Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وأذربيجان... أول الملفات التي خسرتها تل أبيب

إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب ستكون مشغولة بترميم أوضاعها الداخلية والتعامل مع الآثار التي خلفتها

لم تتردد طهران في اتهام إسرائيل بمحاولة التدخل والدفع نحو التوتر في العلاقات بين إيران وأذربيجان (أ ف ب)

ملخص

لولا الحرب التي تشهدها غزة، لما كان باستطاعة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحديث بهذه "الأريحية" في اللقاء الذي جمعه مع وزير خارجية أذربيجان جيحون بايراموف

من جملة التداعيات التي أفرزتها المعركة الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، أن تل أبيب في مرحلة ما بعد الحرب، ستكون مشغولة بترميم أوضاعها الداخلية والتعامل مع الآثار التي خلفتها هذه الحرب، ما يعني التفكير بالانكفاء على الداخل والانسحاب التكتيكي أو الإجباري من بعض الملفات المدرجة في دوائر نفوذها الجيوسياسي في منطقة غرب آسيا، وتحتل موقعاً متقدماً قليل التكلفة وكثير الفائدة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واستراتيجياً في إطار معركة النفوذ التي تخوضها مع النظام الإيراني والجهود التي يبذلها كل من الطرفين لتوسيع وتعزيز حصته على طاولة تقاسم الإقليم.

إعادة النظر

وفي هذا السياق، تشكل جمهورية أذربيجان في منطقة القوقاز الجنوبي أبرز ساحات التصادم وصراع المصالح بين طهران وتل أبيب، باعتبارها الخاصرة الشمالية الغربية للدولة الإيرانية طالما شكلت مصدر قلق ديموغرافي وعقائدي وأمني واقتصادي لقيادة النظام الإيراني، ومدخلاً لاستنزاف مستمر، والمخاوف من انتقال الأمور إلى صراعات قومية وعرقية في الداخل الإيراني، من خلال إثارة تحريك الخلافات القومية لدى الشعب الأذري الذي يرى في أذربيجان امتداداً طبيعياً له.

لا شك أن حروب قره باغ التي خاضتها باكو مع أرمينيا، أجبرت النظام الإيراني على إعادة النظر في تحالفاتها مع دول القوقاز، وتحديداً مع أرمينيا، والانتقال من التحالف إلى الحياد السلبي مع يريفان والإيجابي مع باكو، فهناك مخاوف من إمكانية انتقال الأزمة إلى الداخل وتفجر نزاع قومي، فضلاً عن إمكانية دخولها في معركة سياسية مع باكو المدعومة بطموحات الحكومة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان لبناء عالم تركي في أوراسيا، وهي معركة كادت أن تتحول إلى صراع عسكري يحركه ويتحكم به مدى إصرار باكو على الذهاب في مشروعها لإقامة ممر أو معبر بري يربط بين شطريها (مع نخجوان) في الأراضي الأرمينية، وتهديد طهران بأنها لن تتساهل في التصدي لأي تغيير جيوسياسي في ترسيم الحدود بين إيران ودول القوقاز، قد يؤثر في مصالحها الجيواقتصادية وطرق التجارة البرية باتجاه أوروبا الشمالية.

لم تتردد طهران في اتهام إسرائيل بمحاولة التدخل والدفع نحو التوتر في العلاقات بين إيران وأذربيجان، وأن تل أبيب تسعى لتحويل الأراضي الأذربيجانية لقاعدة متقدمة على خاصرتها الشمالية، تتيح لها حرية العمل داخل إيران، أو استخدامها كقاعدة عسكرية متقدمة في حال قررت تنفيذ تهديداتها بمهاجمة البرنامج النووي، وقد تعزز المخاوف الإيرانية من التهديد الإسرائيلي الآتي من أذربيجان، سلسلة من الخطوات العملية التي قامت بها باكو وتل أبيب لتعزيز التعاون الأمني والعسكري، وبناء قواعد ومقرات لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" على مقربة من الحدود الإيرانية. إضافة إلى استخدام تل أبيب الأراضي الأذربيجانية كمنطلق لعملياتها الأمنية ضد البرنامج النووي، التي كانت ذروتها في سرقة الأرشيف الكامل للأنشطة النووي (عملية طورقوزاباد) عبر أذربيجان، إضافة إلى العمليات الأمنية التي استهدفت عدداً من المنشآت داخل إيران واغتيال فاعلين وعاملين في البرنامج النووي.

الحديث بـ"أريحية"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولولا الحرب التي تشهدها غزة، لما كان باستطاعة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحديث بهذه "الأريحية" في اللقاء الذي جمعه مع وزير خارجية أذربيجان جيحون بايراموف، الذي زار طهران للمشاركة في المنتدى القوقازي للسلام والأمن والتنمية الذي استضافته طهران الإثنين 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما أكد له أن موقف بلاده كان يشدد دائماً "على حل أزمات المنطقة بعيداً من تدخل القوى الأجنبية"، وأن يذكّر ضيفه بأنه نصح رئيسه إلهام علييف أن "الكيان الصهيوني لن يكون صديقاً لكم ولا صديقاً لأي من الدول الإسلامية، وأن الوضع الذي تشهده غزة اليوم هو خير مثال لكل شعوب المنطقة لتعرف بأن الغربيين وعلى رأسهم أميركا تدعم بالكامل الجرائم الصهيونية، هذا خير دليل على أنها لا تهتم بدول المنطقة، وإنما فقط ما يخدم مصالحها".

هذا الكلام للرئيس الإيراني، لم يجد الضيف الأذربيجاني مخرجاً أمامه سوى التأكيد على الأهمية التي تراها باكو للعلاقة مع إيران، وتأييد "النظرة الإيرانية للقضايا، خصوصاً قطع الطريق على دخول الدول الخارجية على المنطقة". إضافة إلى أنه لم يصدر عنه أي اعتراض أو تحفظ على الخطاب والمواقف التي تضمنتها كلمة نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان الافتتاحية للمنتدى حول الأزمة الفلسطينية، وإدانة تل أبيب واتهامها بالتطهير العرقي وارتكاب جرائم حرب في غزة، فضلاً عن التزام الصمت أمام وضع علم فلسطين إلى جانب أعلام الدول الأربع المشاركة في أعمال المنتدى روسيا وتركيا وأرمينيا إضافة إلى أذربيجان.

من لغة التهدئة إلى لغة الإرشاد

الانتقال الإيراني من لغة التهدئة والاسترضاء مع باكو التي سيطرت على جهودها الدبلوماسية والسياسية على مدار المرحلة الماضية، وصولاً إلى تمرير الاعتراف بسيادة باكو على إقليم قره باغ، والتخلي عن تحالفها أو على الأقل علاقاتها المتقدمة مع أرمينيا، إلى لغة الإرشاد والوعظ والتذكير، ما كانت لتحصل ما لم تحصل العملية التي قامت بها "حماس" في غزة والهجوم الذي شنته على الداخل الإسرائيلي وما أسفر عنه من اهتزاز منظومة السلطة والدولة والصورة المتفوقة للجيش الإسرائيلي، وإحساس طهران بأن ما حدث في غزة، يشكل مدخلاً لإعلان تخصلها من الضغوط والتهديدات الإسرائيلية، وما كانت تقوم به تل أبيب من تحركات في المجال الحيوي لإيران، وما يعنيه ذلك من استهداف لمصالحها الاستراتيجية في منطقة غرب آسيا، إضافة إلى ما تشكله من تهديد لاستقرارها الداخلي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل