Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أن تصبح الهند قوة عظمى... الطموح المشروع وتحديات الواقع

الإنجازات الاقتصادية حولت أنظار العالم إلى نيودلهي لكن مشكلات الفقر بلا حل في أكثر دول العالم سكاناً

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يصل لحضور الجلسة الخاصة للبرلمان في نيودلهي، 18 سبتمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

هل تتم المبالغة في عرض صورة الهند اقتصادياً وعسكرياً؟ وهل تحاول الدول الغربية دفعها للوقوف ضد الصين؟

لم يكن اجتماع قادة "مجموعة الـ 20" في نيودلهي مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري المرة الأولى التي تجذب فيها الهند أنظار العالم، فالصعود الاقتصادي للبلاد الذي لحقه تطور سياسي وعسكري وثقافي، يشغل المراقبين على مدى الأعوام الماضية وسط تساؤلات عن قدرة نيودلهي على القفز لتكون قوة عالمية عظمى، فيما تشكك أصوات أخرى في المدى الذي يمكن أن تصل إليه البلاد مذكرين بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي ما زالت تواجهها.

عندما زارت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون الهند عام 2009، كانت رؤيتها واضحة بالقول إن "الهند ليست مجرد قوة إقليمية، بل قوة عالمية"، وكان ذلك مدفوعاً بالطفرة الاقتصادية التي عاشتها نيودلهي منذ إطلاق خطة الإصلاح مطلع التسعينيات من القرن الماضي التي أثمرت عن توسع الاقتصاد الهندي أربعة أضعاف خلال العقد الأول من القرن الحالي، وفق دراسة لكلية لندن للاقتصاد، متخطياً التوقعات كافة، واستمر النمو الاقتصادي لا يقل عن سبعة إلى ثمانية في المئة منذ نهاية القرن الماضي حتى الآن.

معجزة اقتصادية

عام 2021، تمكنت المستعمرة البريطانية السابقة من تخطي المملكة المتحدة لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم بقيمة 854.7 مليار دولار، فتقفز بذلك ستة مراكز خلال 10 سنوات فقط.

ومن المتوقع أن تتفوق الهند على ألمانيا بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2025 وعلى اليابان في 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين، بحسب تقرير لوكالة "نيكاي" اليابانية.

وبذلك تبدو نيودلهي في طريقها لتصبح دولة متقدمة وفق التعهد الذي قطعه رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأن عام 2047 الذي يوافق مئوية الاستقلال، سيشهد تحول الهند من دولة نامية إلى متقدمة.

وبفضل الأرقام الاقتصادية المتميزة، تتجه الشركات الكبرى نحو الاستثمار في الهند، حيث بدأت شركة "أبل" الأميركية بتصنيع هاتفها "آيفون 14" هناك كبديل عن الصين، وفي مسح أجراه بنك اليابان للتعاون الدولي العام الماضي كانت الهند على رأس الوجهات المحتملة لتوسع الشركات اليابانية في الخارج.

صوت الجنوب

الترجمة السياسية للصعود الاقتصادي الكبير ظهرت خلال الأعوام الأخيرة، فالهند تقدم نفسها عالمياً على أنها صوت دول الجنوب، منافسة بذلك جارتها الصين التي تربطها بها حدود طويلة تثير نزاعات كان آخرها العام الماضي.

 

 

خلال قمة دول الجنوب التي عقدت افتراضياً في يناير (كانون الثاني) الماضي بمشاركة 125 دولة، قال مودي في الجلسة الافتتاحية "صوتكم هو صوت الهند وأولوياتكم هي أولويات الهند"، وتعتبر وكالة "نيكاي" اليابانية أن تركيز الاستراتيجية الجيوسياسية للهند ينصب على مواجهة التوسع الصيني.

وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار أوضح في كتاب صادر عام 2020 أن السياسة الخارجية للهند تحمل ثلاثة أعباء رئيسة من ماضيها، مشيراً إلى تقسيم عام 1947 الذي وزّع الأراضي التي تحكمها بريطانيا على الهند وباكستان، واعتبر أن ذلك "قلل من حجم الأمة ديموغرافياً وسياسياً على حد سواء" وأعطى الصين "مساحة استراتيجية أكبر في آسيا".

المنافسة مع الصين

تنظر الدول الغربية إلى العلاقة بين العملاقين الآسيويين باعتبارها منافسة بين أكبر ديمقراطية في العالم الهند، في مواجهة الصين أكبر دولة شمولية، واستخدمت الولايات المتحدة ذلك التنافس لاستقطاب نيودلهي في تحالف "كواد" الذي يضم أيضاً اليابان وأستراليا.

غير بعيد من ذلك التنافس، استغلت الهند انتعاش خزائنها وعملت على تطوير جيشها وزيادة ترسانته من الأسلحة لمواجهة التحديات المحتملة، خصوصاً مع وجود غريمين على امتداد حدودها، الصين وباكستان.

في فبراير (شباط) الماضي، أعلنت الحكومة الهندية زيادة الإنفاق العسكري في الموازنة بنسبة 13 في المئة ليصل إلى 73 مليار دولار، لتكون بذلك ثالث أكثر الدول إنفاقاً على التسليح بعد الولايات المتحدة والصين، إذ ارتفعت نسبة إنفاقها العسكري 33 في المئة بين 2012 و2022، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

حرب أوكرانيا

الأهمية المتزايدة للهند على الصعيد الدولي ظهرت بوضوح مع اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا العام الماضي، إذ سعى الغرب وموسكو إلى استقطاب الموقف الهندي.

واستقبل رئيس الوزراء الهندي بعد اندلاع الحرب زعماء غربيين عدة منهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء البريطاني حينها بوريس جونسون في محاولة لإقناع مودي باتخاذ الموقف الغربي المضاد لموسكو، إلا أن الروابط التاريخية القوية التي تجمع الهند وروسيا وتاريخ السياسة الخارجية الهندية كإحدى الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، جعلاها تحافظ على مسافة واحدة من الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، امتنعت الهند عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة ضم موسكو مناطق أوكرانية، لكن قبل ذلك بشهر قال مودي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام عدسات الكاميرات إن "الوقت الحالي ليس للحرب".

ولم يخلُ الموقف الهندي من أسباب اقتصادية، إذ زادت وارداتها من النفط الروسي بعد الحرب مستغلة انخفاض أسعاره بسبب القيود الغربية.

وبين فبراير ويونيو (حزيران) 2022 تضاعفت واردات النفط الروسي للهند 25 مرة، لتصل إلى نحو مليون برميل ارتفاعاً من 30 ألفاً. وفي مايو (أيار) الماضي كان نصف إمدادات نيودلهي من روسيا بعد أن كانت نسبتها لا تذكر قبل الحرب.

وأظهرت قمة "مجموعة الـ 20" التي اختتمت أعمالها في الهند في وقت سابق من الشهر الجاري، قدرة الدبلوماسية الهندية على توفيق آراء الدول الكبرى، بحيث تبنى الإعلان الصادر عن القمة لهجة مخففة عن الحرب الأوكرانية مقارنة بما صدر عن قمة العام الماضي في إندونيسيا، ووافقت روسيا والصين على الإعلان مع أن ذلك لم يكن متوقعاً، ووصف المستشار الألماني أولاف شولتز الإعلان بأنه "نجاح للدبلوماسية الهندية"، مشيراً إلى أن "كثيرين لم يعتقدوا بأن ذلك سيكون أمراً ممكناً".

القوة الناعمة

إلى جانب عوامل القوة السياسية والاقتصادية، لفتت دراسة كلية لندن للاقتصاد إلى التأثير الثقافي المتزايد للهند، أو ما يسمى "القوة الناعمة" من خلال المطبخ الهندي والأدب والأفلام والموسيقى والأحداث الرياضية، وتوقعت تزايد التأثير عالمياً من خلال الهنود المنتشرين حول العالم.

وعام 2014، أعلن مودي أن "الهند ليست أمة فحسب، بل هي أيضاً فكرة وثقافة"، وفي ذلك العام وافقت الأمم المتحدة على إعلان الـ21 من يونيو من كل عام يوماً عالمياً لليوغا، مما يعكس نجاحاً دبلوماسياً للهند التي تعمل سفاراتها على نشر ثقافة اليوغا حول العالم.

أما لجهة السينما، فتشهد "بوليوود" نجاحاً متزايداً، إذ حصد فيلم "RRR" وأغنية "Naatu Naatu" جائزة "غولدن غلوب" لأفضل أغنية أصلية في يناير الماضي وحظي الفيلم بنجاح في دور العرض الأميركية والأوروبية، علماً أن "بوليوود" تنتج نحو ألف فيلم سنوياً بلغات مختلفة.

في الاتجاه الصحيح

ترى الأستاذة المساعدة بمعهد أميتي للسياسات في نيودلهي نيها سينها أن هناك أربعة معايير يمكننا من خلالها أن نقرر ما إذا كان بإمكان أي دولة أن تصبح قوة عظمى أو لا، اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية، واعتبرت أن الهند في حال جيدة على جميع المستويات.

 

 

وقالت سينها لـ"اندبندنت عربية" إن الهند تتمتع بالقدرة على أن تصبح قوة عظمى عالمية وهي تتحرك في الاتجاه الصحيح، وعلى رغم إشارتها إلى أن البلاد ما زالت تواجه بعض التحديات في ما يتعلق بالفقر والأمية والرعاية الصحية، لكنها أكدت أن الحكومة أطلقت كثيراً من المبادرات لمواجهة تلك المشكلات.

وأضافت "تعترض كل دولة مشكلة معينة أو أخرى، فلا يوجد بلد مثالي"، مشددة على أن الهند في وضع أفضل بكثير سياسياً وثقافياً وعسكرياً وأصبحت "دولة قوية جداً".

انقسامات سياسية

لكن هناك مؤشرات على أن تلك القوة تواجه عدداً من التحديات محلياً، حيث تزداد الانقسامات السياسية بين الحزب الحاكم "بهاراتيا جاناتا" ومعارضيه التي تصل حتى إلى اسم الدولة، وأثير جدل خلال الأسابيع الماضية حول تسمية "بهارات" بدلاً من الهند، فعلى رغم أن الاسمين مذكوران في الدستور، إلا أن الدلالات القومية الهندوسية لـ"بهارات" جعلت استخدامه محل انتقاد من المعارضة، حتى إن الائتلاف المعارض اختار لتحالفه الجديد اسم "الهند" في يوليو (تموز) الماضي.

وعلى الصعيد الحقوقي، سجلت منظمات أهلية عدة أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة التي تقدر بنحو 200 مليون شخص، واكبت خطاب كراهية على لسان عدد من قيادات الحزب الحاكم.

الفقر والجوع

ولم تصل نتائج النمو الاقتصادي إلى جميع الهنود، فلا يزال أكثر من 10 في المئة من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة يعيشون تحت خط الفقر المدقع الذي حدده البنك الدولي والذي يبلغ 2.15 دولار في اليوم.

وفي الوقت نفسه كان 16.3 في المئة من سكان الهند يعانون نقص التغذية بين 2019 و2021، وفقاً لأحدث تقرير للأمم المتحدة عن حال الأمن الغذائي والتغذية في العالم.

ويعاني نحو 25 في المئة من الأطفال سوء التغذية وكذلك احتلت الهند المرتبة 101 من بين 116 دولة في مؤشر الجوع العالمي لعام 2021.

لذلك ترى الكاتبة عائشة بهاتيا سانان في مقالة رأي على منصة "دويتشه فيله" الألمانية أنه ليس من المفاجئ أن تتراجع مرتبة الهند في مؤشر السعادة العالمي إلى المرتبة 140، أي أقل من باكستان وبنغلاديش والصين، وتنتشر التعاسة والسخط في جميع أنحاء البلاد.

وأكدت أنه بالنظر إلى أن أكثر من نصف سكان الهند تحت سن الـ25، فإنه يتعين على البلاد أن تضمن التعليم والتوظيف والسعادة لشبابها، ومن دون هذا التحول النموذجي ربما يستغرق الأمر 75 عاماً أخرى قبل أن تحقق الهند هدفها في التحول إلى قوة عظمى عالمية.

الواقع مختلف

كذلك يستبعد الأكاديمي والباحث الهندي شعيب خان أن تكون بلاده على وشك أن تصبح قوة عظمى، قائلاً إن النمو الاقتصادي شيء والتنمية الاقتصادية شيء آخر، فالواقع على الأرض أمر مختلف في الهند التي تشهد واحداً من أعلى معدلات البطالة.

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، استدل خان على المشكلات التي تواجهها بالقول إن معدلات تسريح العمال من الشركات آخذة في الارتفاع مع غياب آليات للضمان الاجتماعي، إلى جانب التمييز ضد الأقليات من المسلمين والمسيحيين والبوذيين، مضيفاً "القوى العظمى لا تتصرف على هذا النحو".

وأردف أنه على الصعيد العسكري الهند ليست في وضع يسمح لها بمحاربة خصمها باكستان فما بالك بالصين، وهذا ما اعترف به المتخصصون العسكريون في الهند، بحسب قوله.

وأشار إلى أن الدول الغربية هي التي تحاول جعل الهند تقف ضد الصين، مؤكداً أنه تتم المبالغة في عرض صورة الهند اقتصادياً وعسكرياً، أما الواقع فهو أمر مختلف.

وبعيداً من الجدل في شأن حقيقة الوضع على الأرض في الهند، فإنها نجحت في الوصول إلى القمر عبر مركبتها الفضائية "شانداريان-3" التي هبطت على السطح الجنوبي للقمر بعد أيام من فشل محاولة مماثلة لروسيا التي تصنف قوة عظمى عالمية، مما يعني أن الهند أصبحت بالفعل بين الكبار بل تتفوق عليهم أحياناً.

المزيد من تقارير