ملخص
بغض النظر عن الاندماجات في شركات النفط الأميركية فإن عمر الاحتياطيات في غايانا أعلى بكثير من عمرها في أحواض النفط الصخري.
شهدت أسواق النفط في الأيام الأخيرة تطورات مهمة أهمها تخفيف العقوبات على فنزويلا، وانتهاء الحظر الأممي على إيران المتعلق ببيع صواريخ وعقوبات على عدد كبير من الطائرات والسفن والمسؤولين الإيرانيين، وكذلك عمليات دمج كبيرة تجاوزت قيمتها 110 مليارات دولار بين "إكسون-موبيل" و"بايونيير ناشورال رسورسس" من جهة، وبين "شيفرون" و"هيس" من جهة أخرى، وكان هناك عمليات دمج أو شراء للشركات الصغيرة، التي لن يتم التركيز عليها في مقالة اليوم.
"إكسون-موبيل" و"بايونير"
"إكسون-موبيل" إحدى أكبر شركات النفط العالمية وتتواجد في أكثر من 100 دولة، وهي من الملاك الأربعة لشركة "أرامكو" قبل أن تتملكها السعودية بالكامل، وشركتا "إكسون" و"موبيل" نتجتا من تفتيت إمبراطورية جون ركفللرعندما قررت المحكمة العليا في الولايات المتحدة تقسيم شركة "ستاندارد أويل" في عام 1911، تحت قانون شيرمان المضاد للاحتكار، وتقدر القيمة السوقية لشركة "إكسون-موبيل" بنحو 440 مليار حالياً.
شركة "بايونيير" هي أكبر شركة منتجة للنفط الصخري في العالم، وتتركز استثماراتها في غرب تكساس، واستحوذت "إكسون-موبيل" عليها من طريق عملية دمج بحيث يحصل مالكوها على أسهم في شركة "سيفرون".
عمليات الدمج بهذه الطريقة توفر على "بايونيير" ضرائب ضخمة مقارنة بعملية الدفع نقداً، بلغت قيمة العقد قرابة 60 مليار دولار.
مشكلة هذه العملية أنها ستؤثر في توازن أسواق النفط مستقبلاً لأنه تم استثمار مبالغ ضخمة في احتياطيات موجودة، ولكنها قصيرة المدة، مقارنة باستثمارها في أماكن جديدة تجلب احتياطيات جديدة، وطويلة المدة.
آبار النفط الصخري تنضب بسرعة، حيث يتم استخراج أغلب النفط والغاز والغازات السائلة في أول عامين من إنهاء البئر، ولكن لو تم الاستثمار في النفط التقليدي أو في أعلى البحار، فإن معدلات النضوب منخفضة ويمكن أن يستمر الإنتاج بمعدلات عالية لسنوات طويلة.
إذاً الفكرة هنا تتركز على نقتطين، أولهما أن ما حصل هو مجرد تحويل ملكية فقط، والثانية هي تحويل الاستثمارات الطويلة المدة إلى قصيرة المدة، وهذا يعني أن معضلة انخفاض الاستثمارات في الصناعة مستمرة، لأن استثمار 60 مليار دولار لم يأت بجديد.
أضف إلى ذلك أن صناعة النفط الصخري تم تطويرها من قبل شركات متوسطة وصغيرة، و"بايونيير" أحد زعمائها، ومن ثم فإن أي نمو في الاحتياطيات والإنتاج مستقبلاً كانت ستقوم به على كل الحالات.
قد يقول قائل إن فكرة الاستثمارات أعلاه غير صحيحة لأن عملية الاستحواذ تمت بالأسهم، وليس نقداً، بالتالي ليس هناك أي نقص في الاستثمارات، ويرد على ذلك بأن "إكسون" قامت بشراء أسهمها بقيمة أكبر من قيمة "بايونيير"، وأثناء مباحاثات الاستحواذ أقرت "إكسون" رفع مشترياتها لأسهمها بـ 15 مليار دولار، إذاً العملية في النهاية شبيهة بعملية الدفع نقداً وتحويل للاستثمارات، ولكنها تمت من طريق الأسهم بسبب الوفورات الضريبية الكبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المشكلة الحالية في العالم هي نقص إمدادات النفط المتوسط الحامض، وستكون هذه المشكلة المستقبلية أكبر إذا تضاعف عدد السيارات الكهربائية في العالم مرات عدة عما هو عليه الآن، في الوقت الذي يزيد فيه عدد الشاحنات الكبيرة التي تسير بالديزل، ولهذا فإن استحواذ "إكسون-موبيل" على "بايونيير" غير منطقي لأنه تحول في الاستثمارات من النفط المتوسط إلى الخفيف الحلو والخفيف جداً، وهذا النفط غير مرغوب فيه مستقبلاً إذا تضاعفت أعداد السيارات الكهربائية بسبب انخفاض الطلب على البنزين.
إذا قال أحد إن استحواذ "إكسون-موبيل" على "بايونيير" هو في الحقيقة تحول "إكسون" من الاستثمار في مناطق مضطربة سياسياً إلى مناطق مستقرة مثل غرب تكساس داخل الولايات المتحدة، ومن ثم فإن من منافع هذا الاستحواذ تخفيض المخاطرة، ويرد على ذلك بأن المخاطر داخل أميركا بسبب القوانين البيئية والتغير المناخي ومعاداة النفط أكبر بكثير من المخاطر السياسية في أماكن أخرى.
"شيفرون" و"هيس"
أمس تم الإعلان عن استحواذ شركة "شيفرون" على شركة "هيس" بقيمة 53 مليار دولار، الأولى من أكبر شركات النفط العالمية وكانت أحد الشركاء الأربعة في شركة "أرامكو" قبل أن تتملكها السعودية وتبلغ القيمة السوقية لها نحو 313 مليار دولار، فيما استحوذت الثانية على "تكساكو" الشريك الثالث في "أرامكو" عام 2000 بمبلغ 36 مليار دولار.
يختلف استحواذ "شيفرون" على "هيس" كلياً عن استحواذ "إكسون-موبيل" لـ"بايونيير"، فهو يتلافى كثيراً من المشكلات المذكورة أعلاها، فعلى رغم أن شركة "هيس" لها استثمارات في أحواض النفط الصخري، إلا أن أغلب استثماراتها خارج الولايات المتحدة، بخاصة في غايانا وهي من أكثر الدول الواعدة نفطياً حيث تستمر الاكتشافات واحداً تلو الآخر.
أخطار غايانا
على رغم النجاح المبهر في غايانا في السنوات الأخيرة، إلا أن استحواذ "شيفرون" على "هيس" يعني سيطرة أكبر شركتين أميركيتين على أغلب احتياطيات النفط البحرية لغايانا "إكسون-موبيل" و"شيفرون"، وهناك مشكلات قانونية بين حكومة غايانا وشركات النفط، قد تتطور إلى أمور أكبر مستقبلاً.
الإشكالية هنا أن تاريخ صناعة النفط يشير إلى أن الدول الفقيرة التي لا تستطيع التنقيب عن النفط بنفسها لنقص الموارد والخبرات، توقع عقوداً مغرية مع شركات النفط العالمية، وبعد اكتشافه وتحسن الأحوال المعيشية في هذه الدول وزيادة الوعي، تبدأ الحكومة الصراع مع الشركات للحصول على جزء أكبر من الكعكة، وتنتهي الأمور في أغلب الأحيان بالتأميم بخاصة في أميركا الجنوبية.
وهنا نرى أخطاراً جديدة قد تكون "إكسون-موبيل" حاولت التخفيف منها من طريق الاستحواذ على "بايونيير"، بينما حاولت "شيفرون" التخفيف من الأخطار داخل الولايات المتحدة بالاستحواذ على "هيس"، وبغض النظر، فإن عمر الاحتياطيات في غايانا أعلى بكثير من عمرها في أحواض النفط الصخري.