تواصلت المعارك والمواجهات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بالعاصمة السودانية الخرطوم، وفي وقت جددت "الدعم السريع" قصفها المدفعي المكثف من منصاتها في شرق وجنوب الخرطوم باتجاه القيادة العامة للجيش وسط العاصمة وسلاح المدرعات وقاعدة جبل أولياء جنوب الخرطوم، رد طيران الجيش بغارات جوية مركزة استهدفت مواقع "الدعم السريع" في أنحاء متفرقة من العاصمة.
قصف مدفعي وجوي
تركزت ضربات الجيش الجوية، بحسب مصادر عسكرية ميدانية، على تجمعات ومنصات "الدعم السريع" في منطقة الطائف شرق الخرطوم ومداخل كوبري المنشية، بين الخرطوم وشرق النيل، حيث سمعت، وفقاً لمواطنين، أصوات الانفجارات وشوهد تصاعد سحب وأعمدة الدخان، وأوضحت المصادر نفسها أن الجيش جدد قصفه، من قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال أم درمان، على مواقع "الدعم السريع" في شمال بحري ووسط وجنوب أم درمان.
وشهدت محلية كرري شمال أم درمان قصفاً من قبل قوات "الدعم السريع" رداً على مدفعية الجيش في قاعدتي كرري ووادي سيدنا العسكريتين، مما تسبب بفرار عدد كبير من السكان على رغم تراجع حدة الاشتباكات. أضافت المصادر أن تعزيزات للجيش وصلت إلى منطقة كاب الجداد، شمال ولاية الجزيرة، دفعت "الدعم السريع" إلى الانسحاب من المنطقة، وتم بالفعل انتشار كبير للقوات المسلحة على الحدود بين ولايتي الخرطوم والجزيرة، وذكر شهود أن اشتباكات ومواجهات استمرت، ساعات عدة، شهدتها منطقة بري شرق مطار الخرطوم، وفي محيط ساحة الحرية (الساحة الخضراء) سابقاً بشارع المطار.
نداء الخرطوم الإنساني
وفي مواجهة تدهور الوضع المعيشي بالعاصمة، أطلقت ولاية "نداء الخرطوم" الإنساني لإعانة المحتاجين بسبب الحرب، ويبدأ بتوزيع 10 آلاف سلة غذائية للفئات الأكثر حاجة خلال الأيام المقبلة مع استمرار "النداء" لتغطية كل الفئات المحتاجة.
وكان والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة قد استعرض، خلال اجتماع مشترك مع مفوض العون الإنساني ومدير الرعاية الاجتماعية وسلطات محلية كرري، كشوفات حصر الأسر الأكثر، موضحاً أن حجم الأسر المحتاجة كبير مقارنة بالدعم المتوفر حالياً، لذلك سيتم التركيز على الأسر الأكثر حاجة، تزامناً مع إطلاق "نداء الخرطوم" لاستقطاب الدعم العيني من الأفراد والمؤسسات لدعم الأسر المحتاجة.
مأساة
في جنوب دارفور، حذرت منظمة "شباب من أجل دارفور" "مشاد" من أن الولاية تشهد أوضاعاً مأسوية وانتقامية متعمدة، منذ أكثر من أسبوعيين، أنتجت موجات كبيرة من النزوح نحو ولايتي شمال وشرق دارفور، وقالت المنظمة إن ما يتعرض له المدنيون في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور هو الأسوأ منذ بداية اندلاع الصراع من قتل واغتصاب ونهب وتهجير "مع تعمد الميليشيات قطع الاتصالات عن المدينة، واستهداف المدنيين داخل الأحياء بالقصف المدفعي العشوائي، وتكرار هجماتها على المدينة من محاور عدة بمختلف أنواع الأسلحة"، وشبه البيان الأوضاع في جنوب دارفور بأنها مثل "الجحيم"، مناشداً الجهات العاملة في مجالات حقوق الإنسان التضافر من أجل إغاثة المدنيين الذين حكمت عليهم "الميليشيات بالإعدام".
حراك سياسي
على الصعيد السياسي، جدد تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي موقفه المطالب بالوقف الفوري للحرب، داعياً الجيش و"الدعم السريع" لاتخاذ القرار الصحيح بإنهاء القتال ووضع حد لمعاناة الشعب السوداني والتوجه صوب مفاوضات منبر جدة لوضع حد لهذه الحرب الكارثية. أضاف بيان التحالف "مع مرور ستة أشهر، تتمدد الحرب صوب ولايات جديدة بدخولها فعلياً إلى حدود ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، ليصبح عدد الولايات الواقعة في نطاقها 10 ولايات من بينها أكبر ثلاث ولايات من حيث حجم السكان، الخرطوم، جنوب دارفور والجزيرة، والتي تمثل معاً نحو 40 في المئة من إجمالي سكان البلاد"، وعدد البيان الانتهاكات والخسائر البشرية والمادية والتداعيات السليبة العميقة التي طاولت الاقتصاد الكلي للدولة بما فيها البنى التحتية والقاعدة التحتية للشركات الصناعية بولاية الخرطوم والتي تمثل نحو 80 في المئة من إجمالي حجم الناتج الصناعي في البلاد، إلى جانب فقدان الإيرادات الضريبية التي تمثل أكثر من 80 في المئة من إيرادات الميزانية العامة واللجوء للخيارات الكارثية بطباعة النقود.
الاتحاد الأفريقي يتحرك
في التحركات، أجرى وفد دبلوماسي من الاتحاد الأفريقي برئاسة موسى فكي رئس مفوضية الاتحاد سلسلة لقاءات مع قوى إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، إلى جانب مجموعة التراضي الوطني، بالعاصمة المصرية القاهرة، لبحث إمكان وقف الحرب وكيفية الوصول إلى صيغة لإجراء حوار الوطني سوداني لإطلاق عملية سياسية جديدة. وكشف مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة عن أن الوفد الأفريقي التقى عدداً من ممثلي الكتل والتنظيمات السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجهت حكومة جنوب دولة جنوب السودان الدعوة لأطراف عملية السلام للاجتماع في جوبا، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لبحث سبل وقف الحرب، وأوضح أسامة سعيد رئيس مؤتمر البجا أنه تلقى دعوة لحضور اجتماع جوبا، مشيراً إلى أن البحث سيتناول المبادرات المطروحة لوقف الحرب وإحلال السلام بالسودان.
قتال مجتمعي
في السياق، حذر فتح الرحمن المجتبى أستاذ العلوم السياسية من أن دخول الحرب السودانية شهرها السابع، يدفع الطرفين للسعي وراء مزيد من المكاسب عبر التحشيد والاستقطاب القبلي، مما يهدد بسرعة تحول الحرب إلى قتال مجتمعي عرقي بدأت تظهر ملامحه في دارفور، ونبه المجتبى من أن أسباب وشروط الانزلاق نحو حرب أهلية بدأت ظروفه بالنضج بسبب طول أمد الحرب، مطالباً السياسيين بسرعة تجاوز الصراعات والتوافق على رؤية موحدة شاملة لإنهاء الحرب وترتيبات ما بعدها. ولفت إلى ضرورة تحرك محلي وإقليمي ودولي قوي وفاعل لوقف الحرب، إذ لم تكن الجهود السابقة تتسم بالجدية والقوة اللازمة لإنهاء هذه الحرب التي
أجبرت ملايين السودانيين إلى النزوح داخل وخارج البلاد، مما سيزيد من مشكلات الهجرة الدولية وجرائم الاتجار بالبشر والإرهاب، وأوضح المجتبى أن منبر جدة التفاوضي برعاية السعودية والولايات المتحدة، هو المحطة الأكثر استيعاباً وربطاً لمجموعة المبادرات الإقليمية المطروحة، بخاصة بعد نجاحه نظرياً في إقرار وقف موقت لإطلاق النار الإنساني أكثر من مرة، وتقدمه نحو رؤية طويلة الأمد لوقف الأعمال العدائية وهي النقطة التي توقفت عندها المفاوضات بانسحاب الوفد المفاوض للجيش.
ألم وإحباط
وأعرب باتريك يوسف المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر بأفريقيا عن شعوره بالألم والإحباط بعد مرور ستة أشهر على المأساة التي هجرت أكثر من خمسة ملايين شخص من ديارهم وحصدت عدداً لا يحصى من أرواح المدنيين في السودان، مضيفاً، في بيان، "لم نتمكن من تقديم المساعدات بالقدر الذي يكفي لتلبية الحاجات الهائلة، في وقت يشعر كثيرون من السودانيين بالغضب وتخلي العالم عنهم، لأن جهود الإغاثة لم تكن ترقى إلى المستوى المطلوب لتخفيف معاناتهم".
في هذا الوقت، أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن القابلات بالسودان بتن يعملن في حالة طوارئ مستمرة، ومع استمرار الصراع، ونزوح الملايين وفقدان أكثر من 80 في المئة من المستشفيات في المناطق المتضررة لصلاحية العمل، "بات السودان مكاناً خطراً للحمل". وأكد "الصندوق" دعمه المستشفيات والفرق الطبية لتلبية حاجات النساء والفتيات النازحات، بما في ذلك 105.753 امرأة حامل.
أفق مسدود
على نحو متصل، وصف آمي بوب المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية الوضع الإنساني بالسودان بالكارثي. وأشارت المنظمة، في بيان، إلى أن نحو ثلاثة ملايين نازح أصلهم من العاصمة الخرطوم، بينما غادر نحو 1.2 مليون شخص البلاد إلى الدول المجاورة، مناشداً المجتمع الدولي دعم جهود الإغاثة على وجه السرعة قبل أن يؤدي الوضع إلى مأساة إنسانية أكثر عمقاً، وبات أزمة النزوح الداخلي في البلاد الأكبر على مستوى العالم، إذ تخطى فيها العدد الكلي للنازحين نحو 7.1 مليون شخص في البلاد، منهم نحو 4.5 مليون أفرزتهم الحرب الراهنة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.