Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والنظم الأمنية المنفصلة في الأقاليم (1)

ما حققته معادلة "5+1" من مكاسب لطهران شكل حافزاً للذهاب إلى معادلات جديدة للخروج من أزمتها مع واشنطن بقيادة بايدن

رئيسي أعلن عن استراتيجية دبلوماسية إيرانية جديدة تقوم على مبدأ تسوية وتطبيع العلاقات مع المحيط السياسي والجغرافي (أ ف ب)

ملخص

استراتيجية نظام إقليمي محلي القوية التي تبناها النظام مع روحاني تأتي بعد فشل النظام بدفع رؤيته القديمة

منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية وقيادة السلطة التنفيذية، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن استراتيجية دبلوماسية إيرانية جديدة تقوم على مبدأ تسوية وتطبيع العلاقات مع المحيط السياسي والجغرافي أو ما يعرف بدول الجوار الإيراني والدول التي تدخل في المجال الحيوي للمصالح القومية والاستراتيجية لإيران.

هذه الاستراتيجية وإن كانت تستهدف الخارج، إلا أنها تحولت أيضاً إلى سياسة لإدانة سلفه الرئيس حسن روحاني وفريقه على المستوى الداخلي واتهامه بالتضحية بالمصالح الوطنية والقومية المتأتية من اعتماد سياسة التوازن في العلاقات الخارجية والانفتاح على دول الجوار واستثمار الفرص والمصالح المشتركة لمواجهة العقوبات الاقتصادية، مقابل التمسك بمسار التفاوض مع الدول الغربية في إطار الاتفاق النووي على رغم إصرار الإدارة الأميركية على المضي بالسياسة والمواقف التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والانسحاب من الاتفاق وإعادة تفعيل العقوبات الأشد في تاريخ الأزمة بين الطرفين.

في المقابل، وعلى رغم أن استراتيجية النظام ومنظومة السلطة والدولة العميقة، عملت على محاصرة روحاني في سياساته الخارجية والداخلية والعمل على إفشالها من خلال منعه من التحرك لتفكيك الأزمات والتوترات مع دول المنطقة والجوار الإقليمي على امتداد غرب آسيا، إلا أن الحكومة الجديدة التي تمثل إرادة النظام وتصب في سياق مشروعه للإمساك بكل مفاصل السلطة والقرار وتوحيد قبضته على الدولة، لم تستطع الخروج من الرؤية أو المشروع الاستراتيجي الذي تبنته إدارة روحاني لبناء "منطقة قوية" قادرة على إدارة وتنظيم شؤونها من دون الحاجة إلى تدخل أو وجود أي قوة خارجية سواء كانت أميركية مباشرة أو عبر تحالف "الناتو".

واستراتيجية "نظام إقليمي محلي"، القوية، التي تبناها النظام مع روحاني مع سحب إمكانية تفعيلها أو فتح الطريق أمامه لعقد تسويات تساعد على بلورتها وتطبيقها، تأتي بعد أن فشل النظام في دفع رؤيته الاستراتيجية القديمة التي أعلن عنها في زمن الرئيس الأسبق محمد خاتمي لإقامة شرق أوسط إسلامي في مواجهة الاستراتيجية الأميركية بقيادة وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس لبناء شرق أوسط جديد. على رغم نجاح إيران في عرقلة الاستراتيجية الأميركية وحتى إرباكها بعد أن فرضت معادلتها الإقليمية من خلال بوابة حرب يوليو (تموز) 2006 بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل، مهدت لها الطريق لحصولها من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، في اتفاق عام 2015 حول البرنامج النووي وبرعاية من معادلة "5+1"، على تفويض أميركي غير معلن وغير مكرس للتصرف في منطقة الشرق الأوسط والتدخل في شؤونه وسياساته وأمنه بحرية واسعة وكبيرة.

ما حققته معادلة "5+1" من مكاسب لإيران، شكل حافزاً للنظام الإيراني للذهاب إلى معادلات جديدة للخروج من أزمته مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن الديمقراطي، وهي معادلات لا تلغي أو تسقط الموقف الإيراني المتمسك بمسار إعادة إحياء الاتفاق النووي 2015، وفي الوقت نفسه تسعى إلى إيجاد طرق التفافية تسمح لها ولواشنطن بعقد تفاهمات مرحلية من دون أن يكون أي من الطرفين ملزماً أو محرجاً أمام الشارع الداخلي وما فيه من صراعات وتناقضات.

من هنا يمكن القول، وأمام ما يعانيه المجتمع الدولي من أزمات والتورط في ملفات متشابكة، زادت الحرب الروسية على أوكرانيا من تعقيدها، فإن النظام الإيراني عمل على استغلال الفرص التي توفرها هذه الأزمات للدفع بمشاريع والعمل على تفكيك أزماته المباشرة مع محيطه الجيوسياسي والاستراتيجي بما يحفظ مصالحه الجيواقتصادية والسياسية والأمنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المدخل الذي اعتمده النظام الإيراني لإعادة إحياء دوره في منطقة غرب آسيا وكسر حلقات العزلة التي بدأت تحاصره من كل الاتجاهات وما شاهده ويشاهده من تشكل تحالفات جديدة من كل الجهات، لم تترك مقعداً له إلى طاولتها حتى بصفة مراقب، جاء من باب العودة للاستفادة من الغطاء الذي وضعه بنفسه لحكومة رئيسي باعتماد سياسة الانفتاح على دول الجوار، والدفع من أجل بناء منظومات أمنية واقتصادية وتعاون متعددة ومنفصلة كل واحدة منها تأخذ بالاعتبار عينه الأزمات والقضايا التي تشكل مصدر تهديد وتحد.

هذه المساعي الإيرانية تصب في سياق العمل لترجمة توجهاتها الجديدة، التي تساعد على تفكيك الضغوط الأميركية والإقليمية عليها وضدها، وتساعدها في تكريس ما تحققه من نقاط على الساحة الإقليمية واستغلال ما يواجهه خصومها من أزمات وتوظيفها لبناء هذه المنظومات وتسند لها مهمة تنظيم العلاقة بينها وبين دول محيطها الجيوسياسي على أسس متحركة وبراغماتية تقوم على أساس مروحة واسعة من المصالح المشتركة والمتعددة والمتشعبة أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وتصب في الهدف النهائي الذي تسعى إلى إقناع الآخرين به، ويسمح بالحد من حجم ودور والتدخل الذي تقوم به واشنطن مباشرة أو تحت مسمى قوات حلف "الناتو"، من خلال تأكيد قدرة هذه الدول الإقليمية وهذه المنظومات الأمنية والتعاونية على توفير الأمن ومعالجة مصادر القلق الدولية بخاصة ما يتعلق بإمداد الطاقة من دون الحاجة إلى وجودها أو هيمنتها وتدخلها.

ولعل المختبر الأبرز للرؤية الإيرانية حول المنظومات الأمنية والتعاونية الإقليمية، بدأ بالظهور من خلال منتدى التعاون القوقازي من أجل السلام والتعاون والتنمية "3+3" الذي استضافته طهران في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، الذي ضم أو جمع متناقضات القوقاز ودول المحيط الجغرافي للمجال الأوراسي، أي إيران وروسيا وتركيا من جهة، وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا من جهة أخرى، وهو ملتقى خلع فيه كل طرف المواقف العدائية التي حكمت المرحلة السابقة في علاقاته مع الآخرين، من أجل الوصول أو التوصل إلى صيغة تسووية ووسطية لبناء مرحلة جديدة من التعاون تأخذ بالاعتبار عينه حساسيات ومصالح كل طرف من دون أن يكون ذلك على حساب المصالح الاستراتيجية لأي منهما، مع وعود بحل عقدة التوتر التي ما زالت قائمة بين موسكو والعاصمة الجورجية على خلفية الحرب بينهما.

وتكمن أهمية هذه الصيغة أو المنظومة الإقليمية أنها جاءت بعيداً من تأثيرات الدول الكبرى المعنية أو التي تعتبر معنية بهذه المنطقة والنزاعات التي كانت تشهدها. من ثم وضعت مساراً إقليمياً لحل هذه النزاعات المتشعبة والمتداخلة التي سادت بين هذه الدول والتهديد الذي شكلته لمصالح كل طرف من الأطراف.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل