ملخص
تواصل بسيوني في روايتها الجديدة "ماريو وأبو العباس" الإبحار في تاريخ مصر وتستعيد شخصيتين بارزتين، هما المتصوف المرسي أبو العباس والمعماري الإيطالي ماريو روسي.
امتداداً لمشروعها السردي التاريخي صدرت رواية "ماريو وأبو العباس" للكاتبة المصرية ريم بسيوني وهي الرواية التاريخية الخامسة -عقب ستة أعمال روائية اجتماعية- وتضيء من خلالها على حقبة أخرى في تاريخ مصر بعد أن بلغت في رواياتها السابقة عصوراً وحقباً مختلفة، منها العصر المملوكي في "ثلاثية المماليك"، والفاطمي في رواية "الحلواني"، والطولوني في رواية "القطائع"، والعلوي في رواية "سبيل الغارق".
حصلت ريم بسيوني على جائزة ساويرس عن روايتها "الدكتورة هناء"، وجائزة أفضل عمل مترجم في الولايات المتحدة الأميركية عن روايتها "بائع الفستق"، وجائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى المصري للثقافة عن روايتها "أولاد الناس - ثلاثية المماليك"، ومنحها المجلس نفسه جائزة الدولة للتفوق عن مجمل أعمالها عام 2022. ووصلت روايتها "القطائع" للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد لعام 2022- 2023، كما ترجم عديد من أعمالها إلى لغات عدة، منها الإنجليزية والإسبانية واليونانية.
تواصل بسيوني في روايتها الجديدة "ماريو وأبو العباس" الإبحار في تاريخ مصر وتستعيد شخصيتين بارزتين، هما المتصوف المرسي أبو العباس والمعماري الإيطالي ماريو روسي. وعلى رغم الفجوة الزمنية التي تفصل بين كلتا الشخصيتين، التقطت الكاتبة خيوطاً خفية من ملامح وسمات تشابهت وجمعت عبرها بين أزمنة تباعدت، وعادت مرة أخرى إلى الإسكندرية كأحد الفضاءات المكانية للسرد بعد أن كانت فضاء سردياً لأولى رواياتها المنشورة "رائحة البحر".
تظل الإسكندرية مدينة فريدة تتجلى خصوصيتها في كتابات مبدعيها الذين نشأوا في أحضانها، ومارست المدينة الساحلية سطوتها وسحرها على ريم بسيوني وكانت حاضرة في بعض أعمالها. في حوارها مع "اندبندنت عربية" سألناها عن سر هذه الخصوصية وما العلاقة بين مكان النشأة والإبداع؟
تجيب بسيوني قائلة: "الإسكندرية هي مدينتي، التي عشت بها سنوات عمري الأولى حتى سافرت إلى الخارج، وعلى رغم إقامتي في القاهرة بعد عودتي إلى مصر فما زلت أعود إلى الإسكندرية مراراً، لأن ثمة شيئاً يشبه السحر يغلف المدينة ويكسبها طابعاً خاصاً يمكن تلمسه في رائحتها وروحها وينعكس في تلقائية أهلها، وشجاعتهم، وحبهم للمغامرة وأيضاً في مرونتهم ورغبتهم في فهم وقبول الآخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف: "تأثرت بهذه الروح بخاصة أنني عاصرت حقبة عاش خلالها الأجانب من جنسيات مختلفة كالإنجليز والفرنسيين والأرمن والطليان واليونانيين وغيرهم، في لحمة مع أهل المدينة على رغم اختلاف ثقافاتهم وخلفياتهم وانتماءاتهم الدينية". وتكمل: "هذه الخصوصية الجغرافية والاجتماعية والثقافية منحت الإسكندرية قدرة على تحفيز الإبداع وهذا ما يتضح في خصوصية المبدعين الذين عاشوا في أجوائها على سبيل المثال الشاعر الإيطالي جوزيبي أونغاريتي الذي كان أحد أبطال روايتي الأخيرة (ماريو وأبو العباس)".
العلاقة بين الوظيفة والإبداع علاقة شائكة ومعقدة، قد تعود على الكاتب بالنفع وقد تعوقه. تقول أستاذة اللغويات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، "نشرت خمس روايات ثم توقفت عن الكتابة الأدبية لمدة سبع سنوات أنجزت خلالها كتابين علميين وقد أثر التخصص بالفعل على إنتاجي الإبداعي، فكتابي (البحث عن السعادة – رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة)، على سبيل المثال احتاج مني بحثاً شاقاً واستغرق إعداده وقتاً طويلاً". وتضيف: "ربما تتلاقى الناحية الإبداعية والعلمية في بعض الأحيان، لكن إحداهما قد تنافس الأخرى أيضاً وتؤثر فيها، وقد اختبرت وعشت كلا الأمرين".
كنوز التاريخ
التاريخ مغارة مليئة بالكنوز وقد أغرت كنوزه ريم بسيوني فأنجزت خمس روايات تاريخية كانت قد سبقتها ستة أعمال أخرى تنوعت بين سياسية واجتماعية. عن هذه الانعطافة وهذا التحول من الكتابة الواقعية إلى التاريخية تقول بسيوني إن "الكتابة بالضرورة انعكاس تلقائي للمراحل التي يمر بها الإنسان في حياته والتي لا تشبه إحداها الأخرى". وتضيف "بدأت الكتابة عن واقع المجتمع المصري وحاولت انتقاد الفساد ومحاكمة بعض الممارسات الاجتماعية الخاطئة بدافع حبي الشديد للهوية المصرية، لكني في مرحلة أخرى عبرت عن الحب نفسه لكن بطريقة أخرى عبر الكتابة التاريخية كما في روايات "أولاد الناس"، و"سبيل الغارق"، و"القطائع"، و"الحلواني"، وأيضاً في روايتي الأخيرة "ماريو وأبو العباس" التي تستدعي تاريخ الشيخ الصوفي المرسي أبو العباس وتأثيره في الإسكندرية.
تحديات الرواية التاريخية
وعلى رغم إقرارها بأن الكتابة التاريخية تمثل تحدياً يتطلب تحري الموضوعية فإن ذلك -بحد وصفها- لا ينفي أن لكل إنسان زاوية يرى منها الحقيقة، وتؤكد أنها استفادت من كونها باحثة بالأساس في كتابة رواياتها التاريخية، إذ حاولت النظر دائماً للزوايا المختلفة للحقيقة التاريخية. وتدلل على ذلك بالفترة المملوكية في التاريخ المصري التي ترى أنها ظلمت ظلماً فادحاً، فعلى رغم ثراء هذه الفترة وزخمها وما تركته من عمارة تعد الأجمل في العالم، لا تتجاوز المعلومات المتداولة عن المماليك كونهم مجموعة من العبيد الذين حكموا مصر. وهذا ما عزز لدى ريم بسيوني -بحسب تعبيرها- الشعور بالمسؤولية والرغبة في الكتابة عن هذه الحقبة. وتوضح أن الشيء نفسه استشعرته بالنسبة للعصر الطولوني، لا سيما أن أحمد بن طولون ساعد على بناء الشخصية المصرية في العصر الإسلامي وجعل للمصريين هوية مستقلة، فضلاً عما تركه من عمارة مميزة تمثلت في مدينة القطائع ومسجد أحمد بن طولون.
أما العصر الفاطمي الذي تناولته في روايتها "الحلواني" فبنيت خلاله أسوار القاهرة، وباب الفتوح، وباب النصر، وباب زويلة على يد بدر الجمالي الذي أنقذ مصر من المجاعة. ومثل هذه الشخصيات المهمة والمثيرة -كما تقول بسيوني- تستحق تسليط الضوء عليها والكتابة عنها، والرواية كجنس أدبي تستطيع أن تفعل ذلك، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن الرواية التاريخية تظل رواية وليست كتاباً للتاريخ، أي إنها مفتوحة تماماً على التخييل كأداة رئيسة في نسجها.
مقومات النجاح
كانت رواية "أولاد الناس – ثلاثية المماليك"، مفتتح الأعمال التاريخية في المشروع السردي لدى ريم بسيوني. وحققت هذه الرواية التي تجاوزت سبعمئة صفحة انتشاراً واسعاً حد أن صدرت منها عشر طبعات، وتحولت إلى ظاهرة في مناخ يشتكي فيه الكتاب والنقاد والناشرون ضعف معدلات القراءة. تعلق بسيوني قائلة: "لم أتوقع كل هذا النجاح للرواية لكنه من المؤكد أن العمل الذي يتسم بالصدق الشديد يمس القارئ بغض النظر عن شكله وطبيعة موضوعه".
وتضيف، "حدث مثل هذا الرواج أيضاً لكتابي (البحث عن السعادة)، وعلى رغم أنني لم أتوقع له -نظراً إلى دقة التخصص الذي يتناوله- أن ينتشر بشكل واسع. فوجئت بنفاد خمس طبعات منه في أقل من ثلاثة أشهر ما يثبت أن الصدق يصل فوراً للقارئ. وهذا الصدق لا يتأتى إلا حينما يكتب الكاتب من أجل نفسه أولاً. وربما هذا ما يجعلني شديدة الإيمان بالإلهام وبالموهبة كحجر زاوية في الكتابة الأدبية. ووفقاً لذلك لا تعرف بسيوني كيف سيكون القادم من إنتاجها الأدبي فهي -بحد وصفها- لا تتوقع نفسها وإنما تكتب ما تحب".
ربما يحجم كثير من الكتاب عن المجازفة بكتابة ثلاثية أو عمل روائي طويل في عصر يتسم بإيقاع سريع يجعل الروايات القصيرة أكثر تفضيلاً من قبل القراء لكن بسيوني أقدمت على هذه المجازفة مرات ثلاث تحقق لها فيها كلها النجاح والسر تكشف عنه قائلة: "عندما أبداً بالكتابة عن حقبة ما أفضل أن أكتب عن بدايتها وازدهارها وسقوطها ولا يضير الثلاثية طولها ما إن توفر فيها الصدق الفني وغيره من مقومات النجاح".
التمثيل المعماري
لم يكن التاريخ وحده ما احتفت به ريم بسيوني في أعمالها الروائية وإنما برز احتفاء آخر بالمكان والمعمار، وهو ما تعلله بالدور الذي يلعبه المكان ومفرداته المعمارية في الإيهام وفي تحقيق التماهي مع النص. كما أن ثمة سبب آخر يدفعها لاستثمار الأماكن والمعمار في نصوصها الأدبية تكشف عنه قائلة: "مصر مليئة بالأماكن التاريخية الجميلة والفريدة ولكل مكان فيها عدد لا حصر له من الحكايات"، لكنها تؤكد أن نجاح المكان في تحقيق هذا التماهي يتطلب من الكاتب خوض تجربة حية معه قبل الشروع في الكتابة، لذا تحرص على معايشة الأماكن التي تكتب عنها وتدلل على ذلك بقولها: "عندما بدأت بكتابة رواية ماريو وأبو العباس على سبيل المثال زرت الأماكن التي عاش فيها المرسي أبو العباس في الإسكندرية، وذهبت أيضاً إلى إيطاليا حيث كان يقيم ماريو روسي، تعايشت مع تفاصيل ومفردات المكان لكي أحقق عبر هذه المعايشة، القدر الأكبر من الصدقية للشخوص".
تعرية النفس
في أغلب أعمالها الروائية تحرص ريم بسيوني على تعرية النفس الإنسانية المعطوبة والكشف عما فيها من نقص حد أن باتت هذه الغاية قاسماً مشتركاً يجمع رواياتها على تنوعها وهذا ما تفسره قائلة: "النفس الإنسانية كنز الكاتب ولا شك، لذا حاولت دائماً التعبير عن الإنسان، ورؤيته من زاوية جديدة يتسنى عبرها الكشف عن مشاعره وإضاءة مواطن ضعفه وقوته وأيضاً تعقيده الذي يدفعنا للتعاطف معه حين يصيب وحين يخطئ، حين يحب وحين يكره، حين ينجح وحين يخفق، حين يكون نقياً ناصعاً، وحين يغوص في بئر مظلمة".
الحب أيضاً كان عموداً ومكوناً رئيساً في مشروعها السردي لأنه كما تصفه جزء رئيس من التجربة الإنسانية. أما المرأة فكان لها حضور مغاير في أعمالها، تقول عنه "القوة كانت أهم ما تشاركته بطلات أعمالي لكنها ليست قوة نمطية ترادف الشدة بلا رقة أو الصلابة بلا لين وإنما هي قوة تناقضات المرأة وقوة ضعفها الإنساني بغير أن تكون هشة أو قابلة للكسر".
الجائزة الحقيقية
تعد الجوائز الأدبية تكريماً للكاتب وللعمل الأدبي كما يعدها القراء مؤشراً مهماً ودالاً على جودة هذا العمل إلا أن ريم بسيوني وعلى رغم حصولها على عديد منها، لا ترى أن الجوائز -على أهميتها- تعبر بالضرورة عن جودة العمل وتؤكد أن هناك أعمالاً حصدت جوائز مهمة ولم تحظ بمقروئية وأعمالاً أخرى لم تحصل على جوائز لكنها نالت اهتمام القراء وهو -في منظورها- أهم من أية جائزة.
أما الترجمة إلى لغات أخرى فهي أمر يتطلع إليه كل الكتاب ويعدونه إضافة مهمة لأعمالهم وترجع بسيوني فوائد الترجمة لما تحققه من تقارب بين الشعوب والثقافات وترى أنها تحقق مزيداً من الانتشار وتوسع دائرة القراء مع ميزة تنوع ثقافاتهم ومرجعياتهم وتتحدث عن تجربتها قائلة، "منحت الترجمة بعض أعمالي مساحة نقدية أكثر اتساعاً فكتبت صحيفة "التايمز ليتراري سبليمنت" وهي أهم صحيفة نقدية على مستوى العالم عن رواية "القطائع" كذلك كتبت مجلة "فرورد" الأميركية عن روايتي "بائع الفستق" في عام صدورها ووصفتها بأنها أفضل عمل تم نشره في ذلك العام".