Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عمال غزة "معاناة" على قارعة الضفة الغربية

السلطات الإسرائيلية طردت 5 آلاف منهم منذ بدء هجوم "حماس"

مع مرور الوقت، أصبح سالم زقوت (50 سنة) يفقد إحساسه بالوقت، ويحيا في خوفه الداخلي الذي تمر الدقائق خلاله كأنها ساعات، فبعد أن فقد الاتصال بزوجته وأولاده جراء قطع إسرائيل الكهرباء عن قطاع غزة، لا يحمل معه سوى الدعاء والأمل، وعلى رغم محاولاته تجنب التعرض للاهتزاز والتوتر والحفاظ على رباطة جأشه، فإنه مع سقوط كل قذيفة على القطاع، يشعر بالاختناق وصعوبة في التنفس وضيق في الصدر، لأن فظاعة وعنف وقسوة المشاهد التي يشاهدها على شاشة التلفاز الذي لا يبارحه، حركت بداخله الخوف الشديد من تعرضهم للأذى.

وداخل مجمع بلدية رام لله الترويحي، يعيش زقوت إلى جانب أكثر من 500 عامل غزي منذ أسبوع، ساعات عصيبة وترقباً مستمراً، فرحلتهم المضنية للحصول على عمل داخل إسرائيل، انتهت بتعرضهم للمهانة والشتم والضرب المبرح على يد الشرطة الإسرائيلية، التي سارعت منذ اللحظات الأولى لبدء هجوم "حماس" على غلاف غزة منذ صباح السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بملاحقة الآلاف العمال الغزيين الذين يعملون داخل الخط الأخضر، وتلقي القبض عليهم داخل ورش العمل، وتكدسهم داخل حافلات مخصصة للمعتقلين مقيدي الأيدي ومكممي الأعين، وتلقي بهم عند الحواجز ونقاط التفتيش القريبة من مناطق السلطة الفلسطينية، مما دفعهم للجوء إلى مدن الضفة الغربية.

وبموجب تفاهمات سياسية ومباحثات غير مباشرة أدارها وسطاء بين إسرائيل و"حماس" عام 2021، وافقت السلطات الإسرائيلية لأول مرة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 على دخول 30 ألف عامل من غزة للعمل لديها، فيما كان لدى 7 آلاف فلسطيني فقط تصاريح للعمل أو التجارة في إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن نحو مليون ونصف مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعيشون حالة الفقر بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع لأكثر من 16 عاماً.

قرار سياسي

وبحسب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، طردت السلطات الإسرائيلية منذ بدء هجوم "حماس"، قرابة خمسة آلاف عامل فلسطيني ينحدرون من قطاع غزة، وذلك من أصل ثمانية آلاف عامل، كانوا يعملون داخل إسرائيل والمستوطنات، في حين تمكن أكثر من 11 ألف عامل آخرين العودة إلى القطاع قبل نشوب الحرب بأسابيع قليلة.

فيما ذكرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين (حكومية)، أن السلطات الإسرائيلية تحتجز الغالبية من عمال غزة في معسكر "عناتوت" القريب من مخيم عناتا بالضفة الغربية من دون محاكمة أو حتى تمثيل قانوني. في حين، أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الأحد، إلى أن السلطات ألغت جميع تصاريح العمل التي كان يحملها آلاف العمال الغزيين.

 

 

وقالت إنه "تم اعتقال المئات منهم عندما حاولوا الانتقال إلى الضفة الغربية بصورة غير قانونية عندما اندلعت الحرب"، فيما ذكر مصدر أمني إسرائيلي للصحيفة "أنه سيتم احتجازهم في المعتقل حتى إعادتهم إلى القطاع".

من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي، إنه "لا يمكن في الوقت الحالي إعادة العمال إلى غزة. وموضوع استمرار حيازتهم تصاريح عمل ونقل آخرين إلى مكان آخر يدرسه المستوى السياسي".

حاضنة شعبية

يقول أحد العمال لـ"اندبندنت عربية"، إن "مستوطنين تبادلوا على ضربي عدة ساعات، وهددوني بالموت وأنهم سيقتلونني، قبل أن تأتي الشرطة الإسرائيلية لاعتقالي وتمزق تصريحي وبطاقة هويتي وتصادر كل ما أحمله من نقود، وألقت بي على قارعة الطريق أنا وعشرات العمال".

ويضيف، "إنهم ينتقمون من غزة بتعذيب العمال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا من هناك بحثاً عن رزقهم، نحن عالقون في رام لله وعائلاتنا محاصرة في القطاع تحت القصف، ولا نعلم عنهم شيئاً".

ومع تفاقم مشكلة العمال، باشرت محافظة رام الله والبيرة والتي تضم العدد الأكبر من العمال الغزيين، ومدن فلسطينية أخرى لجأوا إليها، توفير ما يلزمهم من لباس وطعام وحاجات أساسية، إلى حين عودتهم إلى غزة.

 

 

وقالت محافظ رام الله ليلى غنام، إن الرئاسة الفلسطينية أوعزت إلى جهات الاختصاص في المحافظات ومديريات الصحة، متابعة كل حاجات العمال وتقديم العلاجات المناسبة لهم، بخاصة بعد أن وصل بعضهم بأوضاع صحية صعبة جراء الاعتداء عليهم من قبل الجيش الإسرائيلي، ومصادرة أمتعتهم وهواتفهم وبطاقاتهم الشخصية.

من جهته شجب مجلس إدارة منظمة العمل العربية ما وصفه "الانتهاكات الجسيمة والمستمرة تجاه عمال قطاع غزة" وذلك في اختتام أعمال الدورة "99" لمجلس إدارة منظمة العمل العربية المنعقدة في الدوحة قبل أيام، فيما قال وزير العمل الفلسطيني نصري أبو جيش، إن "جرى تشكي لجنة حكومية طارئة لإدارة ومتابعة ظروف العمال الغزيين."

بيئة هشة

وقبل أن يواجه سكان القطاع الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ عام 2007، كانت غزة تسهم 40 في المئة من الناتج المحلي الفلسطيني، ومع إغلاق المعابر والحروب وسياسة التضييق على إدخال البضائع والمواد الاستهلاكية والخام، وتعطل مئات المصانع وتسريح آلاف العمال، ومنع إدخال المستلزمات الخاصة بصيانة قوارب الصيد، إلى جانب منع دخول الأدوية، والوفود الطبية والإغاثية لمعالجة المرضى، وصلت إلى 17 في المئة فقط، وهو الأمر الذي أدى لارتفاع نسب البطالة بين سكان القطاع التي تجاوزت وفق آخر الإحصائيات 50 في المئة، بعد أن كانت 26 في المئة قبل الحصار.

وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن اختلاف شدة القيود المفروضة على الحركة والتنقل بين الضفة الغربية وغزة، خلق حالة من التباين في نسب البطالة، إذ يسجل القطاع نسب بطالة تصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف نظيرتها في الضفة الغربية.

وقال المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة ستيفان إمبلاد، "لا يزال الاقتصاد الفلسطيني يواجه أخطاراً عالية، في ظل نظام معقد، بسبب القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة في الضفة الغربية، وشبه حصار على قطاع غزة، وانقسام داخلي بين القطاع والضفة وقيود شديدة على المالية العامة، وبرنامج إصلاح غير مكتمل للسلطة الفلسطينية، وتراجع المساعدات الأجنبية على مدى سنوات عديدة".

خسائر فادحة

ووفق تقديرات حديثة لهيئة الأمم المتحدة، فإن 83 في المئة من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، والحصار الإسرائيلي للقطاع منذ 2007. وقدرت المنظمة الأممية في تقرير، أن خسائر قطاع غزة نتيجة الحصار والحروب التي شنتها عليه إسرائيل في الفترة ما بين عامي 2007 و2021، بلغت 17 مليار دولار.

 

 

وبحسب أحدث تقرير للبنك الدولي، صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنه من بين كل أربعة فلسطينيين تقريباً، يعيش فلسطيني واحد تحت خط الفقر. وأكدت منسقة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، لين هاستينغز، أن "1.2 مليون لاجئ في قطاع غزة في حاجة ماسة إلى المساعدة في الوقت الحالي".

ولعل أحدث تقرير لمنظمة "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (الأونكتاد)، تحدث عن أن إسرائيل حرمت الفلسطينيين من الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية بهدف تفتيت اقتصادهم".

وأوضح التقرير، أنه نتيجة لهذا الدور، وصل العجز التجاري الفلسطيني، إلى 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، وكذلك الاعتماد التجاري على إسرائيل، الذي شكل في عام 2021 ما نسبته 72 في المئة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات