Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تلبي أنظمة الطوارئ في الدول العربية الحاجة؟

ظل الإنسان يواجه الأخطار من الطبيعة المحيطة به منذ بداية البشرية

لا تتوفر في كثير من الدول العربية ملاجئ الطوارئ الشاملة فيكون البديل الملاجئ الموقتة (غيتي)

ملخص

على رغم تاريخ الدول العربية الطويل مع الكوارث الطبيعية فإن منظومة التحذير المسبق تزداد الحاجة إليها

على رغم تاريخ الدول العربية الطويل مع الكوارث الطبيعية بأنواعها التي يحتاج الإنسان إلى الاستعداد لها مثل الحرائق والفيضانات والعواصف والأعاصير والزلازل والنزاعات المسلحة، فإن منظومة التحذير المسبق وتوفر ملاجئ تزداد الحاجة إليها، وتسعى دول المنطقة ضمن المجتمع الدولي إلى تحقيق وسائل وقائية تخفف الضرر الناتج من الكوارث الطبيعية والوبائية والبشرية المتمثلة في الحروب والصراعات، وهي خطوة متقدمة على أساس التعامل مع الكارثة نفسها حين وقوعها بشكل مفاجئ أو نتيجة أحداث أخرى.

 

فقد ظل الإنسان ومنذ بداية البشرية يواجه الأخطار من الطبيعة المحيطة به، وتطورت عنده الحماية التي بدأت بابتداع وسائل شتى للدفاع عن غريزة البقاء، ووفقاً لها، تطورت وسائل الحماية وآلياتها ومنها التدريب على الاحتماء من الكوارث الطبيعية وأثناء العمليات العسكرية والتوجه إلى الملاجئ بالاستجابة لصافرات الإنذار.

ويعرف ملجأ الطوارئ بأنه مكان يعيش به الناس موقتاً حين لا يستطيعون العيش في محل إقامتهم السابق، وهو مخصص للفارين من نوع معين من الحالات، مثل الكوارث الطبيعية أو التي من صنع الإنسان، وحيث لا تتوفر في كثير من الدول العربية ملاجئ الطوارئ الشاملة، وهي المخصصة لهذا الغرض بشكل دائم، وتستخدم فقط عند الحاجة إليها، فإن البديل هو ملاجئ موقتة تقدمها أقسام إدارة الطوارئ الحكومية أحياناً، وكثيراً ما تسد هذه الحاجة منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وجمعيات الصليب والهلال الأحمر، وفي هذه الحالة، إما أن يعاد تجهيز بعض المباني المستخدمة لغرض آخر من أجل هذه الحالات الطارئة ومنها المدارس والمساجد والكنائس وإما نصب خيام موقتة.

منظومة التحذير

سواء كان المكان الذي يتم اللجوء إليه "ملجأ الطوارئ" أم "المأوى الانتقالي"، فإن نوع الكوارث هو الذي يحدد تسميته، ففي كارثة طبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والحرائق وغيرها، يكون الاحتماء بملاجئ ذات طبيعة تختلف عن ملاجئ الحروب خصوصاً تلك التي تستخدم فيها أطراف القتال غارات جوية، فإن باطن الأرض أحياناً يكون أرحم من ظاهرها، ومع ذلك، فإن كل هذه الملاجئ لا تكون آمنة بنسبة كبيرة إذ ربما تتعرض للجرف أو الانهيار أو غيره.

وقال محمود رفاعي في إصداره "إدارة الأزمات" إن "الإنذار المبكر يساعد في الاستعداد للإنذار الطارئ، ضمن منظومة للاستكشاف والتحذير المسبق وفقاً لتوقعات حدوث الكوارث والأزمات، وإذا قامت الدولة بدورها في الإنذار فيجب أن تقابله الاستجابة". ويمكن الإشارة هنا إلى أنه قبل موسم الفيضانات التي تجتاح السودان، كل عام، توجه الجهات المتخصصة إنذاراً للسكان للابتعاد عن مجاري السيول والأماكن المنخفضة، ولأن الاستجابة تكون ضعيفة، فإن الضرر يفوق مداه المتوقع.

من جانبه، ذكر إبراهيم عبدالعزيز في "المجلة الدولية لأبحاث الأزمات" أن "هذه الإجراءات تمهد للأجهزة المتخصصة اتخاذ القرارات والسياسات والإجراءات المناسبة لمواجهة الكوارث إن لم تستطع منع حدوثها بشكل كلي، أو في الأقل الحد من حجم أضرارها وأخطارها". أضاف "نظراً إلى أهمية نظام الإنذار المبكر في حماية الإنسان وحقوقه من الأخطار بمختلف أنواعها، فقد أكد المجتمع الدولي هذا النظام وشجع الدول على ضرورة تبنيه ضمن مؤتمرات واستراتيجيات إقليمية لبناء قدرة الأمم والمجتمعات على مواجهة الكوارث"، ويمكن ذكر نظام عمل "هيوغو" للفترة من 2005 إلى 2015، وإطار عمل "سنداي" للفترة من 2015 إلى 2030، وكذلك تخصيص الـ13 من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، ليكون "اليوم العالمي للحد من الكوارث"، وصيغ هدفه على أنه "تعزيز ثقافة الاستعداد والجاهزية للحد من الأخطار والكوارث مع تزايد وتيرة تأثير تلك التهديدات والأخطار التي تسببها الكوارث المختلفة على الأفراد والمجتمعات، والتي تمثل تهديداً دولياً يتجاوز الحدود السياسية".

 

صعوبة التوقع

أما في حالة الكوارث الطبيعية، فإنه يصعب الإنذار قبل الفيضانات والزلازل لصعوبة توقعها، أما بعد الكارثة، فإن الإنذار يتوجه إلى إطار الاستجابة لتداعياتها، ومنها كمثال على ذلك الآثار المدمرة لإعصار "دانيال" الذي تعرضت له المدن الساحلية الليبية والذي سبب خسائر بشرية ومادية كبيرة، ومع بداية هذا الإعصار، في الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، في سواحل اليونان، وجهت مصر إنذاراً للسكان على ساحل البحر المتوسط باحتمال زحفه إليها، بينما لم يكن هناك استشعار على الساحل الليبي حتى تم اكتساحه، فقد كانت مدينة درنة الليبية الأكثر تضرراً بسبب ضغط المياه على سد وادي درنة الكبير وتأثره بذلك لأسباب فنية تتعلق ببنيته، ثم جرف معه السد الثاني وتسبب في الكارثة، فكانت النتيجة عشرات آلاف المفقودين، ومثلهم عشرات آلاف النازحين إلى مناطق أخرى تم استيعاب أعداد كبيرة منهم في مراكز إيواء.

ومثل ذلك، حدث الزلزال في المغرب الذي ضرب المنطقة الجبلية جنوب مراكش في سبتمبر أيضاً، وأطلقت السلطات المغربية سلسلة من الإجراءات بفتح مراكز إيواء المنكوبين لكن عمليات الإحصاء أثبتت أن الأضرار أكبر من أي خطط للاحتواء.

في معظم الحروب تبرز صافرات الإنذار لتحيط دائرة الرعب بأمل في النجاة بالتوجه للاختباء في الملاجئ التي يهرع إليها الناس، وتعيد صافرات الإنذار الأذهان إلى الحروب التي مضت، ومن أشهر الحروب في البلدان العربية، التي وثقت أحداثها المرتبطة بإنذار المدنيين، كانت حرب سيناء (خليج السويس) عام 1956، وحرب "الأيام الستة" في عام 1967، وحرب 1973 حرب "يوم الغفران"، والحرب اللبنانية عام 1982، وحرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، وحرب الخليج الثانية في التسعينيات، وحرب لبنان الثانية عام 2006، والحرب السورية، وإلى حد ما الحرب اليمنية والليبية بعد أحداث انتفاضة "الربيع العربي"، وأخيراً الحرب السودانية التي غابت فيها صافرات الإنذار والملاجئ، واتسعت فيها دائرة الهجوم من طرفي النزاع، فغادرت غالبية السكان العاصمة الخرطوم إلى الأقاليم ودول الجوار، وكذلك الوضع في دارفور حيث اشتد القتال على أهل الإقليم فغادروه لاجئين إلى تشاد.

استعداد مبكر

وحظي موضوع الكوارث بأنواعها المختلفة باهتمام عالمي كبير، نظراً إلى الآثار المدمرة التي تخلفها، لذلك أجمع المهتمون على أن الاستعداد المبكر لمواجهتها يخفف كثيراً من وقعها، وإن كان في دول العالم المختلفة يوجد نظام إنذار متبع تهيئ له الاستفادة من التجارب إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة، فإن البلدان العربية ربما تبدو متأخرة في الانتباه للتعامل معها، وحصرتها في حروبها التي تزامنت أو أعقبت الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وعن وسائل الإنذار في الدول العربية ذكرت الباحثة زينب مهدي أن هناك "وسائل إنذار ثابتة في المناطق السكنية والأسواق والمراكز الصناعية، وإنذاراً بواسطة سيارات الدفاع المدني والشرطة، وإنذاراً بواسطة بث رسالة صوتية في الإذاعة والتلفزيون، وإمكان دق أجراس الهواتف في المنازل والمكاتب والمحلات التجارية". أضافت "تطلق صافرة الإنذار عند وقوع كارثة أو اندلاع حرب أو عند الزلازل أو حتى السيول الغزيرة وفي بعض الدول تتم تجربة الصافرات للحيطة بين كل فترة وأخرى. تعد صافرة الإنذار جهازاً يصدر ضوضاء من خلال إصدار صوت عال يتم استخدامه كإشارة تحذير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر أن صافرة الإنذار اخترعها الفيلسوف الاسكتلندي جون روبسون في أواخر القرن الـ18، ثم ابتكر المهندس الفرنسي شارل كانيارد دي لا تور آلة صوتية من هذا النوع في عام 1819، إذ يتم تدوير قرص به فتحات متباعدة بشكل متساو حول حافة صافرة الإنذار بسرعة عالية، يتسبب ذلك في حدوث موجة صوتية في الهواء المحيط، وبعد النمو الذي شهدته المدن تطورت أنظمة الإنذار عن ذلك النوع الذي نشأ بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان جهاز إنذار ميكانيكي، وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي ظهرت صافرات الإنذار الكهروميكانيكية.

ويعتقد أن أول ذكر لصافرات الإنذار التي عرفت بـ"سيرينا" جاء في الملحمة الشعرية "الأوديسة" وتعود للأساطير اليونانية، وهي عبارة عن مخلوقات بحرية أسطورية، أو حوريات بحر بميزات الطيور وصفات بشرية، عرفت باسم "سيرينا" وارتبطت بالمحيط والمياه، وكانت تجذب البحارة بالعزف على أدوات موسيقية والغناء بصوت جميل، وعندما يأتي البحارة تفتك بهم.

إجراءات خاصة

بعد صافرات الإنذار في حرب الخليج الثانية، كانت مديريات الدفاع المدني في دول الخليج تعلن بين فترة وأخرى أنها ستطلق صافرات الإنذار كإجراء يتعلق بالاستعدادات لأي طارئ، ودرجت دول الخليج على تحديث صافرات الإنذار كل فترة، ففي السعودية أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني عن "تحديث صافرات الإنذار، وتم تحديد نوعية النغمات ونوع الخطر، وكذلك آلية فرضية الإخلاء في حال وقوع أي خطر على المواطنين والمقيمين، وذلك جراء أخطار الأمطار والسيول أو تسرب مواد كيماوية ونحوها"، وعندما دوت صافرات الإنذار في الرياض ومناطق أخرى من المملكة، في مايو (أيار) 2018، كان ذلك غداة إطلاق الحوثيين في اليمن صواريخ باليستية صوب المدينة، وفي عام 2019 أعلن الدفاع المدني لسكان المملكة عن "إطلاق صافرات الإنذار لإجراءات خاصة تتعلق بالاستعدادات لأي طارئ"، وجاء ذلك عقب التهديدات التي واجهتها السعودية بعد تعرض منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة "أرامكو" لقصف بصواريخ وطائرات مسيرة، اتهمت إيران بالوقوف خلفها.

العبء الأكبر

أما في ما يتعلق بالتدريب، فقد أورد الاتحاد الدولي للهلال والصليب الأحمر أن "مراكز الإنذار المبكر في الدول العربية تعمل مع الهلال والصليب الأحمر تبعاً لظروف كل بلد على تدريب عدد من المتطوعين على مواجهة الأخطار وكيفية التعامل مع الحروب وإنقاذ المصابين وكيفية التعامل مع الغازات السامة، وعمل دورات بالتعاون والتنسيق مع وزارات الدولة والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص للوقوف على مدى جهوزية الدفاع المدني"، وفي ورقة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، والمكتب الإقليمي للدول العربية، ذكرت أن "مواجهة الأزمات والحالات الطارئة سواء بالاستعداد لها أو توقعها أو التعامل معها، إذا ما حدثت، يضع على كاهل الدولة، بوحدات السلامة فيها والدفاع المدني، العبء الأكبر في هذا المجال لضمان توفير الحماية الشاملة للأفراد والمنشآت"، كما أوردت "لوضع خطة شاملة توضح مراحل إدارة الأزمات والكوارث، وآليات إدارة الأزمات وقت حدوثها، وكذلك وضع خطة شاملة لمواجهة الكوارث والحالات الطارئة التي قد يتعرض لها السكان والمنشآت، وتتضمن كيفية إخلاء المباني من شاغليها في الحالات الطارئة واتخاذ الإجراءات لتأمين سلامتهم وكفالة الطمأنينة والاستقرار والأمن لهم، ومراحلها ما قبل الأزمة في التنبؤ وتوقع الأزمات والكوارث واتخاذ الإجراءات الوقائية وتطوير آليات الرصد والإنذار المبكر وتجهيز غرف عمليات لإدارة الأزمات والكوارث مزودة بأجهزة الاتصال المناسبة".

وأخيراً فإن تلخيص الوضع ربما يعكسه ما حدث أثناء مقابلة شبكة "سي أن أن" مع طبيبة أميركية في قطاع غزة، حين سألها المذيع الشهير وولف بلتزر عندما دوت أصوات قذائف شوشت على المحادثة "يمكنك قطع هذه المكالمة في أي وقت إذا كنت في حاجة إلى دخول ملجأ من القذائف"، فسارعت بالإجابة "لا توجد ملاجئ هنا".

المزيد من تحقيقات ومطولات