استنفد المواطنون والمقيمون والسياح في السعودية المدن الكبرى والشواطئ الرملية الساحرة أو كادوا، بدليل ظهور وجهات وأنماط سياحية جديدة بعد استنفادهم الوجهات التقليدية، بعد أن جذبهم موسم السودة بمنطقة عسير جنوب غربي السعودية، وتحولت المنطقة منذ سنوات قليلة إلى قبلة لآلاف السياح من خارج السعودية وداخلها يقضون بعض الوقت فيها، حيث يختارون ساعات قليلة يستمتعون بها علي جبلٍ، أو وادٍ، أو في زيارة القلاع والآثار التي تحمل عبق الماضي البعيد ويلتقطون ما يستطيعون من صور.
فالمنطقة تتميز بتنوعها البيئي، وتضاريسها الجغرافية المختلفة، حيث تجاورها الغابات المنتشرة في متنزهات السودة والمرتفعات ذات الإطلالات الشاهقة إلى جانب السهول الخضراء والبيئة الزراعية الفريدة، وتتمتع بموروث تاريخي وثقافي واجتماعي يتمثل في الأسواق الشعبية والقرى التراثية والبيوت الأثرية. وتوافد آلاف الزوار خلال موسم السودة للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي اشتهرت بها المنطقة إضافة إلى اعتدال مناخها وتنوع معالمها السياحية والتراثية، وتتميز بتنوع الحياة فيها وبمنتجعاتها والمرافق السياحية بما في ذلك العربات المعلقة الواصلة إلى قمة جبل السودة والقرى ذات الحصون المنيعة والمنتجعات الجبيلية الرائعة، جميع هذه الاعتبارات وغيرها من المؤشرات التي تعكس مستوى السياحة بهذه المنطقة كانت رافدا لجذب الزوار والسياح لموسم السودة، أحد أهم المواسم الترفيهية في السعودية.
التعريف بمواطن الثقافة
أكثر ما لفت أنظار الزائرين للمنطقة هو تنوع فعاليات الموسم كالقفز بالحبال ومنطقة الهايكنغ والسينما المفتوحة، والنقوش القديمة على الحجر وفن القط العسيري وفي الأسبوع الأخير لموسم السودة، استطلعت "اندبندنت عربية" آراء بعض الزوار الذين أبدوا إعجابهم بالموسم وفعالياته، بينما أشاد آخرون بجهود المنظمين وعبروا عن أملهم أن تستمر فكرة مواسم السعودية للتعريف بمواطن الثقافة والسياحة في المحافظات والقرى، علي مغاوي مستشار من المجتمع المحلي للمنطقة، وصف انبهار الزوار الأجانب الأوروبيين وانجذابهم لمنطقة السودة وما تتمتع به من مميزات ثقافية واجتماعية وبيئية " تزخر مناطق السعودية المترامية الأطراف وخاصة في القرى القديمة والمواقع الأثرية والتاريخية بالعديد من عناصر الجذب السياحي التي تسهم في خلق منظومة استثمارية في المنطقة بدءاً من موقعها الجغرافي وإرثها التاريخي واعتدال مناخها في فصل الصيف ما جذب العديد من الزوار داخل وخارج السعودية لحضور الموسم".
أما حصة العجاجي، رحالة سعودية، عاشقة السفر والمغامرة والتحدي، أوجزت تجربتها في موسم السودة "بأنها مختلفة تماما عن أي تجربة سياحية عاشتها في السعودية بسبب اعتدال الطقس في جبال السودة والأمطار، كذلك سكنها في وحدات على هيئة "كرفانات" في غابات السودة منحها شعورا مختلفا، وهو ما ساعدها على خوض تجارب جديدة للمغامرة فيها، كما أن الموسم أنعش السياحة وخلق فرصا للاستثمار وساعد في التعريف بالمنطقة".
مزيج من الثقافة والتاريخ
وتمتاز السودة بمزيج رائع من الثقافة والتاريخ والأنشطة التي تلبي احتياجات الزائر لها إلى جانب أسواق الحرف اليدوية التي تشتهر بها، تقول كيارا سائحة ايطالية "أتيت من مدينة الظهران شرقي السعودية لمشاهدة المناظر الطبيعية في عسير، إنها فرصة للتنزه وتسلق الجبال واستنشاق الهواء النقي، كما أن المنطقة تمتاز بمزيج من الثقافة والتاريخ والمواقع الأثرية والأغاني الفلكلورية والأهازيج مما يتيح لي التعرف على عوالم وتقاليد مناطق السعودية، وتوثيقها بالصور" وتابعت " أنصح الجميع بوضع هدف وزيارة المناطق الجبلية والخضراء في السعودية فجمالية التجربة تدفعني إلى اقتسام فكرة السياحة الداخلية والتعريف بها، فالمنطقة غنية جدا بالطبيعة الأخاذة والآثار والقلاع والحصون والقصور القديمة التي عاصرت الكثير من الحضارات".
الحصن الرئيسي مقصد السيّاح
متحف رجال ألمع هو إحدى المبادرات الشخصية التي كان أبطالها أفرادا آمنين بقيمة التراث الجنوبي، حيث عمدوا إلى تجهيز وتهيئة أكبر المباني العسيرية في قرية رجال ألمع ليكون متحفا رئيسا يحتفي بالموروث الذي تفاخر به محافظة رجال ألمع، ويحتوي المتحف الذي أنشئ عام 1405هـ على مقتنيات أثرية، ونقوش جمالية تطرّز جدرانه، وتضخّ نفحة جمالية لا تنسى.
ويندرج تطوير متحف القرية تحت بند المبادرات التطويرية المستدامة التي ترعاها وزارة الثقافة، حيث عكفت على تطوير طريقة عرض المقتنيات بما يتناسب وأهميتها وإعطاء المكان طابعاً عالميا راقيا وإضافة شاشات عرض رقمية لإثراء محتوى المتحف.
واشتهرت قديما محافظة رجال ألمع باعتبارها مركزا تجاريا، ونقطة مهمة كانت تربط بين القادمين من اليمن وبلاد الشام مروراً بمكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى عدد من المعارك التاريخية التي شارك فيها رجالها ببسالة، ولا تزال ملامح ذلك قائمة إلى وقتنا الحالي، حيث تعدُّ "الدمَّة" أشهر الأهازيج التي ينشدها الأهالي، وهي لون غنائي شعبي كان يؤدى في فترات الحروب لبثِّ الحماسة، وإلهاب المشاعر وتعبئتها.
تحويل القرية التراثية إلى وجهة سياحية
وأوضح مدير مهرجان رجال الطيب أحمد النابلسي بأن المهرجان يحتوي على عدد من الفعاليات النوعية كالعروض الضوئية ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى العروض الفلكلورية التي تبرز الموروث الشعبي الجنوبي، حيث يلتزم بتقديم الألوان الشعبية الفلكلورية الجنوبية للجمهور عبر استضافة 9 فرق شعبية تؤدي نحو 40 لوحة فنية فلكلورية تعكس التنوع الفني الذي يزخر به جنوب السعودية، كما ينظم المهرجان الأمسيات الشعرية التي تستضيف شعراء الفصحى بالمنطقة، وأبرز الشعراء الشعبيين للجمهور، بالإضافة إلى متحف رجال الطيب بحلته الجديدة وتقنياته الحديثة.
وأبرز النابلسي بأن من أهم البرامج الثقافية التي يقدمها المهرجان هو برنامج "سمرة" الذي يعد نافذة ثقافية تراثية تتيح للجمهور فرصة الالتقاء بشعرائهم وكتّابهم المفضلين، وسماع الحكايات الأسطورية، والأهازيج الشعبية المحببة.
ودشّنت وزارة الثقافة السعودية مهرجان "رجال الطيب" الذي يستهدف تحويل قرية رجال ألمع التراثية إلى وجهة سياحية جاذبة للسياح، انطلاقا من مسؤوليتها في تعزيز قطاع التراث، وينظم المهرجان برامج إبداعية تراثية تهدف إلى تعريف الزوار بالعادات والتقاليد والأهازيج والرقصات الشعبية في جو كرنفالي عابق يعكس أنماطا فنية متنوعة بالأصالة والتراث.
واكتسب مهرجان رجال الطيب تسميته استنادا إلى اعتياد أهالي القرية على ارتداء أطواق الورد والنباتات العطرية التي تصنعها النساء، حيث يقدم المهرجان جولة يتعرف فيها السائح على أشكال أطواق الورد، والمراحل التي يمر بها تشكيلها بإشراف سيدات مختصات.
ويكتسي المدرج الرئيسي للقرية أنواعا مختلفة من الزهور التي تشتهر بها المنطقة، لتعريف الزوار بها في لوحة جمالية تعكس خضرة الأرض وخصوبتها.
رسالة موحدة توجهها فعاليات الموسم تدعو إلى إقامة الفعاليات الثقافية والترفيهية في فضاءات المناطق والمحافظات واكتشاف الأماكن والذات ومن خلالها الإسهام في فك العزلة عن مناطق أثرية والمساهمة في تنميتها.