Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدولة اللبنانية تدار بـ"الوكالة" بعد شغور معظم المواقع القيادية

مساع لمنع الفراغ في قيادة الجيش اللبناني

يعتبر شغور موقع قيادة الجيش من الأخطر على الأمن والاستقرار في البلاد (مديرية التوجيه في الجيش اللبناني)

توقع اللبنانيون أن الانتخابات النيابية التي أجريت في 15 مايو (أيار) 2022، ستكون مدخلاً لإعادة تشكيل المؤسسات ووضع خطط إصلاحية لإنقاذ البلاد من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية، إلا أن النتيجة كانت معاكسة تماماً، إذ لم تمض أيام قليلة حتى باتت الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي مستقيلة حكماً وفق الدستور ابتداء من 21 مايو موعد بداية ولاية المجلس النيابي المنتخب.

ومنذ ذلك التاريخ تتوالى المواقع الشاغرة، إذ فشلت القوى السياسية بتأليف حكومة جديدة قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وبالتالي باتت الرئاسة شاغرة ابتداء من الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي وكذلك الحكومة بات نطاق عملها في النطاق الضيق لتصريف الأعمال، والمجلس النيابي تحول إلى هيئة ناخبة لا تشريعية، ومن حينها تتوالى الفراغات في الوظائف الأساسية للدولة من دون القدرة على إجراء التعيينات الإدارية البديلة، الأمر الذي جعل تلك المواقع تدار بالوكالة أو بالإنابة.

تنظيف الدولة

ويخشى البعض من الشغور المستمر بالمواقع القيادية في القطاع العام، كونه ينعكس سلباً على وظائف الدولة السيادية، وعلى مستوى الخدمات التي من واجب الدولة توفيرها للمواطنين، الأمر الذي ينبئ ببداية زوالها وتحللها، وبالتالي تزداد المخاوف من أن يستغل "حزب الله" الوضع لفرض الأمر الواقع وينصب نفسه بديلاً عن الدولة.

إلا أن البعض الآخر يعتبر أن شغور تلك المواقع إيجابي، مشبهين الأمر بـ"الجسم الذي ينظف نفسه من الشوائب"، إذ برأيهم، أن هؤلاء الموظفين الكبار من صنيعة "المنظومة" الحاكمة، ويعملون لصالحها وليس لمصلحة المواطنين، وبالتالي عدم قدرة تلك "المنظومة" نفسها على تعيين بدائل مشابهة وتولي الإدارة موظفين بالوكالة بحكم الأقدمية أو الرتبة الأعلى يحررهم من واجب تأمين المصالح للطبقة السياسية.

قائد الجيش

وفي ظل إيجاد حلول في معظم تلك المواقع التي شغرت بسبب إحالة شاغليها إلى التقاعد، تبدو المعضلة الأبرز والأخطر في قيادة الجيش اللبناني، حيث يبلغ العماد جوزيف عون سن التقاعد في 15 يناير (كانون الثاني) 2024، ويحصر قانون الدفاع انتقال موقعه في حال الشغور حصراً برئيس الأركان، الذي سبق أن شغر موقعه في سبتمبر (أيلول) 2022 ولم يتم تعيين بديلاً عنه.

وفي وقت يجمع خبراء القانون بأن المخرج الوحيد في هذه الحالة هو التمديد لقائد الجيش، تكثر "الفتاوى" القانونية التي يحاول البعض تسويقها وفق أجنداته السياسية، وخصوصاً من جانب التيار "الوطني الحر" الذي يطالب باعتماد الآلية نفسها التي اعتمدت بالإدارات الأخرى وبالتالي تعيين الضابط الأعلى رتبة، إلا أن هذه الآلية تصطدم بنص "قانون الدفاع" الواضح بعكس مسار الأمور في الإدارات الأخرى.   

تفكك المؤسسات

ووفق دراسة أجرتها "الدولية للمعلومات" فإن أكثر من 100 موقع قيادي هو حالياً شاغر من أصل 202، وحمل الشغور في سدة حاكمية مصرف لبنان الرقم 100، مشيرة إلى شغور 18 وظيفة قيادية خلال الأشهر المقبلة، حيث شغر، أخيراً، موقع قائد وحدة الدرك في قوى الأمن الداخلي العميد مروان سليلاتي الذي أحيل إلى التقاعد، بينما تنتهي ولاية كل من قائد الجيش العماد جوزيف عون، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في النصف الأول من عام 2024.

وتبلغ المراكز القيادية المحسوبة على المسلمين 99 منصباً، بينما تبلغ حصة المسيحيين 93 يُضاف إليها 9 مراكز غير محددة طائفة من يشغلها لعدم صدور تعيينات سابقة لها، إضافة إلى منصب واحد تشغله كل الطوائف مداورة وهو موقع رئاسة هيئة إدارة قطاع البترول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، أن عدد وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها في الدولة اللبنانية يصل إلى 180 وظيفة، تنقسم مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لافتاً إلى وجود مناصب أخرى لا تعد فئة أولى ولكن توازيها، مثل منصب مدير شركة "طيران الشرق الأوسط" وكازينو لبنان.

وأوضح أن مثل تلك المناصب الموازية لوظائف الفئة الأولى ليست وظائف حكومية، ولكن يتم توزيعها حسب الأعراف بين الطوائف المسيحية والمسلمة، بين إدارات ومؤسسات عامة وشركات خاصة مملوكة كلياً أو جزئياً للدولة، لافتاً إلى أن المقصود بوظائف الفئة الأولى، الوظائف مثل قيادة الجيش، والمديرية العامة المالية، ورئاسة مجلس الإنماء والإعمار، والمديرية العامة لأمن الدولة، ورئاسة الجامعة اللبنانية وغيرها، التي توزع على الطوائف اللبنانية الـ18 مناصفة، معتبراً أن "الفراغ" في تلك المواقع هو سياسي وميثاقي، إذ في كل من تلك المواقع الشاغرة موظفاً يتولى المهام بالوكالة.

وفي السياق ينبه زميله صادق علوية، إلى أن الشغور يزداد يومياً ويرتفع باستمرار، مشيراً إلى أن هناك شغوراً قضائياً مقبلاً، حيث إن سبعة مواقع قضائية مهمة شغرت وستشغر قبل نهاية عام 2023، مما يعني أن الدولة تتجه إلى حالة التحلل.

تعيينات الضرورة

وفي السياق يقول رئيس منظمة "جوستيسيا" الحقوقية بول مرقص، إنه في ظل استمرار الشغور الرئاسي واعتبار البعض أن حكومة تصريف الأعمال ليس لديها الحق في التعيين لن يكون هنالك من حدود لوقف "تفريغ" الإدارات والمؤسسات العامة وشغور مواقع رئيسة ومفصلية في الدولة.

ويؤكد أنه في الأساس لا يحق لحكومة تصريف الأعمال إجراء تعيينات أساسية في الدولة، إنما في سياق ما يجري وإمكانية تعطيل المرافق العامة الأساسية، فإن إجراء التعيينات الضرورية تشرعه الظروف الملحة، مضيفاً أنه ومع استمرار الفراغ الرئاسي من دون أفق واضح، فإن من شأن ذلك أن يجعل مفهوم تصريف الأعمال واسعاً رغم أن الدستور اللبناني قد نص على المعنى الضيق لتصريف الأعمال، كما استثنى هذه الإطالة والتأخير في انتخاب رئيس الجمهورية لأن المشرع الدستوري عندما لحظ مفهوم تصريف الأعمال لم يكن بتصوره أن يكون تصريف الأعمال لشهور عديدة بل فقط لأيام ولأسابيع قليلة.

فوضى عارمة

من ناحيته لفت المحامي والناشط السياسي مجد حرب، إلى أن لبنان شهد في السنوات الأخيرة فترات من الفراغ السياسي نتيجة لتأزم الأوضاع السياسية والصراعات بين الأحزاب السياسية، وذلك بسبب الخروج المستمر والمقصود عن الدستور والقوانين التي باتت تفسر وفق الأجندات السياسية.

وعن إمكانية وجود خلل في النصوص الدستورية اللبنانية، قال إن "الدساتير في كل العالم لا تدخل في التفاصيل، وهي مبادئ وقيود عامة متوافق عليها، ويبقى فيها بعض الإبهام الذي يتكل على وعي المسؤولين"، لافتاً إلى أنه يُفترض بمن يطبقون القانون أن يكونوا على مستوى عال من المسؤولية والمعرفة والخبرة والتجرد وفهم عميق لروحية الدستور، بما يسمح لهم بحسن تطبيق الدستور والقانون معاً، متهماً السياسيين الفاسدين الذين لا يطمحون إلا لتحقيق مصالحهم الشخصية، وتشويه النصوص وتفسيرها بغير أهدافها الأمر الذي يعرقل مسار المؤسسات".

ومن الطبيعي في هذه الحالة، وفق حرب، أن تكثر الفراغات في الوظائف الرئيسة، وهذا ما يعانيه لبنان في الوقت الراهن، فالفراغ يتمدد والمراكز الشاغرة تتوسع وتتنقل من مؤسسة إلى أخرى في القضاء مثلاً وغيره، وهذا الطريق الذي يُسلك سيجر لبنان إلى فوضى عارمة وخطيرة عاجلاً أم آجلاً، وهذا أكبر دليل على المماطلة السياسية وعدم الاكتراث لمصلحة لبنان.

المواقع الأمنية

بدوره يكشف الصحافي علي حماده، عن "نقاش دائر اليوم على المستوى السياسي اللبناني بين مجمل قيادات رئاسة الحكومة، أي القوى الأساسية المكونة للحكومة وللسلطة في لبنان، نقاش يتناول مسألة الفراغ المقبل على مستوى الأجهزة الأمنية في الدولة وهذه هي الخشية الكبرى".

وقال إنه بعد مضي سنة كاملة على الفراغ في رئاسة الجمهورية، وثلاثة أشهر على الفراغ الحاصل على مستوى حاكمية المصرف المركزي، حصل شبه فراغ أو فراغ موقت على الصعيد الطائفي، "إذا جاز التعبير على صعيد اللعبة الطائفية في المديرية العامة للأمن العام، إنما جرى تدارك الأمر عبر تعيين اللواء إلياس البيسري مديراً عاماً بالوكالة لأنه عملياً لا يحق تعيين موظف فئة أولى إلا بمجلس وزراء مكتمل الأوصاف، وطبعاً هناك مسألة توزيع الطوائف".

وأوضح أن الخطورة حالياً ليس مصدرها اقتراب موعد الفراغ في قيادة الجيش التي تعد مسألة شديدة الدقة، ثم سيعقبها لاحقاً بعد ذلك بعدة أشهر قيادة المديرية العامة للأمن الداخلي، في وقت يواجه لبنان احتمال تمدد الصراع في غزة إلى جبهة لبنان مع إسرائيل، وأيضاً هناك معضلة النزوح السوري الكبير.

وأوضح أن "معظم القوى السياسية مستعدة للتمديد لقائد الجيش كون قيادة الجيش هي الأساس تحت بند الضرورة القصوى، وما يسمى في السياسة "الضرورات تبيح المحظورات" بمعنى أن البلد لا يحتمل فراغاً على صعيد رئاسة الأركان"، لافتاً إلى أن "أكثرية القوى السياسية تؤيد التمديد لقائد الجيش لسنة واحدة، لأنه ليس من المنطقي تعيين قائد للجيش بغياب رئيس للجمهورية، ولأنه "عندما يُنتخب الرئيس الجديد ستتم التعيينات بسلة واحدة مع كل القوى السياسية بوجود رئيس للجمهورية وفقاً للقانون ووفقاً للدستور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير