Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 35 عاما... ما الذي تبقى من "وثيقة استقلال فلسطين"؟

استطلاع لمركز برام الله: ثلثا الفلسطينيين و53 في المئة من الإسرائيليين باتوا يعارضون حل الدولتين

العلم الفلسطيني ومن خلفه مقرات الرئاسة في رام الله وأهم المؤسسات الحكومية التي تعتبر أحد مقومات الدولة التي يحلم بها الفلسطينيون منذ عقود (اندبندنت عربية)

ملخص

الانقسام الداخلي المستمر منذ عام 2007 هو أخطر ما حل بحلم الشعب الفلسطيني بالاستقلال

مرت الذكرى الخامسة والثلاثين لإعلان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "وثيقة الاستقلال" في العاصمة الجزائرية عام 1988، ولولا أن الحكومة الفلسطينية خصصته هذا العام كيوم تضامني مع غزة، لكانت المناسبة مرت دون أن يلتفت إليها أحد، وعلى رغم أن 15 نوفمبر (تشرين الثاني) يعد عيداً وطنياً فلسطينياً تنظم فيه المهرجانات وتغلق فيه المؤسسات العامة والخاصة والمدارس والجامعات، إلا أن كثيرين من الفلسطينيين لا يرون فيه أبعد من فرصة للاحتفالات وسماع بعض التصريحات هنا وهناك، فتجسيد الاستقلال لم يعد على مرمى حجر كما قال الساسة آنذاك، والوثيقة التي شكلت بارقة أمل للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة عام 1988 ما زالت تصطدم بكثير من التحديات والتعقيدات التي أفرزها الواقع السياسي الفلسطيني والدولي، الذي جعل من إقامة الدولة الفلسطينية أمراً شبه مستحيل على الأقل في المدى القريب.
وتعد وثيقة الاستقلال التي أكد فيها عرفات على ضرورة "مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال (الإسرائيلي)، وترسيخ السيادة والاستقلال"، الثانية من نوعها، بعد الوثيقة الأولى للاستقلال، الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 1948، التي أعلنتها آنذاك حكومة "عموم فلسطين" برئاسة القيادي الفلسطيني الراحل أحمد حلمي عبد الباقي، وأبدت الوثيقة "التزام دولة فلسطين ميثاق جامعة الدول العربية، وإصرارها على تعزيز العمل العربي المشترك، فضلاً عن التزامها مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومبادئ عدم الانحياز وسياسته".

حقائق على الأرض

مع مرور السنوات، اشتدت المعارضة للإعلان، لأن الاستقلال بالنسبة إلى الفلسطينيين لم يتحقق، وظل حبراً على ورق، بل وعمق السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بما في ذلك القدس حتى ارتفعت وتيرة الاستيطان والانتهاكات بشكل غير مسبوق، وزاد عدد المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة من 138 مستوطنة عام 1988 إلى 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية، لم تكن موجودة آنذاك.

وتسيطر المجالس الإقليمية للمستوطنات اليوم على نحو ملياري متر مربع، لتبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة المباشرة للمستوطنات بما فيها البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية، نحو 40 في المئة من مجمل مساحة الضفة الغربية، وبعد أن كانت المستوطنات في عام 1988 ترتبط بنحو 150 كيلومتراً من الطرق الالتفافية، أصبحت ترتبط اليوم بحوالى 946 كيلومتراً طولياً، أي بمساحة 122 كيلومتراً مربعاً، وتسيطر على قرابة اثنين في المئة من مساحة الضفة، ويحظر على الفلسطينيين المرور في معظمها، في حين تضاعف عدد المستوطنين منذ إعلان الوثيقة سبع مرات وارتفع عددهم من 81600 مستوطن في عام 1988 إلى أكثر من نصف مليون، وارتفع عددهم في القدس الشرقية، من 77 ألفاً في عام 1983 إلى 250 ألفاً يقيمون في 15 مستوطنة، وقال مركز أبحاث الأراضي، إن الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش التي تعيق حركة الفلسطينيين وتنقلهم، كانت شبه معدومة في الضفة الغربية عام 1988، لكنها اليوم تجاوزت 840 حاجزاً عسكرياً تقطع أوصال المدن والقرى والبلدات وتشوش حياة الفلسطينيين. وبني جدار عازل، فصل بين الضفة الغربية وإسرائيل بطول بلغ نحو 449 كيلومتراً، ووفقاً للمركز، تم هدم أكثر من 5000 منزل في القدس الشرقية منذ إعلان الاستقلال، واقتلاع أكثر من 300 ألف شجرة معظمها أشجار زيتون، بارتفاع عما كان عليه الوضع في عام 1988 بـ15 ضعفاً.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بـ "جامعة الخليل" بلال الشوبكي، أن وثيقة الاستقلال بمعناها السياسي "مكنت الفلسطينيين من نقل قضيتهم من إنسانية إلى سياسية، وقضية تحرر وطني يجب أن تنتهي بالاستقلال وتقرير المصير وتحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الاعتراف بإسرائيل

على رغم تحديد الوثيقة أراضي الدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم "181" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ونص على أن تكون 42 في المئة منها للفلسطينيين، فإن منظمة التحرير وقعت بعد خمس سنوات اتفاق أوسلو 1993، واعترفت بموجبه بإسرائيل ونبذت ما أسمته "العنف والإرهاب"، وقررت اتباع سياسة جديدة تتمثل في التراجع عن الكفاح المسلح واستبداله بمسار جديد يتمثل في مسار سياسي سلمي من خلال المفاوضات، وطالبت بدولة على حدود الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، التي شكلت 22 في المئة فقط من مساحة الضفة الغربية، وهو ما اعتبره الفلسطينيون خيانةً لوثيقة الاستقلال التي كانت تطالب بضعفي هذه المساحة بحسب "قرار التقسيم". ونص الاتفاق على بدء مفاوضات الحل النهائي للنزاع بعد خمس سنوات، وحصلت جولات مفاوضات حول مواضيع متفرقة، لكن لم يتم التطرق إلى أي حل نهائي، وهو ما دفع السلطة الفلسطينية إلى تبني الخيار الدبلوماسي كاستراتيجية دائمة في عملها السياسي، ونجحت في عام 2012 في الحصول على اعتراف أممي بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة وأيدتها في ذلك 138 دولة. وعلى رغم توقف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل (نيسان) 2014، تمكنت السلطة من الانضمام إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية في عام 2014، ورفع العلم الفلسطيني بعدها بعام بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي المرة الأولى التي يسمح فيها برفع علم دولة مراقبة لا تتمتع بعضوية كاملة في المنظمة، إلا أن هذا كله لم يشعر الفلسطينيين يوماً باقتراب حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بخاصة، وأن الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل قوض حل الدولتين، للحفاظ على مصالح تل أبيب وسيادتها وتفوقها.
ويقول الباحث السياسي هاني المصري إن "القيادة الرسمية على رغم المصير الذي أوصلتنا إليه لا تجرؤ على المراجعة وطرح البديل أو البدائل الواقعية والممكنة، وتكتفي بالانتظار والتهديدات اللفظية مع بقاء الوضع البائس على ما هو عليه". وأضاف "تستمر السلطة الفلسطينية باللهاث وراء إعادة إنتاج أوسلو، وإحياء ما يسمى عملية السلام، على رغم اتخاذها قرارات أكثر من مرة لم تنفذ بوقف التعامل مع الاتفاقيات الموقعة، وسحب أو تعليق الاعتراف بإسرائيل وتسليم مفاتيح السلطة".

الانقسام

ولم يكن استمرار سياسة التوسع الاستيطاني وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالمستوطنات والطرق الالتفافية، وبناء جدار الضم والتوسع، الذي صادر نحو 11 في المئة من مساحة الضفة الغربية وعزل القدس، وسيطر على أهم مصادر المياه، ما صعب على الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فالأوضاع الداخلية الفلسطينية شكلت تحدياً كبيراً أعاقهم وما يزال عن تحقيق حلمهم، لأن الانقسام السياسي الذي نشأ بين حركتي "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، و"فتح" منذ عام 2007 وحتى اليوم، أدى إلى تعميق ابتعاد الفلسطينيين من تحقيق مصالحهم وأهدافهم.

وأظهر استطلاع للرأي العام أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" ونشرت نتائجه في يونيو (حزيران) الماضي، أن 80 في المئة من الفلسطينيين غير راضين عن الرئيس محمود عباس ويطالبون باستقالته وإجراء انتخابات عامة، في ما تعتقد النسبة الأكبر (35 في المئة من عينة الاستطلاع) أن الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007، هو أخطر ما حل بالشعب الفلسطيني خلال السنوات الـ75 الماضية، واعتبر 50 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، أن "مصلحة الشعب الفلسطيني تكمن في انهيار السلطة الفلسطينية أو حلها". في حين بين استطلاع آخر أجراه مركز "النبض الفلسطيني الإسرائيلي"، انخفاض التأييد لحل الدولتين بشكل كبير بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، إذ إن ثلثي الفلسطينيين و53 في المئة من اليهود الإسرائيليين يعارضون ذلك الحل.
ويرى مراقبون أن الفلسطينيين بعد 35 عاماً على وضع "وثيقة الاستقلال" ونحو ربع قرن على "اتفاق اوسلو"، باتوا يدركون أن حلم الدولة الفلسطينية طار في مهب الريح، ليس فقط بفعل السياسات الإسرائيلية المجحفة بحق الفلسطينيين منذ عقود، بل لأن الطرف الفلسطيني عندما وافق على "نبذ الإرهاب" والتزم الطرق السلمية للنضال، واعتمد على مفاوضات ثنائية مع الطرف الإسرائيلي، أصبح يرزح تحت قوائم لا تنتهي من الشروط الإسرائيلية للتأكد من "حسن السلوك" الفلسطيني.

المزيد من تحقيقات ومطولات