Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تنقذ الآداب والفنون مدرستنا المعطوبة؟

حينها تسقط ثقافة الحزن ولغة الخشب وخطابات الوعيد والتهديد

يبلغ عدد تلاميذ المدرسة الجزائرية ما يقارب 11 مليوناً في أطوار التعليم الثلاثة (أ ف ب)

ملخص

الحال تقول إن المدرسة الجزائرية تعيش من دون آداب ومن دون فنون، تعيش تصحراً ثقافياً فظيعاً، وحين تكون المدرسة على هذا الوضع فإنه محكوم عليها بالانتحار شيئاً فشيئاً

يبلغ عدد تلاميذ المدرسة الجزائرية ما يقارب 11 مليون تلميذ في أطوار التعليم الثلاثة، رقم مخيف، شعب كامل من الأطفال والمراهقين، جيش جرار من الصغار الزاحفين على المستقبل، مشتلة بديعة لكنها مفتوحة على كثير من الأخطار وكثير من المباهج أيضاً. هي ثروة بشرية صاعدة يمكن أن نصنع منها أعظم الانتصارات التاريخية العلمية والإبداعية، وفي الوقت نفسه يمكن أن نصنع منها قنابل بشرية انتحارية.

كل شيء يتقرر في المدرسة، صناعة التاريخ وصناعة صناعه.

في ظل القلق الأيديولوجي المتمثل من جهة في استفحال تحكم التيار الإسلاموي المتطرف في المدرسة التي تغرق في أفكار انتحارية، تتمثل في برامج تعمل على تعميم ثقافة الكراهية وثقافة الخوف من الآخر وثقافة ازدراء الأديان الأخرى، ومن جهة أخرى تعاني من هيمنة الارتجال التربوي الذي يمارس في المدرسة الجزائرية منذ التعريب المتهافت في سنوات السبعينيات، إلى التهافت هذه الأيام من أجل إسقاط تعليم اللغة الفرنسية وتعويضها بالإنجليزية بطريقة متسرعة وغير علمية، لا تختلف في منهجها عن طريقة التعريب في الستينيات.

بين الأيديولوجيا العروبوية - الإسلاموية والتسرع والقلق البيداغوجي الذي لا يستند إلى دراسات ميدانية بمعطيات دقيقة، تعيش المدرسة الجزائرية دورتها السنوية.

لا أحد ضد تعليم اللغة الإنجليزية.

لكن تعليم هذه اللغة أو غيرها لا بد وأن يتحقق بطريقة ممنهجة بعيداً من الفوضى ومن الشحن الأيديولوجي ومن الشعبوية المتحمسة. لن تقف الجزائر، للأسف، على أخطار هذا التهافت إلا بعد عشريتين، حينها يكون الوقت قد فات، سيجيء يوم يفقد فيه الجزائري اللغة الفرنسية بالكامل ولن يتحكم في الإنجليزية.

أمام هذه الحال المربكة والمرتبكة، كيف يمكن إنقاذ 11 مليون تلميذ من لعبة الكبار الأيديولوجية ومن ضياع تربوي سيفتح على التسرب المدرسي أو على الغباء المبرمج أو على غسيل الأمخاخ أو على الشحن الأتوماتيكي للفراغ؟

المدرسة فضاء للإبداع والمعرفة، أما التربية فهي من مسؤولية الأسرة والآباء.

إذا لم نسارع وبشجاعة بعيداً من الأنانية والشعبوية البيداغوجية والسياسة الموسمية، لإنقاذ المدرسة من حالها الراهنة، فإننا سنرمي بالجيل القادم، بل بالأجيال القادمة المتلاحقة، في فم الغول، غول التطرف وغول البطالة وغول المخدرات.

حين تكون المدرسة في خطر يكون الوطن مهدداً في عقله وذكائه وأحلامه.

الحال تقول بأن المدرسة الجزائرية تعيش من دون آداب ومن دون فنون، تعيش تصحراً ثقافياً فظيعاً، وحين تكون المدرسة على هذا الوضع فإنه محكوم عليها بالانتحار شيئاً فشيئاً.

حين تدير المدرسة ظهرها للآداب والفنون، فإنها في الوقت نفسه وبشكل أوتوماتيكي، تشرّع أبوابها للتطرف الديني ولثقافة العنف وثقافة الانتحار ولفكر الغيطوهات القومية.

البلد الذي يغلق مدرسته في وجه المبدعين من شعراء ومسرحيين وموسيقيين وفنانين تشكيليين وسينمائيين، يقدم هذه المدرسة طعماً للتطرف والإرهاب وشتى الأمراض الاجتماعية والنفسية والجسمانية.

الإبداع يمنح الطفل حرية في العقل وحرية في الخيال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجود الآداب والفنون في المدرسة وحضور المبدعين في هذا الفضاء، هو من يجعل هذه المؤسسة قادرة على صناعة مواطن يحمي الوطن وينخرط في القيم الإنسانية الكبرى.

التعليم وحده لا يصنع مواطناً متوازناً.

ليس كل متعلم متحرر من الأمية الحروفية هو مواطن سليم، المواطن الإيجابي تصنعه الثقافة والآداب والإبداع والفلسفة.

أنانية الكبار الذين يغرقون في أوحال السياسات الربحية والصراعات حول السلطة بأي ثمن، يلعبون برؤوس الأطفال وفيها، حيث تتحول المدرسة بكل ما فيها من ثروة بشرية إلى سوق لتبييض الأفكار الفاسدة وتسويق الأنانيات الفردية القاتلة.

إذا ما أردنا تحرير المدرسة من الغباء والأيديولوجيا المميتة والتطرف الأعمى، علينا أن نفتح أبوابها لتعليم الحرية والقيم الإنسانية التي تكرسها الآداب الجميلة الكبرى والإبداع.

يحدث هذا في جميع البلدان التي تحترم عبقرية أبنائها، حيث أبواب المدارس بأطوارها الثلاثة تظل مفتوحة أمام الروائيين، الذين يتوافدون عليها في برنامج مسطر سنوياً وبدقة ما بين وزارة التربية والجمعيات أو الهيئات التي تشرف على الكتاب، بوجود صوت الروائي في المدرسة، بوجود الرواية نصاً في البرامج وفي حصص القراءة الموجهة، يتعلم الطفل كيف يمشي في دروب حرية الخيال التي تفتحها له شهوة الحكي ولذة السرد التي يملكها الروائي الناجح.

ليست كل رواية قادرة على تحرير التلميذ، على العكس هناك نصوص تزيد من تقييد العقل والخيال، لذا فالاختيار فلسفة قبل كل شيء.

هناك كتب سامة ومسمومة.

أن تفتح المدرسة أبوابها للفنانين للتشكيليين فذاك سبيل لمصالحة الطفل مع بهجة الألوان، أن تقام معارض للفن التشكيلي في المدارس فإن ذلك سيفتح عقل الأطفال على مفردات لغة خطاب آخر، أن تكون هناك زيارات ببرنامج مضبوط ودقيق مسبقاً لأروقة عروض في المدينة ولقاءات مفتوحة مع فنانين تشكيليين فتلك متعة من متع التعليم المتحرر والمحرر.

الطفل الذي يعيش من دون إبداع هو قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وفي أي مكان وفي أي فرد أو جماعة.

حين تفتح أبواب المدارس أمام المسرحيين والسينمائيين، يجد الطفل نفسه في تجربة مع الحياة من خلال اكتشافه لسلطة الجسد ومتع الأشكال.

حين تفتح المدارس أبوابها أمام الأدباء والفنانين، تفتح أبوابها على كنوز خزائن الآداب والفنون تصبح المدرسة جنة وليست عقاباً، ويصبح اللعب فلسفة وليس هدر وقت، حينها تتحول المدرسة إلى جنة تجفف منابع أيديولوجيا البؤس والانتحار والموت في المجتمع.

حين تتحول المدرسة إلى جنة للآداب والفنون تسقط ثقافة الحزن ولغة الخشب وخطابات الوعيد والتهديد والفلقة والعنف وبرامج تغسيل الأموات ودروس الحلال والحرام، كل هذا العالم يتبدل ليصبح فضاء لدرس الجمال والتعايش والحوار.

المزيد من آراء