Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة تضع المنظمات الحقوقية في ورطة

الأيديولوجيا السياسية تهيمن على البيانات وتداخل في توصيف طرفي الصراع مع تضارب في تحديد مسؤولية "رد الفعل"

الحرب وضعت المنظومة الحقوقية برمتها في خانة صعبة (أ ف ب)

ملخص

أنطونيو غوتيريش دخل في تراشق مع إسرائيل بعدما أشار إلى أن الشعب الفلسطيني يخضع لاحتلال خانق على مدى 56 عاماً وأن هجوم "حماس" لم يأت من فراغ.

كان ينبغي أو يفترض أو يتوقع أن تهرع منظمات ومؤسسات وجمعيات حقوق الإنسان الغربية والعربية والدولية والأممية إلى ساحة حرب غزة المشتعلة، لتصدر البيانات وترصد الانتهاكات وتقدم التقارير وترفع النتائج كعادة الحروب وما يصاحبها من انتهاكات.

لكن مفاجأة "طوفان الأقصى" هذه المرة، وما تبعها من صدمات "السيوف الحديدية"، وامتلاء الأجواء بشتى أنواع الانتهاكات، أو "ردود الفعل التي يراها البعض نتيجة عقود من الظلم والاحتلال"، والخروقات، وفي أقوال أخرى "حق الضحية في رد الصاع صاعين"، وضعت المنظومة الحقوقية برمتها في خانة صعبة.

التفنيد الحقوقي

صعوبة موقف التفنيد الحقوقي أضفت طابعاً مائعاً على غالبية بيانات الشجب وتصريحات الإدانة وأوراق المطالبة بالردع والإعراب عن القلق. الجانب الأكبر من التقارير والبيانات التي تصدر منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري صبيحة عملية "حماس" يبدأ بإدانة ما قامت به الحركة، ثم يسارع إلى شجب ما تقوم به إسرائيل. وتظل سردية البيانات تتأرجح بين التأكيد أن ما قامت به إرهاب وأن ما ترد به تل أبيب مرفوض.

التقارير الحقوقية، لا سيما الغربية، من المرات القليلة التي تتداخل فيها الأدوار التقليدية للمعتدي والمعتدى عليه، وتتشابك حدود الهجوم والدفاع، وتتضارب معايير المنظمات التي ترتكن عليها للشجب والإدانة.

وعلى رغم أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لم يشجب بشكل واضح أو يدين بطريقة مباشرة "حماس" أو إسرائيل، فإن ما قاله قبل أيام ورد فعل تل أبيب يمثل معضلة المنظمات الحقوقية في ظل الحرب الدائرة.

غوتيريش أثار حفيظة إسرائيل حين عبر عن قلقه حول "الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني في غزة"، وحين قال إن "أي طرف في الصراع المسلح ليس فوق هذا القانون"، وعندما دعا إسرائيل و"حماس" إلى وقف إطلاق نار فوري، وكذلك عندما عاد وأكد أن "لا شيء يبرر الهجمات المروعة من قبل حماس"، وحين ألحق بهذه الكلمات بتحذير من "العقاب الجماعي" للشعب الفلسطيني.

حفيظة ثم غضبة

الحفيظة تحولت إلى غضبة عارمة، حين أشار إلى أن "الشعب الفلسطيني يخضع لاحتلال خانق على مدى 56 عاماً"، وأن "هجوم حماس لم يأت من فراغ".

تصاعد نبرات التراشق بين غوتيريش من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث تل أبيب مطالبة إياه إما بالاعتذار وإما بالاستقالة، بينما الأمين العام للأمم المتحدة مصدوماً من "تحريف البعض" خطابه ليبدو كما لو كان يبرر أعمال الإرهاب التي ارتكبتها حركة (حماس) نقطة في بحر حقوقي وجد نفسه بسبب حرب القطاع أمام معايير مختلفة وفي مواجهة مقاييس يسميها البعض مزدوجة ويراها البعض الآخر ملتبسة.

"هيومن رايتس ووتش" منظمة حقوقية ضمن الأشهر والأوسع انتشاراً في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان تقول إن حركتي "حماس" و"الجهاد" ترتكبان جرائم حرب باحتجاز عشرات الإسرائيليين وغيرهم كرهائن في غزة، وأنه لا يمكن لأي مظلمة أن تبرر احتجاز أي شخص رهينة. وأشارت إلى أنه ينبغي "على هذه الجماعات إطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين فوراً وبشكل آمن".

المنظمات المعروفة بحكم تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي بمناصرة المظلومين ومؤازرة المعتدى عليهم وشجب المعتدي والتنديد بالاعتداء عبر تقاريرها وبياناتها على مدى عقود، لم تلق الترحيب المعتاد من قبل الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية.

مطلب الانحياز

من وجهة نظر حقوقية، لا يسعك إلا أن تشجب كل عملية تستهدف مدنيين من دون النظر إلى جنسياتهم أو هوياتهم، وبالطبع من دون إقحام الأيديولوجيات الخاصة، حتى لو كان الحقوقي عربياً أو إسرائيلياً أو غيرهما، لكن في ظروف بالغة التأزم والحساسية والانتهاكات على الجانبين مع تعاظم حجم الانتهاك، ينجرف الأفراد العاديون وراء عواطفهم على جانبي الأحداث، ويتصور البعض أنه على المنظمات الحقوقية أن تأخذ صف طرف دون آخر بناءً على الأهواء والعواطف، وهو ما لا ينبغي أن يحدث، وإن حدث، تواجه اتهامات لا حصر لها.

اتهامات شعبية

اتهامات شعبية عديدة على جانبي الصراع توجه حالياً لعدد كبير من المنظمات الحقوقية، لا سيما ذات الطابع الدولي، ما يجمع الواقفين على الجبهتين المتصارعتين هو اعتقاد أو مطالبة أو توقع أن تخرج التقارير الحقوقية مكتفية بتأييد جبهة على طول الخط، وشجب الأخرى حتى انتهاء الصراع.

الصراع الدائر بين حركة أو جماعة مسلحة وهي "حماس" ودولة إسرائيل بحسب التوصيف الأممي وبحكم التصنيف السياسي والدائر على أرض الواقع بعيداً من تاريخ الصراع وخلفيته، وماهية الاحتلال وتحركاته، وحقيقة المقاومة وأهدافها انعكس ارتباكاً في التعامل وإشكالية في التوضيح.

توضيح أبعاد الصراع بين حركة مسلحة يعتبرها البعض "مقاومة" ويصنفها البعض الآخر "إرهابية" من جهة، وبين دولة يعتبرها البعض "كياناً محتلاً" ويصنفها البعض الآخر دولة كاملة السيادة لم يعد من مهام المنظمات والحقوقية الدولية، التي تتعامل مع الكيانين الفلسطيني والإسرائيلي منذ عقود باعتبارهما دولة محتلة دائمة التعرض للانتهاكات، ودولة احتلال خروقاتها مستمرة، أما أن يقف الكيانان في خانتي الضحية والمجرم في الوقت نفسه فهذا يحتاج إلى استدعاء أسئلة لا تتوقف وإجابات لا تشفي.

منظمة "هيومان رايتس ووتش" أيقنت بعد أيام معدودة من عملية "طوفان الأقصى" أن الأسابيع وربما الأشهر المقبلة من العمل الحقوقي ستحمل كثيراً من اللبس والتشابك والاستقطاب والنقد.

سير الأعمال القتالية

في وثيقة عنوانها "أسئلة وأجوبة: القتال بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية في أكتوبر 2023" سردت الأسئلة المتوقع طرحها، والإجابات الحقوقية في ضوء قواعد وقوانين وأعراف حقوق الإنسان. وأوضحت المنظمة أن الوثيقة هدفها شرح قواعد القانون الإنساني الدولي الذي يحكم سير الأعمال القتالية، وأنها لا تتطرق إلى مدى توافر المبررات للهجمات أو استخدام القوة المسلحة من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة أو إسرائيل.

 

 

وعادت لتؤكد مجدداً أن المنظمة لا تتخذ موقفاً من القضايا المتعلقة بـ"قانون مسوغات الحرب"، وهو القانون المتعلق بالمبررات المقبولة لاستخدام القوة المسلحة، وأن هدفها الأساس هو توثيق الانتهاكات وتشجيع كل الأطراف في نزاع مسلح على احترام قوانين الحرب.

الأسئلة والإجابات المنشورة بلغات عدة، بينها العربية والعبرية، تطرقت إلى معضلة "الاحتلال" و"الجماعات المسلحة"، كما تناولت الحجج والتبريرات التي يتم تسويقها شعبياً وعلى أثير الـ"سوشيال ميديا"، لا سيما عربياً حيث المطالبة بمعايير حقوقية خاصة في قواعد الدفاع والهجوم، وذلك في ضوء التفاوتات الضخمة بين جيش "احتلال" مسلح على أعلى درجة من جهة، وجماعات مسلحة بأسلحة إما بدائية أو مجمعة أو مهربة من دول تؤازرها.

نزاع مستمر

أشارت الوثيقة إلى أن القانون الإنساني الدولي يقر بأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة هو "نزاع مسلح مستمر"، إلا أن قوانين الحرب لا تميز رسمياً بين أطراف النزاع على أساس اختلال موازين القوة أو أية معايير أخرى، إذ تبقى المبادئ الأساسية لقوانين الحرب سارية، ولا يمكن تبرير انتهاك هذه القوانين عبر استهداف المدنيين عمداً، أو تنفيذ هجمات عشوائية.

بالإشارة إلى الحجج السياسية من احتلال عمره 75 عاماً، والأخلاقية حيث خروقات وانتهاكات للطرف الواقع عليه الاحتلال، إضافة إلى عدم التزام مواثيق ومعاهدات سلام وحلول تتراوح ما بين دولتين وحكم ذاتي وحقوق تجارية وقائمة طويلة من الوعود غير المنجزة، تشغل الرأي العام والشعوب على جانبي الصراع، ولأنها تندرج تحت بند "حقوق الإنسان"، ولأن جميعها ينتهك بشدة هذه الأيام، وإن كان كل يرى حق الآخر انتهاكاً له، فإن مسؤولية المنظمات الحقوقية وطريقة عملها ومحتوى بياناتها تبدأ وتنتهي من سؤال "من وماذا يمكن أن يكون هدفاً مشروعاً للهجوم العسكري؟".

وتأتي الإجابة التي تثلج صدوراً وتوغر أخرى، إذ توضح "هيومان رايتس ووتش" أن "قوانين الحرب تقر بأنه قد يكون من غير الممكن تفادي وقوع بعض الخسائر المدنية أثناء نزاع مسلح، إلا أنها تفرض على الأطراف المتحاربة واجب التمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين والأهداف العسكرية فقط"، حيث المقومات الأساسية لذلك هي مبدأ "حصانة المدنيين".

مقاتلون ومدنيون

المقاتلون بحسب التعريف المتفق عليه قانوناً هم أفراد القوات المسلحة في بلد ما وهم قادة وجنود بدوام كامل في الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، وبحسب القوانين الدولية "يستهدف هؤلاء بالهجوم في كل الأوقات أثناء الأعمال العدائية ما لم يتم أسرهم أو يصبحوا عاجزين".

حقوقياً، يفقد المدنيون حصاناتهم من الهجمات إذا شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وفقط خلال هذه المشاركة، وبحسب إرشادات "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، تميز قوانين الحرب بين أفراد القوات المقاتلة المنظمة المنتمين إلى طرف غير تابع للدولة، والذين يمكن استهدافهم خلال نزاع مسلح، والمقاتلين بدوام جزئي، والذين يعتبرون مدنيين ولا يمكن استهدافهم إلا عند مشاركتهم.

أوراق ثبوتية

وعلى رغم أن القصف الدائر رحاه، والاشتباكات التي تنشب بين الحين والآخر في حرب القطاع الحالية على جبهات عدة، لا تدقق غالباً في الأوراق الثبوتية للموجودين في محيط الأهداف التي يجري قصفها أو دكها، فإنه بحسب "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، فإن الأشخاص الذين لديهم حصراً وظائف غير قتالية في الجماعات المسلحة، بما فيها الأدوار السياسية أو الإدارية، أو أولئك الذين هم مجرد أعضاء أو منتسبون إلى كيانات سياسية لديها مكون مسلح مثل "حماس" أو "الجهاد" أو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" لا يجوز استهدافهم في أي وقت، إلا إذا شاركوا مباشرة في الأعمال القتالية، مثل أي مدني آخر، أي إن العضوية أو الانتماء إلى حركة فلسطينية لها مكون مسلح لا تشكل أساساً كافياً لتحديد شخص ما أنه هدف عسكري مشروع.

عشوائية التنفيذ

شرعية الهدف تؤرق ملايين المتابعين لحرب القطاع، وأعين كثر تتجه للمنظمات الحقوقية بحثاً عن شجب لآلاف الأطفال والنساء والرجال الذين قضوا نتيجة ضبابية "الهدف العسكري" لإسرائيل، وتنديد بـ"عشوائية" الهجمات التي قامت بها "حماس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول "هيومان رايتس ووتش" إن قانون الحرب والقانون الإنساني يحظران الهجمات العشوائية، وتعرفها بأنها "الهجمات التي تصيب الأهداف العسكرية والمدنيين أو الأعيان المدنية من دون تمييز، مثل تلك التي لا يتم توجيهها نحو هدف عسكري محدد، أو التي تستخدم أسلحة لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد".

وبحسب هذا التعريف الحقوقي، فإن الهجمات العشوائية المحظورة تشمل قصف مناطق بأسرها في منطقة تضم تجمعات من المدنيين والأعيان المدنية، على أنها هدف عسكري واحد.

حديث التناسب

وتتطرق المنظمات الحقوقية كذلك إلى مبدأ التناسب، إذ توضح أن قوانين الحرب ومواثيق حقوق الإنسان تحظر الهجمات على هدف عسكري مشروع في حال انتهكت المبدأ، والهجمات غير المتناسبة هي "تلك التي يتوقع أن تتسبب في خسائر في أرواح المدنيين، أو أضرار بأعيان مدنية على نحو مفرط مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة من الهجوم".

حديث التناسب بين جيش دولة مزود بأحدث التقنيات العسكرية والقتالية ومدعوم بمساعدات مباشرة وغير مباشرة من قوى العالم العظمى، في مقابل قدرات حركة مسلحة تعتمد على أسلحة غير معلنة أو معروفة العتاد وتدريب مهارات قتالية "تحت الأرض" بحكم كونها حركة وليست جيشاً، مهما بلغت القدرات من تميز أو حنكة يفاقم من صعوبة عمل المنظمات الحقوقية هذه الأيام.

إشهار المساواة

جهود حثيثة تبذلها هذه المنظمات لـ"إشهار" مبدأ المساواة في الواجبات والمسؤوليات والقواعد لكل من الجيش الإسرائيلي من جهة، والحركات والمجموعات الفلسطينية المتقاتلة من جهة أخرى، توضح "هيومان رايتس ووتش" أن القانون الإنساني الدولي يحظر القتال في المناطق الحضرية، وأن وجود أعداد كبيرة من المدنيين يفرض على الأطراف المتحاربة التزامات أعلى باتخاذ خطوات لتقليص الضرر الواقع على المدنيين، وهو ما يصنفه مراقبون حقوقيون عرب بأنه كلام غارق في النظرية، وهو ما تدركه المنظمة على ما يبدو من جملة "غزة هي إحدى المناطق الأكثر كثافة سكانية في العالم" التي تذيل بها عديداً من بياناتها الحالية.

الكثافة السكانية في غزة بحسب بيانات المفوضية الأوروبية تبلغ أكثر من 500 نسمة لكل متر مربع في أماكن كثيرة فيها، كما تعتبر الكثافة في مناطق مثل خان يونس ومخيم النصيرات للاجئين مرتفعة أيضاً، وتبلغ نحو 400 نسمة لكل متر مربع في المخيم.

حذر دائم

وتلزم قوانين الحرب الأطراف اتباع الحذر الدائم في العمليات العسكرية لتجنب التجمعات السكانية المدنية لتفادي أو تقليل الخسائر "العرضية" في أرواح المدنيين والأعيان، مع عمل تحذيرات مسبقة فعالة قبل الهجمات عندما تسمح الظروف.

أغلب المنظمات الحقوقية الغربية تطالب بتجنب وضع أهداف عسكرية، بما في ذلك المقاتلون أنفسهم، وسط المناطق الكثيفة السكان أو قربها، كما تشدد على الحظر القانوني المفروض على استخدام المدنيين دروعاً لحماية الأهداف أو العمليات العسكرية من الهجوم، أو لإكساب المناطق العسكرية والمقاتلين حصانة من الهجوم.

وتمثل مسألة "الدروع البشرية" نقطة شد وجذب شديدة في حرب القطاع، لا سيما أن إسرائيل والدول الداعمة لها تصر على أن حركة "حماس" إما يندس أفرادها بين المدنيين أو تتخذ منهم دروعاً بشرية في غزة سواء الفلسطينيين أو المحتجزين منذ عملية "طوفان الأقصى".

يشار إلى أنه بحسب محكمة الجنايات الدولية فإن جريمة الحرب المتمثلة في استخدام الدروع البشرية تعني الاستفادة من وجود مدني لصالح تأمين نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.

الدروع البشرية

جمعيات حقوقية غربية وكذلك إسرائيلية أقل انتشاراً من المنظمات الكبرى تعيد هذه الأيام نشر وتداول مقاطع من ورقة صادرة عن "مركز التميز للاتصالات الاستراتيجية" التابع لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في 2014 تحت عنوان "استخدام (حماس) للدروع البشرية في غزة"، وما تود هذه الجمعيات الإشارة إليه هو ما "زعم" من قبل على مدى سنوات، وتحديداً منذ عام 2007، من أن الحركة دأبت على استخدام سكان قطاع غزة كستار وحماية ودرع بشرية لها.

الورقة تشير إلى أن "حماس" دأبت على إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل، وإنشاء بنى تحتية عسكرية وطرق خاصة بها، وكذلك الاشتباك مع قوات الجيش الإسرائيلي في المناطق السكنية أو التجارية أو قربها.

وترى الورقة أن المنطق الاستراتيجي مما تسميه "الدروع البشرية" في هذا السياق هو معرفة "حماس" بوعي إسرائيل وميلها إلى تقليل الأضرار الجانبية للقصف، ومعرفتها كذلك بحساسية الرأي العام الغربي تجاه إصابات المدنيين بشكل عام، وتستنتج أن الحركة تهدف من وراء ذلك دفع إسرائيل إلى استخدام القوة المميتة التي تحصد أعداداً مهولة من الضحايا المدنيين، ومن ثم اعتبار ذلك أداة للتأثير في الرأي العام العالمي، والذي يجد نفسه متشككاً، أو في الأقل مدققاً على غير العادة في ما يجري نشره أو تداوله من قبل عديد من المنظمات الحقوقية.

الحق في الاتصال

منظمات حقوقية فاتها أن تؤكد منذ بدء الصراع، وربما على سبيل الاستباق، على أن الاتصال بالإنترنت شأنه شأن الماء والغذاء والدواء حق من حقوق الإنسان في أوقات الصراع والحروب، لأن انقطاع الاتصالات بشتى أنواعها في غزة قبل أيام فسره الجميع بأنه وسيلة لإخفاء أو تمويه أو تأجيل إظهار "الفظائع الجماعية" المتوقع ارتكابها في أثناء الاجتياح الإسرائيلي لغزة.

 

 

لم تنقطع الإنترنت فقط لتمنع أهل غزة من الاتصال والتواصل مع بعضهم بعضاً ومع العالم الخارجي، بل انقطع الاتصال بشكل كلي، مما جعل ما يجري في غزة سراً لا يعلمه إلا الله وأهل غزة والجيش الإسرائيلي.

هذا الانقطاع وصفته منظمات حقوقية بأنه "تعتيم قد يوفر غطاء للفظائع الجماعية، ويسهم في الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان".

أدوات رقمية

يشار إلى أن المشاركين عن المنظمات الأممية في قمة "رايتس كون" السنوية المعنية بالحقوق الرقمية التي انعقدت في يونيو (حزيران) 2022 أكدوا أن المنصات والأدوات الرقمية تلعب دوراً محورياً في الأزمات والصراعات والحروب، وقالوا إن المجتمعات التي تنزح أو يتم تهجيرها بسبب الحروب والكوارث تعتمد هذه المنصات للبقاء على اتصال، وللوصول إلى المعلومات والأخبار المنقذة للحياة، كذلك للتواصل مع الوكالات الإنسانية لتلقي المساعدات الطارئة، وأشاروا كذلك إلى أن هذه المنصات الرقمية، ومن ثم الحقوق الرقمية هي أدوات رئيسة للمشاركة في العدالة والمساءلة وتحقيقهما.

تسجيل الانتهاكات

وكأن ضبابية توثيق وتسجيل الانتهاكات الحقوقية في حرب القطاع، وورطة إصدار بيانات الشجب وتداول بيانات المطالبة برد الحقوق ومعاقبة المعتدين في ضوء تقلب المعايير ووقوف الدول الديمقراطية الكبرى قلباً وقالباً في صف إسرائيل لم تكن كافية، فقد بزغت على هامش حرب القطاع معضلة حقوقية أخرى ألا وهي أثر استجابات الحكومات الأوروبية في الحرب على حقوق الإنسان في أوروبا.

فبين مخاوف تعريف وتهويل وتهوين والتعامل مع حوادث تتعلق بـ"الإسلاموفوبيا" و"معاداة السامية"، وكذلك أثر استقطابات الحرب وتحزباتها في تشديد الخناق الأوروبي على سياسات الهجرة، وأخيراً وليس آخراً، التضييق والحظر على التعبير والتظاهر والاحتجاج، تجد عديداً من المنظمات الحقوقية، لا سيما الغربية، نفسها في حاجة إلى رحلة بحث عن الذات، أو إعادة اكتشاف الذات والحقوق في ضوء حرب القطاع.

شح عربي

في المقابل، فإن المنظمات الحقوقية العربية تعاني شحاً في الحضور ووهناً في التأثير وضعفاً في التعبير مع إفراط في النعوت في حرب القطاع، وقبل أيام وقعت خمس منظمات مجتمع مدني عربية من خمس دول هي مصر وليبيا وتونس والمغرب بيان تضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة للجيش الإسرائيلي.

وجاء في البيان أن المنظمات "توضح للعالم أن ما فعلته المقاومة الفلسطينية من عمل بطولي يوم السابع من أكتوبر مقاومة وعمل بطولي، ورد على جزء بسيط من استفزازات جيش الاحتلال وجرائمه البغيضة المنافية لكل القوانين والأعراف الدولية".

 وأضاف البيان أن "ما فعلته المقاومة كان رد فعل، أي إنها ليست البادئة"، وهاجم الولايات المتحدة الأميركية، إذ "أميركا التي تدعي أنها قلعة الحرية والمساندة دائماً لدولة الاحتلال وعدد من الدول الأوروبية قلبوا الحقائق، وبمنطق مغلوط تحول المجني عليه (المقاومة الفلسطينية) والشعب الذي يدافع عن أرضه ليحررها إلى جانٍ، والجاني المحتل الإسرائيلي إلى مجني عليه".

تحديد الطراف وتحليل وتبرير الرد على العملية بعملية تأتي على أخضر غزة ويابسها بأنه دفاع عن النفس، ومحاولة إمساك العصا الحقوقية من المنتصف حيث تنديد بـ"طوفان الأقصى" وشجب لـ"السيوف الحديدية"، ثم مطالبة بالإفراج عن المحتجزين المدنيين وفي الوقت نفسه مطالبة برفع الحصار الدامي على مدنيي غزة جميعها يضع العمل الحقوقي هذه الآونة في موقف صعب، وفي مرمى الاتهام بالانحياز أو تجاهل الضحية من الطرفين المتقاتلين.

أيديولوجيا سياسية

ما يجري على الصعيد الحقوقي من أزمات وصعوبات في التعامل مع حرب القطاع، والاتهامات الموجهة لأغلب المنظمات إما بتهويل ما يقترفه الطرف المعتدي، أو تهوين ما يقوم به الطرف المعتدى عليه، وما تجد منظمات حقوقية عربية نفسها فيه من "واجب" أو "اضطرار" أو "مسؤولية أخلاقية" أو "ضرورة إنسانية" أو "حتمية أيديولوجية" لشجب "فظائع الاحتلال" وتبجيل "أفعال المقاومة" هو وجه من وجوه تسييس حقوق الإنسان.

عادة تحذر المنظمات الأممية من تسييس حقوق الإنسان، أو الزج بالسياسة في الدفاع عن الجوانب الحقوقية، لكن متخصص القانون في جامعة بافاولو الأميركية ماكاو موتوا يشير في مقال عنوانه "السياسة وحقوق الإنسان: تضامن حيوي" إلى أن المنظومة في حد ذاتها هي أيديولوجية سياسية، وأن حقوق الإنسان والديمقراطية الغربية لا ينفصلان، وأنهما مرتبطان ارتباط الأب والابن.

ويرى موتوا أن منظومة حقوق الإنسان بشكلها الحالي تتطلب إعادة هيكلة الدول بشكل يعكس قيم الحكم التي تقوم عليها الليبرالية والديمقراطية الغربية المعاصرة، وأنها تتطلب إعادة تشكل العالم على النسق الغربي، ليس فقط من جهة الشكل، ولكن من جهة المضمون، مطالباً بإعادة النظر في المنظومة العالمية والأممية لحقوق الإنسان بشكل يجعلها أكثر اتساقاً وقبولاً لتعدد الثقافات، وأكثر قدرة على احتضان التنوع والتعدد، ولا تقف عند حدود "الديمقراطية الغربية".

المزيد من تحقيقات ومطولات