ملخص
لا شك أن القضية الرئيسة الأولى التي تواجه مجلس النواب الآن هي مشروع قانون الإنفاق الطارئ الذي قدمه بايدن، ويتضمن 14 مليار دولار لإسرائيل
فوجئ الديمقراطيون بتوافق نادر طال انتظاره من الجمهوريين الذين انتخبوا وجهاً محافظاً، وهو معروف نسبياً كرئيس جديد لمجلس النواب هو مايك جونسون، ليخلف كيفن مكارثي الذي أطيح به هذا الشهر من قبل أعضاء يمينيين متشددين في الحزب بينما رفض الديمقراطيون إنقاذه، لكن اختيار جونسون بعد فشل الجمهوريين في التوافق على ثلاثة مرشحين بارزين، يعد خبراً سيئاً للديمقراطيين، فما السبب وراء ذلك؟ وهل ينجح بأغلبية ضئيلة في تمرير مشاريع القوانين التي يحتاج فيها إلى جميع أصوات حزبه بعد أن كافح سلفه في ذلك؟
مفاجأة الجمهوريين
بعد أسابيع عدة من الانقسام بين الجمهوريين وسخرية الديمقراطيين منهم لتعطيلهم الأجندة التشريعية وتهديد المصلحة العليا للولايات المتحدة، تمكن الجمهوريون، أخيراً، من تحقيق ما بدا أنه عقبة كؤود تستعصي على الحل، ليظهر اسم النائب عن ولاية لويزيانا مايك جونسون فجأة ويستحوذ على أصوات جميع الجمهوريين الحاضرين في مجلس النواب والبالغ عددهم 220 فيما رشح الديمقراطيون زعيم الأقلية "حكيم جفريز" الذي حصل على أصوات جميع الديمقراطيين الحاضرين البالغ عددهم 209، وهكذا بدأت مرحلة جديدة تعهد فيها جونسون استعادة ثقة الناخبين والحكم بفاعلية والعمل مع الديمقراطيين حيثما أمكن ذلك، مشيراً إلى الانفتاح على تمرير إجراء تمويل مؤقت لتجنب إغلاق الحكومة الشهر المقبل.
لكن جونسون (51 عاماً) وهو محام دستوري كان يعمل في الظل غالباً وغير معروف للقيادات الجمهورية في حزبه، بدا مقلقاً للديمقراطيين إلى حد بعيد، فقد كانوا يراقبون بصبر محاولات الأسماء البارزة للجمهوريين مثل زعيم الأغلبية ستيف سكاليز والنائب جيم جوردان، إلى الرجل الثالث في ترتيب الجمهوريين في المجلس توم إيمر، للحصول على 217 صوتاً اللازمة ليصبح أي منهم رئيساً لمجلس النواب، لكنهم فشلوا في ذلك، ليبرز اسم مايك جونسون فجأة ويحتفل بفوزه أعضاء اليمين المتشدد الذين تمردوا على كيفن مكارثي وأطاحوا به من المنصب لأنه توافق مع بايدن والديمقراطيين عبر دعمه مشروع قانون لتجنب إغلاق الحكومة.
صدمة الديمقراطيين
ليس هذا فحسب، فقد تبين لهم أن جونسون الذي بدا كشخصية مرحة ولطيفة عندما أدلى بكلمته على منصة المجلس بالمطرقة الشهيرة، هو في الواقع، حليف للرئيس السابق دونالد ترمب، وعارض التصديق على انتخاب بايدن رئيساً عام 2020، ويحمل أجندة محافظة جداً لا تنبئ بتعاون معقول وحلول وسط مع إدارة الرئيس بايدن والديمقراطيين الذين لا يعرفون ما مصير التشريعات المقبلة بما فيها تقديم مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل وتجنب الإغلاق الحكومي قبل 17 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وعلى الرغم من أن الرئيس جو بايدن هنأ جونسون على انتخابه رئيساً جديداً لمجلس النواب ووعد بالعمل معه بسرعة لتلبية احتياجات الأمن القومي الأميركي وتجنب الإغلاق الحكومي خلال 22 يوماً، فإن السؤال الذي يتساءل حوله المراقبون هو ما إذا كان جونسون سيتمكن من قيادة الجمهوريين في المجلس على المسار الذي من شأنه تجنب الإغلاق، الذي كان سبباً للإطاحة بسلفه مكارثي.
تمويل إسرائيل وأوكرانيا
غير أن ما يقلق إدارة بايدن والديمقراطيين في الكونغرس أمور أخرى يتوجسون من احتمالية الاعتراض عليها وعدم تمكن جونسون من جمع أصوات الجمهوريين حولها، ولا شك أن القضية الرئيسة الأولى التي تواجه مجلس النواب الآن هي مشروع قانون الإنفاق الطارئ الذي قدمه الرئيس جو بايدن، ويتضمن 60 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار لإسرائيل.
وفي حين أن جونسون يؤيد تمويل إسرائيل بقوة، فإن إرسال مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا أثبت أنه نقطة شائكة بين الجمهوريين في سلسلة مناقشات جرت داخل الكونغرس في الأشهر الأخيرة، حيث لم يكن جونسون صريحاً على أي من جانبي القضية يقف، وفي الأسابيع التي تلت الهجوم الروسي على أوكرانيا، أيد جونسون العقوبات على موسكو ونشر على موقع "إكس" أن أميركا تقف إلى جانب أوكرانيا.
ومع ذلك، وبحلول مايو (أيار) 2022، كان جونسون واحداً من 57 عضواً فقط صوتوا ضد الدفعة الأولى البالغة 40 مليار دولار من المساعدات الإضافية لأوكرانيا، وأصدر بياناً قال فيه إنه "لا ينبغي لنا أن نرسل 40 مليار دولار أخرى إلى الخارج عندما تكون حدودنا في حالة من الفوضى، والأمهات الأميركيات يكافحن للعثور على حليب الأطفال، وأسعار الوقود في ارتفاعات قياسية، والأسر الأميركية تكافح لتغطية نفقاتها"، ومنذ ذلك الحين عارض جونسون باستمرار المساعدات المقدمة لكييف منذ ذلك الحين.
وفي الوقت ذاته، كان جمع إسرائيل وأوكرانيا في مشروع قانون واحد بمثابة سؤال مثير للخلاف في التجمع الجمهوري، بمن في ذلك بعض المؤيدين الأقوياء لتمويل تل أبيب وكييف ومن المرجح أن يسعى أعضاء مجلس النواب الذين عارضوا الربط بين القضيتين إلى ممارسة ضغوط مماثلة على جونسون.
وحتى إذا تمكن جونسون من تجاوز الصعاب والسيطرة على التجمع الجمهوري وثني اليمين المتشدد عن عرقلة الأجندة التشريعية، تظل مواقفه مثيرة للقلق والتوجس وفي ما يلي أسباب ذلك:
عارض المصادقة على انتخاب بايدن
اعترض جونسون على نتائج انتخابات 2020، وحث الرئيس دونالد ترمب على "البقاء قوياً ومواصلة القتال" بينما كان يحاول قلب خسارته أمام بايدن في السباق الرئاسي، حيث كان أحد مهندسي الهجوم على الانتخابات من الناحية القانونية، وادعى أن تسهيلات التصويت في الولايات أثناء الوباء كانت غير دستورية، كما قاد جونسون مجموعة من 126 مشرعاً جمهورياً لتقديم مذكرة إلى المحكمة العليا زعم فيها أن السلطات في جورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان اغتصبت السلطة الدستورية للمجالس التشريعية في الولايات عندما خففت قيود التصويت بسبب الوباء، لكن المحكمة رفضت الشكوى الأساسية التي قدمتها ولاية تكساس بحجة عدم أهليتها، ورفضت جميع الطلبات الأخرى ذات الصلة.
محافظ جداً في القضايا الاجتماعية
يعرف جونسون بأنه مسيحي محافظ ولد في أسرة تقليدية ريفية محافظة حيث كان أبوه رجل إطفاء، ولهذا فهو يتمسك بتقاليده المحافظة ويعارض الإجهاض، واحتفل بقرار المحكمة العليا بإلغاء حكم "رو ضد وايد"، وهو الحكم التاريخي لعام 1973 الذي أنشأ الحماية الدستورية لعمليات الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، مما وجه ضربة موجعة لليبراليين والديمقراطيين الذين يؤيدون حق الإجهاض.
كما وضع جونسون نفسه في أقصى يمين الطيف السياسي في شأن عديد من القضايا الاجتماعية، حتى داخل المؤتمر الجمهوري المحافظ الحالي، وعلى سبيل المثال، قدم جونسون تشريعاً في العام الماضي من شأنه أن يحظر مناقشة التوجه الجنسي والهوية الجنسية، إضافة إلى الموضوعات ذات الصلة، في أي مؤسسة تتلقى أموالاً فيدرالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حليف وثيق لترمب
ويعد جونسون حليفاً وثيقاً للرئيس السابق ترمب، حيث خدم في فريق الدفاع القانوني عنه خلال محاكمتي عزله في مجلس الشيوخ. ووصف التهم الموجهة ضد ترمب والتي تشمل قضية فيدرالية تتعلق بمحاولاته إلغاء انتخابات 2020 بأنها زائفة. وقال إن الأنظمة القانونية والسياسية تعاملت مع ترمب بشكل غير عادل.
كما لعب جونسون أحد أهم الأدوار التي لعبها أي عضو في الكونغرس في محاولة إلغاء الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2020، ولكنه على عكس بعض زملائه الأكثر تفاخراً، كان كثير من الأمر يجري وراء الكواليس، من خلال تقديم ملفات قانونية، وجلسات استراتيجية مغلقة للحزب الجمهوري، ومحادثات خاصة مع ترمب.
مخاوف المستقبل
والآن بعد أن ظهر جونسون باعتباره رئيس مجلس النواب، فإن دوره كزعيم للجهود الرامية إلى إلغاء فوز بايدن يولد تدقيقاً جديداً، ويثير اهتماماً حول كيفية استخدام جونسون لمنصبه الجديد للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذا ظل رئيساً للمجلس في يناير 2025.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست"، إنه ربما تكون محاولاته لتقويض انتخابات عام 2020 سبباً رئيساً لصعوده، بعد أن امتنع التجمع الحزبي الجمهوري في اليوم السابق عن انتخاب توم إيمر، الذي كان من بين القليلين من الجمهوريين في مجلس النواب الذين صوتوا للمصادقة على فوز بايدن، فيما يشير أستاذ القانون والعلوم السياسية في كلية أمهيرست، أوستن سارات إلى أن "جونسون شخص غارق حتى أذنيه في إنكار الانتخابات، وهذا لا يبشر بالخير لما قد يحدث على الأرجح في مجلس النواب".
مخاوف انتخابات 2024
ويشعر الديمقراطيون وعلماء الدستور بالقلق بشكل خاص في شأن ما يمكن أن يفعله في عام 2024، عندما قد يكون ترمب مرة أخرى المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس، حيث تقول جينيفيف نادو، المحامية في منظمة حماية الديمقراطية، "إن وجود شخص اتخذ هذه الخطوات في مثل هذا المنصب القيادي قبل انتخابات رئاسية أخرى مع وجود نفس الأشخاص على بطاقة الاقتراع على الأرجح هو أمر مثير للقلق للغاية".
ويحذر أستاذ القانون بجامعة نيويورك، ريتشارد بيلدس من أن "رئيس مجلس النواب سيكون لديه سلطة كبيرة لصياغة القواعد إذا لم يفز أي من المرشحين بأغلبية مطلقة من أصوات المجمع الانتخابي وهو احتمال وارد إذا تمكن مرشح حزب ثالث من الفوز بولاية واحدة أو أكثر، وفي هذا السيناريو، يتم إجراء انتخابات طارئة في مجلس النواب، حيث يمنح وفد كل ولاية صوتاً واحداً فقط بدلاً من الأصوات المحددة لكل ولاية في المجمع الانتخابي، التي تشمل إجمالي عدد مقاعد مجلسي النواب والشيوخ".
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ما إذا كان جونسون سيحاول تعطيل الإجراءات بطريقة أكثر دراماتيكية من خلال منع انعقاد الجلسة تماماً، فعلى الرغم من أن نائب الرئيس هو من يترأس هذه المناسبة، فإنها تحدث في غرفة مجلس النواب وهي منطقة تخضع لسيطرة رئيس مجلس النواب.
وبحسب أستاذ القانون وخبير قانون الانتخابات في جامعة ولاية أوهايو، إدوارد فولي، فإن "فشل الكونغرس في وضع اللمسات النهائية على النتائج بحلول 20 يناير (كانون الثاني) 2025، وهو يوم التنصيب للرئيس الجديد المنتخب، يعني أنه عندها لن يكون جو بايدن رئيساً ولن تكون كامالا هاريس نائبة للرئيس، ومن الممكن أن تنشأ أزمة دستورية في شأن خلافتهما، بينما سيكون جونسون، بصفته رئيساً لمجلس النواب، هو التالي في الترتيب الذي يتولى الرئاسة".
لكن فولي يستبعد هذا السيناريو باعتباره بعيد الاحتمال، ومع ذلك فقد أوضح أن "أحداث السادس من يناير 2021 كانت تبدو بعيدة المنال قبل أن تحدث بالفعل أيضاً".