Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تقعوا في فخ "الانحياز" في مسألة غزة

يكتب ألان رسبريدجر قائلاً إن فظائع درسدن وغيرنيكا والعراق أسباب موجبة لعدم محو القطاع وتحويله إلى تراب

"أظن أن معظم الناس يحملون حالياً بعض الأفكار المتمايزة في رؤوسهم" (غيتي)

ملخص

إن الإنسانية على نحوها الأساسي على المحك وعلى قادتنا عدم الانحياز: لا تقعوا في فخ "الانحياز" في مسألة غزة

كان صحافي يهودي بريطاني بارز يشرح المعضلة التي تواجهها إسرائيل في شأن عدد القتلى المتزايد في غزة. قال: "في صميم ذلك، من وجهة نظر إنسانية، يعد ما يجري كارثياً". لكنه أضاف أن علينا النظر في ما فعلته الولايات المتحدة بعدما هوجمت يوم الـ11 سبتمبر (أيلول): لقد غزت العراق، حيث قتل 200 ألف شخص [وفق حساباته] خلال ثلاث سنوات. وماذا فعل البريطانيون في الحرب العالمية الثانية؟ "لقد ضربوا درسدن بالقنابل الحارقة، وأحرقوا 25 ألف مدني أحياء".

يمكنكم رؤية الحجة التي كان يحاول التعبير عنها (في آخر حلقة من التدوين الصوتي "ميديا كونفيدنشال"). لقد تعرضت إسرائيل إلى هجوم إجرامي، ولم تكن لتقبل أية محاضرات من مواطنين في بلدان عمدت، في وضع مماثل، إلى الرد، على نحو شهير – أو سيئ السمعة – بقوة فظة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتمثل الحجة المضادة، مع الحكمة التي يجلبها على نحو مريح الإدراك المتأخر، في أن العراق ودرسدن هما بالتأكيد حجتان مقنعتان لعدم قصف مناطق أكبر حتى في غزة وتحويلها إلى غبار خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

قلة من الناس الآن تدافع عن إطلاق العنان لهذا القدر الكبير من الألم والفوضى على العراق – والمنطقة الأوسع – في أعقاب الـ11 من سبتمبر. بدأ عدم الارتياح لدرسدن في غضون أسابيع من الدمار الذي لحق بالمدينة، إذ نأى تشرشل بنفسه بعناية عن المسؤولية.

منذ ذلك الحين، يعرب عديد من التواريخ العسكرية والمسارات الأخلاقية عن اشمئزازها من القصف الواسع للبلدات والمدن الألمانية عام 1945، الذي أدى إلى مقتل عدد لا يحصى من الأبرياء على نطاق نادراً ما شهده العالم من قبل، إذا شهده بالفعل.

وقعت فظائع درسدن بعد ثماني سنوات فقط من رسم بيكاسو "غيرنيكا"، بتكليف في رد مذعور على قصف المدينة القديمة الواقعة في إقليم الباسك [شمال إسبانيا] عام 1937 من الفاشيين، الذين قتلوا ما لا يقل عن ألف و600 مدني، معظمهم من النساء والأطفال. كان القصف بداية شكل جديد ومنهجي من الحرب على هذه الجماعات البريئة، وليست ليفربول ولندن ودرسدن سوى مراحل من المراحل الرئيسة القاتمة التالية.

الصديق الأفضل هو صديق صريح. هذا هو السبب في أن أولئك الذين يتمنون الخير لإسرائيل عليهم واجب تحدي بعض الخطابات والقرارات المتخذة في ما قد نعتبره غضباً أعمى مفهوماً. وأن يكونوا أحراراً في القيام بذلك من دون أن توجه إليهم اتهامات تلقائية بالانحياز.

فكرت في مقالة كتبها كاتب العمود في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان بالكاد، قبل أسبوع، بعنوان "إسرائيل على وشك ارتكاب خطأ فادح". أقرأ فريدمان، الذي ربما يكون مراسل الشؤون الخارجية الأكثر نفوذاً في العالم، منذ سنوات عديدة، ولم أقرأ قط قلقاً كهذا في لهجته.

كتب يقول: "تأخر الوقت. لم أكتب عموداً بهذا الإلحاح من قبل لأنني لم أكن قط أكثر قلقاً من كيفية خروج هذا الوضع عن السيطرة بطرق يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل على نحو لا يمكن إصلاحه، وتضر بالمصالح الأميركية على نحو لا يمكن إصلاحه، وتضر بالفلسطينيين على نحو لا يمكن إصلاحه، وتهدد اليهود في كل مكان، وتزعزع استقرار العالم بأسره".

هذا هو السبب الجيوسياسي أمام أصدقاء إسرائيل – الذين روعتهم الأحداث البشعة التي وقعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) – لكي يحضوها على ضبط النفس في غزة.

لكنني أظن بأن معظم الناس العاديين لا يفكرون من الناحية الجيوسياسية. قد يكون لديهم رد فعل إنساني أكثر أساسية على الرعب الناجم عما يتكشف في رقعة الأرض المزدحمة تلك – هي بالكاد بحجم آيل أوف وايت – إذ يحتمي 2.5 مليون شخص، نصفهم دون الـ18 سنة، من آلاف القنابل ويفتقرون إلى الأساسيات على صعيد الماء والأغذية والوقود والأدوية.

يفترض الاستقطاب الحديث للنقاش السياسي أن على المرء الانضمام إلى هذا المعسكر أو ذاك. لكنني أظن أن معظم الناس الذين يشعرون بالرعب مما يرونه حالياً في غزة كانوا يشعرون بالاشمئزاز بالقدر نفسه من الفظائع التي ارتكبتها "حماس" في السابع من أكتوبر.

لا يتعلق الأمر بالاختيار بين أمرين. ربما مثلما يعي كير ستارمر متأخراً.

بعد 10 أيام على اعتداءات "حماس"، عمدت "الدايلي تلغراف" – الجريدة الواقعية عادة والواقعية الآن حتى – إلى إفراغ معظم صفحتها الأولى لكي تحذر قراءها، بتنضيد معتمد في صحف التابلويد، بصورة لطفل إسرائيلي قتيل في الصفحة الثالثة. وأعلنت: "هذه الصورة قد تساوي مليون كلمة".

كانت بالفعل صورة محزنة. لكن جولة لخمس ثوان على وسائل التواصل الاجتماعي ستنتج بسهولة صوراً أخرى، من الصعب نسيانها على نحو مماثل. رأيت صورة الجسم المتفحم لطفل صغير، محروق على نحو يجعل من الصعب التعرف على صاحبه، وقد خسر أطرافاً، يحمل على نقالة إلى مستشفى في غزة. هل تساوي هذه الصورة أيضاً مليون كلمة؟

لذلك أظن أن معظم الناس يحملون حالياً بعض الأفكار المتزامنة في رؤوسهم. هم يشعرون بالاشمئزاز من "حماس" ويمقتون هجماتها الفظة والمليئة بالكراهية التي شنتها في السابع من أكتوبر. هم يقفون مع إسرائيل ويعترفون بحق البلاد في الدفاع عن نفسها. يريدون أن تسحق "حماس".

وفي الوقت نفسه، يشعرون بالغضب إزاء ذبح المدنيين في غزة وحرمانهم من أبسط المساعدات الإنسانية. هم لا يعرفون كيف يقضى على "حماس" من دون قتل الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، لقد أبلغ عن وصول عدد القتلى بالفعل إلى ستة آلاف شخص وكان العدد لا يزال في ازدياد لدى كتابة هذا التقرير. هم يريدون أن يتوقف القصف وأن يطلق سراح الرهائن. وهم ربما لا يثقون في تولي بيبي نتنياهو المسؤولية في إسرائيل في هذه اللحظة من تاريخها.

هم يريدون أن يكونوا أحراراً في قول هذه الأشياء كلها. وهم لا يريدون أن يصنفوا مناهضين لهذا الطرف أو مؤيدين لذلك الطرف في مقابل تعبيرهم عن ردود الفعل المذكورة أعلاه كلها أو أي منها.

قضيت يوماً واحداً في غزة، ربما قبل 20 سنة. حتى ذلك الحين وجدتها مكاناً مليئاً بكثير من النذر والمعاناة. كانت مساعدتي ومترجمتي ذلك اليوم امرأة شابة تدعى غادة عقيل، وأدهشني كثيراً هدوءها وكياستها في مواجهة الانفجارات القريبة التي كانت شائعة حتى وقتذاك.

غادة الآن أستاذة زائرة في ألبرتا، كندا: كانت واحدة من المحظوظين الذين فروا من غزة. علمت غادة، هذا الأسبوع، أن عديداً من أفراد عائلة زوجها قتلوا في خان يونس بغزة في هجوم إسرائيلي. كذلك سوت غارات أخرى مبنى من الشقق بالأرض في جنوب غزة، المنطقة التي يفترض أنها أكثر أماناً، حيث كان لعائلة غادة منزل. هي أيضاً يعميها الغضب والحزن في الوقت الحالي.

ليست لدي الحكمة لأعرف كيف أهدئ من لحظة رهيبة كهذه. أنا ممتن للقادة الذين لا يشعرون بالحاجة إلى الانحياز إلى أحد الجانبين. وأنا أعلم أن لا صورة لطفل ميت تساوي مليون كلمة.

ألان رسبريدجر محرر مجلة "بروسبكت" ومحرر سابق في "الغارديان" 

© The Independent

المزيد من آراء