الأرقام التي تعلن تباعاً حول المصير الغامض الذي ينتظر الاقتصاد التركي، غالباً ما تكون صادرة عن مؤسسات رسمية في تركيا، وبالتالي لا يوجد أي مبرر للتشكيك في الأزمات التي بالفعل بدأت تعصف بالاقتصاد التركي.
من أرقام التضخم إلى الديون الخارجية والداخلية مروراً بانهيار الليرة، ثم تهاوي احتياطي النقد الأجنبي، وهروب المستثمرين من قطر، إلى آخر التقارير الرسمية التي تؤكد أن الاستثمار في قطاع العقارات التركي أصبح محاطاً بالعديد من المخاطر التي يجب أن يحذر منها المستثمرون جيداً حتى لا تتآكل استثماراتهم ويفقدون أموالهم.
وربما كانت أول ضربة تلقتها تركيا في إطار ملف هروب المستثمرين، من حليفتها قطر، حيث أشارت صحيفة "زمان" التركية في منتصف يونيو (حزيران) الماضي إلى أن مستثمرين قطريين سحبوا استثمارات بقيمة 4.6 مليار ليرة (800 مليون دولار) من بورصة إسطنبول خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
الصحيفة ذكرت أن حجم المحفظة الاستثمارية الخاصة بالمستثمرين القطريين بلغ خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 14.745 مليار ليرة (2.56 مليار دولار)، غير أنها تراجعت في شهر مايو (أيار) الماضي بنحو 30.95 بالمئة لتسجل 10.181 مليار ليرة (1.77 مليار دولار).
مبيعات المنازل تتراجع 17% في يوليو
وفي تقرير حديث، أعلنت هيئة الإحصاء التركية تراجع مبيعات المنازل في تركيا خلال يوليو (تموز) الماضي بنسبة 17.5 بالمئة، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
وحسب البيانات الحديثة، فإن عدد المنازل المبيعة في عموم تركيا خلال شهر يوليو (تموز) الماضي بلغ 102 ألف و236 منزلا. وشهد قطاع بيع العقارات خلال يوليو (تموز) الماضي ارتفاعا بنسبة 66.7 بالمئة، مقارنة مع مبيعات يونيو (حزيران) 2019.
وتصدّرت إسطنبول قائمة المدن الأكثر بيعا للمنازل بنحو 17 ألفا و276 منزلا، تلتها العاصمة أنقرة بنحو 9 آلاف و491 منزلا، وإزمير ثالثا بنحو 5 آلاف و576 منزلا.
وذكرت المعطيات أن نسبة مبيعات المنازل للأجانب خلال يوليو (تموز) زادت 46.7 بالمئة مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. وبلغ عدد المنازل المبيعة للأجانب خلال شهر يوليو (تموز) الماضي 4 آلاف و192 منزلا، حيث تصدرت إسطنبول قائمة المدن التركية الأكثر بيعا للعقارات إلى الأجانب، بـألف و903 منازل.
وجاءت أنطاليا في المرتبة الثانية بنحو 764 منزلا، وأنقرة ثالثا بنحو 249، وبورصة رابعاً بنحو 217، ويالوفا خامسا بنحو 177 منزلا.
وتصدر العراقيون قائمة الأجانب الأكثر شراءً للمنازل في تركيا بنحو 734 منزلا، تلاهم الإيرانيون بنحو 464، والكويتيون ثالثا بنحو 219، والسعوديون بنحو 218، والروس خامسا بنحو 215 منزلا.
ماذا يفعل المطورون بعد ترحيل اللاجئين السوريين؟
المسوق العقاري المصري، فوزي أبو الخير، قال، في اتصال مع "اندبندنت عربية"، إن الأوضاع في تركيا تتجه إلى ركود كبير، على الرغم من أن الفرصة مواتية في الوقت الحالي للشراء في تركيا، وذلك بسبب الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار، ولكن هناك مخاطر كبيرة تتعلق بالركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد، والذي يعد طارداً للاستثمار بشكل كبير.
وأوضح "أبو الخير" أن "المستثمر يبحث في المقام الأول، وقبل الحديث عن الأرباح، عن الاستقرار. وفي الوقت الحالي لا يوجد ما يشير إلى استقرار أوضاع الاقتصاد التركي، بخاصة وأن هناك مناطق أكثر أمناً واستقراراً في المنطقة وتوّفر في الوقت نفسه عائداً استثمارياً جيداً".
لكن ما يدعم السوق حتى الآن هو استمرار اللاجئين السوريين في تركيا، ومع اتجاه الحكومة التركية إلى ترحيلهم، فإن سوق العقارات ستواجه العديد من الأزمات مع تراجع الطلب بنسب كبيرة.
أزمات غير مسبوقة تهدد المستثمرين بالإفلاس
في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، قالت "أ.ف.ب" إن قطاع العقارات في تركيا يعاني من أزمة خانقة وغير مسبوقة تُهدد بإفلاس أعداد كبيرة من المستثمرين فيه، على الرغم من محاولات الحكومة التركية منذ شهور تنشيط الاقتصاد المحلي ودعم القطاع العقاري، عبر تقديم تسهيلات وامتيازات لمشتري العقارات من الأجانب الذين يأتون بأموالهم من الخارج.
وكانت الحكومة التركية قد اتخذت قراراً قبل شهور يُتيح لمن يشتري عقاراً تبلغ قيمته ربع مليون دولار أميركي أو أكثر أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية التركية، هذا إلى جانب القانون السابق الذي لا يزال معمولاً به والذي يتيح لأي أجنبي يشتري عقاراً في تركيا مهما بلغت قيمته أن يحصل على الإقامة.
وعلى الرغم من هذه التسهيلات والقوانين التي تحاول جذب المستثمرين من الخارج وتشجيع المستثمرين في الداخل، لكن قطاع العقارات التركي يعاني واقعاً مأساوياً في الوقت الحالي، حيث لا تزال أعداد كبيرة من الوحدات العقارية فارغة ومستثمروها مهددين بالإفلاس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستعرض التقرير أسباباً عدة للركود الذي يضرب القطاع العقاري في تركيا بعد الطفرة التي شهدها في الأوقات السابقة، مشيراً إلى أن "الفوضى التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى الهبوط في قطاع الإنشاءات، فضلاً عن الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد التركي بشكل عام والمخاوف من الانكماش، كلها عوامل أدت إلى هذا التراجع الحاد في القطاع العقاري، وجعلت الكثير من المستثمرين مهددين بالإفلاس".
ولفت التقرير إلى أنه "بعد مدة طويلة من النمو القوي للاقتصاد التركي، فإنه سجل نمواً بنسبة 1.1 بالمئة، فقط في الربع الثالث من العام 2018، على أن العديد من الاقتصاديين يتوقعون أن ينزلق الاقتصاد التركي نحو الانكماش خلال العام الحالي 2019".
وذكر أن تركيا انزلقت إلى أزمة جديدة في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، حيث انهارت عملتها المحلية وسجل التضخم نسباً كبيرة تبعاً لذلك وارتفعت أسعار السلع والمواد الأساسية. وفقدت الليرة التركية أكثر من 30 بالمئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي خلال العام 2018، فيما لا تزال الأسواق في حالة من الشك والقلق حول قدرة الحكومة التركية على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ووفق التقرير، قال مزهر يلديرين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "ساروت غروب"، إن طلب الحماية وإعلان الإفلاس الذي تقدمت به الشركة سببه أن أعداداً كبيرة من المستثمرين توقفوا عن سداد الأموال المتعلقة بالوحدات العقارية، التي اشتروها في المشروع الذي تبلغ قيمته 200 مليون دولار.
وأشار إلى أن شركته أنفقت على المشروع نحو 100 مليون دولار حتى الآن. وتابع "بعض عمليات الشراء أُلغيت"، لافتا إلى أن "مستثمرين عرباً اشتروا 351 فيلا من هذا المشروع".
كيف تتأثر تركيا بخفض تصنيف ديونها السيادية؟
وفي منتصف يوليو (تموز) الماضي، خفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية تصنيفها للديون السيادية لتركيا من BB إلى BB- مع نظرة مستقبلية سلبية، قائلة إن عزل محافظ البنك المركزي يسلط الضوء على تدهور في استقلالية البنك وتماسك السياسة الاقتصادية ومصداقيتها.
وقالت رانيا يعقوب، محللة أسواق المال والاقتصاد الكلي، إن تخفيض تصنيف وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" للديون السيادية التركية أمر متوقع في ظل التدخلات الصارخة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسات النقدية والمالية في البلاد، والتي وصلت إلى عزل محافظ البنك المركزي التركي الرافض لتوجيهاته.
وأضافت "يتوقع أن تصدر سلسلة من التخفيضات والتقييمات السلبية من قبل وكالة التصنيف والائتمان الدولية للديون التركية، بخاصة الخارجية، وكذا مناخ الاستثمار خلال الفترة المقبلة".
وأوضحت أن سياسات النظام التركي الحاكم لا سيما الأخيرة أثارت مخاوف المستثمرين، بخاصة الأجانب من الاستمرار أو التفكير في ضخ أموالهم في السندات التركية أو الدخول مباشرة للسوق التركية.
وأشارت إلى أن التصنيف الأخير لوكالة "فيتش" سيسهم في ارتفاع الفوائد على أدوات الدين التركية، بخاصة السندات المطروحة أو المزمع طرحها في البورصات العالمية، يعقبه ارتفاع تكلفة الديون التركية بمستويات كبيرة تنعكس سلبا على عجز الموازنة التركية المتفاقمة بالفعل.
احتياطي النقد الأجنبي يتآكل
وتشير بيانات رسمية حديثة، إلى تراجع إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا بنحو ملياري دولار في الأسبوع الماضي، في حين صعدت قيمة احتياطات الذهب.
وكشف التقرير الأسبوعي الصادر عن المركزي التركي أن إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك تراجع إلى مستوى 77.423 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 16 أغسطس (آب) الحالي، مقارنة مع مستوى 79.217 مليار دولار المسجل في الأسبوع السابق له.
في حين أن احتياطات البنك المركزي من الذهب ارتفعت إلى مستوى 25.266 مليار دولار في الأسبوع المنقضي، وهو أعلى بنحو 373 مليون دولار عند المقارنة مع الرقم المسجل في الأسبوع السابق له.
لكن في المجمل، فإن إجمالي احتياطات المركزي التركي، والتي تضم الذهب والنقد الأجنبي معاً، تراجعت إلى مستوى 102.689 مليار دولار مقارنة مع مستوى 104.11 مليار دولار مسجلة في السابق.
ومع ذلك ورغم التراجع، فإن الاحتياطات الإجمالية للبنك المركزي في الأسبوع الماضي كانت أعلى بنحو 11.23 بالمئة عند المقارنة مع المستويات المسجلة في الفترة المماثلة من العام الماضي، عندما كان الاحتياطي يبلغ 92.322 مليار دولار.
وتراجعت العملة التركية مقابل نظيرتها الأميركية بنسبة 0.8 بالمئة ليصعد الدولار إلى مستوى 5.7603 ليرة.