ملخص
ربط مراقبون بين إبداء البوليساريو استعدادها للحوار مع استعداد الأمم المتحدة لإصدار تقريرها السنوي بخصوص النزاع في الصحراء
في خطوة مفاجئة، أعربت جبهة البوليساريو عن استعدادها للتفاوض مع المغرب في سبيل حل أزمة الصحراء، وذلك بعد تهديداتها المتوالية منذ سنوات بإعلان الحرب، في فصل جديد من فصول صراع يعود إلى عام 1975 إثر إنهاء إسبانيا احتلالها إقليم الصحراء، حين ضم المغرب جل أراضي الإقليم باعتباره امتداداً جغرافياً لأراضيه. وتعتبر الجبهة نفسها الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وأعلنت في عام 1976 عن قيام دولتها من جانب واحد، وذلك بدعم من الجزائر التي منحتها منطقة تندوف القريبة من الحدود مع المغرب. وبعد مواجهات مسلحة، تم التوصل في عام 1991 إلى وقف للنار بين المغرب والبوليساريو برعاية الأمم المتحدة، وتأتي خطوة الجبهة الأخيرة قبيل عقد مجلس الأمن لاجتماعاته السنوية بخصوص نزاع الصحراء.
نية صادقة؟
وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها جبهة البوليساريو استعدادها للتفاوض مع الرباط في إطار السعي لحل أزمة الصحراء، إلا أنها تأتي في ظل تكهنات بوجود ضغوط أميركية على كل من الجزائر والجبهة لطي الملف. وصرح عضو الأمانة الوطنية للبوليساريو، محمد سيداتي، أن "أيادي الجبهة، وإن كانت ممدودة للسلام، لكن أصابع مقاتليها موضوعة على الزناد"، موضحاً أن "المفاوضات مع المغرب ليست جديدة على الطرف الصحراوي، فقد مر نضاله بمراحل عدة شهدت مفاوضات مباشرة، وهو أمر لا يزال قائماً وبوساطة أممية كما يعلم الجميع، وتحتاج إلى طرفين لإنجازها، لكن يعوزها الجدية والثقة، وهو ما امتنع عنه المغرب لزمن طويل"، معرباً عن أمل الجبهة في أن "تعمل الأمم المتحدة وفق القانون الدولي ومرجعياته، من أجل الضغط على المغرب للعودة إلى الشرعية الدولية، بالتالي تحقيق مستقبل أفضل للمنطقة وشعوبها وللعالم أجمع".
وفي وقت لم يصدر فيه أي تعليق رسمي مغربي على توجه الجبهة، شكك مراقبون مغاربة في نية البوليساريو، حيث اعتبر الباحث في مجال العلاقات الدولية، هشام معتضد، أن "إعلان جبهة البوليساريو نيتها التفاوض، في سياق تستعد فيه الأمم المتحدة لإصدار تقريرها السنوي بخصوص هذا النزاع، يعتبر تكتيكاً سياسياً لتظليل المنتظم الدولي، خصوصاً بعد الخروق الفاضحة التي تدبرها ميليشياتها فوق الميدان"، موضحاً أن "خرق قيادة البوليساريو لاتفاقية إطلاق النار، وتجاوزاتها الميدانية، إضافة إلى عدم احترامها توجيهات البعثة الأممية إلى الصحراء، كلها عوامل تجعل من الجبهة فاعل غير سوي سياسياً، وغير مسؤول أممياً، وغير جاد دبلوماسياً، وخطر أمنياً، في تدبيره لهذا النزاع الذي يسعى المنتظم الدولي لإنهائه في القريب العاجل". وأضاف معتضد أن "إخفاقات البوليساريو الدبلوماسية في الترويج لأطروحتها الوهمية، ومحاولتها الفاشلة لتضليل الرأي العام الدولي في شأن حيثيات هذا النزاع، إضافة إلى تبني المنتظم الدولي للمقترح المغربي، الذي صنفته عديد من القوى الدولية والإقليمية بالجاد وذي الصدقية، جعلها تلوح ببطاقة رغبتها العودة للمفاوضات، وذلك من أجل نيل استعطاف دول مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة للظفر بفرصة إعادة بناء هيكلة خطابها السياسي وتحركاتها الدبلوماسية".
من جانبه، أكد زعيم "البوليساريو" إبراهيم غالي، نية الجبهة الانخراط في المفاوضات مع الجانب المغربي، موضحاً أن "موقف الطرف الصحراوي واضح، وهو الاستعداد للتعاون الكامل مع جهود الأمم المتحدة، عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للمساومة ولا للتصرف ولا للتقادم، في تقرير المصير والاستقلال، على غرار كل البلدان والشعوب المستعمرة"، مضيفاً أنه "لا يمكن ضمان الاستقرار والسلام الدائم في العالم في ظل الدوس على مقتضيات الشرعية الدولية، وإن ما يقع اليوم في فلسطين من تطورات خطرة إنما يجسد هذه الحقيقة".
تحذير أمني
حديث زعيم جبهة البوليساريو عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يعيد إلى الواجهة تحذيرات نائب مدير معهد "اتفاقات أبراهام للسلام"، المستشار السابق لوزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، ديفيد أرونسون، من "إمكانية شن الجبهة هجمات ضد المصالح المغربية"، موضحاً أن "الجبهة تتعلم بسرعة من حركة حماس، وكلاهما مدعوم من إيران"، داعياً المغرب إلى "الوقوف مع إسرائيل ضد الإرهاب". وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن "البوليساريو تشكل عدواً لكل من المغرب وإسرائيل، وعلينا في إسرائيل الوقوف بجانب أصدقائنا المغاربة ضد هذه التهديدات المشتركة، عبر الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية".
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أصدر بنهاية عام 2020 قراراً يعترف بموجبه بسيادة المغرب على منطقة الصحراء، وذلك في إطار اتفاق ثلاثي أميركي-مغربي-إسرائيلي تعيد من خلاله الرباط علاقاتها مع تل أبيب، مقابل الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وتأكيد واشنطن أن خطة الحكم الذاتي المغربية هي أساس الحل الوحيد للنزاع، إلا أن بيان الخارجية الأميركية الصادر في مايو (أيار) الماضي، شكل تراجعاً في الموقف الأميركي بخصوص قضية الصحراء، حيث أشار إلى أن "وزير الخارجية أنتوني بلينكن أكد دعم الولايات المتحدة الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، فيما يكثف عملية الأمم المتحدة في شأن الصحراء الغربية بغية التوصل إلى حل سياسي دائم وكريم لشعب الصحراء الغربية والمنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعوة حازمة للتفاوض
وأجرى دي ميستورا في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، جولة زار خلالها الرباط ومدينتي الداخلة والعيون بالجنوب الصحراوي للمغرب، إضافة إلى العاصمة الجزائرية والعاصمة الموريتانية نواكشوط، إلا أنه لم يتجه إلى منطقة تندوف التي تتخذ جبهة البوليساريو منها مقراً لها. وأعلنت الأمم المتحدة في بيان أن زيارة مبعوثها تهدف إلى وضع تقرير يسلم للأمين العام أنطونيو غوتيريش، ويشكل أساساً لتقريره الذي يطرحه على مجلس الأمن في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، على أن يصوت المجلس على قرار تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لحفظ الأمن في الصحراء "مينورسو" في نهاية الشهر.
في موازاة ذلك، زار مسؤولون أميركيون المنطقة وأجروا اتصالات مع مسؤولين محليين، فتواصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز هاتفياً مع رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، تزامناً مع زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، جوشوا هاريس، لمخيمات تندوف حيث التقى زعيم البوليساريو، كما اجتمع بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في الرباط.
وفي وقت لم تعلن فيه الولايات المتحدة هدفها من تلك اللقاءات بخصوص قضية الصحراء، تدور تكهنات في شأن رغبتها في دفع أطراف النزاع نحو التفاوض في سبيل التوصل إلى حل نهائي لذلك النزاع.
إصرار على الموقف
وأدى تشبث كل طرف بموقفه إلى فشل سلسلة كبيرة من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، من جانبه أعاد المغرب، خلال زيارة المبعوث الأممي، التأكيد أن التفاوض من جانبه لن يكون إلا على أساس مقترح الحكم الذاتي. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قال في خطاب ألقاه خلال عام 2022 إن "مغربية الصحراء لم تكن يوماً، ولن تكون أبداً مطروحة فوق طاولة المفاوضات"، مشيراً إلى أن بلاده "تتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل"، مجدداً تأكيد المملكة على رفضها استقلال الصحراء. وتنص مبادرة الحكم الذاتي على أن المملكة المغربية "تكفل، لجميع الصحراویین، سواء الموجودون في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيداً من أي تمييز أو إقصاء، ومن هذا المنطلق سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية". وتنص المبادرة كذلك على توفير الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كل المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة، فيما "تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك". و"ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف، على أن يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق من المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقاً لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة"، من جانبها تصر جبهة البوليساريو على مبدأ تقرير المصير عبر استفتاء الشعب الصحراوي.