Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما نهاية مقامرة إسرائيل إذا تخلصت من "حماس" في غزة؟

أمام تل أبيب 6 خيارات مريرة: الاحتلال أو المغادرة أو تمكين عباس من القطاع أو إسناده لقادة محليين أو لقوة عربية أو أممية

الصعوبات التي تواجه الهجوم البري الإسرائيلي على غزة واضحة بما فيه الكفاية (أ ف ب)

ملخص

لماذا ترى الولايات المتحدة أن خيارات إسرائيل في ما بعد غزو غزة جميعها مريرة؟

وضعت إسرائيل لنفسها تحدياً صعباً في سعيها إلى هزيمة "حماس"، فحشدت قوة ضخمة تشمل أكثر من 1000 دبابة و360 ألفاً من قواتها الاحتياطية إلى جانب 170 ألفاً من قواتها العاملة لغزو قطاع غزة في عملية هي الأكبر منذ غزوها لبنان عام 1982، لكنها تفتقر إلى خطة بعيدة المدى حول كيفية حكم القطاع إذا نجحت في تحقيق هدفها المعلن. وإذا كانت إسرائيل نجحت في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في الثمانينيات، فإن النتيجة غير المتوقعة لتلك الحرب كانت ظهور "حزب الله" هناك بدعم إيران ووصايتها، والذي أصبح عدواً أقوى بكثير لإسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية، فهل تكرر إسرائيل الخطأ نفسه بعد 40 سنة من غزو لبنان بينما تبدو في صراعها الحالي مع "حماس" من دون رؤية واضحة لنهاية المقامرة؟ ولماذا ترى الولايات المتحدة أن جميع خيارات ما بعد الغزو مريرة؟

غزو محفوف بالأخطار

منذ سحب قواتها من غزة عام 2005 وبغض النظر عن المناوشات الدورية بينهما، خاضت إسرائيل ثلاث حروب كبرى ضد "حماس" في أعوام 2008 و2014 و2021 وتضمنت كل منها توغلات برية محدودة للجيش الإسرائيلي، لكن الصعوبات التي تواجه الهجوم البري الإسرائيلي على غزة واضحة بما فيه الكفاية، إذ إن القتال في المدن من شارع إلى شارع سيكون صعباً بدرجة كبيرة بالنسبة إلى القوات الإسرائيلية، حيث تتمتع "حماس" بميزة وجود شبكة إنفاق واسعة النطاق يقدر طولها بما يصل إلى 500 كيلومتر، مما يمكن مقاتليها من شن هجمات ثم الاختفاء، كما أنهم مدربون جيداً على تكتيكات حرب العصابات ولديهم رغبة وعقيدة صلبة للقتال لأنهم أمام خيارين إما صد القوات الإسرائيلية وتكبيدها خسائر فادحة، أو الموت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحسب الباحث بمركز الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة الوطنية إيان بارميتر، فإن إسرائيل قد تتمكن من مواجهة هذه التحديات إلى حد ما باستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة مثل الروبوتات وطائرات الدرون، لكن تقنية الرؤية الليلية لن تكون فعالة في الظلام الدامس للأنفاق، حيث تتطلب هذه الأجهزة إضاءة محيطة خافتة كي تعمل.

ويتمثل التحدي الثاني في كيفية تنفيذ الغزو البري مع الحفاظ على قانون الحرب، حيث لا يعرف حتى الآن عدد السكان الذين ظلوا في النصف الشمالي من غزة بعد تحذير إسرائيل ما يقارب 1.1 مليون مدني يقطنون فيه بالرحيل والانتقال إلى النصف الجنوبي، ومن المحتم أن تكون هناك خسائر مروعة في صفوف المدنيين مع بقاء عدة آلاف منهم وهو ما سيؤدي إلى تحميل إسرائيل مسؤولية قتلهم أو إصابتهم، حتى لو لم يكن هذا خطأ الجيش الإسرائيلي بالضرورة.

أما التحدي الثالث، فهو أن هناك نحو 200 رهينة احتجزتهم "حماس" خلال غارتها على إسرائيل ونشرتهم في أنحاء مختلفة في غزة، ويكاد يكون من المؤكد أن بعضهم سيكون في منطقة الحرب الشمالية، وهو أمر حساس لإسرائيل، حيث ينتقد بعض أقارب الرهائن حكومة نتنياهو لعدم إعطاء أولوية كافية لإطلاق سراح أقاربهم.

لغز سياسي

لكن مع افتراض أن جيش إسرائيل تمكن من السيطرة بالفعل على غزة والتخلص من حركة "حماس"، فليس من الواضح ما الذي تنوي إسرائيل القيام به، ويحوم فوق كل شيء اللغز السياسي الذي يكتنف ما يحدث بعد انتهاء الحرب، وتثور أسئلة حول كيف ستخرج إسرائيل من القطاع؟ وبمجرد قيامها بتفكيك "حماس"، إذا تمكنت من ذلك، فلمن ستسلم مفاتيح إدارة غزة؟

وإذا كان المسؤولون الإسرائيليون يقولون حالياً إن هذه الأسئلة ليست همهم المباشر، فإن هذه الأسئلة لن يكون من الممكن تجنبها، حتى لو أصبحت غزة مسؤولية حكومة إسرائيلية جديدة، إذ يشير المدير التنفيذي للشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية توم بيكيت، إلى أنه لا توجد خيارات جيدة لشن هجوم بري إسرائيلي على غزة، لأنه بغض النظر عن مدى نجاح العملية في هزيمة "حماس" كمنظمة عسكرية، فإن دعم السكان للمقاومة سيستمر، سواء أعادت إسرائيل احتلال غزة للسيطرة عليها أو من خلال الانسحاب بعد الهجوم والتنازل عن الأرض لآخرين قد تمثل المقاومة خياراً بالنسبة إليهم.

صعوبة تفكيك "حماس"

يشكل هذا إحدى نقاط الضعف في الاستراتيجية الإسرائيلية، ذلك لأن "حماس" تمثل فكرة سياسية ودينية لا يمكن تفكيكها، وهي منظمة ازدهرت بفضل سمعتها بين الفلسطينيين باعتبارها تتبنى الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتقول مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن لينا الخطيب، إنه حتى لو هزمت "حماس" عسكرياً فلن يمكن القضاء عليها، لأنن القول إن وجود "حماس" أو شرعيتها مرتبط بنجاحها العسكري هو أمر زائف، لهذا يمكن هزيمتها عسكرياً لكنها تبقى ذات أهمية سياسية حيث يمكنها تقديم أي دفاع على أنه استشهاد بطولي من أجل تحرير الشعب الفلسطيني.

يحذر أستاذ دراسات الحرب لورانس فريدمان، من أن الهدف السياسي الطموح للغاية للجيش الإسرائيلي في غزة سيؤدي إلى الإحباط أو الفشل والأمثلة كثيرة، ومنها الانتصارات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان التي كانت ذات أهداف سياسية واسعة وطموحة، مثل إرساء الديمقراطية والمساواة بين الجنسين، التي انتهت بالفشل، كما انتهت الانتصارات الأولى السهلة بحملات طويلة وشرسة لمكافحة التمرد ضد الميليشيات المحلية والمقاتلين الإسلاميين المتطرفين الذين عرفوا المنطقة، والذين عاشوا بين السكان ولم يلتزموا باتفاق جنيف أو قواعد الحرب.

وعبر فريدمان في صحيفة "فايننشال تايمز" عن اعتقاده أن الإسرائيليين يخاطرون بمصير مماثل لأنهم، حتى لو وجهوا ضربة قوية لـ"حماس"، فلن يتمكنوا من وقف تجديدها، ولا يمكن لإسرائيل احتلال غزة إلى أجل غير مسمى، كما لا يمكنها دفع السكان إلى مصر، التي لا تريد أن تفعل شيئاً بغزة أيضاً، ولذلك، فإنه من دون استراتيجية سياسية واضحة، من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الغزو سيحقق أي نتيجة.

6 خيارات مريرة

ولا يتوافر لإسرائيل خيارات جيدة لحكم غزة إذا تمكنت من تحقيق هدفها المعلن بالتخلص من "حماس"، إذ إن الخيارات الستة التالية تبدو مكلفة وغير قابلة للتطبيق، بحسب كثير من الخبراء وهي كالتالي:

إعادة احتلال غزة

سيكون إعادة احتلال غزة كما فعلت إسرائيل في الفترة من 1967 إلى 2005 بمثابة عبء عسكري ضخم يعرض أفراد الجيش الإسرائيلي للعنف والاختطاف، ولهذا حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن إعادة الاحتلال سيكون خطأ كبيراً.

وفي حين اعتقدت إسرائيل لفترة طويلة أن الوضع المعقد في غزة يمكن احتواؤه، فإن عدد السكان ارتفع بشكل كبير، ومع معدل نمو يزيد على اثنين في المئة سنوياً، من المتوقع أن يصل عدد سكان غزة إلى ثلاثة ملايين بحلول عام 2030.

وتعتبر غزة أيضاً منطقة شابة، حيث يبلغ متوسط أعمار السكان 19.6 عام، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 30.5 عام، لكن ما يقارب نصف السكان البالغين عاطلون عن العمل، والفلسطينيون في غزة يعيشون بمعدل فقر يزيد بأربعة أضعاف مقارنة بأولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية، وهذه وصفة للاضطرابات الاجتماعية والتطرف ستواجه الجيش الإسرائيلي إذا اختارت حكومته إعادة احتلال غزة.

إعلان النصر ثم المغادرة

إذا تمكنت القوات الإسرائيلية من إحكام السيطرة على القطاع والتخلص من قيادات "حماس" من المؤكد أن مثل هذا النصر سيكون قصير المدى. وإذا قررت إسرائيل المغادرة وترك القطاع، فقد يعمل المستوى المنخفض في "حماس" على إعادة تشكيل المجموعة، وربما تقوم جماعة أخرى بملء الفراغ، ولن تكون إسرائيل قادرة على التحكم في هوية هذا الكيان أو ماهيته.

دعوة السلطة للسيطرة على غزة

خسرت حركة "فتح" كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الحرب الأهلية أمام "حماس" عام 2007. ويرى كثيرون في الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة أنه ليس هناك ما يشير إلى أن عودة السلطة الفلسطينية ستكون مقبولة للفلسطينيين في غزة، كما أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تم انتخابه عام 2005 لولاية مدتها أربع سنوات، لكنه ما زال يتولى السلطة، وعلى هذا النحو، فهو يفتقر إلى الشرعية، حتى في الضفة الغربية.

غير أن هناك أيضاً من يقول إن إسرائيل التي سهلت وجود "حماس" في البداية كي ينقسم الفلسطينيون ومن ثم تزعم بأنها لا تجد من يمثل الشعب الفلسطيني، وربما لا ترغب الآن في سيطرة السلطة على القطاع لأن ذلك قد يجعلها في وضع يصعب معه التهرب من استحقاقات السلام حال تحريك الملف من جديد بضغوط أميركية لإحياء حل الدولتين.

إدارة قادة محليين للقطاع

قد تكون إدارة قادة محليين غير منحازين لفصيل سياسي حلماً بعيد المنال، وحتى لو أمكن العثور على مثل هذه الشخصيات، فمن شبه المؤكد أن سكان غزة سينظرون إليهم على أنهم متعاونون مع الإسرائيليين، نظراً إلى أن دورهم سيكون إبقاء المتشددين في القطاع تحت السيطرة، من ثم ستكون هناك معارضة واضحة لأي أفكار في هذا المسار.

إدارة قوة عربية غير فلسطينية

هذا أيضاً خيار غير قابل للتطبيق، لأن الدول العربية التي يحتمل أن تشارك في مثل هذه القوة، مثل مصر والأردن وغيرهما، لن ترغب في أن ينظر إليها على أنها تحرس الفلسطينيين نيابة عن إسرائيل.

إدارة قوة تابعة للأمم المتحدة

قد يكون من الصعب جداً أن نرى أي دولة غير عربية تتبنى هذه الفكرة، كما أن إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة لن يتطلب موافقة إسرائيل فحسب، بل أيضاً استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت نادراً ما تتفق روسيا والصين مع الدول الغربية الثلاث الدائمة العضوية.

إضافة إلى ذلك، تزعم إسرائيل أن "حزب الله" أعاق قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان من تنفيذ تفويضها، مما منعها من وقف هجمات المسلحين، وبعد الهجمات التي شنتها "حماس"، من غير المرجح أن تعهد إسرائيل بأمنها إلى قوات حفظ السلام التي ليس لديها أي حافز يذكر لوضع حياتهم على المحك من أجلها.

مع ذلك، فإن إسرائيل طرحت أفكاراً حول ما يجب فعله بعد صراع خطر بين إسرائيل و"حماس" في أغسطس 2014، ووفقاً لـ"نيويورك تايمز" التي اطلعت على ورقة خيارات سرية قدمت إلى الصحيفة، فإن الحل الأفضل لإسرائيل هو السماح لقوات الأمم المتحدة بالسيطرة على حدود غزة بينما يتم حل الميليشيات الفلسطينية ونزع سلاحها ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع تدريجاً.

وأشارت الورقة أيضاً إلى أن هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، التي تأسست عام 1948، تحتفظ بتفويض قانوني للقيام بدوريات في غزة، على رغم أنها غادرت عام 1996 بعد اتفاقات أوسلو، وبموجب التفويض المعاد تشكيله تستطيع هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة القيام بدوريات على حدود غزة والمساعدة في نزع سلاح الميليشيات، في حين تتولى لجنة دولية أخرى تنسيق مساعدات المانحين.

تجديد ورقة قديمة

والآن بعد تسع سنوات، قد تكون هذه الورقة من وجهة النظر الإسرائيلية وربما الأميركية أيضاً بمثابة نقطة انطلاق، وإذا تم التخلص من "حماس" والجماعات المماثلة في غزة، فربما تتمكن هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة من المساعدة في الحفاظ على السلام داخل غزة أيضاً كنوع من قوة الشرطة التكميلية، في ما يتم إحياء مكانة وصدقية السلطة الفلسطينية هناك بطريقة أو بأخرى.

وفي حين قد لا يكون ذلك واقعياً الآن كما كانت الحال في السابق، فإنه إذا لم تتعلم إسرائيل الدرس واستمرت في تجاهل القضية الفلسطينية، فسوف تنفجر الأمور من وقت لآخر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير