Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة سياحية مذهلة لموقع تفجيرات نووية وحيد متاح للعموم

ترتيب زيارة للمنطقة الواسعة والمقفرة في شرق كازاخستان والبلدة النووية السوفياتية السرية سابقاً ليس بالأمر الهين ولكن المكافأة هي تجربة فريدة من نوعها تأخذك إلى عالم آخر

بحيرة ذرية في "البوليغون" الموقع النووي الوحيد الذي يمكن زيارته (ستيفن ريا)

ملخص

مكان من كوكب آخر... تفاصيل أغرب جولة سياحية في ميدان للاختبارات النووية السوفياتية في كازاخستان

سرنا على ضفاف البحيرة الذرية التي تشكلت نتيجة انفجار نووي سوفياتي فاقت قوته بـ 11 ضعفاً القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، ومع هبوب الرياح وتساقط الأمطار الغزيرة على ملابسنا الواقية، أمسكت بغطاء رأسي وصرخت لزوجتي "هذه ليست الرحلة الصيفية المعتادة يا عزيزتي، أليس كذلك؟"

منطقة "البوليغون" Polygon [مصطلح يستخدم في اللغة الروسية للإشارة إلى مكان إجراء تدريبات أو اختبارات عسكرية]، هذه الأرض الواسعة والقاحلة في شرق كازاخستان هي الموقع النووي الوحيد على وجه المعمورة الذي يمكن زيارته، لكن الأمر ليس بالسهل.

كازاخستان التي تعد التاسعة من حيث المساحة في العالم (والأكبر بين الدول الحبيسة [التي لا يوجد بها سواحل بحرية])، لديها مرشد سياحي واحد مرخص له بتنظيم جولات في هذه المنطقة، ويرلان الذي يعيش في العاصمة أستانا ويبعد عن الموقع بحوالى 800 كيلومتر، رافقنا وكان مرشدنا على متن القطار الذي استقللناه ليلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستغرق التخطيط لهذه الرحلة سبعة أشهر مع كثير من الرسائل الإلكترونية والنماذج والتصاريح ونسخ من الجوازات، ولم تكن رحلة اليوم الواحد من مدينة سيمي رخيصة، فقد كلفتنا 730 دولار للشخص الواحد، وهناك فقط عدد قليل من السياح قاموا بزيارة هذه المنطقة التي تغطي مساحة تقدر بـ 18 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تقارب حجم سلوفينيا.

وكانت مدينة سيمي مقرّنا، وهي مدينة سوفياتية تقليدية تضم حوالى 200 ألف نسمة، وحتى عام 2007 كانت تعرف باسم سيميبالاتينسك، وقد جرى تغيير الاسم في محاولة للابتعاد من الصورة السلبية المرتبطة بتاريخ الحرب الباردة الذي لم يكن محل ترحيب.

انطلقنا بسرعة عبر مناطق شاسعة وقاتمة، وقد اختيرت هذه المنطقة من الإمبراطورية السوفياتية الشاسعة في أوراسيا بسبب قلة كثافة السكان، حيث لا يتجاوز متوسطهم شخص واحد لكل 1000 كيلومتر.

وفي هذه المنطقة تبدو السهوب الكبيرة التي تمثل حزاماً أخضر يمتد من منغوليا إلى المجر، مستوية وواضحة لدرجة أنه كان بإمكاننا رؤية مئات الأميال بوضوح، ولم يعكر صفو المنظر إلا سيارات طراز "لادا" أو بعض الخيول والأبقار التي تجوب المكان وكانت قليلة، في حين كانت الغيوم تتدلى بصورة منخفضة وكأنها ثرايا رمادية منفوشة.

الظروف المناخية في المنطقة سيئة وقاسية، إذ تتراوح درجات الحرارة ما بين 55 درجة مئوية تحت الصفر إلى 46 درجة مئوية.

وبعد حوالى 90 دقيقة من القيادة انعطفنا عن الطريق المعبد متجهين نحو "البوليغون"، وهو الموقع الذي يعرف رسمياً باسم موقع اختبار سيميبالاتينسك.

وكان الطريق غير مستو ومليء بالحفر، ومع ذلك زادت حركة المرور بصورة غريبة، إذ مررنا بشاحنات نقل الفحم القادمة من منجم قريب، وكانت الأرض تغطيها الإطارات المهملة وقطع الفحم الكبيرة التي تتساقط من عربات الشاحنات المكشوفة، بينما كانت سيارتنا الصغيرة تدوس على هذه الأحجار الكبيرة، وخلال توقفنا للراحة قدم لنا يرلان نبذة تاريخية وقال إنه جرى تفجير 456 قنبلة نووية بين عامي 1949 و1989، بعضها في اختبارات جوية، إذ كانت تقذفها الطائرات وبعضها الآخر انفجر تحت الأرض. وهناك مناطق تبلغ مساحتها 50 كيلومتراً مربعاً لا يُسمح بالدخول إليها حتى الآن بسبب مستويات الإشعاع الخطرة، وهي تتكون من قطع عدة محاطة بسياج.

وعندما عدنا إلى السيارة انطلقنا في مسارات غير معبدة متنقلين بين الطرق الترابية والمسارات الموحلة، وكانت السيارة تهتز بقوة شديدة حتى أني أيقنت بأننا لا محالة سنواجه مشكلة في الإطار. وبعد فترة شعرت أنها كانت طويلة، وتوقفنا عند نقطة البداية لزيارة "البحيرة الذرية".

وقدم لنا يرلان جهاز غاينر روسي الصنع لقياس نسبة الإشعاعات وشرح لنا كيفية قراءة مستويات الإشعاع الآمنة، ثم ارتدينا بدلات واقية وأقنعة وأغطية للأحذية ونظارات شمسية، وقدم لنا تعليمات السلامة وطلب منا عدم إثارة الغبار وعدم جر الأقدام والمشي بخطوات طويلة وعدم لمس أو التقاط أي شيء من الأرض، وفي النهاية انسحب سائقنا إلى منطقة معزولة تسمى "المنطقة النظيفة" بينما توجهنا نحو البحيرة.

وأدت التفجيرات النووية التي قام بها الاتحاد السوفياتي إلى قذف كميات كبيرة من التربة والصخور إلى السماء، وعندما عادت واستقرت على الأرض أسفرت عن تكوين مجموعة من التلال، وبعد ذلك قام العلماء بملء الحفرة التي نتجت من الانفجار بالماء، مما أدى إلى تشكيل "البحيرة الذرية"، وهي فريدة من نوعها على مستوى العالم.

وقضينا حوالى 45 دقيقة نتجول حول البحيرة على رغم أنني قد زرت القارة القطبية الجنوبية والدائرة القطبية الشمالية مرتين، وكانت المناظر هناك قاسية وخالية من الحياة، إلا أن هذا المكان شعرت فيه وكأنني في كوكب آخر، والكائن الحي الوحيد الذي رأيناه على الأرض كان خنفساء صغيرة، بينما طارت بعض الطيور فوقنا، وحتى أن بعضها نزل إلى البحيرة.

وكانت الألوان تميل إلى الرمادي والبني، وبدت قفازاتنا الزرقاء بارزة في هذه الخلفية المتواضعة، والصوت الوحيد الذي كنا نسمعه كان هرير الرياح الدافئة والعاصفة، وفي مرتين بدأت زخات المطر تتساقط فجأة، مما أضاف لمسة من الغموض والجو الكئيب.

وعند العودة للسيارة قدم لنا يرلان توجيهات حول كيفية إجراء عملية التطهير، إذ قمنا بخلع الملابس الواقية ووضعها في أكياس خاصة، ثم غسلنا وجوهنا وتمضمضنا وبصقنا، وأكد لنا قائلاً "ربما نكون قد أسرفنا في الحذر، لكن من الأفضل عدم المجازفة".

وخلال جولتنا وبعيداً من أعلى مستويات الإشعاع، زرنا موقعي تفجير نووي تحت الأرض رُدم أحدهما بينما كان الآخر مكشوفاً مثل حفرة عميقة واسعة، كبئر في حكاية خيالية مخيفة.

نظرنا إلى العمق حيث أسقط العلماء سلاحاً فتاكاً وأشعلوا ملايين الأطنان من المتفجرات، ولم تكن هناك أية إشارات تحذير أو حواجز، وكانت هذه الحفرة مكاناً يمكن لأي شخص الوقوع فيها بسهولة.

وخلال جولتنا وصلنا إلى محطتنا الرابعة وهي مخبأ القيادة، قلعة ذات طابقين أُقيمت لتتحمل آثار هجوم نووي، وأخفي بعناية تحت تل من التراب وبعيداً من أعين الأقمار الاصطناعية الأميركية، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي قبل نحو ثلاثة عقود واجهت المناطق الريفية تدهوراً اقتصادياً حاداً، فقام السكان بنهب ما تمكنوا منه متناسين الأخطار النووية، وهدموا البنية التحتية للحصن واستخرجوا المعادن من الخرسانة، وكان شكل الحصن يذكر بمشاهد ما بعد الكارثة والدمار، إذ كان الحطام متراكماً حتى مستوى الكاحل ومتناثراً على الأرض، وفي الداخل كان يمكنني أن أشعر بطعم الغبار والهواء المغلق، فيما كان الضوء يتسلل من خلال فتحات السقف المنهار.

وعلى الجدار لاحظت لافتة عسكرية قديمة كتب عليها بالروسية "تحقق مع الأمن قبل الرحيل"، وأثناء مغادرتنا اكتشفنا مهراً ميتاً بريقه لا يزال ينعكس من جسده، وعيونه كانت لا تزال تشرق بالحياة، وبعد ذلك انطلقنا نحو فتحة مصعد ترتفع كأنها منظار للمراقبة، وهي الوسيلة التي كان يستخدمها العلماء النوويين للوصول إلى مختبر سري موجود في أعماق الأرض، وقد قام بعضهم بحفر الأرض المحيطة به لاستخراج المعادن ونهبوا كل الحديد وبقايا متناثرة ظهرت، وكأنها من موقع تصوير أفلام "حرب النجوم"، إذ برز الطين الأحمر لإضافة لمسة من الحيوية على المكان، وفي نهاية جولتنا زرنا منصة لصاروخ باليستي عابر للقارات وحفرة أخرى عميقة، ولكنها كانت مليئة بالماء وبدت هادئة وساكنة، ولم تبدو خطرة كما كانت في الماضي.

وفي الواقع أخبرنا يرلان أنه يحب السباحة فيها أحياناً، وعندما كنا أطفالًا في الثمانينات كنا نخاف من هذه القوة النووية، وها أنا الآن أقف أمام بركة كانت تحوي سلاحاً نووياً مدمراً قادراً على قتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتساءلت ما هي المدينة التي تم استهدافها بهذا الصاروخ البالستي العابر للقارات؟ هل كانت واشنطن؟ أم باريس؟ أم لندن؟

وبعد مغادرتنا للمنطقة المعروفة بـ "البوليغون" توجهنا إلى مرآب لغسل ما وصفه يرلان بأنه "غبار نووي" من السيارة، وبعد حوالى ساعة قمنا بزيارة قاعدة الطائرات النووية طويلة المدى المهجورة في تشاغان، إذ كان الحديد الملتوي والطوب والألواح الخرسانية المكسرة مكدسة حتى ارتفاع 20 قدماً (7 أمتار).

وقد كانت الثكنات مكشوفة وتمزج روث الحصان مع الملاط والأسمنت، مما أعطى الرائحة شبهاً برائحة الحظيرة أكثر من كونها سكناً عسكرياً، وفي أماكن متفرقة كانت هناك آثار الماضي مثل نجوم سوفياتية على الجدران، علم بيلاروس الممزق، وجدارية متصدعة تكريماً لـ "الجيش الأحمر العظيم".

وقرب مدخل المكان رأينا سيدة مسنة تتنقل بخطوات متثاقلة على الطريق، وأوضح يرلان لنا أنها قررت البقاء هنا بعد أن أغلق المركز وانسحب الروس، وهي الآن في الثمانينات من عمرها وتقطن بمفردها وتجمع الفواكه البرية والفطر والمكسرات، وهي تهتم أيضاً بإنقاذ الكلاب، إذ يعتبر المكان وجهة شائعة للسكان المحليين للتخلص من الحيوانات الأليفة التي لم يعدوا يرغبون فيها، وأخبرته أنها تجد الراحة في العيش بعيداً من الجميع، وكلامها جعلني أتأمل باندهاش في قوة الروح البشرية وقدرتها على التكيف.

أما وجهتنا الأخيرة فكانت بلدة لم تكن معروفة بأي اسم منذ ثلاثة عقود، وكانت المقر الرئيس لبرنامج الاختبارات النووية، وكان يشار إليها ببساطة بكود بريدي "موسكو 400"، وفي أوج النزاع النووي كان يقطن المكان نحو 40 ألف شخص، ولكن العدد انخفض الآن إلى الربع.

وعلى رغم حجمها المتواضع كان لديها أكبر مكتب لأمن الدولة (كي جي بي) في البلاد، ودخلنا إلى مبنى الموظفين المهجور لنستكشف المكان ونلتقط بعض الصور، وأثناء صعودنا الدرج حذرنا يرلان من السير فقط على الأعمدة المعدنية، متوقعاً أن الأرضية قد تنهار في أية لحظة.

وأصبح هذا الموقع النائي الواقع على أطراف إمبراطورية الاتحاد السوفياتي قرب الصين، يُعرف الآن باسم "كورتشاتوف" تيمناً برائد الأبحاث المتعلقة بالقنبلة الذرية، وكان هناك مبنى يستخدم كمقهى ومطعم وبار ومركز اجتماعي، وقدم لنا يرلان اثنين من الفيزيائيين النوويين المقيمين، ثم أخبرنا أن هذه الليلة هي ليلة المسابقات الترفيهية، وسألنا إذا كان بإمكانه أن يتركنا نلعب معهم، وطلب لنا الطعام قبل أن يتوارى في غرفة أخرى.

لقد زرت 112 دولة وجميع القارات السبع وكل ولاية في الولايات المتحدة، ولكن الجولة التي استغرقت 16 ساعة وانتهت في بلدة سوفياتية نووية سرية، إذ قضى مرشدنا وقتاً في مسابقة ترفيهية مع فريق من العلماء النوويين، وكانت أغرب تجربة عشتها في حياتي.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات