Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل دفعت ثمن استخفافها بالتحركات المصرية والسورية عشية الحرب

لمحت تل أبيب للأميركيين باللجوء إلى السلاح النووي لابتزازهم بغية الحصول على مساعدات عاجلة في أول أيام الحرب

غولدا مائير وأرييل شارون عند جبهة سيناء في 29 أكتوبر 1973 (أ ف ب)

ملخص

تكشف الوثائق الإسرائيلية أن رئيس الاستخبارات إيلي زعيرا اعتبر التحركات المصرية والسورية عشية حرب أكتوبر مجرد استعراض قوة مستبعداً أن تشن الدولتان حرباً على بلاده

لم تأخذ إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية التي وصلتها قبيل اندلاع حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، فقد كشفت وثيقة إسرائيلية عن أن رئيس الاستخبارات العسكرية حينها إيلي زعيرا عقد اجتماعاً مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير قبل 28 ساعة من الحرب، عرض خلاله نسخة كاملة من خطة الحرب التي أعدها الجيش السوري ضد إسرائيل، وتلخيصاً لخطة الحرب التي أعدها الجيش المصري، لكنه قلل من أهميتها.

وبحسب الوثيقة التي استعرضتها صحيفة "الشرق الأوسط"، أفاد زعيرا بأن "سوريا دخلت في حال استنفار وطوارئ منذ الخامس من سبتمبر (أيلول) 1973 وهي تخطط لاحتلال الجولان، ودفعت سربين من طائرات سوخوي من المنطقة ’تي 4‘ إلى قرب دمشق، مما يعني أنهم ينوون قصف العمق الإسرائيلي وهم يديرون تدريبات، وفي مصر تمت زيادة بطاريات الصواريخ على خط القناة من 300 إلى 1100".

غير أن زعيرا قلّل من شأن هذه التحركات، فعلى رغم ملاحظة "مظاهر عصبية وتوتراً لدى الطرفين (المصريون والسوريون)"، اعتبر رئيس الاستخبارات أن "هذا يعكس حقيقة أنهم يخشون من هجوم إسرائيلي، إنهم يخافوننا تماماً، والروس أيضاً لديهم الانطباع نفسه، ولهذا تم إخلاء الخبراء وعائلاتهم على عجل بواسطة 11 رحلة جوية مفاجئة"، وكان زعيرا مقتنعاً بتحليله هذا وبأن التحركات السورية والمصرية ليست سوى رسالة لتأكيد جاهزيتهما للحرب إذا تعرضا لهجوم إسرائيلي.

وتكشف الوثائق الإسرائيلية بحسب "الشرق الأوسط" عن أن القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، بمن فيهم رئيسة الوزراء وقادة الأجهزة العسكرية، عقدوا صبيحة السادس من أكتوبر في تمام الساعة الثامنة اجتماعاً ناقشوا خلاله إمكان توجيه ضربة استباقية لمصر وسوريا في الرابعة بعد الظهر بعد توافر معلومات تفيد بأنهما ستشنان هجوماً على إسرائيل في الخامسة أو السادسة مساءً.

لكن رئيسة الحكومة قالت حينها، "قلبي يؤيد حرباً كهذه، لكن عقلي يرى في الأمر ضرراً لإسرائيل أمام المجتمع الدولي"، وأضافت، "إذا تبين أن المصريين والسوريين لا ينوون الحرب فعلاً فستكون هذه مغامرة من إسرائيل تؤدي إلى قتلى وجرحى، هباء"، وهو رأي وافقها عليه وزير الدفاع موشي ديان.

حماسة ديان للضربة الاستباقية

وتظهر الوثائق أنه خلال النقاش طرح سؤال، "ماذا لو هاجمتنا مصر وحدها من دون سوريا؟"، فأجاب ديان أنه "في هذه الحالة يجب استغلال الحدث وشن حرب على سوريا أيضاً حتى لو لم تشارك في الهجوم"، مضيفاً "أيضاً في حال شنّت سوريا وحدها حرباً على إسرائيل، يجب شن حرب على مصر"، ووافقه قادة أجهزة الأمن.

وقال وزير الدفاع، "إنني أفكر في موضوع توجيه ضربة استباقية. فإذا أقدمنا عليها يحقق لنا ذلك مكاسب هائلة، ويوفر لنا ذلك كثيراً من الأرواح... نحن نستطيع إعلان الحرب في الساعة 12 ظهراً، فنبيد سلاح الجو السوري كاملاً وخلال 30 ساعة نقضي على شبكة الدفاع الصاروخية فيها. فإذا كانوا يخططون لحرب في الساعة الخامسة يكون جيشنا قطع شوطاً طويلاً في ضربهم. وهذا يغريني جداً. لسنا ملزمين اتخاذ قرار الآن، معنا أربع ساعات لنتحدث في الموضوع مع الأميركيين، ربما يؤكد لنا الأميركيون المعلومات عن نية الحرب لدى العرب فنفاجئهم بضربة استباقية، هذا ممكن وسلاح الجو عندنا جاهز".

هنا حذفت الرقابة الإسرائيلية فقرة بعد إفادة ديان وقررت إبقاءها سرية 40 عاماً أخرى. لكن الاجتماع انتهى إلى قرار حاسم اتخذته مائير ضد الضربة الاستباقية، قائلة "الزمن تغير منذ حرب 1967، وما كان صالحاً حينها ليس صالحاً اليوم".

وبحسب الكتاب الذي نشره "الموساد" في شأن حرب أكتوبر تحت عنوان "يوماً ما... حين يكون الحديث مسموحاً"، يبدو أن الإسرائيليين وقعوا في فخ الرئيس المصري أنور السادات الذي نجح بإيهامهم بأنه لن يشن حرباً، ويكشف الكتاب عن أن رئيس الموساد تسفي زامير أبلغ مائير قبل عامين من الحرب بنية السادات محاربة إسرائيل وأطلعها على جوانب أساسية من استراتيجيته، معتمداً بشكل أساسي على معلومات "الجاسوس" المصري أشرف مروان.

ويشير الكتاب إلى أن زامير "تمكن من الحصول على محاضر لقاءات السادات مع المسؤولين السوفيات في موسكو عام 1971 التي أخبرهم خلالها بأنه مصمم على استعادة سيناء كلها، وليس مجرد جزء منها، إما عن طريق المفاوضات الدبلوماسية أو عن طريق الحرب مع إسرائيل".

 

الأميركيون يتلقون النبأ

على الضفة الأخرى للأطلسي، تكشف الوثيقة رقم 63 التي تلخص محضر اجتماعات الخارجية الأميركية في الـ23 من أكتوبر 1973 عن أن وزير الخارجية هنري كيسنجر "راجع بنفسه جميع المعلومات الاستخبارية التي سبقت الحرب مباشرة، وكانت تؤكد في مجملها أنه لا يوجد ما يدل على احتمال نشوب حرب".

واستعرضت صحيفة "الشرق الأوسط" مذكرة مؤرخة بصباح السبت السادس من أكتوبر 1973، أصدرها عضو مجلس الأمن القومي الأميركي آنذاك ويليام كوانت إلى مديره برنت سكوكروف. وتروي المذكرة تفاصيل اجتماع لأعضاء مجموعة عمل واشنطن في غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض "في غياب هنري كيسنجر" وما دار من "سجالات بين المجتمعين حول جدية مؤشرات احتمال شن هجوم عسكري مصري- سوري ضد إسرائيل، ومغزى القرار السوفياتي بإجلاء عائلات الخبراء من القاهرة ودمشق في ذلك التوقيت بالذات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر أحد ممثلي الاستخبارات المركزية الأميركية في الاجتماع أن ذلك "قد لا يعني بالضرورة احتمال حرب وشيكة وإنما قد يدل على تردٍّ في العلاقات العربية- السوفياتية"، ويتضح من الوثيقة أنه كان "ثمة إجماع استخباري على أن الدول العربية غير مستعدة لخوض حرب مع إسرائيل طالما ظل ميزان القوة العسكرية غير متكافئ"، وتشير الوثيقة إلى "الاعتقاد بأن التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي هو (الحائل الأساسي) دون اندلاع حرب في المنطقة".

وبحسب الوثائق الأميركية، تلقى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في السادس من أكتوبر رسالة من نظيره السوفياتي ليونيد بريجنيف تقول إن هذا الأخير كان متفاجئاً مثل الأميركيين بقرار الحرب المصري- السوري، مضيفاً أنه يعتبر الإقدام عليها "خطأ كبيراً في الحسابات وخطأ سياسياً فظيعاً"، وبحسب الإفادة الأميركية في شأن رسالة بريجنيف، كان واضحاً أيضاً أن السوفيات "يتوقعون هزيمة مدوية للجيوش العربية"، مثلما يتضح أن "بريجينيف كان حريصاً كل الحرص على بقاء الدور السوفياتي فاعلاً في الشرق الأوسط، وعلى تجنب وقوع كارثة عسكرية أو سياسية للحليفتين مصر وسوريا".

ويوم اندلاع الحرب، عقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً في غرفة عمل الطوارئ في البيت الأبيض لبحث التطورات في الشرق الأوسط، ناقش خلاله المجتمعون الخيارات المتعلقة بالتعامل مع "الأخطار المترتبة على وقف تصدير النفط العربي والتحركات السوفياتية المحتملة وعواقب هزيمة ثقيلة أخرى للعرب"، بحسب مذكرة الاجتماع.

وخلال هذه الجلسة، اقترح مستشارو كيسنجر "استغلال فرصة الحرب لتقليص النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، بشرط ألا يكون ذلك مترتباً على هزيمة عسكرية كبيرة للجيوش العربية (التي تستعمل السلاح الروسي) لأن ذلك يضعف الأنظمة العربية (المعتدلة) في المنطقة، بما قد يهدد المصالح الأميركية في المدى الأبعد"، وتشير المذكرة إلى مناقشة المجتمعين "فوائد العمل على أن يحفظ العرب بعضاً من (ماء الوجه) بدلاً من الغرق في آثار هزيمة ثقيلة".

وتكشف الوثائق الأميركية عن اتصالات كيسنجر والإسرائيليين، عن حرص هؤلاء على "ألا تتوجه واشنطن فوراً إلى مجلس الأمن الدولي" وتأجيل أي قرار لوقف إطلاق النار كي تتاح لهم "فرصة الرد على الهجوم العربي واستعادة ما فقدوه من مواقع" في سيناء والجولان.

 

طمأنة الصين

وتنقل وثيقة أميركية "سرية" فحوى اتصال هاتفي بين كيسنجر والسفير الصيني لدى واشنطن هوانغ جن مساء السادس من أكتوبر، أوضح فيها الوزير الأميركي أن "الهدف الاستراتيجي لواشنطن في هذه المرحلة هو منع السوفيات من الحصول على موقع القيادة في الشرق الأوسط".

وأكد كيسنجر ثقته بـ"قدرة إسرائيل العسكرية على تحويل الهجوم المصري- السوري المباغت إلى هزيمة عسكرية في غضون أيام"، ساخراً "من يعتمد على الدعم السوفياتي لا يمكنه تحقيق مبتغاه".

وكرر الوزير أنه "يرفض أن يتحقق ما يطمح إليه العرب بتحقيق مكاسب على الأرض ثم اللجوء إلى قرار أممي بوقف إطلاق النار يضمن احتفاظهم بما استعادوه"، موضحاً أن "عليهم القبول باتفاق وقف إطلاق نار يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب، أي إلى حدود 1967".

ويتضح من نص المحادثة كما ورد في الوثيقة أن "الصينيين كانوا متعاطفين مع القضية العربية"، وهو ربما ما دفع كيسنجر إلى طمأنة السفير الصيني، قائلاً "سيكون علينا أن نفصل موقفنا عن الموقف الإسرائيلي إلى حد ما، لكن ذلك سيكون ممكناً فقط إذا استطاعت واشنطن أن تقدم ضمانات أمنية لحدود جديدة بعد التسوية".

وتشير وثيقة أخرى لمكالمة بين كيسنجر والسفير الإسرائيلي شيمشا دينيتز جرت في السابع من أكتوبر، إلى بعض التفاصيل في شأن المداولات الإسرائيلية في تنفيذ ضربة استباقية ضد مصر وسوريا، وكان الوزير الأميركي واضحاً في تحذيره بأنه "مهما حدث فلا تكونوا أنتم البادئين بالهجوم"، مما يبدو أن كان له تأثير كبير في قرار مائير.

"الابتزاز النووي"

وتكشف الوثائق الأميركية عن أن يومي التاسع والعاشر من أكتوبر كانا مفصليين في سير المعارك، إذ تلقى كيسنجر في التاسع من الشهر اتصالاً من السفير الإسرائيلي لدى واشنطن دينيتز مفاده بأن "القوات الإسرائيلية في وضع (أصعب) بعد فشل هجوم معاكس شنته في اليوم السابق (أي في الثامن من أكتوبر) خلّف خسائر ثقيلة في صفوفها".

وتلى الاتصال اجتماع بين الرجلين في صباح اليوم ذاته، أبلغ دينيتز خلاله كيسنجر بالخسائر الضخمة للجيش الإسرائيلي بما يشمل أكثر من 400 دبابة على الجبهة المصرية ونحو 100 دبابة على الجبهة السورية، مما دفع الحكومة إلى "الاستعانة بجميع ما يملك الجيش من معدات وطائرات في الحرب"، وتقول الوثيقة السرية "وقع كلام السفير الإسرائيلي على كيسنجر وقع (الصدمة)، وهو الذي كان يعتقد منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بأن إسرائيل لن تحتاج إلى كثير من الدعم الأميركي (العسكري) لكي تستعيد ما فقدته من أراضٍ في الأيام الأولى"، واحتد الوزير الأميركي سائلاً السفير بغضب، "إشرح لي كيف يمكن للمصريين أن يحصدوا 400 من دباباتكم في معركة؟".

وفيما رفض كيسنجر "طلب غولدا مائير مقابلة الرئيس نيكسون سراً والحصول على معونة عسكرية عاجلة" خشية "أن تنتج من ذلك زيادة لنفوذ موسكو في العالم العربي"، تكشف الوثيقة عن أنه وفي خضم "الشعور باليأس من جانب إسرائيل لمّح سفيرها باحتمال اللجوء إلى التهديد باستعمال السلاح النووي بوصفه نوعاً من الابتزاز"، وعلى رغم رفض رئيسة الحكومة الإسرائيلية استخدام القوة النووية، إلا أنها أمرت "بتسليح وتجهيز صواريخ أريحا (أو جيريكو كما ينطقها الغربيون وهي المنظومة الأساسية التي تعتمد عليها إسرائيل باعتبارها سلاحاً نووياً) للاستخدام عند الضرورة... أو في الأقل للضغط على واشنطن".

ووفقاً للوثيقة، فإن "كيسنجر لم يتحدث علناً في أي مرة عن السلاح النووي الإسرائيلي، كما أنه لا يوجد في أي من السجلات الأميركية التي أزيح عنها طابع السرية ما يشير إلى الوضعية النووية الإسرائيلية أثناء حرب 1973"، وفي وقت لاحق أوصت مجموعة عمل غرفة الطوارئ الأميركية بأن "تزوّد واشنطن تل أبيب بالسلاح ما دام ذلك بعيداً من الأضواء".

وفي ضوء ذلك، أبلغ كيسنجر السفير الإسرائيلي عشية اليوم ذاته بأن "الرئيس نيكسون وافق على شحن قائمة الحاجات (الاستهلاكية) التي طلبتها إسرائيل كلها (باستثناء قنابل الليزر)... وفوق هذا وذاك، سيتم تزويد إسرائيل (عند الضرورة) بدبابات وطائرات تعوض ما فقدته في المعارك"، ولضمان سرية العملية، "ستُمحى أي علامات أميركية (مثل El Al) من طلاء الشحنات المتوجهة إلى إسرائيل، وسيتم عمل الترتيبات (الإجرائية) اللازمة للسماح باستخدام طائرات تجارية (مدنية) في حمل معدات عسكرية"، وخلال الاجتماع المسائي زف دينيتز للوزير الأميركي أنباء وصلته للتو عن "تقدم إسرائيلي كبير في ساحة الجولان وتدمير عدد ضخم من الدبابات السورية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير