Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قيود "خضراء" جديدة تنزع ملكية الفلسطينيين في "وادي الغزلان"

تمثل 48 محمية طبيعية تقارب مساحتها 4 ملايين متر مربع حوالى 12 في المئة من المنطقة "ج" وحوالى 7 في المئة من مساحة الضفة الغربية بأكملها

لجنة التخطيط والبناء في القدس تصادق على مخطط لإنشاء حديقة طبيعية تغطي مساحة تقارب 700 ألف متر مربع شرق القدس (اندبندنت عربية)

ملخص

يقول مسؤولون فلسطينيون إن نحو 240 مليون متر مربع من أصل 500 مليون متر مربع مصنفة "محميات طبيعية" من قبل السلطات الإسرائيلية هي أراض خاصة مملوكة لفلسطينيين

في يوم معتدل من سبتمبر (أيلول) يترقب الشاب تامر عواد (18 سنة) بهدوء تام اللحظة المناسبة للضغط على زر كاميراته، فقبيل أن ترسل الشمس خيوطها الذهبية الأولى تتنقل حيوانات وطيور "وادي الغزلان" في بلدة بيت حنينا شمال شرقي القدس بحرية تامة لتتيح له مجال التقاط مئات الصور، خلف كل منها حكاية تعكس جوانب من الحياة البرية الفريدة في بلدته يجهلها كثيرون، وبعد رحلة شاقة استمرت ثماني ساعات في أحضان الطبيعة وبين أوراق الشجر يشاهد عواد مستمتعاً بما حصل عليه من صور، متألماً في الوقت ذاته من عدم تمكنه مستقبلاً من الوصول إلى الوادي لتطوير شغفه بتصوير الحياة البرية، لأن اللجنة الإسرائيلية اللوائية للتخطيط والبناء في القدس صادقت قبل أيام على مخطط جديد لإنشاء حديقة طبيعية حضرية تغطي مساحة تقارب 700 ألف متر مربع من أصل 1.1 مليون متر مربع من أراضي بيت حنينا وحزما وشعفاط، بادعاء أن هذه الأراضي محميات طبيعية تتبع مستوطنة "بسغات زئيف" التي تعتبر من أكبر التجمعات الاستيطانية شرق القدس.

وبحسب منظمة "السلام الآن" الحقوقية أعلنت إسرائيل 48 محمية طبيعية بمساحة إجمالية لا تقل عن 384 مليون متر مربع، وهي تمثل حوالى 12 في المئة من المنطقة "ج" وحوالى سبعة في المئة من مساحة الضفة الغربية بأكملها.

الأولى من نوعها

بلدية القدس، وبحسب موقعها الرسمي، أشارت إلى أن المنطقة التي يطلق عليها "وادي الغزلان" وتضم قطيعاً من الغزلان وأنواعاً فريدة من النباتات والحيوانات تعتبر أول متنزه طبيعي من نوعه في إسرائيل، يشمل بركاً طبيعية وصناعية وجداول متدفقة ونقاط مراقبة للطيور والقوارض وموائل طبيعية للحيوانات البرية وجزيرة اصطناعية فيها جسور خشبية، تقدم مفهوماً حضرياً مبتكراً للمساحات المفتوحة في قلب المدينة، على غرار الحدائق مثل "سنترال بارك" في نيويورك أو متنزه "هامبستيد هيث" في لندن أو حديقة "سانت جاكو" في فرنسا.

وبحسب المخطط ستشمل الحديقة مركزاً للزوار وآخر رياضياً ومجتمعياً ومسبحاً وموقفاً للسيارات، واعتبرت البلدية أن المتنزه بمثابة "انتصار عام غير مسبوق ضد تجار العقارات الذين أرادوا بناء مبان شاهقة في المنطقة"، مؤكدة عبر موقعها "أن إنشاء رئة خضراء في قلب بيئة حضرية في القدس تجمع بين النباتات الطبيعية والحيوانات والطيور تجذب السكان للعيش فيها".

وقال رئيس بلدية القدس موشيه ليون إن حديقة وادي الغزلان "ستجعل القدس واحدة من أكثر المدن تطوراً وخضرة في العالم"، وأضاف "هذا مشروع سيستمر في زحف المدينة في مجال تطوير المواقع الطبيعية ونحن مع استثمار كثير من الفاعلين البيئيين"، في حين اعتبرت مهندسة المناظر الطبيعية من المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا نوريت ليسوفسكي أن متنزه "وادي الغزلان" مثال على نجاح هندسة المناظر الطبيعية الرائدة في مجال الطبيعة الحضرية، قائلة "لقد نجح المسعى العام إلى إنقاذ الوادي لأن هندسة المناظر الطبيعية عالية الجودة خلقت مكاناً سحرياً وجذاباً، ووفرت تجربة معقدة وغنية من اللقاء والاتصال المباشر مع الطبيعة والحياة البرية". وأكدت مديرة الحديقة ياعيل هاميرمان سولار أن المتنزه يوفر الاسترخاء للمقيمين إلى جانب عودة الأنواع المهددة بالانقراض والأنشطة الترفيهية والتعليمية.

 وأضافت، "نحن في جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية نطمح إلى تشجيع متنزهات مماثلة من هذا النوع في أماكن أخرى في إسرائيل".

أهداف سياسية

وفي المقابل يرى الفلسطينيون أن أهداف البلدية من خلال الحديقة وربطها بأهمية حماية الحيوانات والطبيعة من شأنها محاصرة الفلسطينيين ومنع تمددهم جغرافياً وحرمانهم الوصول إلى أراضيهم عبر فصل الأحياء الفلسطينية عن بعضها، مستغلة ذلك لمصلحة مشاريع استيطانية مستقبلية، ووضع اليد على الأراضي المفتوحة بالقدس الشرقية.

وأشارت صحيفة "كول هعير" الإسرائيلية إلى أن اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء وافقت على مبادرة من المستوطنين في شأن الحديقة بعد أقل من أسبوع فقط على تقديم المخطط، لافتة إلى أن السيطرة على المنطقة المقدرة 700 ألف متر مربع من شأنها ربط مستوطنة "بسغات زئيف" مع مستوطنة "النبي يعقوب" شرق القدس، ولم تكن قرية بيت حنينا المقدسية التي لم يتبق من مساحتها سوى 25 في المئة الوحيدة في صراعها مع بلدية القدس ضد مخططات الحدائق والمحميات، فمع بداية سبتمبر الماضي سلمت سلطة الطبيعة الإسرائيلية إخطارات لمصادرة عشرات الدونمات من الأراضي الشرقية لبلدة العيسوية، وبلدة الطور شمال شرقي القدس لمصلحة مشروع "الحديقة الوطنية" المنوي إقامتها على أراضي البلدتين على منحدرات جبل المشارف، وأمهلت الأهالي 54 يوماً فقط لتقديم اعتراضات جديدة على إقامة الحديقة.

ويؤكد عضو لجنة الدفاع عن أراضي العيسوية هاني العيساوي أن إقامة الحدائق من شأنها أن تزيد سياسة التضييق والخناق على الأهالي المحاصرين بالاستيطان، وأضاف "الاحتلال يحرمنا من هذه الأراضي سواء استخدامها أو الانتفاع منها منذ سنوات طويلة بحجة أنها أراضي دولة".

منفعة عامة

ويرى مراقبون أن إسرائيل لجأت إلى المحميات الطبيعية أو المناطق الخضراء بالاستناد إلى قانون الانتداب البريطاني الصادر عام 1943 الذي يسمح بمصادرة الأراضي للمنفعة العامة، في حين أشار المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية (عدالة) إلى أن "الأراضي التي ستقام عليها المخططات والمحتلة منذ عام 1967 تتناقض كلياً مع القانون الإنساني الدولي الذي يمنع إحداث تغييرات جوهرية على الأراضي المحتلة، كما يشترط استخدام الأراضي لمصلحة السكان المحليين في المنطقة". من جانبه يرى الخبير في شؤون الاستيطان جمال جمعة أن "الحكومة الإسرائيلية تغلف مشاريعها الاستيطانية بمسميات التطوير والتحسين وحماية البيئة والطبيعة، بغية الاستيلاء على المكان"، مضيفاً أن "مصادرة الأراضي في القدس تتم من خلال تشجيرها وزراعتها لكبح الفلسطينيين عن التمدد العمراني ومنع البدو من السكن أو الرعي فيها، بدليل أن الاحتلال حدد عام  1970 مساحة من الأراضي شمال القدس على أنها منطقة خضراء يمنع على الفلسطينيين التصرف فيها، ولاحقاً استخدمت لبناء مستوطنة رمات شلومو، وبعد أن صودرت بعض أراضي الفلسطينيين في صورباهر جنوب المدينة بالذريعة نفسها، بنيت مستوطنة تل بيوت".

وبعد توقيع "اتفاق أوسلو" عام 1993 تجنبت إسرائيل الإعلان عن محميات طبيعية جديدة في الضفة الغربية، لكنها عدلت عن ذلك في يناير (كانون الثاني) عام 2020 حين أعلنت إنشاء سبع محميات طبيعية جديدة في منطقة "ج" التي تخضع لسيطرتها الأمنية والمدنية الكاملة إلى جانب توسيع 12 من المحميات الحالية، وكذلك أعلنت الإدارة المدينة الإسرائيلية العام الماضي عن نحو 22 مليون متر مربع جنوب أريحا شرق الضفة الغربية "محمية طبيعية"، وهي الأكبر التي يتم الإعلان عنها منذ 25 عاماً.

وتشير معطيات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية (بتسيلم) إلى إعلان إسرائيل 26 منطقة في الأغوار فقط بأنها محميات طبيعية، وتشمل 20 في المئة من أراضيها.

ويأتي ذلك في وقت تناقش فيه اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع مشروع قانون طرح خلال مايو (أيار) الماضي يقضي بضم حدائق ومحميات طبيعية ونصب تذكارية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل، من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها باعتبار أن مناطق الضفة الغربية "مليئة بمواقع ذات أهمية قومية تاريخية ترتبط بتاريخ الشعب اليهودي".

وأشارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية إلى أن مصادقة الكنيست على مشروع القانون ستؤدي إلى ضم مناطق أخرى، في حين قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن مشروع قانون ضم المحميات الطبيعية الجديد "نتيجة مباشرة للفشل في حماية القانون الدولي"، معتبرة في بيان أن إسرائيل تسن و"تشرع مزيداً من القوانين الاستعمارية العنصرية التي تكرس الاحتلال لأرض فلسطين، وتعمق حلقات نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) عبر الاستيلاء على الأراضي وتعميق الاستيطان".

واستنكر البيان "تسريع عمليات الضم التدريجي الصامت للضفة الغربية بحجج وذرائع واهية وروايات تلمودية لا تسند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وتهدف إلى تنفيذ مزيد من أطماع إسرائيل في الأرض الفلسطينية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قيود جديدة

بدورها قالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية إن المحميات الطبيعية تعد إحدى الأدوات الكثيرة التي تستخدمها إسرائيل لنزع ملكية الفلسطينيين عن أراضيهم وتعميق الاحتلال بكل الطرق الممكنة، مشيرة إلى أن "الاحتلال لا يمكن محوه باللون الأخضر".

وبينت الحركة في بيان أن إعلان إسرائيل عن محميات طبيعية سيضيف قيوداً جديدة تحد من استخدام الفلسطينيين لأراضيهم، إذ لا يمكن لمالكي الأراضي التي تم الإعلان عنها "محمية طبيعية" حرث أراضيهم أو زراعتها أو الرعي فيها من دون موافقة "مسؤول المحميات الطبيعية".

وتعقيباً على ذلك قال وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري إن مشروع القانون "يهدف إلى الاستيلاء على 500 مليون متر مربع بالضفة الغربية، مصنفة تحت ما يسمى محميات طبيعية والموزعة على 120 موقعاً"، مضيفاً أن "هذا القرار الخطر يفقد الدولة الفلسطينية مواردها الطبيعية ومساحات واسعة تتميز بالتنوع الحيوي، فضلاً عن تهويد الموروث الثقافي الفلسطيني والاستيلاء عليه".

وبحسب العطاري فإن نحو 240 مليون متر مربع من أصل 500 مليون متر مربع صنفت "محميات طبيعية" من قبل السلطات الإسرائيلية، وهي أرض خاصة مملوكة لفلسطينيين.

اتهامات متبادلة

وتتهم السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين بالصيد الجائر للحيوانات البرية مثل الغزلان والنيص وطائر السمان وغيرها، وكتبت صفحة وحدة تنسيق الأعمال في المناطق المعروفة باسم "المنسق" عبر صفحتها على "فيسبوك" أن "ثمن المساس بالطبيعة والحيوانات ندفعه جميعاً فلسطينيون وإسرائيليون على حد سواء، وكذلك الأجيال المقبلة التي لن تستطيع الاستمتاع بالطبيعة والتراث الطبيعي مثلما كان عليه في الماضي"، وأضافت "لا يكفي مجرد فرض القانون إذا لم نقض على ثقافة الصيد الإجرامي، ونربي الجيل الصاعد على محبة الطبيعة والحفاظ عليها، فهذه الأرض المقدسة ستبقى خالية من المناظر الطبيعية"، وكذلك أشارت الصفحة إلى تراجع ملموس تشهده سنوياً أعداد الغزلان في الطبيعة.

وفي المقابل يؤكد الفلسطينيون أن تسارع الاستيطان وتكثيفه بالتزامن مع بناء جدار الضم والتوسع منذ عام 2002 تسبب بتدمير البيئة الفلسطينية وتشكيل حواجز غير طبيعية تمنع استمرار الحياة البرية الطبيعية، إذ قطع الجدار على الحيوانات البرية مسارات تنقلها مثل الغزال البري والضباع التي أخذت تلجأ إلى المناطق المأهولة بعدما أصبحت تعجز عن اجتيازه، مما جعلها عرضة للقتل ووضعها في دائرة التهديد بالانقراض، مما يتسبب بموت أعداد متزايدة من الحيوانات البرية أثناء محاولتها الانتقال ما بين المناطق الريفية.

وكذلك تأثرت النباتات البرية التي حال الجدار دون انتقال بذورها إلى الجانب الآخر، وبحسب خبراء في البيئة الفلسطينية فقد عزل الجدار 41 كيلومتراً مربعاً من مساحة الغابات في الضفة الغربية، أي ما يقارب 50 في المئة من مساحتها الكلية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير