ملخص
كشفت إسرائيل عن خرائط وصور جوية تثبت قيام "حزب الله" ومن خلفه إيران، بإنشاء مطار للاستخدامات العسكرية في جنوب لبنان
لا تزال التصريحات الإسرائيلية عن مطار "عسكري" شيده "حزب الله" في الجنوب مثار غموض وتساؤلات، إذ لم يصدر عن الحكومة اللبنانية أو أي جهة سياسية أو أمنية رسمية، توضيحات إزاء ما عرضه الجانب الإسرائيلي الذي بدوره لم يضف أي تحديث على ما سبق أن كشفه وزير دفاعه يوآف غالانت من صور زعم أنها لمطار بنته إيران من خلال الحزب، في حين لم يصدر أي تعليق عن "حزب الله" حول القضية.
وفيما تؤكد مصادر محلية أن "مطار الحزب"، حقيقة ثابتة، طرح متخصصون وخبراء استفهامات عدة حول موقع "المطار" ومساحته وجدواه العسكرية، وصلت إلى حد التشكيك في ما إذا كان مطاراً فعلياً أم مجرد عملية إيهام وتمويه، ضمن الحرب اللفظية والإعلامية المستمرة بين الحزب وإسرائيل منذ حرب عام 2006، لا سيما وأن التخطيط وترسيم المدرج ومهبط المروحيات بهذا الشكل الواضح والمكشوف، يعطي انطباعاً أنه لو تأكدت الرواية الإسرائيلية فإن الحزب يتقصد كشف امتلاكه قدرات عسكرية وكأنه بات جيشاً نظامياً.
ويحاول "حزب الله" منذ أشهر، إبراز قدراته العسكرية بشكل علني، إذ أجرى مناورة عسكرية حية أمام وسائل الإعلام، كما كشف عن متحف ضخم يضم عدداً كبيراً من القطع العسكرية والدبابات والصواريخ.
وتزامن ذلك مع تصريحات للأمين العام للحزب حسن نصر الله أكد فيها امتلاك حزبه مفاجآت عسكرية.
حرب أهلية
وكان لافتاً ما نقلته وكالة "رويترز" حول المطار، عما قالت إنه مصدر غير إسرائيلي "على علم بالموقع"، إنه "يمكن أن يتسع المطار لطائرات مسيرة كبيرة بعضها مسلح، تشبه ما تنتجه إيران"، مضيفاً أن "الطائرات المسيرة التي قد تنطلق من هذا الموقع يمكن استخدامها في الأنشطة العملياتية الداخلية والخارجية"، لكنه ذكر أن "طبيعة مدرج الطيران واتجاهه يشيران إلى أنه سيستخدم داخلياً على الأرجح"، ما فتح النقاش حول أهداف إنشائه وإذا ما كان الحزب يبني منشآت عسكرية تحسباً لأي مواجهة عسكرية داخلية، في حين يؤكد "حزب الله" بشكل علني أن سلاحه موجه ضد إسرائيل وأنه يبني قدرات عسكرية رادعة بوجهها.
معسكر ضخم
في حين تداولت تقارير عدة أن المطار المزعوم أنشئ ضمن خراج بلدة "كفرحونة"، الواقعة في قضاء جزين (جنوب) على أراض تعود ملكيتها لأبناء البلدة، وأخرى مملوكة لدير القديس جاورجيوس "المزيرعة"، الذي يمتلك أراضي وعقارات شاسعة في المنطقة هو تابع لطائفة الروم الكاثوليك، أوضح أحد الكهنة الذين يترددون إلى الدير (طلب عدم كشف اسمه) أنه "منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، أقام الحزب معسكراً لتدريب مقاتليه في تلك المنطقة يمتد إلى خراج بلدة مشغرة في البقاع الغربي"، لافتاً إلى أنه "طُلب من المرجعيات الكنسية للطائفة تفهم حساسية الموقف الأمني للحزب وضرورة استخدام بعض الأراضي هناك"، مؤكداً "وجود مساحات لا يمكن دخولها إلا بإذن مسبق من الحزب، وقد وضعت آلية للتنسيق بهدف الوصول إلى بركة المياه وبعض الأراضي الزراعية".
وكشف الكاهن ذاته أنه "على المدى المرئي من الدير لا يمكن مشاهدة المطار أو أي منشأة عسكرية أو أعلام"، إلا أنه أكد "مرور آليات للأشغال وعمليات الحفر في محيط المنطقة منذ سنوات، حيث تسمع دائماً حركة مرور آليات"، لافتاً إلى أنه "منذ ثلاث سنوات تقريباً تراجعت المساحات التي تستخدم للزراعة في محيط الدير دون معرفة ما إذا كان الأمر منسقاً أو نتيجة شح المياه".
وأضاف أنه "أثناء الحرب الأهلية اللبنانية كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقيم موقعاً عسكرياً في محيط تلك المنطقة كونها تقع في مثلث استراتيجي بين قضائي جزين والنبطية من جهة وبين محافظتي البقاع والجنوب من جهة أخرى".
موقع إسرائيلي
أما رئيس اتحاد بلديات قضاء جزين خليل حرفوش، نفى أن يكون موقع المطار الذي تحدثت عنه إسرائيل ضمن قضاء جزين، موضحاً أنه صحيح أن بلدة كفرحونة تابعة للقضاء، إنما هي ضمن اتحاد بلديات الريحان (غالبية بلدياته محسوبة على الحزب). وكشف أن "تلة جبور" حيث يقع "المطار"، كانت عبارة عن موقع عسكري قديم لجيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل وبات تحت سيطرة "حزب الله" منذ عام 2000.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، كشف عن هذا المطار، خلال كلمة له في المؤتمر السنوي لمعهد "سياسة مكافحة الإرهاب" بجامعة "رايخمان" في هرتسليا، مؤكداً أن إيران تبني هذا المطار "لأغراض إرهابية" في منطقة "قلعة جبور"، التي تبعد 20 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية، مستعرضاً صوراً جوية تظهر رفع العلم الإيراني في المنشأة المرصودة، إلى جانب علم الحزب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التفوق الجوي
في السياق، شكك المحلل الاستراتيجي العميد ناجي ملاعب بالرواية، معتبراً أن رواية "وزير الدفاع الإسرائيلي تشكل مبالغة لتضخيم القضية لأغراض سياسية داخلية، في ظل الأزمة التي تمر بها حكومته، إذ يحاول تحويل الأنظار إلى عدو خارجي"، إذ برأيه "من غير الممكن إقامة مطار لحزب الله في هذا الموقع المكشوف بالنسبة إلى إسرائيل وعلى مسافة عشرين كيلومتر من الحدود معها".
ورأى أنه "في حال وجود المطار المزعوم، تكشف الصور التي نشرتها إسرائيل أنه ليس بالضرورة أن يكون مطاراً يستخدم لإقلاع وهبوط الطائرات متوسطة الحجم، كما ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي، إنما قد يستخدم هذا المطار للطائرات المسيرة ذات الأجنحة الثابتة"، مشدداً على أن الحزب ليس بحاجة إلى وجود مطار عسكري في لبنان، كونه موجود في سوريا، حيث يدير الحرس الثوري الإيراني جميع المطارات هناك".
وأشار إلى أن "حزب الله يستخدم هذا الأمر كوسيلة للضغط النفسي على إسرائيل ولرفع معنويات عناصره وبيئته، لإقناع جمهوره بأن إسرائيل ضعيفة ولا تملك القدرة على شن هجوم ضده، مثلما حصل مع الخيمة التي أقامها ولم تتمكن إسرائيل من إزالتها".
وسأل "ما الجدوى من وجود مطار عسكري والسيطرة الجوية ليست بيد الحزب، بل بيد إسرائيل؟ نرى كيف تقوم إسرائيل بقصف مطارات سوريا".
"كيان" مستقل
من جهته، رأى خريج كلية القيادة الجوية والأركان في القوات المسلحة الأميركية، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، الياس حنا، أن "إقامة مطار مكشوف بهذه الطريقة أقرب إلى أسلوب عمل الجيوش الكلاسيكية، إلا أنه في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل لن يصمد هذا المطار أكثر من دقائق".
وبرأيه لا جدوى عسكرية من هذا المطار، إنما "الهدف من إنشائه هو توجيه رسائل للداخل والخارج بأنه بات لحزب الله كيانه الخاص في ظل الغياب التام لمرجعية الدولة اللبنانية".
وأوضح أنه "لو كان الحزب فعلاً يريد إقامة مطار للطائرات المسيرة والانتحارية التي تنتجها إيران وتحتاج إلى مدارج إطلاق، لكان أنشأه على مسافة أبعد سواء في عمق البقاع أو ربما في منطقة القصير أو القلمون الغربي ضمن الأراضي السورية"، كون "إنشاء المطارات العسكرية، سواء كانت للطائرات الكلاسيكية أو المسيرة، تحتاج إلى تأمين القدرة على الحماية".
سياسة الصمت
في المقابل، استغرب الإعلامي المقرب من "حزب الله" فادي أبو ديا، ما اعتبره "تبني الإعلام اللبناني وراء الروايات الإسرائيلية"، معتبراً أن "كلام الوزير الإسرائيلي تزامن مع تسويق ممنهج لروايات مفادها أن الحزب يستخدم مطار بيروت لنقل الأسلحة من إيران عبره".
وأشار إلى أن "الهدف الإسرائيلي هو التأثير في الرأي العام اللبناني، عبر الإيحاء أن "المقاومة" إيرانية وليست لبنانية، وأنها تخدم أهداف إيران ومصلحتها على حساب لبنان، كذلك الضغط على الحزب ووضعه في موقع الدفاع عن النفس بشكل دائم بعد كل اتهام، في سياق الضغط الدولي على إيران من أجل المفاوضات".
واعتبر أن "صمت الحزب تجاه الروايات الإسرائيلية، هو سياسة حكيمة لعدم التجاوب مع محاولتها جس رد الفعل"، مشيراً إلى أن "الحزب يقدر الوقت المناسب للإجابة عن التساؤلات والإعلان عن قدراته العسكرية".
أسطول المسيرات
وفي عام 2015، كشفت مجلة "جاينز" العسكرية البريطانية، أن "حزب الله" أنشأ مدرجاً في البقاع قرب الحدود مع سوريا لإطلاق طائراته المسيرة، وكشفت حينها عن صور التقطتها الأقمار الاصطناعية، تظهر المدرج الذي يقع على بعد 10 كيلومترات من مدينة الهرمل، و18 كيلومتراً إلى الغرب من الحدود مع سوريا.
وكشفت أن المدرج عبارة عن طريق غير معبد بطول 670 متراً وعرض 20 متراً، يمكن استخدامه لإقلاع وهبوط طائرات مسيرة من دون طيار إيرانية الصنع، لافتة إلى "وجود هوائي على تلة قريبة من المدرج، يستخدم لتوسيع نطاق التحكم والسيطرة على الطائرات المسيرة".