع العلم التركي إلى جانب علم المعارضة السورية، في كل الدوائر والمقرات الرسمية، وهذا لا ينطبق فقط على عفرين، بل أغلب المدن التي سيطرت عليها أنقرة مثل مدرسة في مدينة الباب جرى تغيير اسمها إلى ضابط تركي قتل في المنطقة".

إعادة توطين اللاجئين

من جهة أخرى، تعمل أنقرة على بناء وحدات سكنية داخل مناطق سيطرتها في مسار مواز لإعادة اللاجئين.

وفي تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أشار إلى عودة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم بالتوازي مع بناء وحدات سكنية نموذجية. وترى أنقرة في ذلك إعادة توطين اللاجئين والمساعدة على تأمين مساكن لائقة في الشمال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذه الأثناء، ما زالت تعيش الحدود بين مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية والقوات التركية توتراً متزايداً على خلفية وصول مقاتلين من أفراد تنظيم العمال الكردستاني لمبنى أمني في العاصمة أنقرة ومهاجمته بالقذائف في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

أسفرت تلك العملية عن تكثيف الضربات العسكرية التركية واستهداف المنشآت الحيوية التابعة للإدارة الذاتية من عسكرية واقتصادية أو أنابيب ومنشآت نفطية، وسرى الحديث عن عزم تركي للبدء في هجوم بري على غرار العمليات الثلاث السابقة بهدف تأمين منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً.

تغيير ديموغرافي

في غضون ذلك، حذر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في تصريح صحافي سابق، من عمليات تتريك وتهجير ممنهج في الشمال عبر بناء مساكن نموذجية ورفع الأعلام التركية وتغيير أسماء الأماكن، حيث تعمل أنقرة على إنشاء قاعدة شعبية في الشمال السوري عبر عمليات التغيير الديموغرافي وباستقدام أبناء الغوطة وحمص وغيرها من المحافظات وتوطينهم في عفرين.

هنا يشير الناشط الحقوقي إبراهيم شيخو، إلى كون السياسة التركية الأولى تنطوي على تغيير الهيكلية الأساسية للسكان الأصليين وتهجيرهم بالتوازي مع تتريك المنطقة، وطمس هوية المنطقة الكردية وصبغها بهوية تركية، وفرض اللغة بالمناهج والتعاملات وتداول الليرة التركية وإصدار وثائق شخصية تركية وعربية من قبل المجالس المحلية المشكلة من قبل أنقرة، علاوة عن عدم الاعتراف بالهوية السورية، وافتتاح جامعة غازي عنتاب بالمركز الثقافي سابقاً بعفرين.

في المقابل، لفت رئيس أكاديمية الفكر للسياسات الخارجية في إسطنبول، باكير اتاجان في تصريح خاص، الانتباه إلى أن الاتهامات التي تطاول أنقرة باستخدام سياسة تتريك فيها "مبالغة". وبرر تغيير الأسماء بعد الحرب السورية في الشمال السوري أو في أي بقعة من الأراضي التي تنتشر فيها القوات التركية أو الإيرانية والروسية أنه يمكن حدوثه من باب الحضور والتعاون مع السكان المحليين.

وقال، "رأينا أنه تحت أسماء جمعيات دولية أوروبية وأميركية بنيت مشاف ومدارس ومؤسسات خدمية، وحاولت تسمية أسماء جديدة للبلدان القادمة إليها، ويمكن ذكر مثال حينما كنت في اليابان، وطلبت شخصياً من إحدى المؤسسات بناء مدرسة تعليمية في مدينة إنطاكيا، وحين حضروا وأتموا بناء المدرسة أطلقوا اسماً يابانياً عليها، وهذا ينطبق على بقية الدول التي جاءت إلى الشمال السوري، والتي قدمت إعانات وخدمات وهذا يعطي رمزية حضور وتضامن مع الشعوب والرأي العام".

ورداً حول تحويل أسماء الأماكن إلى تركية يعتقد أن معظم المواقع من مشاف ومدارس وغيرها من مقار خدمية قد تعرضت للدمار والضرب، وأعاد الأتراك تأهيلها من جديد، وحين تطلق أسماء جديدة هي رسالة دلالية للسكان بأنها موجودة وتساعد من يحتاج لذلك.

لواء إسكندرون جديد

وثمة فريق من السكان المحليين في الشمال يغوص في رؤية مستقبلية سوداء عن سلخ تركي جديد للأراضي كما حدث قديماً في لواء إسكندرون السوري (محافظة سوريا الخامسة عشرة تبلغ المساحة 4800 كيلومتر) في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تحولت عبر استفتاء إلى الحكم التركي وضمتها بشكل رسمي.

ولا يستبعد الناشط الحقوقي، إبراهيم شيخو، تحويل هذه الأراضي في الشمال إلى أراض تركية على غرار "اللواء". وأضاف "لقد زرعت أنقرة فصائل تركمانية في المناطق التي تسيطر عليها، لتكون عازلة بين أكراد تركيا وأكراد سوريا، وفي حال حدوث استفتاء مستقبلي على المنطقة ستكون هذه تحت السيطرة المباشرة من قبل الأتراك، فضلاً عن انتهاكات من قطع الأشجار، وطمس متزايد للهوية".

في هذه الأثناء يصف وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد الوجود التركي بـ"الاحتلال" ولا يرى أنه يشكل خطراً على سوريا فقط، بل على الأمن القومي العربي وعلى المصالح العربية المشتركة، إذ أكد على ذلك خلال كلمة له أثناء اجتماع لجنة الاتصال العربية المعنية في سوريا على المستوى الوزاري في القاهرة منتصف أغسطس (آب) الماضي.

مقابل ذلك يجزم باحث السياسات الخارجية التركي، باكير أتاجان بعدم نية أنقرة الاستحواذ على الشمال السوري، مضيفاً "أنقرة صرحت مئات المرات بأنها تحترم السيادة السورية ووحدة أراضيها، ولا نية لها بتغيير اللغة أو فرض واقع اقتصادي جديد أو احتلال للأرض وضمها".

ويعزو وجود حاكم عسكري على أنه إجراء لتسهيل العمل السياسي، وهناك إصرار سوري تركي بالحل القريب، وربما بحسب وجهة نظره تأخر حدوثه يأتي نتيجة ضغوط داخلية وخارجية وهو ما سيعقد المسألة السياسية حول بقاء أو انسحاب أنقرة الذي بات طرحه حالياً غير وارد ولو في المستقبل المنظور".

 

 

ويرجح أتاجان أن تشهد الفترة المقبلة انسحاب تركيا من سوريا لأن الشعبين السوري والتركي قريبان جداً وتربطهما روابط دم وعلاقات عائلية، وروابط تاريخية مشتركة، وامتداد طبيعي بينهما، ولهذا لن يسمح أن تمارس ضغوط على بعضها بعضاً.

وأردف "لو افترضنا جدلاً في حال وافقت تركيا على ضم قسم ولو صغير من أراضي الشمال السوري أو العكس إذا وافقت سوريا بضم أراض تركية أو حتى ما تسمى لواء إسكندرون، فهذا يدل بلا شك على اتفاق وتوافق إسرائيلي- أميركي لضرب وتفتيت الدولتين، وضرب مصالح الشعبين وبتلك العلاقة الأخوية التي تربط الشعبين التركي مع السوري".

العربية والتركية بالميزان

في إحدى الجلسات مع بداية النزوح السوري إلى تركيا عام 2014، سأل أحد الحاضرين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لماذا لا نعلم اللغة التركية للنازحين من السوريين القادمين إلينا، فكان جوابه، "أعرف مئات الأشخاص من تركيا يذهبون إلى سوريا ولبنان والأردن ومصر ودول الخليج من أجل تعلم اللغة العربية، لكن هؤلاء من السوريين القادمين إلينا جاؤوا إليكم وباتوا جيرانكم، استغلوا الفرصة وتعلموا اللغة العربية منهم".

يخفف مراقبون أتراك كل ما يدور من انتشار للثقافة التركية أو نشر اللغة، على اعتبار أن ذلك يصب في مصلحة السكان المحليين بتعلم لغات جديدة، وأنه لا نية لتحويل هذه المناطق السورية إلى تركية على الإطلاق.

في حين يفسر الباحث التركي أتاجان، أن بلاده قدمت وما زالت تقدم بعض الخدمات اليومية والمساعدات للسكان المحليين والقاطنين في الشمال في مجالات عدة، ومن أبرزها التعليم والاتصال والبريد، وخدمات صحية وطبية.

ويمضي في حديثه، "وجد الموظفون الأتراك صعوبة في التواصل بين الطرفين الأتراك والسوريين، فولدت هناك حاجة لضرورة وجود بعض المترجمين أو إيصال بعض الجمل للناس هناك لسهولة التواصل بينهما، وهذا يأتي من أجل التفاهمات اليومية، ولو أرادت تركيا أن تنشر لغتها لكانت فعلتها مع اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيها، وقد افتتحت مدارس خاصة للصغار من أبناء اللاجئين وخيرتهم بين الدراسة بالتركية أو العربية".

ويعتقد في الوقت ذاته بأن تداول الليرة التركية في الشمال السوري، يعود بعد تقليص سوريا للعملة في الشمال، وكان على السكان إيجاد حلول مناسبة لهم عبر التداول بالدولار أو اليورو أو عملة البلد التي يوجدون فيها أو القريبة لهم، ولهذا وجود العملة التركية كانت حاجة، ومن جهة ثانية قلصت دمشق من وصول عملة البلاد إلى أيادي الإرهابيين.

صراع شرس تخوضه الهوية سواء العربية أو الكردية للبقاء على الأرض، يتزامن مع مخاوف يعتبرها المتخصصون الأتراك مجرد "فزاعة" لترهيب أهالي الشمال من المساعدة التركية لهم، وأثناء ذلك تتجه الأنظار إلى الحكومة التركية الجديدة في ظل الحديث عن تفعيل استئناف الحوار بين دمشق وأنقرة على رغم الحديث عن تمسك الأولى بشرط الانسحاب العسكري التركي للجلوس على طاولة المفاوضات وإنهاء الأزمة الشمالية.

المزيد من تقارير