Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبدالله السناوي: أي انتخابات مهندسة تسحب من رصيد الشرعية

قال إن مصر تواجه أزمة "متفاقمة ومنذرة" و"المعارضة الاجتماعية" أقوى من طاقة النظام على التحمل

وهو يستقرئ الأحوال المصرية على وقع انتخابات رئاسية مرتقبة، يبدو المشهد وفق تقييمه "مقلقاً"، فـ"الغيوم تخيّم على المستقبل القريب، ويصعب توقع ما قد يحدث، كل السيناريوهات محتملة وواردة. الوضع الاقتصادي مأزوم للغاية، والسياسي محتقن، حتى ولو بصورة شبه صامتة، والرأي العام ضاجر"، متخوفا من "أي محاولة لهندسة الانتخابات الرئاسية في إجراءاتها أو مرشحيها ونتائجها"، معتبرا أنها "قد تذهب بالبلد إلى حافة المجهول".

بلغة مرتبة وتوصيفات مختصرة، يرى الكاتب والمفكر المصري عبدالله السناوي، في حواره مع "اندبندنت عربية" إن البلاد بحاجة إلى "تغيير البيئة العامة"، مشددا على أن "التماسك الوطني يأتي بالتراضي والتفاهم والبرامج والرؤية المشتركة، وحوار الأنداد"، على حد وصفه، موضحا أن الخطر الأكبر في مصر حالياً هو ما سمّاه بـ"الضجر الاقتصادي والاجتماعي" أو ما يمكن تعريفه بـ"المعارضة الاجتماعية"، التي تشكلت على إثر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها.

وبدأت ملامح مشهد استحقاق الانتخابات الرئاسية في مصر ترتسم، بعد أسابيع من الترقب، إذ أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في البلاد، الاثنين الـ25 من سبتمبر (أيلول) جدولها الزمني، على أن يقترع المصريون في الخارج والداخل، خلال النصف الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. مشددة على "وقوفها على مسافة واحدة من كافة المرشحين"، وأنها "تكفل لراغبي الترشح في الانتخابات الرئاسية إعمال حقهم كاملاً متى توافرت فيهم شروط الترشح".

غير أن "جدلاً واسعاً" بين المؤيدين والمعارضين يحوم حول "جدية ونزاهة تلك الانتخابات، فضلاً عن مدى حياد مؤسسات الدولة منها"، ما دفع الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة وتضم مجموعة من الأحزاب المدنية)، للإعلان، في أبريل (نيسان) الماضي، ما قالت إنه "ضوابط ومعايير لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة".

تحديات تنذر بـ"أخطار وخيمة"

وفق تشريح السناوي، تأتي على رأس التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن "الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والمنذرة"، يتبعها "الأزمة السياسية"، لكنه يرى "في المقاربة لكيف نخرج من هذا المأزق؟ أقول الحل والمدخل لا بدّ أن يكون سياسياً أولاً".

يوضح السناوي، وهو أحد الأصوات المعارضة في مصر، رؤيته بأولوية الحل السياسي على ما سواه، "المدخل السياسي يؤدي إلى تحسين البيئة العامة، ويفتح أفقاً للأفكار والتصورات، ويساعد على استدعاء الخبرات والكفاءات للمساهمة في خلق حل لها، من أجل تحسين صورة النظام وصورة مصر في العالم". مضيفاً "السياسة مدخل للحل لا يمكن الاستغناء عنه"، معتبراً أنه حين يتحدث الرئيس عن أنه "ليس سياسياً" فإن "هذا تصريح بحاجة إلى مراجعة، لأن وظيفة رئيس الجمهورية هي منصب سياسي في المقام الأول والأخير. هذا منصب سياسي يرمز إلى الدولة".

وسبق أن صرّح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في يناير (كانون الثاني) عام 2018، خلال تدشينه الإنتاج المبكر لحقل ظُهر لإنتاج الغاز بمنطقة شرق المتوسط، أنه "مش (ليس) سياسي بتاع الكلام... والبلد ما بتتبنيش (لا تبنى) بالكلام... اللي حصل (وما جرى) من 7 أو 8 سنين مش هيتكرر (لن يحدث) تاني في مصر"، وذلك في تعهد حينها بعدم تكرار حدوث تظاهرات كتلك التي شهدتها البلاد في عام 2011.

ويرى السناوي أن "هناك مشكلة أخرى كبيرة وخطيرة"، تتمثل في أن مصر تعاني "جفافاً سياسياً وضجراً اقتصادياً واجتماعياً"، موضحاً "الضجر الاقتصادي والاجتماعي يمكن تسميته بالمعارضة الاجتماعية، وهي أقوى بكثير من المعارضة السياسية، وأقوى من طاقة النظام على التحمل، وهنا أتحدث عن الغالبية الساحقة من الشعب المصري التي ترزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، وانهيار قيمة الجنيه، وغياب سلع رئيسة، وغلاء أسعار سلع أخرى بصورة مفاجئة وكبيرة، وكذلك التضخم، كل هذه المشكلات الاقتصادية حلت مرة واحدة وكما لم يحدث من قبل على رأس الشعب، وعليه هناك معارضة اجتماعية هي الأكبر لنظام الرئيس السيسي حالياً".

ويعاني المصريون بالفعل من تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع التضخم الذي سجل رقماً قياسياً جديداً في أغسطس (آب)، إذ بلغ قرابة 40 في المئة، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كذلك شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة انخفاضاً في قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية بنسبة 50 في المئة تقريباً.

ويتابع السناوي رؤيته، "الخطر الحقيقي يكمن في المعارضة الاجتماعية التي تمثل صُلب الشعب، وليست المعارضة السياسية. الأحزاب والقوى السياسية والمدنية في وضع متهالك، وانشقاقاتها (القوى المدنية) وخلافاتها كثيرة، وليس لديها خطاب واضح ومحدد تخاطب به الرأي العام، ولديها خلط في قضايا كثيرة. بالتالي حيوية ومصداقية القوى المدنية لا تمثل تهديداً حقيقياً للنظام، إذ إن وضعها حرج ومأزوم، أحزاب عديدة من مشارب مختلفة متوافقة في مسألة الإصلاح السياسي مختلفة في جوانب عديدة، لا يوجد حزب واحد متماسك وقوي وله جمهور يعتد به، فالقوى المدنية تحتاج إلى مقاربات جديدة ونظرة أخرى إلى المستقبل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول تفسيره للواقع المتهالك لتلك القوى المدنية، يقول السناوي "جزء من الأسباب يعود إليها، وجزء آخر يعود إلى طبيعة النظام الحالي، وتقييد الحريات العامة، وحرية الأحزاب، ومنع المنافسة الحقيقية في الانتخابات، الأحزاب تنشأ أساساً في الدول الديمقراطية كي تخوض الانتخابات أو كي تحصل على السلطة، هذه ليست جريمة، وكي تصل إلى هذه النتيجة تحتاج إلى برنامج واضح ومقنع، كي تُنتخب، وتكون مدرسة لبناء الكوادر واستقطاب الكفاءات، فكل هذا ليس موجوداً، لدينا شبه أحزاب أو بقايا تاريخ"، معتبراً أن "أي نظام حاكم يحتاج إلى سند مدني سياسي، إضافة إلى السند الاجتماعي، فحينما يفتقد النظام السندين، وتكون أحزاب الموالاة (الداعمة) حالتها يرثى لها، ذات طبيعة أمنية هشة بلا جذر، يكمن الخطر الحقيقي".

ونتيجة للمعارضة الاجتماعية تلك يتصوّر السناوي أن "معدل شعبية النظام الحاكم وصل إلى منحدر خطير جداً، يستحق الالتفات إليه، وأن إنكار الأزمة هو تعميق للأزمة ذاتها، إذا لم نعترف أن لدينا أزمة اقتصادية طاحنة، وتصرفنا على نحو يخفف من وطأتها، وإذا لم نعترف بأن الجفاف والتدهور السياسي والإعلامي في مصر نذرهما خطيرة، فأنت هنا كمن ينتظر كارثة تحل فوق رأسه"، موضحاً "نحن في لحظة مواجهة الحقيقة، لا يوجد أحد عاقل يتمنى أن تنفلت الأمور في مصر. البلد بظروفها الاقتصادية الحالية وهي على شفا الإفلاس، لا بد أن يكون بها تماسك اجتماعي وأفق أمل في المستقبل، مصر لا تحتمل أي اضطرابات اجتماعية، وأتصور أن المسؤولية العامة في مصر هي مهمة إنقاذ، إذا لم يكن هناك إدراك لحقائق الأمور أعتقد أننا ذاهبون إلى منزلق خطير".

ويتابع، "الغيوم تخيم على المستقبل المصري القريب، ويصعب جداً توقع ما قد يحدث، كل السيناريوهات محتملة وواردة. الوضع الاقتصادي مأزوم للغاية، والوضع السياسي محتقن، حتى ولو بصورة شبه صامتة، والرأي العام ضجر، وعليه كل الاحتمالات ممكنة، سيناريو انفجار اجتماعي مفاجئ محتمل، وسيناريو عنف اجتماعي وجنائي نتيجة الفقر والجوع وارد مع ارتفاع معدلات الجريمة الجنائية"، معتبراً على حد وصفه أننا "في عام الغيوم".

ووفق السناوي، "حينما يكون في هذا العام من المفترض إجراء انتخابات رئاسية، وتصاحبها شكوك حقيقية في نزاهتها وجديتها ستتفاقم أزمة الشرعية، ولن تولد أخرى جديدة، وهذه مسألة خطيرة للغاية، يجب الالتفات إليها"، معتبرا أن التفكير بهندسة الانتخابات يجني "عواقبه وخيمة للغاية على البلد وعلى نظام الحكم الحالي".

وعليه يرى السناوي أن مصر بحاجة إلى "تغيير البيئة العامة"... معتبراً أن "هناك خشية من انفلات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من دون الحد الأدنى للتماسك الوطني" على أساس " التراضي والتفاهم والبرامج والرؤية المشتركة، وحوار الأنداد".

تعميق الأزمة

فيما تقف مصر على اعتاب انتخابات رئاسية مرتقبة، حددتها الهيئة الوطنية للانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ويرتسم عليها عنوان أبرز هو "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، بين من يرون في استمراره بمنصبه لولاية ثالثة "ضرورة وطنية" لاستكمال مشروعه الذي بدأه منذ عام 2014، وآخرون يعتبرون أن في التغيير "حتمية" يفرضها "الواقع وتحدياته"، الذي تعيشه البلاد على المستويين الاقتصادي والسياسي، وإعمالاً لأهمية "تداول السلطة". يقول السناوي "الانتخابات العامة تولد الشرعية ... والشرعية مثل خيوط الصلب قوية جداً، تأبى على الكسر، تبدو رفيعة بحيث لا تراها، لكن لا تستطيع كسرها بسهولة. والاستهتار بها عواقبها وخيمة".

ويسترجع السناوي مسألة "شرعية النظم" التي شهدتها البلاد في عصرها الحديث على مدار عمر رؤسائها السابقين، "الرئيس محمد مرسي (منتمٍ لجماعة الإخوان وحكم البلاد لعام واحد في 2012 - 2013) ردد في آخر خطابه (قبل إزاحته من الحكم في 30 يونيو 2013) كلمة الشرعية كثيراً ومع ذلك سقط، لأن شرعيته كانت قد سقطت في الشارع المصري، كذلك الرئيس الأسبق حسني مبارك قال للمشير حسين طنطاوي (آخر وزير دفاع في حقبة مبارك) في آخر أيامه (يا تحمي الشرعية يا تشيل الشيلة يا حسين)، وكان المقصود بحماية الشرعية أي يستخدم العنف ضد التظاهرات في يناير 2011، لكن المشير لم يرد وسقط مبارك ونظامه، لأن الشرعية كانت قد سقطت في الشارع. كذلك في حالة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لما تنحى واستقال بعد نكسة يونيو (حزيران) عام 1967، وكان عليه أن يتنحى لأنه يتحمل المسؤولية السياسية الأولى عن الهزيمة الفادحة، في لحظة الهزيمة سقطت شرعية عبدالناصر، وهو أدرك ذلك، وتحدث عنها وتوقع أن المصريين بدلاً من أن يطالبوا بعودته تطالب بمحاكمته. لكن حين انتهت التظاهرات وبإرادة الشعب المصري يوم 9 و10 يونيو استؤنفت شرعية عبدالناصر. بعد أن أسقطتها الهزيمة".

وبحسب السناوي فإن أي محاولة لـ"هندسة الانتخابات" ستكون "سحب على المكشوف من الشرعية وخطير جداً، وقد تذهب بالبلد إلى حافة المجهول"، موضحاً "العالم سيتابع وسينظر إلى الانتخابات، وإذا اقتنع من بدايتها أنها ليست نزيهة فسيحكم عليها بأنه لا شرعية لنظام الحكم الحالي".

وشدد السناوي على الربط ما بين الشرعية والانتخابات المقبلة وشعبية النظام، "لو أنك ستجري انتخابات مهندسة ومعدة سلفاً ستسحب من رصيد الشرعية، وإذا أنت قبلت بالتنافس الجدي فأنت (النظام) تواجه مشكلة، لأن شعبية النظام الحالي لا تحتمل أي تنافس حقيقي".

وفي أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية (تضم مجموعة من الأحزاب المدنية)، ما قالت إنه "ضوابط ومعايير لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة مع قرب الانتخابات الرئاسية" التي من أبرزها: إتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين، وحرية وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وحياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين، وخضوع العملية الانتخابية برمتها للمتابعة من قبل هيئات ومنظمات محلية ودولية مشهود لها بالحياد والموضوعية، واستقلال ونزاهة وشفافية الهيئة المشرفة والمديرة للعملية الانتخابية".

غياب "فقه الأولويات"

في الأثناء، وعلى وقع التحديات الاقتصادية المتفاقمة في الحالة المصرية، يقول السناوي "لدينا مشكلة، السياسات غير منضبطة منذ 2014، ليست لدينا أولويات واضحة ومحددة، جرى إهمال التعليم، والصحة، وإهمال التجهيزات الضرورية لضخ الحيوية في الاقتصاد، وجرى تأميم الاقتصاد بشكل أو بآخر من دون قواعد مؤسسية أو مقبولة".

وتابع: "تدخل القوات المسلحة في الاقتصاد على النحو الجاري أتصور أنه خلق مشكلة في بيئة الاستثمار والعمل في مصر. بالطبع مع القطاع العام لكن ما يحدث الآن أن الدولة تبيع مصانع القطاع العام وهذا كلام غير مقبول"، مضيفاً: "أن تكلف الجيش بما هو خارج مهامه وتسحب من الدولة حقها من أن يكون لديها قطاع عام يضمن لها استقرارها المالي والاقتصادي، يضعنا في مشكلة. توجد مشروعات ربما تكون مفيدة بعد مرور 20 أو 30 عاماً مثل مدينة العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية، لكنها لم تكن أولوية على أي نحو. الأولوية الآن هو كيف بدأت الأزمة الاقتصادية وأزمة المديونية؟ نبحث في الجذر أولاً، وإذا لم نعدّل سوف تتفاقم أكثر".

ويمضي، "الوقت يداهمنا، الأزمة الاقتصادية تداهمنا، علينا التحرك لتخفيف وطأة الأزمة، لأن حلها سوف يستغرق وقتاً طويلاً، نتحدث عن 165 مليار دولار تقريباً ديوناً، أضف إلى ذلك تراجع قدرتنا الإنتاجية عن ذي قبل. الحل في إجراءات اقتصادية متوافق عليها، بحيث تشارك فيها النخبة بمختلف مدارسها، وتحسين البيئة العامة التي تسمح بالاجتهاد والحوار والتصحيح والرقابة ومحاربة الفساد".


ورداً من السناوي على محاولة انخراط السلطة الحالية في "خطة بناء واسعة بشكل متوازٍ"، قال "الرئيس السيسي في بداية عهده قال تعبير (شبه الدولة). يوجد وجهان لهذه العبارة، وجه يمكن قبوله، بأن هناك تراجعاً في مستوى كفاءة مؤسسات الدولة، ووجه لا يمكن قبوله لأن مصر دولة عريقة، فلا يمكن أن يقال عليها شبه دولة، التعبير كان خاطئاً. لكن المحزن بعد 10 سنوات مصر بالفعل أصبحت شبه دولة، الرئيس كانت لديه أمنيات عالية، وهذا لا شك فيه، لكن النتائج مع الأولويات والسياسات التي اتبعت أدت إلى اهتزاز صورة الدولة المصرية".

وتابع، "تعبير الرئيس السيسي (شبه الدولة) لم يكن موفقاً، مصر لم تكن كذلك. لكن وقتها كنت أفهم التعبير أنه رغبة من السيسي في بناء جديد، وهذا لم يحدث، وأول خطأ جوهري في إعادة بناء الدولة أنك لم تجرِ انتخابات محلية، ولم تدشن قانوناً لها، بالتالي لدينا مشكلة في المحليات، وبتعبير الدكتور زكريا عزمي (رئيس ديوان رئيس الجمهورية في عهد مبارك) الفساد للركب، الآن مؤكد أن الفساد تجاوز الركب، حينما تكون لدينا مؤسسات دستورية مجلس شعب حقيقي ومنتخب بإرادة شعبية عامة وقتها تكون لدينا دولة، إنما حينما لا يكون لدينا مجلس نيابي وقضاء مستقل وصحافة حرة أكيد وقتها سأكون شبه دولة".

ويمضي داعياً، "أعتقد أننا بحاجة إلى وقفة من أجل المستقبل. كيف نبني الدولة؟ الدولة ليست ملكاً لشخص بعينه، الدولة ملك للأجيال المتعاقبة، لدينا أجيال جديدة متطلعة فلا بد أن تجد نفسها في بلد يستحق وصف (الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة) أولاً اسمها الدولة، ثانياً المدنية أي أنه لا خلط للدين بالسياسة، ثالثاً الديمقراطية وفق القواعد الدستورية، رابعاً الحديثة، والحداثة مهمة جداً".

وتابع، "لا يمكن أن أتحدث عن الحداثة وأنا أنكر الماضي وأهدم الجبانات، وأزيد القبح في البلد، ولا أحد يسمع، البلد جميعها تقريباً ممتعضة من هدم الجبانات أياً ما كانت الأسباب ليست هذه هي الطريقة الصحيحة. هذا إرث تاريخي وحضاري وإسلامي، وكأنّ هناك من يستدعي الكراهية في المجتمع المصري، لا يستدعي الرضا، نحن نريد استدعاء الرضا والشعبية مرة أخرى، نحن نتحدث عن جبانات تضم أئمة المسلمين ورموز الثقافة والحضارة العربية والإسلامية. والغريب أن المسؤولين وكأنهم لا يفعلون شيئاً، لا أحد يرد، أو برلمان يسأل، ولا مسؤول يشعر بوطأة الضمير. صورة واحدة للجرافات وهي تهدم المقابر قادرة على إسقاط 10 نظم وليس نظاماً واحداً. لا أعرف كيف يفكر المسؤولون؟ ولا في ما يرغبون؟ أظن أن هناك مشكلة في بنية التفكير".

وفي أكثر من مناسبة واجهت خطط الدولة المتواصلة منذ سنوات لما تراه "تطوير للقاهرة القديمة"، الذي يشمل توسيع طرق وشق أخرى وإقامة كباري معلقة، نقداً بين أوساط النخبة لما تمثله تلك المناطق من إرث حضاري وثقافي وجزء من نسيج القاهرة التاريخي.

هل يمكن أن يعود "الإخوان"؟

هل من احتمالية أن يعود تنظيم الإخوان مجدداً إلى المشهد بشكل مباشر أو غير مباشر، لا سيما مع احتدام الأزمة الاقتصادية والاجتماعية؟ أم أن التنظيم انتهى بعد أن أزيح من الحكم في عام 2013 بإرادة شعبية؟ يرد السناوي "من يرى أن الإخوان انتهوا بعد 10 سنوات واهم، وعودتهم لم تعد مستحيلة". موضحاً "لدينا مشكلة منذ فترة طويلة والحقيقة أنها ممتدة وموروثة من عهد الرئيس مبارك أننا ليست لدينا استراتيجية واضحة للتعامل مع ظاهرة العنف أو مع الإخوان المسلمين باستثناء القبضة الأمنية، ليس لدينا في الذخيرة السياسية سوى القبضة الحديدية".

ويتابع، "منذ فترة دشن النظام الحالي المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف (تأسس في يوليو/ تموز 2017)، وضم أناساً من حيثيات مختلفة، هذا المجلس اجتمع مرة واحدة، تبادلوا التعارف ثم لم يجتمع مرة أخرى، هل هذا معقول؟ بالطبع نحتاج إلى هذا المجلس، على أن تكون لديه استراتيجية واسعة تُحترم".

ويمضي، "في التعامل مع الإخوان المسلمين لم تكن لدينا استراتيجية سوى القبضة الأمنية، بالمنطق الأمني يمكن أن أتفهم ذلك في لحظة استخدام العنف في الشوارع من قبل هؤلاء المتطرفين، لكن السلاح ليس وسيلة صالحة طوال الوقت، نحتاج إلى رؤية أوسع"، مستنكراً ما سمّاه "العقاب الجماعي" باعتباره أسوأ أنواع العقاب.

وبحسب السناوي، فإنه بفشل السياسات الاقتصادية المتبعة في مصر توجد ناس تقول أليست أيام مبارك أحسن، وآخرون يقولون أليست أيام مرسي أفضل. إذن لديك مشكلة موجودة. الأمر الثاني انخفاض منسوب الشرعية يؤدي إلى التفكير عن البدائل".

ويستدل السناوي على رؤيته، "أذكر أن أحد الشخصيات المحسوبة على التيار المدني كتب حول أن الإخوان المسلمين مكوّن رئيس في أي جبهة للتغيير، وهذا أنا أختلف معه كلية وكثيرون يختلفون معه في القوى المدنية، لكن حينما ألقيت نظرة على التعليقات على ما كتب، وجدت تقريباً 95 في المئة موافقين على هذا الطرح، وهؤلاء من الجمهور العادي، وهذا معناه فشل ذريع للسياسات الحالية في مواجهة الإخوان المسلمين، فشل ممزوج بحالة من عدم الاستعداد للنقاش".

ثم يتابع، "قلت منذ فترة قصيرة على التلفزيون المصري أننا سنفاجأ بأن الإخوان المسلمين فوق رؤوسنا، السياسة الحالية خاطئة، لا تفكير سياسي، ولا فهم سياسي، توجد عصبية زائدة، شتائم، إضعاف للقوى المدنية، بالتالي البلد أصبح في وضع هش، وتلك الهشاشة تجعل كل شيء محتملاً، وعليه عودة الإخوان المسلمين لم تعد مستحيلة، ومن يقول غير ذلك يتجاهل الحقائق، ولا يريد فهمها، من البداية أنت تصرفت بشكل خطأ، إذا أردت أن تتصرف بشكل صحيح اقرأ ماذا يقول الدستور، الدستور بشكل واضح يمنع إنشاء أحزاب على أساس ديني، ويمنع خلط الدين بالسياسة، لكن أنت (السلطة) تخلط الدين بالسياسة، كي تقيم دولة مدنية حديثة عليك أنت أولاً أن لا تخلط الدين بالسياسة".

وعقب إطاحة الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي إبان ثورة الـ30 من يونيو (حزيران) حظرت السلطات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، وصنفت التنظيم "إرهابياً"، وألقت القبض على قيادات  الإخوان لاتهامهم "بممارسة العنف والتحريض على الإرهاب".

"إنجازات" ولكن

في ظل هذا الاستقراء، لم ينكر السناوي، وجود إنجازات ملموسة حققها الحكم الراهن في البلاد، لكن تكمن الإشكالية في "تغييب السياسة"، "دعونا نتساءل: هل النظام الحالي ليست له إنجازات؟ لو سألت الناس في الشارع غالباً سيقولون لا، ليست له إنجازات، إنما الحقيقة له إنجازات حقيقية في البنية التحتية، وتطوير العشوائيات، وبناء المساكن، وغيرها من المشروعات. يبقى السؤال ما الذي جعل الإحساس العام لدى الشارع بأنه لا توجد إنجازات وكراهية الحاضر؟ في رأيي السبب الرئيس يكمن في تغييب السياسة. حتى ما أنجزه النظام لا يجد الصدى المناسب له، لأننا نعاني جفافاً سياسياً، وقمع وتنكيل، وبيئة عامة توحي بأن هناك توحشاً للفساد، ولا مواجهة لهذه الأفعال".

ويتابع السناوي، "مثال آخر تجمع بريكس وانضمام مصر (انضمت ضمن 6 دول للتجمع خلال قمته الشهر الماضي)، منذ عام 2014 كتبت مقالات عن مكان مصر الطبيعي هو بريكس (تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، انظر إلى الدول المؤسسة للبريكس الهند صديق تاريخي لمصر في عدم الانحياز، الصين مصر من أدخلتها الاعتراف الدولي وساهمنا في فك الحصار عنها، جنوب أفريقيا مصر لعبت أوسع الأدوار في تحريرها. البرازيل لدينا تعاطف لاتيني بشكل عام مع مصر. إذاً مكان مصر الطبيعي مع هؤلاء بإرثك التاريخي وليس بالواقع الحاضر. أنت لم تنضم لأن لديك حجماً اقتصادياً كبيراً سيدعم القوة الصاعدة الدولية التي توازن التجمعات الغربية، لا أنت انضممت لاعتبارات جيوسياسية، وزن مصر التاريخي والجغرافي، هذه هي الحقيقة".

ثم يضيف، "انضمام مصر إلى بريكس إنجاز حقيقي يمكن البناء عليه مستقبلاً، لكن غالبية المصريين قابلوا الانضمام بالتندر، ساعد في ذلك بناء صورة سلبية عنه تصريحات لمسؤولين مصريين حول أن بريكس لديه بنك، وبإمكاننا الاقتراض منه. ليس معقولاً أن يخرج مسؤول بهذه التصريحات. إذا أراد مسؤول أن يسيء إلى بلده لن يقول أكثر من ذلك. وهذا يوضح مشكلة موجودة في مصر بأننا ليس لدينا وزراء سياسيون، المسؤول صاحب التصريحات لا يدرك أهمية انضمام مصر إلى بريكس، وبينما أصحاب قرار الانضمام فكروا في قيمة مصر فإن من يمثلنا هناك فكّر في القروض، حيث يجب أن يرفع من شأن بلاده خفض وزنها، وهذا يكشف أن مصر لديها مشكلة في السياسة العامة".

وعلى هامش القمة الأخيرة للتكتل التي استضافتها مدينة جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، قال رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي الذي مثل بلاده في القمة، أن دخول "مصر كشريك وعضو أساسي في بريكس سيحقق عديداً من المزايا أهمها فتح آفاق الحصول على تمويلات وقروض ميسرة لاستكمال المشروعات الرئيسية"، وذلك وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية.

حوار وطني "جاد" أم "مكلمة"

وفي ما يتعلق بالحوار الوطني، الذي انطلقت أولى جلساته فعلياً في مايو (أيار) الماضي، عقب أكثر من عام على دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 26 أبريل (نيسان) 2022، قبل أن يجري تعليق جلساته "موقتاً" قبل أيام لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية "حرصاً على توفير المناخ (الإيجابي الملائم) لكل الأطياف التي شاركت فيه؛ للمساهمة بحرية كاملة في العملية الانتخابية، من دون تأثير عليهم"، بحسب ما أعلنت الأمانة العامة للحوار. يقول السناوي "لا أحد في مصر اعترض جدياً على فكرة الحوار الوطني، لكن المشكلة كانت في جدية الدعوة، ثم في طبيعة الحوار نفسه، وليست فكرة الحوار ذاتها. فكرة الحوار مقبولة، وأظن أن قرار القوى المدنية التي وافقت على المشاركة كان صحيحاً، على الأقل أسهموا في الإفراج عن أكثر من ألف شاب من السجون، على الأقل أيضاً جرى قدر ولو ضئيل من التنفس السياسي في وسائل الإعلام لم يطل العهد به".

يستذكر السناوي، حواراً دار بينه وبين مدير تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، آرثر سالزبرغ، الذي وصفه بأحد "أهم صحافيي" الولايات المتحدة الأميركية، حين زار مصر لفترة وجيزة قبل أكثر من عام، "عندما أعلنت دعوة للحوار الوطني جاء (سالزبرغ) إلى القاهرة، لـ48 ساعة، وطلب مقابلة شخصية صحافية مستقلة، كي يسألها حول الحوار الوطني والرهان عليه، فكنت أنا من جلست معه، سألته سؤالاً واحداً بعد حوار صريح طويل جداً بيننا. قلت له: هل من الممكن أن يتغير موقف (نيويورك تايمز) من النظام الحالي إذا ما مضى الحوار الوطني إلى آخره؟ رد عليّ بجملة مفيدة ومنيرة، قال (نيويورك تايمز) لن تشارك في خدعة. وقتها أدركت ثقل الصورة السلبية في ملف الحريات وحقوق الإنسان في مصر".

ثم يتابع: "على مدار شهور الحوار الماضية، لو نظرت تقريباً لم يأت أحد من الصحافيين الأجانب لمتابعته، توجد صورة سلبية عميقة، كي تغيرها وتفتح أفقاً سياسياً للبلاد يساعد في حل أزمتها الاقتصادية تحتاج إلى أن تبذل مجهوداً أكبر. قرارات الإفراجات عن المسجونين لم تكن عبقرية. أقصد أنه لم يكن من الصعوبة أن تجري حصراً كاملاً للمعتقلين السياسيين المدنيين، الذين لم يتورطوا في عنف أو إرهاب، وتفرج عنهم مرة واحدة أمام العالم. هذا ما فعله عبد الناصر مع الشيوعيين، وأذاع الخبر متعمداً من لوموند الفرنسية، كانت لديه أهداف استراتيجية، منها تحسين العلاقات مع باريس، وتغيير صورة النظام المصري وقتها. إنما جاءت إفراجات بالتقسيط وتردد في إجرائها ومفاوضات مع القوى المدنية بشأنها بالتالي أنت كنظام حينما تستجيب إلى بعض الطلبات وتجري بعض الإفراجات فإنها تفقد أثرها الحقيقي".

ويعود السناوي مرة أخرى للحديث عن "نيويورك تايمز"، "الأسوأ من أن الناشر قال إن الصحيفة لن تشارك في خدعة، حينما يأتيك في مصر واحد من أهم المتداخلين في صناعة القرار الأميركي، وله وزن حقيقي، ويتقدم رسمياً بطلب لإجراء حوار صحافي مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولم يرد عليه أحد حتى الآن. أتيحت لك فرصة (نيويورك تايمز) موقفها من النظام سلبي، وتريد أن تحاورك، كان من المفترض أن يقابل الطلب بكل ترحاب، ونمنحه حرية السؤال، ونحن نستعد للإجابة، والأهم أن تكون لدينا إجراءات جادة نعلنها من خلال هذا الحوار عبر أكثر صحيفة موقفها سلبي تجاهك".

ثم يتابع: "الحقيقة أنت كنظام لم تكن لديك إجراءات، ولا الاتجاه إلى الإفراج عن السجناء، ولم تلتزم بما تعهدت به أنت نفسك من قبل، وهذا هو الأخطر، في الوثيقة الوطنية لحقوق الإنسان، أجرينا مؤتمراً وصغنا وثيقة، وتعهدت بتعديل قانون الحبس الاحتياطي، وتعهدت بأمور كثيرة، ولا أي من تلك الوعود نفذت. هنا في مشكلة في المصداقية، في مشكلة بإيقاع القرارات بأنها بطيئة ومرتبكة، فحينما تصدر قراراً إيجابياً تتبدد سريعاً وتتحول فكرة الحوار الوطني إلى شيء غير جاد أو عبثي بلا قيمة. آخر فرصة للإنقاذ هي أن تكون هناك مخرجات واضحة ومحددة".

وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2021، أطلقت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بهدف النهوض بهذا الملف من خلال تعزيز احترام وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين.

ويرى السناوي أن ما يتوجب أن تشمله مخرجات الحوار الوطني، "ما يتعلق بقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الانتخابات، إذا كنت ستجري قائمة مطلقة وتسيدها، فهنا لا يوجد حوار وطني، وكان خدعة حقيقية، وأنت لم تكن جاداً في الدعوة، لأن وقتها قواعد اللعبة السياسية في مصر سوف تستمر، تعين أعضاء المجلس النيابي بغرفتيه (نواباً وشيوخاً)، بالتالي أنت تقول إنه لا توجد سلطة تشريعية لها مصداقيتها واحترامها، ومعنى ذلك أننا سنعود إلى نفس المربع، وأن المؤسسات المصرية ليست مؤسسات سياسية بقدر ما هي مؤسسات أمنية، وهذا معناه أنك تنسف كل شيء. إذا لم تكن هناك نسبة واضحة ومحددة للقوائم النسبية فنحن أمام مشكلة. والقوائم النسبية جربناها في مصر من قبل وهي الوسيلة الوحيدة لتنشيط الحياة السياسية واختبارها، ويكون لدى البلد كوادر من خلال البرلمان تتحمل مسؤولية المستقبل. أرى أن الحوار الوطني في ما يتعلق بهذه النقطة لم يستقر على شيء، وخرجوا على الرئيس بثلاثة مقترحات، ماذا يعني هذا؟ وأي حوار وطني هذا حينما تقول للرئيس لدينا ثلاثة اقتراحات؟ إذن السلطة التنفيذية هي التي ستختار"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد تعويل كبير على الحوار الوطني، أي أن هناك فتوراً في متابعته على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي والدولي، لا أحد يتحدث عن الحوار الوطني، ولا أحد يعول عليه أن يُحدث فارقاً في الحياة السياسية المصرية".

إفراجات بـ"التقسيط"

وبحسب السناوي، "توجد أمور لا تحتاج إلى كلام كثير، ملفات ملغمة كثيرة تحتاج إلى الوضوح، وإلى أن تكون هناك إجراءات واضحة أمام الرأي العام؟ مثلاً الإفراج عن المعتقلين السياسيين، لا أنكر جرت إفراجات بالطبع، أكثر من ألف سجين سياسي من القوى المدنية أفرج عنهم، وهذه الإفراجات أعتبرها من المخرجات غير المباشرة للحوار الوطني، توجد مخرجات غير مباشرة لذلك الحوار، أولاً يوجد تحسّن بسيط، لكنه ملحوظ في البيئة العامة، أقصد حرية الكلام بشأن الحديث في الشأن العام المصري، الأمر الثاني الإفراج عن المعتقلين، لكنها بالطبع محدودة ومقيدة، فكرة الإفراج بالتقسيط أو بالتنقيط أساءت إلى عملية الإفراج ذاتها، مثلاً الإفراج أخيراً عن الناشط أحمد دومة، أي متابع لاحظ الصدى الكبير الذي أحدثته عملية الإفراج في الشارع المصري، أين كانت المشكلة على مدى السنوات الماضية التي أدت إلى تعثر عملية الإفراج؟".

وخلال الأشهر الأخيرة، أفرجت السلطات المصرية عن عشرات المحبوسين، عبر لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تشكيلها لهذا الغرض، بالتوازي مع دعوة الرئيس المصري إلى الحوار العام الماضي، غير أن قوى المعارضة "اعتبرت أن الأعداد التي أفرج عنها غير مرضية، ولم تعكس بعد جدية السلطات في الحوار الذي أطلقته".

وتساءل السناوي: "أين كانت المشكلة حتى تتأخر تلك الإفراجات؟ هناك إفراجات عن معتقلين وفي المقابل أناس آخرون يدخلون السجون، ما أساء إلى الصورة العامة للإفراجات، إذاً من المخرجات غير المباشرة للحوار الوطني الإفراج عن المعتقلين لكنها جاءت بصورة ناقصة ومشوهة فاقدة زخمها وتأثيرها".

حرية الصحافة "تطيل عمر الأنظمة"

وانتقالاً من الحوار الوطني وقضاياه إلى ملف الحقوق والحريات ومنها حرية الصحافة والإعلام في مصر، وفق السناوي فإن "حال الصحافة المصرية (يصعب على الكافر). على رغم كونها واحدة من أهم المدارس الصحافية في الشرق الأوسط لا يضاهيها باستثناء التجربة اللبنانية".

ويوضح السناوي، "لدينا مدارس متعددة مدرسة الأهرام، الأخبار، روزاليوسف، وهذه المدارس تختلف في العمل الصحافي، من حيث العناوين وما إلى ذلك. كل ذلك الآن انمحى مع تدهور الصحافة الورقية. على سبيل المثال أنا أشتري 4 صحف في اليوم منهم جريدة عربية. وتصادف أن بائع الجرائد الذي يأتيني بالصحف غاب أسبوعاً، صراحة لم أشعر بأي فرق. لدرجة أنني فكرت في أن أوقف الاشتراكات. لا إضافة ولا شعور بفقد المعلومات الأساسية حينما غاب بائع الصحف".

وبحسب السناوي فإن ما قاله في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "لا توجد صحيفة في مصر تحتمل 10 في المئة منه. على رغم أننا نتكلم حرصاً على البلد ومستقبلها ونحاول أن نرشد الخطى المتعثرة لعل البلد يقف على قدميه من جديد ويتجنب أي أخطار قد تهدده. لكن لا يوجد قبول". مشدداً على أن "حرية الصحافة لا تسقط النظم. هذا وهم تكرّس في يناير وفي يونيو. الذي يسقط النظم انسداد القنوات السياسية والاجتماعية وانسداد الأمل في المستقبل والفساد المستشري. هذا ما يسقط النظم وليس حرية الصحافة. بالعكس كثيرون يعتقدون أن حرية الصحافة وصحيفة (العربي) التي ترأست تحريرها هي التي أسقطت نظام مبارك. هذا الكلام غير صحيح. بالعكس حرية الصحافة أمدت في عمر نظام مبارك من 2005 إلى 2011، نظام مبارك كان قد انتهى إكلينيكياً في 2005. ومن أمد بقاءه حرية الصحافة عبر الأمل في تغيير النظام من الداخل".

وأضاف "حرية الصحافة من مصلحة النظام الحالي وأي نظام حكم. حرية الصحافة تمنح الأمل في التغيير الديمقراطي، أمل في الوسائل السلمية، أمل تغيير من الداخل من دون عنف أو إرهاب أو ثورات أو انتفاضات. وأملنا على الأقل في أن يتسع هامش الحريات الصحافية في مصر".

وبحسب أحدث تقرير لمؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، 2023، احتلت مصر المرتبة 166 عالمياً في مؤشر حرية الصحافة من 180 دولة، وجاءت في المركز السابع عشر عربياً.

المزيد من حوارات