Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القوة أسرع من القضاء لتحرير الودائع في المصارف اللبنانية

يوجد علامات استفهام حول أداء بعض الجمعيات التي تدافع عن المودعين

 وعورة المسار القضائي تحول دون حصول المودعين على حقوقهم (اندبندنت عربية)

ملخص

 الأحكام القضائية بحق المصارف اللبنانية لا تسلك طريق التنفيذ مما يفتح الباب أمام تكرار ظاهرة استيفاء الودائع بالقوة

عاد مسلسل تحرير الودائع بقوة السلاح إلى ساحة الكباش بين المصارف والمودعين، حيث تمكن المودع م.عيسى، أمس الثلاثاء، من الدخول شاهراً سلاحه إلى فرع "بنك البحر المتوسط" في البقاع، وحصل على 5200 دولار أميركي قبل تسليم نفسه إلى القوى الأمنية.

جاءت خطوة المودع عيسى في وقت ازدادت علامات الاستفهام حول موقف القضاء اللبناني من مخالفات المصارف، وأداء الجمعيات عديدة للمودعين التي بلغت حد الاتهام الصريح بالتقصير والتواطؤ ضد أصحاب الحقوق.

فرنسبنك إلى الواجهة

يوماً بعد يوم، تتعقد مسألة استعادة المودعين لودائعهم في لبنان. ففي موازاة الدخول المسلح إلى المصارف، أعاد الإعلام اللبناني إثارة ملف "تهريب الأموال إلى الخارج عقب "انتفاضة 17 تشرين الأول" التي أدت إلى شح الموجودات بالعملات الأجنبية لدى المصارف، وهذه المرة من بوابة اتهام ن. ق رئيس مجلس إدارة "فرنسبنك" بتهريب 400 مليون دولار في الفترة التي أعقبت ذلك التاريخ، في فترة شهدت إغلاق المصارف أمام المودعين، واحتجاز ودائعهم كاملة. وقد سبق ذلك، الادعاء عليه من قبل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان.

من جهتها، ردت إدارة المصرف ببيان أكدت فيه أنها آلت على نفسها التزام الصمت منذ بدء الأزمة الاقتصادية، متهمة إحدى المحطات التلفزيونية بالتشهير، ونشر خبر عار من الصحة. ولفت مصرف "فرنسبنك" أنه أودع بتاريخ 26 مايو (أيار) 2023 لدى النائب العام المالي علي إبراهيم التحاويل التي قام بها مجلس إدارة المصرف الحاصلة منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بحيث لم يتجاوز صافي التحاويل ستة ملايين دولار أميركي، علماً أن هذه التحاويل حصلت في فترة لم تكن ممنوعة بحسب المصرف.

القضاء والطريق المسدود

يبدو أن المسار القضائي وصل إلى طريق مسدود في ملف رد الودائع إلى أصحابها في لبنان. ويعود ذلك إلى أسباب عدة، البعض منها ذات طبيعة قانونية، وأخرى واقعية بسبب طبيعة النظام والثقافة القائمة.

فمن الناحية القانونية، تعتبر الأحكام القضائية مصدراً أساسياً غير رسمي للقاعدة القانونية، ويسودها مبدأ "نسبية أثر الأحكام القضائية". وهو يشير إلى أن الحكم لا يستفيد منه، أو يضار إلا من كان خصماً في الدعوى. وهذا يفسر عدم استفادة المودعين من بعض الأحكام القضائية التي صدرت ضد مصارف لبنانية في الداخل والخارج، والتي ألزمت المصارف برد الودائع بالعملة الأجنبية إلى أصحابها. لا بل، إن المصارف كانت تتذرع بذلك، مؤكدة أن إعادة الودائع كاملة لبعض المودعين –أصحاب الأحكام القضائية- من شأنه حرمانه الآخرين من حقوقهم في ظل محدودية الموارد المتوفرة في خزائنها.

 التشكيك بالجمعيات

من جهة أخرى تزدحم الساحة بالجمعيات المطلبية التي تحمل "لواء الدفاع عن حقوق المودعين". واكتسب بعضها شهرة كبيرة على صعيد الحراك الميداني، فإن غياب النتائج المحسوسة من الناحية المادية، أدت إلى ارتفاع الأصوات المنتقدة والمعترضة على أدائها. ومن خلال رصد بعض المجموعات الخاصة بالمودعين، تبرز دعوة للتخلي عن الجمعيات لأن "حلحلة قضية المودعين لا تحتاج إلى جمعيات وروابط، بل إلى مجموعات صغيرة مدربة، ومحترفة". وهناك من يتهم بعض هذه الجمعيات بـ"استخدام المودعين واجهة لنافذين من أجل تحصيل منافع الخاصة".

الخلل في ثقافة المحاسبة

نقطة أخرى، لا تقل أهمية عما سبق، تزيد من حال المراوحة، وهي"عدم التوصل إلى ادعاء جماعي ضد المصارف"، بسبب غياب الجسم النقابي الموحد الذي يمثل المودعين، وعدم إمكان الاستفادة من مزية "تمتع النقابات بالصفة للادعاء والمطالبة بحقوق منتسبيها".

من جهته، يسلط المحامي رامي عليق الناشط في تجمع "متحدون" الضوء على الفشل الذريع الذي بلغته الجهود لحض المودعين على تقديم دعاوى شخصية ضد المصارف، متحدثاً عن عوامل سلبية، يأتي في مقدمتها "غياب ثقافة المحاسبة في لبنان"، حيث "لم تتجاوز دعاوى المودعين الـ0.1 في المئة من مجموع المودعين"، و"فضل كثيرون الأساليب الملتوية والتسوية مع المصارف للحصول على جزء من ودائعهم"، أو "اقتصرت احتجاجاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي"، كما يشير إلى تأثير الحملات الإعلامية للمصارف التي "ركزت على العامل النفسي، والتي أسهمت في دوامة التضليل، من خلال الحديث عن أثر الإفلاس على حقوق المودعين"، وكذلك، تثبيط همتهم من خلال "اتهامهم بضرب الاقتصاد اللبناني الذي تعتبر المصارف أبرز ركائزه". ناهيك، عن "عدم وجود هيئات تمثيلية صحيحة للمودعين، وتناقض مطالبها في كثير من الأحيان، وعدم تقديم النصح، وهو ما يشكل خدمة لأصحاب المصارف"، وصولاً إلى "اختراق كثير من الجمعيات المصطنعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشدد رامي عليق على أهمية تأسيس "اتحاد المودعين في مصارف لبنان"، الذي حدد أهدافه بـ"العمل على تمكين المودعين من استعادة الودائع كاملة في المصارف اللبنانية، وتعويض الخسائر لا سيما لأصحاب الحسابات بالعملة الوطنية"، و"بذل الجهود للتواصل البناء بين المودعين في بيروت وسائر المناطق اللبنانية"، كذلك "تحفيز المودعين وكل من يدعم قضيتهم من محامين وممثلي هيئات وخبراء علميين من أجل الانخراط في عمل جماعي يعزز التواصل شبه المفقود بينهم"، و"المساهمة في إصلاح الخلل في القطاع المصرفي اللبناني الذي لا يقوم إلا بجناحيه: المصارف والمودعين".    

أين الدعاوى النقابية؟  

يقود الحديث عن جمعيات المودعين، إلى السؤال عن مصير "الدعاوى الجماعية التي كان من المقرر أن يقدمها اتحاد نقابات المهن الحرة ضد المصارف وصولاً إلى تعيين إدارة مؤقتة لها وبقوة القانون". ينطلق المحامي كريم ضاهر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين في حديثه من تحديد الأسباب التي حالت دون الوصول إلى خواتيم سعيدة للدعاوى ضد المصارف خلال السنوات الأربع الأخيرة، لافتاً إلى أنه "في البداية كان هناك توجه لرفع الدعاوى أمام "قضاة العجلة"، أو دوائر التنفيذ لإلزام المصارف دفع الودائع، وكان هناك استجابة كبيرة من قبل القضاة لمصالح المودعين، ولكن أدت طرق المراجعة والاستئناف التي لجأت إليها المصارف إلى وقف مفاعيلها حتى قبل وصولها إلى محكمة التمييز".

يذكر المحامي ضاهر بالاتفاق الذي توصلت إليه سابقاً نقابات المهن الحرة، والهادف إلى تقديم دعاوى ضد المصارف، بعد استنفاد الوسائل المتاحة للوصول إلى حل مشترك بانتظار الحلول البنيوية، وكذلك مطالبة مصرف لبنان المركزي بوضع اليد على المصارف لحل المشكلة بحسب الوسائل المتاحة قانوناً، مضيفاً "عندما لم يقم مصرف لبنان بواجباته، ولم يتخذ التدابير بوضع اليد، لذلك اضطرت النقابات إلى اللجوء للقانون 2/67 الذي ينص على قواعد التعامل عند التوقف عن السداد أو الدفع، والطلب من المحكمة المصرفية الخاصة لناحية مراجعة مصرف لبنان في تغيير إدارة المصارف، وحجز أموال أعضائها المؤسسين، وأعضاء مجلس الإدارة، والمديرين التنفيذيين ومفوضي المراقبة، وصولاً إلى التحقيق معهم لتحديد المسؤوليات، وتحديد إدارة مؤقتة ريثما يتم تعيين إدارة جديدة تمثيلية للمساهمين والدائنين، وأصحاب الاختصاص من أجل إنقاذ المصرف، أو الدمج، أو بيع الأصول وغيرها من الوسائل التي تحمي حقوق المودعين".

ينوه ضاهر إلى أن النقابات لجأت إلى القانون الذي أقر بعد انهيار "بنك إنترا" في عام 1967، ولكن بدأت المماطلة لأنه "لا يناسب مصالح المصارف وجمعيتهم، وحماياتهم السياسية النافذة"، ولأن ذلك يوصل إلى رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، وتتبع حركة أموالهم، و"هذا سيقود إلى كشف خيوط العلاقة التي تربط الجميع". يأسف ضاهر أنهم استخدموا كل الوسائل لوقف هذا المسار، و"من ضمن 18 نقابة، لم تستمر إلا نقابتا المحامين والمهندسين في ساحة المطالبة بتطبيق هذا القانون، فيما لم تقدم باقي النقابات على هذا الخيار".

ويلفت ضاهر إلى "المسار القضائي الوعر لأسباب مختلفة، كالاعتكاف القضائي، والعطلة القضائية، وتأخير الإدارات في أجوبتها، وطول أمد تبادل اللوائح والإجراءات". 

كلمة سر التعطيل

ينبه كريم ضاهر أيضاً إلى العامل السياسي، و"كلمة سر" التي أبلغها النظام السياسي - المصرفي إلى القضاء من أجل كبح الاندفاعة في مواجهة المصارف التجارية، تحت ذرائع مختلفة لمنع المودعين من الوصول إلى حقوقهم، مكرراً "تحت غطاء الحرص على قدسية الودائع يتم التسويف وإضاعة الوقت، ومنع الإصلاحات والتدابير القضائية، لتذويب القسم الأكبر من الودائع المشروعة، والإبقاء على ودائع النافذين وداعميهم لكي يستردوها من خلال وضع اليد على أصول الدولة عندما يحين الوقت". 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير