كلف رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني لجنة متخصصة لمعالجة وضعية البنوك ذات المساهمات العمومية المشتركة (التي تسهم الدولة في رؤوس أموالها)، على أن يشرف مجلس الوزراء على عملها لخلق الحلول لتحسين مردودية هذه البنوك.
إلى ذلك تعاني البنوك المشتركة مصاعب وأزمات تعوقها عن ممارسة دورها التنموي كمؤسسات مصرفية ممولة للاستثمار والاقتصاد على المديين المتوسط والبعيد.
وأوصى الحشاني اللجنة خلال اجتماعه مع محافظ البنك المركزي التونسي ووزيرة المالية بضرورة المحافظة على رؤوس أموال البنوك المعنية بالتوازي مع معالجة وضعيتها المالية الصعبة، بعد تناول الفرضيات المطروحة حول تنمية مساهمات الدولة في رأسمال هذه البنوك.
يشار إلى أن ودائع البنوك ذات رؤوس الأموال العمومية المشتركة لا تزيد على 2.4 في المئة من إجمالي الودائع مقارنة بالبنوك التونسية من القطاع الخاص التي تستحوذ على نحو 35 في المئة من إجمالي الودائع، بينما تستحوذ البنوك ذات رؤوس الأموال الأجنبية على نحو 32.8 في المئة من إجمالي الودائع، في حين تستحوذ البنوك ذات رؤوس الأموال العمومية على نحو 29.8 في المئة من إجمالي الودائع.
وحول محفظة القروض لا تزيد نسبة الإقراض بالبنوك ذات المساهمات العمومية المشتركة على 2.7 في المئة من إجمالي محفظة القروض في تونس، ولا يتجاوز حجم نشاطه بالسوق المصرفي على 2.9 في المئة.
وتتوزع رؤوس أموال البنوك المقيمة في تونس ما بين 32.9 في المئة من مساهمات القطاع الخاص و34.5 في المئة من مساهمات الدولة التونسية و32.7 في المئة من مساهمين أجانب وفق بيانات البنك المركزي التونسي.
ارتفاع الناتج البنكي الصافي
في غضون ذلك ارتفع عدد المؤسسات المالية والمصرفية في تونس إلى 46 مؤسسة العام الماضي من بينها 22 بنكاً، وزادت موارد القطاع المصرفي في 2022 بنسبة 8.3 في المئة، بعدما تسارعت الودائع المحلية بالدينار التونسي بنسبة 10 في المئة في مقابل 8.7 في المئة في عام2021، بينما ظل إجمالي الودائع بالعملة الأجنبية من دون تغيير.
وتمثل الودائع تحت الطلب وودائع الادخار نحو 40 في المئة و30 في المئة على التوالي من إجمالي الودائع، في حين سجلت موارد الاقتراض متوسط وطويل الأجل انخفاضاً بنحو 20.5 في المئة في 2022 في مقابل 34.7 في المئة في 2021 متأثرة بتراجع الموارد الخاصة بنسبة 4.7 في المئة، مما يعادل 236 مليون دينار (83.22 مليون دولار)، وانخفضت القروض الأخرى بنسبة 20.5 في المئة ما يمثل نقصاً قدره 293 مليون دينار (92.7 مليون دولار)، في حين شهدت السندات تسارعاً بنسبة 13.5 في المئة في مقابل 6.5 في المئة في 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسارع حجم القروض في العام الماضي، إذ ارتفعت القروض للعملاء بـ8.5 في المئة في 2022 في مقابل 5.2 في المئة في العام السابق 2021 لتبلغ 104 مليارات دينار (32.9 مليار دولار).
وزادت قيمة القروض للمؤسسات العمومية بنسبة 28.8 في المئة في مقابل 15.2 في المئة في 2021 وبدرجة أقل، المهنيين من القطاع الخاص بنسبة 7.8 في المئة في مقابل 5.4 في المئة في سنة 2021 والأفراد بـ3.6 في المئة مقارنة بـ4.1 في المئة في السنة السابقة.
واستمرت البنوك التونسية في الاكتتاب بنسق حثيث في إصدارات الخزانة، فزاد إجمالي هذه السندات بـ3.1 مليار دينار (981 مليون دولار) ما يعادل 22.5 في المئة، كما عرفت النسب المطبقة على عمليات الإقراض في عام 2022 ارتفاعاً عاماً شمل أصناف القروض كافة، وذلك نتيجة حتمية للرفع في معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية.
وارتفع الناتج البنكي الصافي للمؤسسات المالية في تونس بنسبة 12.6 في المئة في 2022 بالنظر إلى زيادة هامش الفائدة بـ8.7 في المئة في مقابل 5.1 في المئة في 2021 الذي يعود لارتفاع إجمالي القروض ورفع نسبة الفائدة الرئيسة بمقدار 100 نقطة أساسية في 2022.
خيارات محدودة
في المقابل تفتقر البنوك ذات المساهمات العمومية المشتركة القدرة على المنافسة في القطاع المصرفي، إذ يصل عددها إلى خمسة بنوك تتشكل رؤوس أموالها من مساهمات عمومية تونسية بنسبة 50 في المئة، بينما تأتي مساهمة القطاع الخاص والأجانب أجنبية بنسب أقل.
ولا تسهم تلك البنوك في تمويل الاقتصاد سواء بمنح قروض متوسطة أو طويلة الأجل بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، مما يؤخرها عن دورها التنموي الذي أنشئت على أساسه.
وتعليقاً على ذلك قال المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم إن "الحكومة التونسية تدرس خيارات محدودة للتصرف في مساهماتها في هذه البنوك"، مضيفاً "ستختار بين بيع الأسهم المملوكة لها للمستثمرين في القطاع الخاص"، قائلاً "هذا هو الأرجح ".
وتابع سويلم أن "الخيار الثاني يتركز حول تنفيذ إعادة هيكلة جذرية لجعل تلك البنوك قادرة على المنافسة بالتدخل لتحويلها لمؤسسات مؤهلة لتمويل الاقتصاد"، قائلاً "هذا خيار مستبعد في ظل ضعف نتائج أعمال تلك البنوك، إذ تبدو ضئيلة الأرباح في أفضل حالتها".
وقال سويلم "بإمكان وزارة المالية أن تستفيد من أمثلة سابقة ناجحة لإعادة هيكلة البنوك العمومية على سبيل المثال، ما حدث مع البنوك العمومية التونسية الثلاثة بعد عملية الاصلاح التي انتهجت بها قبل أكثر من عقدين، وهو ما ترتب عليها من تطور في أدائها واقترابها من التعافي مثل الشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان".
واستدرك سويلم "لكن يظل من المستبعد إعادة رسملة الأسهم العمومية بهذه البنوك المشتركة"، مرجحاً إمكان إدماجها وصهرها بالبنوك العمومية أو بيعها لصالح القطاع الخاص لتتحول إلى بنوك تجارية أكثر تنافسية.
على الجانب الآخر قال المحلل المالي وسيم بن حسين إن "الحكومة تبحث عن صيغة مناسبة لاستغلال أسهمها في هذه البنوك المختلطة مما يوفر لها حلول إشكالات السيولة المستعصية"، مشيراً إلى أنها تسعى إلى تحويلها إلى مؤسسات إقراض موفرة لتمويلات محددة، خصوصاً للمؤسسات الصغرى أو لقروض استهلاك قصيرة المدى على خلفية أزمة السيولة التي أدت إلى تراجع قروض الاستهلاك وصعوبة توصل الشركات الصغرى للتمويلات.
ورجح بن حسين أن "تضع الحكومة خطة إصلاح لمساهماتها لخلق صنف جديد من القروض بهذه البنوك من نوعية القروض الميسرة، في ظل الصعوبات التي تعانيها البنوك المتخصصة في تمويل المؤسسات الصغرى وإسناد القروض الميسرة للشركات أو المهنيين مثل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وبنك التضامن".