Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحياة السرية لجون لو كاريه": تصوير لقامتين أدبيتين في حالة انهيار

ادعى ديفيد كورنويل، المعروف أيضاً بـ جون لو كاريه، أن خياناته المتعددة كانت "إدماناً" ضرورياً لكتاباته - لكن الكشف عنها أدى إلى خروج سيرته الذاتية المخطط لها عن مسارها. فهل سيتغير أي شيء بعد جزء التتمة المحزن والرائع والانتقامي نوعاً ما؟

صاحب رواية "سمكري، خياط، جندي، جاسوس": صورة ملتقطة لجون لو كاريه في مارس 1965 (غيتي)

ملخص

ادعى ديفيد كورنويل، المعروف أيضاً بـ جون لو كاريه، أن خياناته المتعددة كانت "إدماناً" ضرورياً لكتاباته - لكن الكشف عنها أدى إلى خروج سيرته الذاتية المخطط لها عن مسارها. فهل سيتغير أي شيء بعد جزء التتمة المحزن والرائع والانتقامي نوعاً ما الذي نشره آدم سيسمان؟: "الحياة السرية لجون لو كاريه": تصوير لقامتين أدبيتين في حالة انهيار

منذ ظهور رواية "الجاسوس الذي جاء من البرد" The Spy Who Came in from the Cold عام 1963، سحر جون لو كاريه (اسمه الأصلي ديفيد كورنويل) قراءه بروايات التجسس المعاصرة (مثل "سمكري، خياط، جندي، جاسوس" Tinker, Tailor, Soldier, Spy و"التلميذ المحترم" The Honourable Schoolboy و"أصحاب سمايلي" Smiley’s People) التي بدت وكأنها تعبر عن روح العصر. بالنسبة إلى بعضهم، مثل فيليب روث، كان روائياً إنجليزياً كبيراً، وفي نظر آخرين، مثل أنتوني بيرجس، كان كاتب قصص إثارة أعطي حجماً أكبر مما يستحق. مهما كان رأيكم، فلا شك في أن لو كاريه نجح في إخفاء هويته الحقيقية تحت اسمه المستعار بحماسة شبه شديدة وأحرز نجاحاً ملحوظاً. عندما بدأ الكاتب الخبير العتيق بالسعي إلى إنشاء إرث يدوم، كان يعتقد أن فكرة "الحياة" على هيئة سيرة ذاتية ستكون جزءاً مهماً من هذا الإرث. لكن بدلاً من ذلك حدث شيء قدري غير متوقع كان له تأثير سلبي في خططه.

كتاب "الحياة السرية لجون لو كاريه" The Secret Life of John le Carré هو استعراض صادق بشكل مؤلم ومحزن من كاتب سيرته الذاتية لتعاونه المعذب مع أيقونة أدبية حية، وهو مشروع جره إلى الأعماق. آدم سيسمان هو المؤلف القدير لكتاب "مهمة بوزويل الجريئة: صناعة حياة الدكتور جونسون" Boswell’s Presumptuous Task: The Making of the Life of Dr Johnson. ربما كان على دراية بالأخطار التي ينطوي عليها مثل هذا التعاقد. قبل وقت طويل من ترشيح نفسه لهذه المهمة الصعبة، لا بد أنه كان يعلم أيضاً أن شخصية لو كاريه المتغيرة لن تخضع بإرادتها لقواعد كتابة السيرة الذاتية الصارمة. طرد كاتب سيرة ذاتية واحد في الأقل بأوامر قضائية، وآخر، هو الكاتب روبرت هاريس، الذي استميل إلى المشروع استغنى عن خدماته فجأة. ومن باب الإنصاف، بدت مبادرات سيسمان مبشرة بالخير في البداية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مايو (أيار) من عام 2010، أرسل سيسمان رسالة إلى جون لو كاريه يعرض فيها خدماته ككاتب سيرة ذاتية، وهي الرسالة التي ربما يندم عليها. استجابة لذلك، خرج الكاتب الشهير من عزلته وأرسل رداً لطيفاً وجذاباً. لقد تملق سيسمان، وتخلى عن حذره ("أنا مشتت جداً حيال كيفية الرد")، واعترف بأن لديه "حياة خاصة فوضوية"، واختتم رسالته بخاتمة مغرية، "أتمنى منك أن تكتب من دون قيود". وأعقب ذلك اتفاقاً مصيرياً. اعتقد كل من كورنويل وسيسمان أن رغباتهما تحققت. كان الكاتب واثقاً في اختياره، بينما احتفل كاتب السيرة الذاتية بانقلاب أدبي. في تلك المرحلة من الود المتبادل بينهما، كان سيسمان يتصرف بأفضل طريقة ممكنة، بينما كان كورنويل يستغل سحره الشهير لجذبه وإغوائه. يكتب سيسمان أن كورنويل كان يتمتع "بالقدرة على جعل الناس يحبونه حتى عندما كانوا يعلمون أن عليهم ألا يفعلوا".

ثم ظهرت العقبة الأولى - قران كورنويل بزوجته الثانية جين، وهو تحالف وصفه بأنه "متفهم للوفاء أكثر من معظم الزيجات". كان سيسمان يعرف بالفعل أن بطل كتابه لديه تاريخ طويل مع عدم الإخلاص المتكرر، وكان موضوع خيانات كورنويل يثقل كاهله، حتى أنه كتب: "لقد توترت علاقاتنا". كانت النتيجة تدخل ابن كورنويل الأكبر للوساطة واقتراحاً غير معقول بأن يحتفظ سيسمان "بملحق سري" للنشر بعد وفاة كورنويل وزوجته، وهذا هو الحال الآن. لم يقبل أي الطرفين بالمصالحة. أوضح سيسمان، في مقدمة كتابه "جون لو كاريه: السيرة الذاتية" John Le Carré: the Biography الصادر عام 2015، أنه تعرض للإلحاح، كما أعلن أيضاً طموحه "لنشر نسخة منقحة ومحدثة" في وقت ما غير محدد في المستقبل.

لقد حانت تلك اللحظة الآن، ونشر الجزء الثاني الذي يحمل عنوان "الحياة السرية" The Secret Life، وأطلق عليه سيسمان وصف "ما تم استبعاده"، ليكون خاتمة غير سعيدة لكتاب حظي بالمباركة ذات يوم، ثم الموافقة عليه بشكل جزئي، وفي نهاية المطاف رفضه بشدة.

بشكل لا يصدق، في الفترة التي سبقت إطلاق "جون لو كاريه: السيرة الذاتية"، قام كورنويل ببيع كتاب "مذكرات" منافس بعنوان "رف الحمام: قصص من حياتي" The Pigeon Tunnel: Stories from My Life صادر عن دار نشر أخرى. كان رأي كورنويل بجهود سيسمان أبعد ما يكون عن الإشادة، وازدادت الأمور سوءاً بازدراء جهود سيسمان ووصفها بـ"نسخ مصغرة" من مواد كان يرغب في "ادعاء ملكيتها لنفسه".

ليس "الحياة السرية لجون لو كاريه" نسخة منقحة ومحدثة، بل هو تصوير بلا قيود لبعض العلاقات السرية على أساس أنها تحمل مفتاحاً لإبداع لو كاريه، الذي ادعى قائلاً لسيسمان: إن "خياناتي أصبحت تقريباً إدماناً لا غنى عنه لكتابتي".

يبدو هذا الكلام مثل مرافعة دفاع في المحكمة. ولماذا يجب أن نصدقه؟ كان هناك تصريح على موقعه الإلكتروني يقول "لا شيء مما أكتبه حقيقي. إنه نتاج الأحلام وليس الحقيقة. لا يمتلك الفنانون مركزاً ثابتاً. إنهم مزيفون". والأسوأ من ذلك، أنه لا تتم تبرئة تأكيد كورنويل على أن الخيانة الزوجية هي مفتاح فن كتابته من خلال حقيقة هذه "الحياة السرية" التي هي عبارة عن استعراض أجوف لبعض الخيانات القاسية التي لا تعد دليلاً على ينابيع إبداع الروائي بقدر ما هي تبرير غريب لخمسة فصول تمت كتابتها عن حياة لو كاريه العاطفية.

لا يقتصر الأمر على أن هذه الخيانات لا تسلط أي ضوء تقريباً على إبداع الروائي، بل إنها، في جانب واحد مهم، لا تحمل أي شيء جديد. في عام 2022، تفوقت سوليكا داوسون على سيسمان بكتابها "القلب السري" The Secret Heart، وهو عبارة عن عمل يكشف عن أسرار وأخبار علاقاته العاطفية، وحصل على تقييمات صحافية متباينة بشكل واضح. لم يكن هذا مفاجئاً. واعترف سيسمان بأن "الحياة السرية" لكورنويل كانت كارثة، فخياناته عبارة عن مزيج غريب من المغازلة المهووسة والرومانسية غير الناضجة. لم يقرأ أي شخص رواياته على الإطلاق ليعرف ما يعتمل في قلب الأنثى. ومع ذلك، في مختلف الأحوال - ويعترف سيسمان ببعض الشكوك - تشكل العلاقات جوهر هذا الجزء الصغير، لكن هذه ليست نهاية القصة.

يهتم سيسمان بمهنيته بحياة الآخرين لدرجة أنه لا يستطيع تجاهل دوره في تطور هذا الحلم الذي تم تدميره. تختتم فصوله الأخيرة الكاشفة عن "الحياة السرية" بتأملات أكثر حزناً في ما أعقب نشر "لو كاريه: السيرة الذاتية". لا يزال غير متأكد من مشاعره، فهو مثل الرجل الذي هرب من منزله الذي كانت تلتهمه النيران، سعيداً بكونه حياً لكن محروق ومغطى بالسخام من تلك التجربة.

على سبيل المثال، يعترف بأنه تعرض للخداع والانتقاد، ولم يدرك أبداً، كما يقول، أن "الطرف" الرئيس في هذا المشروع "الذي تتطلب أموره الحساسة أكبر قدر من الاحترام هو ديفيد نفسه". لقد أحب صحبة لو كاريه، لكنه "شعر بخيبة أمل بسبب ما قاله... والقصص التي كنت على دراية بها بالفعل". في هذه الأثناء، واصل كورنويل لعب لعبة القط والفأر، إذ امتدح كاتب سيرته الذاتية وتملقه في إحدى الرسائل، ثم اعترف بأفكار "شبه انتحارية" انتابته بعد قراءة ما كتبه سيسمان. خلف هذه القسوة العقلية، اكتشف سيسمان وتيرة معينة إذ إن "ديفيد كان يصبح مضطرباً للغاية" ثم "يستعيد رباطة جأشه" - لكنه لم يتمكن من التخلص من تأثير سحر كورنويل.

في خضم هذه الدوامة، أين التبادل المعقول للأسرار الخاصة بين الكاتب والموضوع الذي يكتب عنه؟ ترسم المفاوضات حول "الحياة السرية" للو كاريه صورة لقامتين أدبيتين تعانيان انهياراً عصبياً متزامناً. أحدهما متفرس لعوب يمتلك قلباً بارداً كالثلج، والآخر فريسة مشوشة معتادة على رعي الكتابات المغذية غير الضارة، ولا تتسلح بالذهنية المناسبة لخوض معركة دموية حول حقوق المساحات الشخصية. 

لطالما كانت إحدى القواعد الذهبية للحياة الأدبية هي: اعرف نوعك الأدبي. يكون نتاج كتاب السيرة الذاتية أفضل عندما لا يكون لهم أي دور في المادة التي يكتبونها. إليكم الصورة العامة: لقد مات لو كاريه، وما زالت أعماله باقية، حتى الوقت الحالي. من يدري ما الضرر الذي ستلحقه هذه التسريبات بسمعته على المدى الطويل؟ برأيي: لن يكون الضرر كبيراً. لقد مارس كورنويل حيله وقال سيسمان كلمته. خرج مشروعهما عن مساره لجميع الأسباب التي يمكن تخيلها وأولها غرور الروائي الهائل، إذ اعتقد لو كاريه أنه قادر على صياغة إرثه الذي سيصل إلى الأجيال المقبلة كما كان ينسج حياته المهنية. أما سيسمان فاستهان بمكر الكاتب الذي لا تسبر أغواره. ربما يكون العنوان الأكثر دقة لهذا الجزء المحزن والرائع والانتقامي إلى حد ما هو "مرثية السحر الوحشي لديفيد كورنويل".

كتاب "الحياة السرية لجون لو كاريه" لآدم سيسمان (عن دار بروفايل بوكس. عدد الصفحات 196 صفحة، سعر النسخة 14.99 جنيه استرليني). 

© The Independent

المزيد من كتب