Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لندن:"نحن في ورطة" مع السعوديين بسبب"مصافحة عرفات"!(2)

حكومة مارغريت لم تستطع تفهم أن الملك فهد سيضحي بعلاقات بلاده الاستراتيجية مع المملكة المتحدة من أجل كرامة الفلسطينيين

الملك فهد في حديث مع ياسر عرفات ويبدو الأمير سلطان يشاهد (غيتي)

بعد رفض رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر مصافحة أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في حال ذهابهم ضمن وفد جامعة الدول العربية إلى لندن ورد الفعل العربي، لاسيما قرار الملك فهد بن عبدالعزيز بوقف زيارات كبار المسؤولين البريطانيين، ومنها زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية البريطاني فرانسيس بيم إلى السعودية، وانتشار رسالة أمير سعودي في صحيفة "التايمز" البريطانية تنتقد سياسات الأخيرة تجاه العرب، شنت وسائل الإعلام الإنجليزية حينها حملة إعلامية شرسة ضد السعودية والعرب بشكل عام. واتخذت الرياض في المقابل إجراءات سياسية واقتصادية، مما زاد قلق الحكومة البريطانية وجعلها تبحث عن حلول وسطية تنقذها من المأزق الذي وضعت نفسها فيه في الفترة التي كان العالم يعيش صدمة مجزرتي "صبرا وشاتيلا" في الـ16 من سبتمبر (أيلول) 1982 في لبنان.

 

تشير البرقية المرسلة من الخارجية البريطانية إلى بعثاتها الدبلوماسية في عدد من الدول العربية إلى قلق الحكومة البريطانية من تداعيات الأزمة، والخوف على المصالح البريطانية في المنطقة العربية.

جاء في هذه الرسالة السرية ما نصه "نشعر بالقلق إزاء أن مأزق الزيارات الوزارية إلى المملكة العربية السعودية قد يطول، خصوصاً في ضوء التلميحات التي تلقيناها بشكل غير مباشر من الملك بأن الصعوبات التي نواجهها أصبحت وراءنا. إذا استمر الحظر فستعاق قدرتنا على تعزيز مصالحنا بشكل فعال. لسوء الحظ كما ترون من خلال البرقيات لا يوجد سوى قليل من الآفاق الفورية للخروج من مأزق تركيبة وفد الجامعة العربية.  ونأمل أن يعود المغاربة بمواعيد جديدة بعد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة، لكن هذا لن يحل في حد ذاته مشكلة التمثيل الفلسطيني".

وتضيف "قد يكون لدينا في النهاية المقاومة على المدى الطويل، والاعتماد على تراجع المشكلة فقط عندما تتجاوزها التطورات العربية - الإسرائيلية الجديدة، لقد نظرنا في طرق الحلول ومدى تحسين الموقف في هذه الأثناء، يجب علينا أن نتعامل بثقة مع الخط العام قدر الإمكان، ونبذل قصارى جهدنا لتقليل مزيد من التكهنات الضارة، فإذا تمكنا من نشر دعاية إيجابية من خلال توقيع على عقود أو اتفاقات جديدة، يكون ذلك أفضل بكثير، على رغم أننا لا نستطيع التفكير في أي مرشحين مبهرين في المستقبل. وقبل كل شيء يجب علينا أن نبحث عن فرص ملموسة لتحقيق مناخ أكثر طبيعية في العلاقات".

علينا الإيحاء بأننا لسنا في ورطة

وجهت الرسالة البعثات بأنه "ينبغي أن تكون زيارة دوق كينت في الفترة من الـ16 إلى الـ21 مارس (آذار) (السعودية) بمثابة مساعدة حقيقية، ومن المهم أن يكون السعوديون وافقوا عليها الآن. قد تساعد الاتصالات مع القادة العرب الآخرين أيضاً بشكل تدريجي على الإيحاء للسعوديين بأنهم يبالغون في رد فعلهم، أو في الأقل لإقناع العرب الآخرين بأننا لسنا في ورطة. وفي هذا السياق يمكن لزيارة الملك حسين الوشيكة (الـ19 والـ26 من فبراير) إلى لندن أن تساعد قليلاً. باختصار في هذه اللحظة نبقي رؤوسنا منخفضة، ولكن نفعل ما في وسعنا بطريقة محدودة لتحسين الجو".

في الـ17 من فبراير (شباط) 1983 حضر سكرتير وزارة الخارجية وشوؤن الكومنولث الذي أصبح وزيراً في ما بعد اجتماع مجلس الوزراء البريطاني، وذلك لتزويد الحكومة البريطانية بآخر تطورات الأزمة بين لندن والرياض.

 

وقال "قد يود مجلس الوزراء أن يعرف أن الملك فهد على رغم الخط التصالحي الذي اتخذه الأمير بندر (بن سلطان)، رفض قبول حتى الزيارات الوزارية البريطانية ’غير السياسية‘ إلى المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي (زيارات وزيري التجارة والطاقة). وتعليقاً على رسالة رئيس الوزراء الأخيرة (المرفقة)، اشتكى (الملك) من عدم احتوائها على أي جديد في شأن زيارة الجامعة العربية والتمثيل الفلسطيني. قد يتسرب مأزق الزيارات ويعطي إشارة خاطئة لعملائنا في العالم العربي، فضلاً عن تقييد قدرتنا إلى أجل غير مسمى على تعزيز مصالحنا مع السعوديين على أعلى مستوى. ونأمل في كسر الجليد بزيارة دوق كينت الشهر المقبل، لكن موافقة السعودية على ذلك لا تزال غير مؤكدة. يمكن أيضاً استخدام الزيارة الوشيكة للملك حسين لإظهار أننا لسنا في ورطة".

رسالة استياء على "عشاء الملك"

وكان رجل الأعمال اللبناني هشام الصلح وهو نجل شقيق رئيس وزراء لبنان رشيد الصلح سرب للمسؤولين البريطانيين تصريحات خاصة للملك فهد أثناء جلسة عشاء غير رسمية في الرياض، قد تكون الرياض تعمدت تسريب تلك التصريحات.

 

وجاء في إحدى الوثائق البريطانية حول هذا الموضوع أن "الصلح أخبر السيد باركنسون أنه يعرف الأمير سلمان (الملك حالياً) جيداً، وكان رآه في السعودية في الخامس من يناير (كانون الثاني) وحضر بعد ذلك حفلة عشاء في تلك الليلة، كان الملك فهد حاضراً فيها أيضاً. وعندما طرح موضوع وفد الجامعة العربية قال الملك فهد إنه يجد الموقف البريطاني مستفزاً، وإن وفد الجامعة العربية أراد الذهاب إلى لندن لمجرد عرض القضية في أعقاب قمة فاس. وإنه لم يستطع أن يفهم سبب رفض البريطانيين لهذه القضية قبل أن يسمعوها. وكانت بريطانيا رفضت وفداً يمثل 135 مليون عربي بقيادة ملك عربي. حتى في أسوأ أيامهم الاستعمارية، لم يسبق للبريطانيين أن يتخذوا مثل هذا الموقف المتغطرس. وكان الأمر أكثر إثارة للدهشة لأن هيرد كان التقى بالفعل بـ(فاروق) قدومي".

مصافحة "عرفات" خط أحمر

في إحدى محطات الأزمة بين لندن والرياض ينقل السفير البريطاني بحسب وثائق أرشيف بلاده عن الملك فهد أنه لا يرى أن مكانة بريطانيا في العالم يمكن أن تتراجع بسبب التحدث إلى خالد الحسن، على سبيل المثال. ثم تساءل الملك، أين المشكلة؟ وما سبب اعتراض تاتشر على تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في وفد عربي؟

وكان جوابه "قلت إن حكومة صاحبة الجلالة ستتفق مع تحليل الملك في ما يتعلق بالقضايا الرئيسة، وعلى وجه الخصوص اعترافنا الكامل بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، كان الاختلاف الحالي بيننا يتعلق بمسألة جانبية وسطحية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويختم السفير تقريره بالأسباب التي تقف خلف موقف رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر من منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، قائلاً "لقد حاولت أن أشرح له سراً أحد العوامل المهمة في موقف رئيسة الوزراء من هذه القضية الذي أثار إعجابي خلال اجتماعنا الذي استمر لمدة ساعة ونصف ساعة في الشهر الماضي. وأن يضع نفسه في موقفها ويحاول فهم الغضب الذي يحيط بها على مدار 24 ساعة في اليوم حول أيرلندا الشمالية، والقتل المستمر للجنود والمدنيين البريطانيين على يد إرهابيي الجيش الجمهوري الأيرلندي. لقد رأينا تقارير تفيد بأن بعض المجموعات المرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية قامت في الماضي بتزويد الجيش الجمهوري الإيرلندي بالأسلحة، هل كان يتوقع أن تصافح السيدة تاتشر ممثلاً عن منظمة كما ذكرت، لديها أسلحة منحت إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي لقتل الجنود البريطانيين؟ وأخيراً فقط وقع انفجار في إسرائيل أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية مسؤوليتها عنه".

 

الأزمة في نفق البرلمان

في البرلمان البريطاني لاقى موقف رئيسة الوزراء حول عدم استقبال أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية انتقادات حادة من بعض النواب، فيما اتهم بعضهم تاتشر بالتمييز بين أطراف الصراع في الشرق الأوسط والانحياز لصالح إسرائيل، وصرح أحد اللوردات بأن "النهج الكامل للإرهاب بعد الحرب (العالمية الثانية) وضعته (منظمة) الإرغون تسفاي لئومي وعصابة شتيرن. والضحايا في عام 1946 كانوا من صفنا وأنا أشير إلى (تفجير) فندق الملك داود وجرائم القتل في أورانج جروب، اليوم مندهشون من أنه بعد 37 عاماً (من تلك الواقعة، نجد) الحكومة البريطانية ‏‏تنحاز لمنظمة أخرى وتربك الجهود الدبلوماسية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بأكمله".

 

‏وكانت عصابة شتيرن ، وتسمى أيضا مجموعة شتيرن أو ليهي ، رسمياً لوهامي هيروت يسرائيل (بالعبرية: "مقاتلون من أجل حرية إسرائيل") ، ‏‏منظمة صهيونية متطرفة في فلسطين، أسسها أبراهام شتيرن عام 42 بعد انشقاق في الحركة السرية اليمينية إرغون تسفاي لئومي‏‏.‏

كما انتقد النائب أندرو فولدز رئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر التي حضرت البرلمان البريطاني في السابع من ديسمبر (كانون الأول) 1982 بأنها أخطأت في تقدير الضرر الذي قد يلحق بعلاقات بريطانيا مع العالم العربي لأنها لا تعرف جيداً عن السياسة الخارجية، وأن موقفها قد يكون مقصوداً من أجل إفشال مهمة الوفد العربي الذي كان من المقرر أن يزور لندن بقيادة الملك الحسن الثاني، وأن رفض استقبال الفلسطينيين يخدم السياسة الأميركية التي كان يرسمها هنري كيسنجر.

‏وعلى رغم الانتقادات التي واجهتها الحكومة البريطانية تحت قبة البرلمان البريطاني وفي بعض وسائل الإعلام المعتدلة والبعيدة من اللوبيات الاسرائيلية والموقف العربي الموحد تجاه موقف رئيسة الوزراء البريطانية في تعاملها مع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية استمرت الحكومة البريطانية بالدفاع عن موقفها.

 يشير أرشيف محادثات البرلمان البريطاني إلى حضور وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث في التاسع من فبراير (شباط) 1983 البرلمان للإجابة عن أسئلة أعضاء البرلمان، إذ طرح النائب ديفيد واتكينز سؤالاً على الوزير، وهو "هل يدلي الوزير بتصريح في شأن سياسة حكومة صاحبة الجلالة في ما يتعلق بتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي"؟

كانت إجابة الوزير دوغلاس هيرد "ما زلنا ملتزمين بدور نشط في البحث عن تسوية سلمية شاملة على أساس حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحق إسرائيل في حياة آمنة وسلمية، وإذا أريد إحراز تقدم حقيقي، يجب احترام هذه المبادئ من جانب جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، التي يتعين أن تدخل المفاوضات".

في الحلقة التالية سنتعرف على نهاية ما سماه البريطانيون "السحابة السوداء" في علاقاتهم مع السعودية.

المزيد من وثائق