صدّت ظهر اليوم (19 أغسطس)، طائرات روسية مقاتلة، تقدّم رتل عسكري تركي شقّ طريقه من سراقب، في ريف إدلب متجهاً عبر الأوتوستراد الدولي إلى خان شيخون، لتدعيم صفوف مقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) بعد انهيارات تحصيناته أمام تقدم الحملة العسكرية لجيش النظام السوري.
رسالة روسية
ولم تتوان الطائرات من الالتفاف على الأهداف بكثير من الحذر بحسب مصادر ميدانية، مؤكدةً أنها غارات استهدفت محيط الرتل التركي وأسفرت عن قصف الجسر القريب من مدينة معرة النعمان المطل على الطريق العام الدولي، بين دمشق وحلب وإصابة مقاتلين من هيئة تحرير الشام كانوا في مقدمة الرتل للاستطلاع.
ويرى مراقبون أن استهداف جسر المعرة ومحيط الرتل العسكري رسالة روسية تحذيرية إلى الضامن التركي بعدم الاقتراب أكثر، وكأن موسكو تود أن توحي لأنقرة بعدم رغبتها في دخول معركة مباشرة مع رتل يحمل علمها الأحمر.
وأوردت وكالة الأناضول التركية أن تعزيزات من قوات "الكومندوس" التركية وصلت يوم أمس الأحد إلى ولاية هطاي الحدودية لتوزيعها على الوحدات العسكرية المتمركزة على الحدود السورية.
بين الصمود والمصالحة
من جهة ثانية، كان دخول هذا الرتل أشبه باستعراض عسكري بغية رفع معنويات صفوف المقاتلين المنهارة، عشية سيطرة الجيش السوري على مدينة خان شيخون الاستراتيجية، الأكثر تحصيناً كما وصفتها مصادر ميدانية، إذ دخلها الجيش ليلة أمس (18 أغسطس) لأول مرة بعدما فقد السيطرة عليها في العام 2014 مع باقي مدن وقرى إدلب.
وأضاف المصدر أن القوات النظامية تتقدم بشكل متسارع بعد سيطرتها على خان شيخون لتسيطر على قرى منها تلة النمر ونقطة السيرتيل ووادي الفتح، حيث تقع دار القضاء أو ما يُسمى "الحسبة" لتنظيم النصرة، في وقت تستهدف مدفعية الجيش النظامي وطيرانه أي تحرك على الطريق الدولي أو الطرق الفرعية التي باتت على مرمى النيران.
رافق ذلك، نزوح آلاف من المدنيين من المدينة، محتمين في حقول الزيتون، بينما لجأ آخرون إلى قرى مدينة معرة النعمان.
وفي السياق ذاته، يسعى وجهاء وفعاليات أهلية في مدينة المعرة المطلة على الأوتستراد الدولي لتسليم المدينة من دون حرب بالتنسيق مع مركز المصالحة الروسية.
وعلى إثر ذلك، وقعت خلافات بين الراغبين في المصالحة ومن يرفضها وجلّهم من ميليشيات متشددة تنحدر من تنظيم النصرة، المصنف دولياً بالإرهابي في وقت تستبعد قوى المعارضة إحراز أي تقدم في هذا الملف (المصالحات) بالوقت الحالي.
الطريق السريع
في المقابل، يأتي دخول الرتل التركي عن طريق الخط السريع الدولي الواصل بين دمشق وحلب ويمر بثلاث مدن تتبع محافظة إدلب (خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب) متطابقاً مع ما ذكره مصدر عسكري تركي، وصف إدلب بـ"أنها تحت الوصاية التركية".
ونقلت وكالة أنباء تركيا (TR) عن الضابط التركي من دون أن تذكر صفته، قوله "ليس مستبعداً القيام بعمل عسكري حمايةً لإدلب وسكانها في حال فشلت مساعي الحل السياسي".
وأفصح المصدر نفسه أن نقاط المراقبة ثابتة ولن تتحرك من مكانها، مع تأكيدات قيادات عسكرية عالية المستوى في العاصمة التركية أن أي وحدة لن تنسحب من مكانها، مهما بلغ حجم التصعيد، متهماً روسيا بإعاقة ممر السلام التركي.
وتسارع القوات النظامية السورية مع دعم جوي روسي إلى الاستحواذ على آخر معاقل المعارضة المسلحة شمال البلاد، واضعةً نصب أعينها إحراز تقدم وكسب كثير من الإنجازات في حال سيطرتها على الريف الجنوبي في إدلب، وتالياً استعادة طريق دولي يصل الشمال بالجنوب بين حلب والعاصمة السورية.
ويرنو السوريون بأنظارهم نحو فتح الطريق السريع بعد إغلاقه نهائياً إثر سيطرة المعارضة عليه عام 2012 نظراً إلى أنه يشكّل مكسباً اقتصادياً ويتيح تدفق المنتجات التجارية، إضافة إلى تسهيل حركة وتنقل المدنيين الذين يعانون من الوصول إلى المدينتين الرئيستين الشمالية والجنوبية عبر الخط البديل، طريق "خناصر" الذي افتُتح عام 2017 كخط إمداد وحيد لمدينة حلب بعد حصار وحرب عاشته عاصمة الشمال السوري لسنوات مضت.
ومع كل التطورات الأخيرة الحاصلة في واقع الميدان في معارك إدلب شمالاً، فاجأ الرتل العسكري التركي وتقدمه، حليفه الجديد الروسي، بينما تُثار تكهنات حول اشتباك مباشر بين الطرفين من عدمه، في وقت تحاول الأوساط الدبلوماسية الروسية والتركية نزع فتيل البارود، مرجّحةً أن تحرك الرتل العسكري الأخير في إطار الاستعراض وأن اسطنبول لن تتهوّر بصدام مباشر مع روسيا الاتحادية وحليفها السوري الاستراتيجي، وإن حدث ذلك ستكون ارتداداته واسعة على الأرض.