ملخص
تغيرت إلى الأبد علاقة الجمهور بمسلسل "فريندز" بعد أن ودعوا اليوم واحداً من أكثر الأصدقاء شعبية "ماثيو بيري".
إنه واحد من أفضل الأصدقاء وأكثرهم لطفاً وامتلاكاً لحس الفكاهة والقدرة على المزاح، لكن ماثيو بيري غادر الحياة في وسط حالة من الصدمة التي سيطرت على الوسط الفني العالمي بعد الكشف عن وفاته النجم العالمي الذي اشتهر بدور "تشاندلر بينغ" في المسلسل الكوميدي الأيقوني "فريندز" أو "الأصدقاء".
ولا يزال الغموض يلف سبب وفاة ماثيو بيري، فيما أعلنت الشرطة الأميركية أن الراحل وجد وقد فارق الحياة غرقاً في حمام منزله بلوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، ولكن هل هذه هي الحقيقة الكاملة؟!
النجم الأميركي الكندي الذي كان زميل دراسة لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وكانت والدته صحافية تعمل في مكتب سكرتارية والده رئيس الوزراء الأسبق بيير ترودو، سبق وأعلن عن تعافيه من الإدمان وطرح تجربته المؤثرة في كتاب بعنوان "الأصدقاء والحب والشيء الرهيب الكبير"، وانخرط منذ العام الماضي في جولة للترويج له في عدة مدن وعواصم بالعالم.
كان لدى بيري أمل في تعويض تقصيره بحق المقربين منه بعد أن عاش سنوات مظلمة ذاق فيها العزلة والإحباط والاقتراب من الموت، وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يغادر الحياة أكثر من مرة جراء تناوله جرعات زائدة من المواد الأفيونية، فهل كانت سبباً أيضاً في رحيله شديد الغموض عن عمر الـ54 عاماً بعد أن أنفق على علاجه منها نحو تسعة ملايين دولار أميركي على مدى عقود؟!
رحيل مفاجئ بعد التعافي
حتى الآن لم تكشف الشرطة عن أي تفاصيل جانبية متعلقة بالحادثة في ظل عدم وجود دليل على اعتداء أو حادثة سرقة، ولكن محبي الممثل الشهير الذي يعتبر أكثر نجوم "الأصدقاء" الستة طرافة وشعبية، بدأوا التكهن أنه ربما غفا في أثناء استمتاعه بحمام دافئ، وآخرون ذهبوا إلى ما هو أبعد متمنين ألا يكون قد عاد للتعاطي، لكن الأمر الأكثر تداولاً يتعلق بدأب ماثيو بيري، مواليد 19 أغسطس (آب) 1969، قبل أيام قليلة من وفاته على أن يشارك متابعيه على "إنستغرام" لقطات غامضة من منزله معلقاً عليها بنكات طريفة كعادته، ومشيراً إلى أنه في حوض الاستحمام الساخن ويشعر بالاسترخاء كما أطلق على نفسه لقب "مات مان" تيمناً باسم الشخصية الخارقة باتمان.
وعلى ما يبدو أن ماثيو لم يكن يعاني عارضاً صحياً أيضاً في تلك الفترة، إذ ظهر منذ أيام قليلة للغاية يتنزه بصحبة أصدقائه، وكذلك نشر صورة نادرة له مع والده العارض والممثل البالغ من العمر 82 عاماً جون بيري، وبدا كلاهما في وضع جيد وكانا يضحكان.
والمعروف أن والد ماثيو ظهر بالفعل في إحدى حلقات المسلسل الكوميدي الأميركي الأشهر "الأصدقاء"، كما شارك مع ابنه وسلمى حايك في فيلم "Fools rush in" (ذروة الحمقى) عام 1997.
شخصية تشاندلر... نعمة أم نقمة؟
بجانب عشرات التدوينات التي كتبها المشاهير لوداع أصغر نجوم "فريندز" الرئيسين عمراً، الذي رحل بشكل غامض ومفاجئ وبطريقة درامية توازي الحياة المليئة بالمطبات التي عايشها، كانت أيضاً هناك منشورات مؤثرة من الجمهور العادي الذي ظل وفياً لشخصية تشاندلر ويعتبرها ذروة ما قدم ماثيو بيري على الرغم من أن مشواره الفني مليء بمحاولات كثيرة تصل لـ60 عملاً وبعضها أدوار جيدة، وبالطبع أدائه فيها طوال الوقت يتسم بالصدقية.
ولكن الكل يحب شخصية تشاندلر حتى بدت وكأنها دوره الوحيد، تلك الشخصية التي كان لها الفضل في صنع علاقة خاصة بينه وبين الجماهير العريضة التي تعتبر المسلسل الذي بدأ عرضه عام 1994 ولا يزال بأجزائه الـ10 متربعاً على عرش الدراما الهزلية العالمية وجزءاً من حياتها اليومية، ولا تستقيم أجندتهم إلا وهم يضعون على قائمتها موعداً دائماً لمتابعة إحدى الحلقات الـ236 التي ودعها المشاهدون في عام 2004 ولكنها لا تزال ترافقهم على منصات العرض الإلكتروني المختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشاندلر الذي لا يعلم أحد على وجه التحديد ما هي مهنته التي تبدو مرموقة ومجزية، هو الصديق المخلص الكريم الذي يساعد رفيقه المفلس في السكن من دون أن يحرجه، وصاحب المهنة المستقرة الذي لم يتباه بثروته يوماً، كما أنه الأكثر قدرة على إلقاء المزحات والطرائف بذكاء وسرعة بديهة وابتكار وسلاسة، فقدراته الإبداعية وموهبته في هذ الجانب جعلته هو الوحيد المسموح له بحضور جلسات فريق الكتابة أثناء الإعداد للمسلسل.
ظل ماثيو مسموحاً له بالتخطيط لسير حلقات المسلسل، لا سيما المفارقات المضحكة، كما أنه أيضاً الحبيب المفضل وفتى الأحلام مكتمل الصفات الذي انتقل بشكل غير متوقع من خانة "الأصدقاء" إلى قائمة العشاق، ليثبت جدارته وقدرته على تحمل المسؤولية بشكل يفوق أكثر الشخصيات جدية في العمل، إذ شكلت ثنائيته مع كورتني كوكس "مونيكا غيلر" علاقة مثالية تمنى الجميع لو حظي بمثلها.
وعلى الرغم من مكافأته بقصة الحب المتوازنة هذه في الدراما، فإنه ذاق التعثر العاطفي بعقدته من انفصال والديه في عمر صغير، ثم ارتباط كل منهما بعد الطلاق. كان الفنان الراحل معروفاً خلال أحداث المسلسل كعاشق سيئ الحظ وحبيب تعيس بامتياز، وفي الحياة الواقعية كان هناك كثير من التوافق بين ما عاشه وتفاصيل شخصيته الدرامية بخاصة في الأمور السلبية لا سيما أنه لم يحظَ بعلاقة عاطفية طويلة الأمد قط.
اهتمامات عائلته بالفن والسياسة
نشأ بيري في عائلة متحققة ولم يعانِ من الأزمات المالية بعكس كثير من أقرانه، وعاش الجانب الأكبر من طفولته مع والدته الصحافية سوزان ماري موريسون بعد أن انفصلت عن والده حينما كان ماثيو لا يزال عمره عاماً واحداً فقط، وكان متفوقاً رياضياً في عدة ألعاب من بينها التنس، ولكنه أصيب نحو ثلاث مرات بإصابات قوية ما بين قطع جزء من الإصبع وجرح غائر في الوجه.
وجد ماثيو بيري في التمثيل ضالته ودرس الكوميديا منذ أن كان مراهقاً في لوس أنجليس، وبالفعل حصل على عدة أدوار وهو لا يزال صغيراً، وبعد النجاح المدوي الذي حققه من خلال شخصية تشاندلر بينغ في مسلسل "فريندز" وجد الممثل الموهوب نفسه محاطاً بالمعجبات فتعددت مغامراته العاطفية وواعد عدداً كبيراً من النجمات بينهن جوليا روبرتس، وياسمين بيليث وليزي كابلان.
وانفصل قبل عامين فقط عن خطيبته مولي هورويتز التي كانت تصغره بـ20 عاماً بعد فترة خطوبة قصيرة، ويعتبر ماثيو بيري الوحيد بين باقي نجوم المسلسل الخمسة "مات ليبلانك وديفيد شويمر وكورتني كوكس وليزا كودرو وجينيفر أنيستون" الذي لم يتزوج رسمياً طوال مسيرته، كما أنه يشترك مع الأخيرة بأنه لم يرزق بأطفال أيضاً.
حنين لا يتوقف لأيام "الأصدقاء"
لم يدخر محبو ماثيو بيري في أنحاء العالم كلمة وداع في حقه، وبدأوا يسردون عبر منصات "إكس" و"إنستغرام" و"فيسبوك" طبيعة علاقتهم بشخصياته على الشاشة وفي الواقع، بخاصة أنه التقى كثيراً من جمهوره عن قرب على مدار الفترة الماضية في عدة بلدان وكأنه كان يودعهم بطريقته، وذلك خلال رحلته الدعائية لكتابه عن مشواره الفني والشخصي، الذي كشف فيه عن معاناته من إدمان عقار الفيكودين، معتبراً أن محاولاته المتكررة للتعافي تعتبر ملهمة لمن هم في مثل ظروفه.
واللافت أنه ظل حتى وقت قريب للغاية تحت وطأة الإدمان وحينما استرد عافيته أصدر التجربة بين دفتي كتاب، ووقتها اطمأن محبوه إلى كونه بات أفضل حالاً، إذ عاش سنوات يصدر لمحبيه صورة سيئة عن عاداته الصحية، وكان الأمر واضحاً للغاية في حلقة "لم الشمل" بمسلسل "فريندز" التي جمعت أفراد العمل قبل عامين وصورت لصالح منصة "أتش بي أو ماكس".
في تلك الحلقة بدا الممثل الراحل يعاني الوزن الزائد ويتحدث بصعوبة شديدة للغاية وعلى رغم مما قيل حينها عن كونه كان يعاني آلام الأسنان الأمر الذي جعله غير حاضر الذهن وقتها بشكل كامل ولكن بحسب مذكراته الشخصية التي طرحها في ما بعد فقد كان على ما يبدو غير قادر على التخلص من داء التعاطي.
من بين الأمور المثيرة أيضاً أن محبيه بعد أن أصبحوا أقل قلقاً عليه، حين عاد لحياته الطبيعية محدداً وللتواصل بشكل جيد، فارق الحياة بكل بساطة وحيداً، وهنا استحضر عشاقه عبارة بهذا الخصوص كان قد قالها عرضاً في إحدى حلقات مسلسل "الأصدقاء" على لسان شخصية تشاندلر بينغ إنه سيموت وحيداً وذلك حينما كان يتحدث إلى راتشيل جرين "جينفير أنيستون" لتتحقق النبوءة بكل حذافيرها، ومات وحيداً بالفعل في منزله، ولم يتمكن من تحقيق حلمه في الاستقرار العاطفي والاجتماعي، وهي الأمور التي كانت بمثابة هاجس دائم له خلال الأحداث.
جرعات زائدة
انفتح ماثيو بيري للحديث عن مشواره الشاق مع الإدمان، ودخوله العناية المرة أكثر من مرة جراء عديد من الجرعات الزائدة، لافتاً إلى أنه كان يعاني في شبابه من آلام ضرس العقل القوية وأدمن خلالها على المسكنات ولم يستطع أن يتخلص من إدمان الكحول أيضاً.
والمثير أنه كان يحرص على أن يخفي حالته عن زملائه الممثلين خلال 10 سنوات كان يصور معهم فيها مسلسل "فريندز" بشكل منتظم، ولكن الأكثر غرابة أنه يؤكد عدم تذكره عشرات الحلقات من العمل، وتحديداً تلك الواقعة بين الموسمين الثالث والسادس أو حواره بها ولا أحداثها، لأنه كان في ذلك الوقت تحت تأثير المخدرات بشكل كامل، والمتابع للعمل سيلاحظ بسهولة التغيرات المظهرية التي عصفت به على مدار المواسم المختلفة، حين أصيب بالتهاب البنكرياس وخضع للعلاج ثم دخل مراراً مصحة إعادة التأهيل، وبدا وزنه متأرجحاً بين النحافة الشديدة والبدانة.
وعلى الرغم من كل تلك المشكلات شبه المزمنة فإن محبي العمل المرتبط بمرحلة مقتبل الشباب كانوا يجدون عزاءهم في أن نجومهم المفضلين وبينهم ماثيو نفسه يبدون بمظهر لائق حتى مع تقدمهم في العمر، كما أنهم ظلوا دوماً أصدقاء في الواقع كذلك يتبادلون الزيارات، وهو أمر كان يحيي الأمل لدى المشاهدين ويجدد عهدهم بالمسلسل في كل الأوقات الذي بدا لهم أن القيم التي يطرحها ليست بعيدة كثيراً عن واقع أبطاله بخاصة في ما يتعلق بحفاظهم على المودة بينهم طوال تلك الأعوام.
حظ عثر ومسيرة متخبطة ومودة هائلة
رشح ماثيو بيري "تبلغ ثروته 120 مليون دولار أميركي" عدة مرات لجائزة إيمي، واقتصر معظم أعماله على المسلسلات التلفزيوني ولكن كان من بينها أيضاً عدة أفلام بارزة بينها "17 Again، وThe Whole Nine Yards، وThe Kid"، ولكن أياً من كل تلك الإنتاجات لم يضاه مسلسله الشهير مع الأصدقاء الذين نقصوا واحداً منهم بل أكثرهم مزاحاً.
كما أن مسيرته تأثرت كثيراً بمشكلاته مع إدمان العقاقير وحملت بعض التخبط، وقد أبدى بيري قبل عامين سعادته بالعودة إلى التمثيل للمرة الأولى منذ عام 2017 حينما قدم مسلسله القصير "The Kid".
ثم تحدث عن فخره بالمشاركة في فيلم المخرج آدم مكاي ولا تنظروا إلى السماء بصحبة جينيفر لورانس وليوناردو دي كابريو وميريل ستريب ليفاجئ الجمهور المنتظر أنه تم حذف المشهد الذي ظهر به ليصدر العمل من دونه على الرغم من أن اللقطة كانت عرضت بالفعل في الإعلان الترويجي المبدئي مما سبب له إحباطاً جديداً.
وعلى الرغم من أن نجوم هوليوود عادة يفصحون عن تفاصيل صادمة في مذكراتهم الشخصية تصل عادة إلى حد الفضائح التي يصرون عليها ويرفضون الاعتذار عما جاء بها، فإن بيري كان ودوداً للغاية حينما ذكر في كتابه الحديث أنه كان يتمنى موت النجم كيانو ريفز، فبعد أن وجد المتابعون يعبرون عن استيائهم حرصاً على الاعتذار عن هذا التعبير وأبدى خجله من نفسه، وهو تصرف يليق تماماً بسلوكيات الرجل الذي ارتبط بشخصية تشاندلر بينغ المحبة والمحبوبة، والذي بغيابه ستتغير طريقة متابعة المشاهدين التقليديين لحلقات "فريندز" ولن تعود كما كانت أبداً.