Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يكمن التهديد الإرهابي وراء انقلابات بوركينا فاسو؟

"يجب أن نتعلم كيف نعيش على الطريقة الأفريقية"

الجهود التي تبذلها حكومة تراوري بإحراز تقدم في تطوير قدرات الجيش ليست كافية في ظل الهجمات الإرهابية المتواصلة (غيتي)

ملخص

على رغم الجهود التي تبذلها حكومة تراوري فإن الوضع الأمني في بوركينا فاسو لم يتحسن بشكل ملحوظ منذ انقلابه على دميبا تويتر

تتقاذف دول غرب أفريقيا تيارات قوية ومتتالية من الانقلابات والمحاولات الانقلابية، ما يستلزم كسر دورتها المكونة من مزيج من تناقضات التاريخ السياسي المتنوع لدول المنطقة. وبوركينا فاسو ضمن دول الساحل الأفريقي الساعية للتغيير على طريقتها الخاصة، لم يكن كافياً حدوث انقلابات عدة، أو تغيير ديمقراطي موقت، أو فترة انتقالية غير محددة، فقد شهدت البلاد، منذ استقلالها عن فرنسا، عام 1960، حوالى سبعة انقلابات ناجحة ومحاولات انقلابية عدة فاشلة، آخرها ما أعلنته الحكومة الانتقالية التي يترأسها المجلس العسكري في بوركينا فاسو، بأنها أحبطت "محاولة انقلاب" في 26 سبتمبر (أيلول)، وجاء في البيان أن "الانقلاب نفذه ضباط خططوا لزعزعة استقرار البلاد بمهاجمة مؤسسات الجمهورية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى"، وأفاد بأنه "تم القبض على ضباط وفاعلين مفترضين متورطين في هذه المحاولة لزعزعة الاستقرار، وتم البحث عن آخرين".

 

تعود اليوم "بلد النزيهين" (الطاهرين)، وهو الاسم الذي أطلقه عليها الرئيس توماس سانكارا، عام 1984، لتطبق مقولة هذا الثائر الماركسي "يجب أن نتعلم كيف نعيش على الطريقة الأفريقية، إنها الطريقة الوحيدة للعيش بحرية وكرامة"، وظل سانكارا ملهماً لشعب بلاده وقادته العسكريين، وهو الذي حكم البلاد من عام 1983 إلى عام 1987، ولكن اغتاله رفيقه السابق بليز كومباوري مع 12 من رفاقه العسكريين في انقلاب دموي عليه بمساعدة فرنسية في العام ذاته، وبعد استلام كومباوري الحكم غير سياسات سانكارا اليسارية، ولكن في ما يبدو عادت الآن متمثلة في اعتقاد التيار العسكري الذي يضع "الإمبريالية" موضع حربه، كما يصفها سانكارا أيضاً بأنها "استغلال لا يحدث فقط في الشكل الوحشي لمن يأتون بالبنادق لغزو الأراضي، وإنما يمكن أن تكون في شكل قروض أو مساعدات غذائية أو ابتزاز"، كما تشير إليها مظاهر تقديس الزعيم الثوري سانكارا، إذ أعاد المجلس العسكري بقيادة الرئيس إبراهيم تراوري دفن جثة سانكارا إلى جانب 12 من رفاقه في المكان الذي اغتيلوا فيه قبل ما يقرب من 36 سنة في واغادوغو، في فبراير (شباط) الماضي، وهذه المظاهر تفسر الخصومة مع المستعمِرة السابقة (فرنسا) والعداء المطلق مع الغرب، والتقرب من روسيا والاستعانة بقوات "فاغنر" شبه العسكرية.

مسيرة الانقلابات

 لم تمض مسيرة كومباوري بسلاسة على رغم أنه أجرى انتخابات في الأعوام 1991 و1998 و2005 و2010، فقد انتفض الشعب عليه، عام 2014، احتجاجاً على محاولاته تغيير الدستور للسماح له بالترشح لولاية خامسة وتمديد سنواته الـ 27 في منصبه، وأُطيح بكومباوري ونُصب القائد الأعلى للقوات المسلحة يعقوب إسحاق زيدا خلفاً موقتاً له، لكن المعارضة رفضته فقبل بمنصب رئيس وزراء انتقالي، واختير ميشال كافاندو سفير البلاد السابق في الأمم المتحدة رئيساً للفترة الانتقالية وفاز في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وبقي في المنصب عاماً واحداً، إذ نفذ الحرس الرئاسي انقلاباً عليه في سبتمبر 2015، وأعلن رئيس الحرس الجنرال جيلبرت ديندري، الذراع الأيمن لكمباوري، نفسه رئيساً للبلاد. ولكن تمت السيطرة على الانقلاب وانتخب روش مارك كريستيان كابوري في العام نفسه، واستمر في الحكم وأعيد انتخابه عام 2020.

 

وواجهت حكومة كابوري احتجاجات منتظمة بسبب ضعف تعاملها مع أزمة الهجمات المسلحة المستمرة، ورضوخاً لصوت الشارع. وبعد تصاعد الأزمة الأمنية، أزاح كابوري، في ديسمبر (كانون الأول) 2021، رئيس الوزراء كريستوف جوزيف ماري دابير من منصبه، ولكن لم تتوقف الاحتجاجات التي طالبت الرئيس كابوري بتقديم استقالته، ليقفز إلى السلطة اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا عبر انقلاب عسكري ويزيحه من منصبه في يناير (كانون الثاني) عام 2022، واستمر داميبا رئيساً موقتاً، وفي 30 سبتمبر من العام نفسه، نفذ النقيب إبراهيم تراوري انقلابه على داميبا.

قبل أشهر قليلة من الانقلاب على داميبا، كان قد عين تراوري خلفاً له، رئيساً لفوج المدفعية في منطقة كايا العسكرية الأولى على بعد 100 كيلومتر من العاصمة واغادوغو. وفي أعقاب الانقلاب، أعلن تراوري نفسه الرئيس الجديد لـ"الحركة الوطنية للحماية والإصلاح" وهي الهيئة الحاكمة للمجلس العسكري، وتولى منصب الرئيس الموقت بصفته "رئيس الدولة، الرئيس الأعلى للقوات المسلحة"، ووعد بإجراء انتخابات ديمقراطية في يوليو (تموز) 2024، ومنذ ذلك الوقت، ظل تراوري الرجل القوي في واغادوغو، نفذ انقلاباً وصد آخر ما يعني إمساكه بالخيوط السياسية في البلاد، ولكن ربما يكون للخيوط الأمنية المتشابكة حول سلطته حديث آخر.

تحالف الانقلابيين

وتشكل محاولات الانقلاب خطراً قائماً مستمراً عبر "حزام الانقلابات" في أفريقيا الذي يمتد عبر منطقة الساحل، وترتبط الظروف السياسية في مالي وغينيا والنيجر والغابون وبوركينا فاسو ارتباطاً وثيقاً بالماضي والحاضر المضطربين في كل دولة، ويشير متخصصون إلى أن حصة هذه الدول من التهديد الأمني أكثر حدة وتعقيداً في الوقت الحالي، ويعود تاريخ انطلاق شرارتها إلى الإرهاب في مالي عام 2012، وأن انعدام الأمن، يخلق حكماً محلياً ضعيفاً تعمل الحركات الإرهابية على محاولات سده ما يضفي الشرعية على مدبري الانقلابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لعالم الاجتماع المالي علي تونكارا "تعد الأزمات الأمنية أرضاً خصبة للانقلابات، وكذلك الافتقار إلى نزاهة القادة"، ويرى أنه "من غير المستغرب أن المجتمع البوركينابي لم يحشد قواه بشكل عام ضد الانقلاب الأخير الذي نفذه  تراوري على داميبا، ومن قبله انقلاب داميبا على الرئيس المنتخب كابوري، وليس لدى المجتمع ثقة كبيرة في مؤسساته الديمقراطية لأن الثقة بتلك المؤسسات لا تتطلب شخصيات متخصصة وذات مبادئ على القمة فحسب، بل تتطلب أيضاً الوقت للتطور، والتناوب الإيقاعي لنقل السلطة لطمأنة المواطنين على أن أصواتهم مهمة".

ويلخص الباحث الغيني في العلاقات الدولية أمادو سادجو باري "في المجتمع الديمقراطي، المؤسسات هي التي تحل النزاعات، وفي هذه الدول التي حدثت فيها انقلابات، فإن الأطر القضائية والمؤسسية ليست فعالة، تبدو ظاهرة الانقلابات دائمة، ومن المحتم أن تعود إلى الظهور بمجرد ظهور أزمة جديدة، ومع ذلك، تظهر الأدلة التاريخية أن أياً من هذه الافتراضات غير صحيح على الدوام، عادة ما تكون للانقلابات آثار مدمرة على الثقافة الاجتماعية والسياسية، وهو الاتجاه الذي استمر في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، ومع ذلك في الوقت نفسه، من الواضح أنه من الممكن لدول غرب أفريقيا أن تنتقل إلى ما بعد دورة الانقلاب نحو تقليد أكثر استدامة يركز على المواطن"، ويضيف "على رغم الجهود التي تبذلها حكومة تراوري، فإن الوضع الأمني في بوركينا فاسو لم يتحسن بشكل ملحوظ منذ انقلابه على دميبا، وتواصل الجماعات الإرهابية السيطرة على الأراضي في المناطق النائية من البلاد، ما يؤدي إلى الإضرار باقتصاد بوركينا فاسو بسبب الحصار، ومع أنه لوحظ التقدم في تطوير قدرات الجيش، لكن هذا ليس كافياً".

بؤرة الأزمة

على مدى السنوات الخمس الماضية، تشير التقديرات إلى أن الجماعات الإرهابية سيطرت على ما يصل إلى 40 في المئة من أراضي بوركينا فاسو، ما أدى إلى إغلاق 2500 مدرسة وأكثر من مليون نازح داخلياً.

وقال الباحث في دراسات السلام ومكافحة الإرهاب بيلي أوغواندا "حتى عام 2015، ظلت بوركينا فاسو، بمنأى عن الجماعات الإرهابية التي انتشرت في منطقة الساحل، وقبل عام 2015، كانت تعد جزيرة استقرار، وأنه بفضل تاريخها الحافل بالتسامح الديني كانت مؤهلة لأن تكون بوركينا فاسو معزولة نسبياً عن التحالفات الإرهابية المجزأة العاملة في البلدان المجاورة مثل مالي"، وأضاف مستدركاً "ومع ذلك، وفقاً لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، أصبحت بوركينا فاسو بؤرة للأزمة في منطقة الساحل، لتحتل المرتبة الثانية بعد مالي، وينعكس التأثير التراكمي لعدم الاستقرار هذا في مؤشر الدول الهشة لعام 2023، حيث سجلت بوركينا فاسو أعلى درجاتها في تاريخ المؤشر الممتد 18 عاماً، واحتلت المرتبة 21 برصيد 94 نقطة من الحد الأقصى المحتمل وهو 120، ومن خلال النقاط الـ12 التي يرصدها المؤشر، تدهور وضع بوركينا فاسو ووصل إلى 10"، وتابع أوغواندا "بسبب تزايد وتيرة الهجمات القاتلة، شارك الجيش البوركينابي في عمليات مكافحة التمرد ضد الجماعات المتطرفة التي تحتل جيوباً من الأراضي غير الخاضعة للحكم منذ عام 2015، ويعتقد أن الحكومة تسيطر على ما يزيد قليلاً على 50 في المئة من أراضي البلاد، على رغم أن الرقم الفعلي يمكن أن يكون أقل من ذلك"، وزاد "تشير التقديرات إلى أن عدد الهجمات التي نفذها المتشددون زادت على مدار العام، إذ قُتل أكثر من 1135 شخصاً بحلول ديسمبر من عام 2022، وهو ما يزيد بنسبة 50 في المئة على إجمالي الوفيات المسجلة في عام 2021، وفي هذا العام قتل أكثر من مليوني شخص، وهجر كثير من الناس".

صد الهجمات

في خضم نشاط الإرهاب خلال السنوات الماضية، كان النقيب تراوري يشار إليه بالبنان لشجاعته في صد هجمات المتمردين الإرهابيين في منطقة تمبكتو شمال مالي كأحد جنود "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" "مينوسما"، وقاتل تراوري في "هجوم أوتابوانو" عام 2019 وعديد من عمليات مكافحة التمرد الأخرى في شمال مالي، كما يقال إنه كان مرتبطاً بوحدة مكافحة الإرهاب الخاصة "كوبرا" التي تأسست عام 2019، ولما كانت بوركينا فاسو متأثرة بالعنف الذي نفذته الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر منذ عام 2015، وإزاء عجز داميبا وعدم قدرته على احتواء التمرد، قام تراوري بالاستيلاء على السلطة لهذا السبب المعلن.

وبحسب الصحافي سيمون غونغو، في صحيفة "أفريكا نيوز"، وصف محاولة الانقلاب الحالية بأنها "تمرد جنود من فيلق النخبة، ينتمون إلى وحدة كوبرا التي كان ينتمي إليها تراوري للمطالبة بظروف معيشية وعمل أفضل، كما أن هناك مللاً وسط المقاتلين في القوات الخاصة، وهي التي تقوم بالعمليات على الأرض، وتتم كل العمليات واسعة النطاق من قبل هذه القوات الخاصة، التي ثارت بعد الهجوم الإرهابي على قافلة دجيبو، الأسبوع الماضي، عندما أعلنت الحكومة مقتل 11 جندياً".

حجة قوية

مثل عجز الحكومة البوركينية عن وقف الهجمات المسلحة حجة قوية لدى الانقلابيين لمحاولة تنفيذ عمليتهم الأخيرة، فقد ذكر المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية أنه "بعد انقلابين عسكريين في عام 2022، تحركت الجماعات الإسلامية المسلحة في بوركينا فاسو لتطويق واغادوغو تاركة وراءها سلسلة من أعمال العنف غير المسبوقة"، وتوقع المركز أنه "في ظل المسار الحالي، من المتوقع أن يقتل ما يقدر بنحو 8600 شخص في أعمال عنف مرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة هذا العام، ويمثل هذا زيادة بنسبة 137 في المئة عن العام السابق الذي شهد آلافاً من الوفيات، ويتزامن الارتفاع في عدد القتلى مع ارتفاع في عدد الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية"،  وأورد المركز أنه "في عام 2023، يرتبط كل حدث عنيف بخمس حالات وفاة في المتوسط، ويعد هذا تصعيداً كبيراً مقارنة بالعام السابق، الذي شهد نحو ثلاث حالات وفاة لكل حدث عنيف، وانتشر العنف المنسوب إلى الجماعات الإسلامية المتشددة بشكل كبير، وشمل نحو 6980 كيلومتراً من الأراضي مقارنة بـ 4780 كيلومتراً قبل الانقلاب العسكري الأول، في عام 2022، أي بزيادة قدرها 46 في المئة. وفي حين تتمتع واغادوغو بميزة دفاعية من موقعها على هضبة مرتفعة، فإن هذا الانتشار يهدد بقطع العاصمة عن خطوط النقل والطرق التجارية الرئيسة من موانئ توغو وبنين إلى بوركينا فاسو والنيجر".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل