Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أكتوبر 73" ليس بالسلاح وحده تحسم الحرب

ثلاثة أسماء كانت الأكثر ظهوراً على الصحف هي السادات والأسد وغولدا مائير

لحظة عبور القوات المصرية للضفة الشرقية من قناة السويس في حرب 1973 (أ ف ب)

ملخص

متخصصون وصفوا الرئيس المصري السابق أنور السادات بأنه شخص نادر في العالم العربي يمكنه وضع استراتيجيات عبر التخصصات وعبر الزمن

يقول الجنرال الأميركي جورج سميث باتون، الذي تولي مناصب عدة قيادية في الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية وحقق عديداً من الانتصارات في ساحات القتال في أوروبا والبحر المتوسط، إن "الحروب تخاض بالسلاح لكنها تربح بالرجال"، إذ كان يتحدث عن أهمية العنصر البشري بالمقارنة بالآلة (السلاح). ففكر باتون كعسكري شارك في الحربين العالميتين ليس مجرد فلسفة ولكنه حقيقة ترجمها عديد من الانتصارات العسكرية، ليس أقلها حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو كما يسمى في سوريا (حرب تشرين) وللإسرائيليين (حرب يوم كيبور) التي تعني (يوم الغفران).

قاد حرب أكتوبر، التي يمر عليها 50 عاماً في السادس من أكتوبر الجاري، مجموعة من السياسيين والعسكريين الذين تنافسوا في ما بينهم على الخطط الاستراتيجية والعسكرية ليكون الحسم للأفضل تخطيطاً واستعداداً. وثمة ثلاثة أسماء كانت الأكثر ظهوراً على أوراق الدشت عام 1973، محمد أنور السادات وحافظ الأسد وجولدا مائير، هم قادة مصر وسوريا وإسرائيل في ذلك الوقت.

السادات مخطط استراتيجي

في كتابه "بطل العبور... كيف غير أنور السادات وحرب 1973 العالم"، يتحدث الصحافي الأميركي المخضرم توماس ليبمان عن حرب أكتوبر باعتبارها واحدة من أكثر الأحداث تأثيراً في الشرق الأوسط التي امتدت تداعياتها إلى ما هو أبعد من المنطقة، ويصف السادات بأنه كان "شخصاً نادراً في العالم العربي يمكنه وضع استراتيجيات عبر التخصصات وعبر الزمن".

ففي الوقت الذي توفي فيه الرئيس جمال عبدالناصر، كانت مصر دولة مهزومة سحقتها النتيجة الكارثية لحرب عام 1967 وسوء التخطيط الاقتصادي. ويقول ليبمان إن السادات عند توليه الرئاسة سارع إلى تحديد أولوياته التي تمثلت في تعزيز سلطته وإنهاء حال الحرب بين مصر وإسرائيل. ومع ذلك لا يمكن تحقيق السلام في حين أن تل أبيب "لا تزال تملك كل الأوراق"، لذا أراد السادات استعادة الأراضي التي خسرها عام 1967 من خلال هجوم جديد، لكنه لم يكن لديه أية نية لمهاجمة إسرائيل.

وفي حين يزعم ليبمان أن مصر تكبدت خسائر عسكرية فادحة في هذه الحرب، إلا أنها كانت بمثابة نصر سياسي للمصريين الذين تمكنوا من تحطيم صورة إسرائيل التي لا تقهر، كما أجبر الإسرائيليين والأميركيين على أخذ السادات على محمل الجد ودعوته إلى طاولة المفاوضات، مما أدى إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.

 

 

ويقول زميل مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن جون ألترمان إن السادات اتخذ خطوة جريئة عندما خطط مع قادة جيشه لاختراق خط بارليف في السادس من أكتوبر، فبخراطيم المياه استطاع تفجير حاجز رملي يتراوح ارتفاعه بين 30 و60 قدماً على الضفة الشرقية لقناة السويس، كان يعتقد في السابق أنه منيع. ووفق قول الباحث الأميركي "فعلى رغم أن أداء القوات المصرية كان أقل بمجرد مرور عنصر المفاجأة واستمرت الحرب لأسابيع عدة، إلا أنه حتى النجاح الموقت ضد دولة كانت عدو لمصر طوال 25 عاماً سمح للسادات بتعزيز قيادته محلياً".

عندما تأتي سيرة السادات فإنها لا تتلخص في نصر 1973 أو معاهدة السلام، لكن في تداعيات كليهما. ففي حين اكتسب مكانة دولية نتيجة لمعاهدة السلام مع إسرائيل، إلا أن ذلك كان السبب نفسه للهجوم عليه إقليمياً، فأثار غضب كثير من العرب، حتى إن الشاعر والدبلوماسي السوري نزار قباني هجاه في أكثر من قصيدة ومن بينها قصيدة بعنوان "اليوميات السرية لبهية المصرية" التي كانت سبباً في رحيله عن القاهرة ليكمل حياته في لندن، فأدى قرار السلام مع إسرائيل إلى عزلة جزئية لمصر عن الدول العربية، وتراجعت معدلات تأييد السادات في جميع أنحاء المنطقة، وداخلياً كان هناك استياء شعبي نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية.

الأسد... رغبة الانتقام

لم ينل الرئيس السوري حافظ الأسد ذلك القدر من الإعجاب والإشادة الدولية التي نالها شريكه المصري، يعود ذلك لإنجاز السلام الذي حققه السادات من دون غيره من القادة العرب آنذاك، لكن أيضاً عدم قدرة القوات السورية على استرداد مرتفعات الجولان التي ظلت واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، على نقيض ما حدث مع سيناء، زاد من الإحباط داخلياً.

في البداية كان الأسد يرغب في الحرب مع إسرائيل، وجزئياً كان ذلك للانتقام من هزيمة بلاده في عام 1967، لكن وفق ما يذكره المؤرخون فإنه بينما سعى الأسد في البداية إلى تدمير إسرائيل، أقنعه السادات بالموافقة على أهداف محدودة، واستعادة سيناء والجولان، وتسوية مشكلة اللاجئين والاعتراف بفلسطين. واعتبر الرئيس المصري، وفق كتاب "حرب يوم الغفران... الحرب العربية - الإسرائيلية في 1973" للكاتب البريطاني سايمون دونستان، أن هذه الأهداف لا تشكل تهديداً للمصالح الحيوية لإسرائيل ولن تثير رداً نووياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سعى الأسد إلى خلق إرث ثقيل في السياسة الإقليمية، وإعادة تحويل سوريا إلى قوة بين العرب، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، مؤمناً بالقومية العربية التي دعا إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ومثل عديد من أبناء جيله سعى إلى وراثة دور عبدالناصر كصوت للوحدة العربية.

وبينما حاولت الولايات المتحدة بناء تسوية سلمية شاملة بين العرب وإسرائيل، وأجرى وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر برحلات مكوكية بين العواصم العربية وإسرائيل، حتى بات الأول من بين عديد من المسؤولين الأميركيين الذين تحطمت آمالهم بسبب الرئيس السوري، إذ اكتشفوا في نهاية المفاوضات المطولة حول مؤتمر السلام أن دمشق ليس لديها أية نية للمشاركة.

ومع ذلك شعر الأسد أن الأميركيين لهم اليد العليا لأن المحادثات مهدت الطريق أمام مصر للتوصل إلى سلام منفصل، إلا أن وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في ذلك الوقت في شأن الجولان ظل قائماً، وأصبحت الحدود الأكثر هدوء لإسرائيل على رغم الاضطرابات التي تلت ذلك.

الجدة الحديدية

على الجانب الإسرائيلي كانت نشأة "الجدة المنتخبة" (وهو الوصف الذي استخدمته الصحافة الإسرائيلية لغولدا مائير عندما تولت منصبها رئيسة للوزراء عام 1969)، أثراً بالغاً في قيادتها، فالطفلة المولدة لعائلة فقيرة في كييف تعاني الجوع والاضطهاد العنيف ضد اليهود، ارتقت لتصبح واحدة من أوائل النساء في العالم اللاتي يشغلن منصب رئيس وزراء وقادت إسرائيل خلال عقودها الأولى المضطربة. فقبل سنوات من وصف السوفيات لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر بـ"المرأة الحديدية"، حصلت مائير على اللقب نفسه بسبب استعدادها لشن حرب دفاعاً عن إسرائيل.

وأشار إليها مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء لها ديفيد بن غوريون، باعتبارها ببساطة "أفضل رجل في الحكومة"، وفق ما جاء في كلمة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون خلال استقباله مائير في البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول) 1969.

أدت الخسائر الفادحة المبكرة الناجمة عن الهجوم المصري السوري المفاجئ في أكتوبر 1973، إلى ضغوط سياسية مكثفة على إسرائيل لإعلان وقف إطلاق النار. وبدلاً من ذلك اتخذت مائير خطوات عدوانية لتحسين موقف بلادها التفاوضي وواصلت الحرب حتى وصول التعزيزات العسكرية الأميركية، وذلك قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أقرته الأمم المتحدة في الـ25 من أكتوبر.

 

 

ينظر المؤرخون الإسرائيليون إلى قيادة مائير للحرب باعتبارها حازمة وقوية مما أكسبها لقب "المرأة الحديدية"، ومع ذلك أدت الحرب نفسها إلى استقالتها بعد أشهر فقط، إذ ألقى الإسرائيليون باللوم عليها في مقتل نحو 2700 جندي إسرائيلي في المعارك لا سيما بعد الفشل الاستخباري الذريع في شأن الحرب. وعلى رغم فوز حزب العمل في الانتخابات التالية، إلا أن مائير نفسها لم تكن قادرة على تشكيل حكومة جديدة، وتنازلت عن مقاليد السلطة لإسحاق رابين.

جيش محترف وقيادة موحدة

بطبيعة الحال تظل القيادة العسكرية هي الفاعل الرئيس في التخطيط والمواجهة، وفي تلك الحرب كان الجيش المصري يحتفظ بمجموعة من العسكريين المميزين والأكثر قدرة على القيادة والتخطيط. فوفق ورقة بحثها بعنوان "القيادة العليا المصرية في حرب 1973" نشرتها مجلة "القوات المسلحة والمجتمع" الأميركية عام 1987، فإن الإصلاحات العسكرية بعد نكسة عام 1967 أدت إلى تغييرات هيكلية وشخصية في القيادة العليا، التي أثبتت في حرب عام 1973 أنها نفسها نتاج فعال لعملية إعادة التنظيم التي أسسها النظام الناصري خلال حرب الاستنزاف (1967-1970). وكانت النتيجة أن المصريين كانوا قادرين على تشكيل جيش محترف في ظل قيادة موحدة تحركها أهداف عسكرية واضحة للمرحلة الأولى من الحرب.

بينما يبرز اسم المشير أحمد إسماعيل بصفته القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية خلال الحرب، لكن هناك اسمين برزا بشكل خاص وهما رئيس الأركان وصاحب خطة حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي، ورئيس المركبات بالجيش الثالث الميداني خلال الحرب اللواء باقي زكي يوسف، وهو صاحب فكرة استخدام مضخات المياه لإزالة الساتر الترابي أمام خط برليف، وكان يطلق عليه "أسد أكتوبر"، بحسب صحيفة الأهرام المصرية.

وبعد إقالة الشاذلي في ديسمبر (كانون الأول) 1973 خلفه المشير محمد عبدالغني الجمسي الذي أشرف على دراسة للإعداد لحرب أكتوبر، وكان للواء فؤاد عزيز غالي دور كبير في حرب أكتوبر إذ كان يشغل منصب فائد فرقة 18 مشاة قبل تعيينه قائداً للجيش الثاني الميداني، وقاد عملية تحرير مدينة القنطرة شرق وقام بتدمر أقوى حصون خط بارليف ثم تقدم بقواته شرقاً.

وعرف الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك طوال تاريخه في الحكم بـ"صاحب الضربة الجوية الأولى"، إذ كان قائداً للقوات الجوية المصرية خلال الحرب، وكان المشير محمد علي فهمي قائد لقوات الدفاع الجوي، وقاد تنفيذ عملية إنشاء حائط الصواريخ على الضفة الغربية للقناة لحماية سماء مصر ضد هجمات الطيران الإسرائيلي، وأسهم في إسقاط طائرة الفانتوم الإسرائيلية في الـ30 من يونيو (حزيران) عام 1970، ونجح في إسقاط هالة التفوق الإسرائيلي بتدمير مئات من الطائرات المعادية وتحييد سلاح الجو الإسرائيلي خلال مراحل حرب أكتوبر، لذا لقبه الرئيس السادات برجل الصواريخ الأول حول العالم. وهناك كثير من العسكريين الأبطال الذين يخلد التاريخ أسمهم ممن قادوا القوات المصرية خلال الحرب.

النيران السورية على الجولان

القادة المصريون كانوا ينسقون بشكل فاعل مع الجبهة السورية التي تشكلت من وزير الدفاع حينها مصطفى طلاس، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة اللواء يوسف شكور، وقائد القوات الجوية والدفاع الجوي اللواء ناجي جميل، ومدير الاستخبارات الحربية اللواء حكمت الشهابي، ورئيس هيئة العمليات اللواء عبدالرزاق الدردري، وقائد القوات البحرية العميد فضل حسين.

وتقول دراسة تاريخية حول دور الجيش السوري في حربي الاستنزاف وأكتوبر، منشورة بمجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، "اندلعت الحرب من خلال مهاجمة القطعات العسكرية السورية للجولان المحتل ومفاجأة القوات الإسرائيلية ونجحت القوات السورية باجتياح عديد من القرى في الهضبة من خلال توجيه ضربات موجعة للقوات الإسرائيلية مما أدى إلى انسحابها تحت تأثير النيران.

لكن هذا لم يمنع القوات الإسرائيلية من أن يكون لها رد فعل من خلال مهاجمة القوات السورية التي توغلت في الجولان ونجحت باحتلال عديد من المناطق مرة أخرى وانسحاب القوات السورية، وكان لانسحاب مصر من الحرب الأثر الكبير في توجيه المجهود الحربي الإسرائيلي كله إلى جبهة الجولان، مما أدى إلى معارك الكر والفر بين الجانبين، ونتيجة لذلك وجدت دمشق نفسها أمام ظروف ومعطيات سياسية وعسكرية جديدة تستدعي اتخاذ القرار لوقف إطلاق النار، وكان للأطراف الدولية من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من خلال الزيارات المكوكية لوزراء الخارجية الأثر الكبير في وقف إطلاق النار، مع يقين سوريا أن المعركة مستمرة ضد إسرائيل.

استقالات عسكرية إسرائيلية

على الجانب الإسرائيلي كان يقود قوات العدو وزير الدفاع موشي ديان الذي قاد قوات بلاده قبلاً في حرب 1967، وحمل المسؤولية عن الهزيمة في حرب 1973. وبينما شكلت إسرائيل لجنة للتحقيق في الجاهزية العسكرية للبلاد ورد فعلها على اندلاع الحرب، كانت نتيجتها استقالة رئيس أركان الجيش ديفيد إليعازر ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا في عام 1974، إذ أقرت إسرائيل بالفشل الاستخباري الذي كانت نتيجته الهزيمة.

وكان آرييل شارون، صاحب مجزرة قرية قبية في الضفة الغربية عام 1953 الذي تولى رئاسة وزراء إسرائيل بين عامي 2001 و2006، قائداً لفرقة ضباط الاحتياط أثناء حرب أكتوبر 1973، وأقر بخسارة فرقته 300 قتيل في الحرب وأقر بخطأ قراراته في تلك الأثناء.

المزيد من تقارير