Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 أزمات تعصف بصناعة الدواجن في بريطانيا

تقلبات اقتصادية شديدة تصيب سوق العلف باضطرابات وسط صعوبة إمداد الحبوب من أوكرانيا

انخفض إنتاج الدجاج بنسبة 11.4 في المئة في يوليو مقارنة بما كان عليه قبل 12 شهراً (أ ف ب)

ملخص

الجائحة و"بريكست" وحرب أوكرانيا فاقمت مشكلات صناعة الدواجن في بريطانيا

في مزرعة دواجن مكثفة في شمال هيريفوردشاير تسير المزارعة جو هيلديتش عبر إحدى حظائر الدجاج البالغ عددها 22 حظيرة، تلتقط الطيور وتتحقق من علامات المرض والإصابة، قبيل نقل 20 ألف دجاجة ممتلئة تراوح أعمارها ما بين خمسة وستة أسابيع وتشغل السقيفة إلى سلسلة من المرافق القريبة بواسطة معالج المزرعة "أفارا"، إذ سيتم صعقها وذبحها وتنظيفها وتعبئتها ثم تسليمها إلى رفوف السوبر ماركت، في عملية جيدة التنظيم، ولكن بها عيب واحد، إذ تقول هيلديتش، وهي مزارعة من الجيل الرابع، إنها لا تحصل على أجر كاف للقيام بأي شيء أكثر من مجرد تدبر أمرها.

ترددت رسالة هيلديتش عبر قطاع يعمل بهوامش منخفضة للغاية، إذ يقول المنتجون إن سعر الدجاج منخفض للغاية، فلا يستطيع مواكبة الارتفاع الكبير في كلف المدخلات، فعلى سبيل المثال يبلغ سعر دجاجة متوسطة الحجم من متجر "تيسكو" تكفي لإطعام ما يصل إلى ستة أشخاص 4.20 جنيه استرليني (5.24 دولار أميركي)، وهي بسعر منخفض لدى متجر "ليدي" إذ يبلغ سعر المنتج ذي الحجم المماثل 3.79 جنيه استرليني (4.72 دولار أميركي). 

وتقول هيلديتش، التي تنتج مزرعتها 5.5 مليون دجاجة سنوياً، لكن عائداتها تبلغ تسعة ملايين جنيه استرليني (11.22 مليون دولار أميركي)، لـ"فايننشال تايمز"، "الأرباح، حتى عندما كانت تسير على ما يرام تاريخياً لم تكن رائعة، وأجد أنه من غير العادي أن تتمكن من شراء دجاجة بنفس سعر اللاتيه." 

وتعتبر مزرعة الدجاج التابعة لهيلديتش نموذجاً مصغراً لعديد من المشروعات البريطانية التي تواجه ضغوطاً ليس فقط في صناعة المواد الغذائية، ولكن عبر أجزاء كبيرة من التصنيع. 

اضطرابات في صناعة الدواجن 

في معظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت الدواجن واحدة من أسرع القطاعات نمواً وإنتاجية في الزراعة في المملكة المتحدة، حين تضاعف استهلاك اللحوم ثلاث مرات بين عامي 1960 و1980، إذ يتناول المستهلك العادي اليوم 35 كيلوغراماً من البروتين سنوياً، ومع ذلك، واجهت الصناعة في السنوات الأخيرة موجة من الاضطرابات المختلفة التي أدت مجتمعة إلى دفع القطاع إلى أزمات بدأت بـ"كوفيد-19" وآثاره الاقتصادية اللاحقة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا. 

ولا تقتصر أزمة صناعة الدواجن على هشاشة النظم الغذائية في المملكة المتحدة فحسب، بل تشمل القضايا التي يعانيها الاقتصاد الأوسع وعلى رأسها التضخم ونقص العمالة وارتفاع الأجور، ونتيجة لذلك أغلقت مزارع الدجاج ومصانع المعالجة عملياتها أو قلصت حجمها، لذا انخفض إنتاج الدجاج اللاحم، الذي يتم تربيته حصرياً لإنتاج اللحوم على نطاق صناعي بنسبة 11.4 في المئة في يوليو (تموز) الماضي، مقارنة بما كان عليه قبل 12 شهراً، وفقاً للإحصاءات الرسمية، كما انخفضت الصادرات إلى النصف تقريباً، من 375 ألف طن في عام 2020 إلى 200 ألف طن في العام الماضي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واليوم يتوسل منتجو المواد الغذائية، بما في ذلك منتجات الألبان والبستنة، إلى تجار التجزئة لرفع أسعار المواد الغذائية، ويأملون في أن يسمح لهم هذا بتحقيق الربح والمساعدة في تعزيز الإنتاجية. 

وتقول هيلديتش "العامان الماضيان بمثابة عاصفة كاملة حقاً، فالدجاج رخيص للغاية ولا نستطيع إعادة الاستثمار فيه." 

وبينما يتصارع الناس مع أسوأ أزمة كلفة معيشة في الذاكرة، فمن الصعب قبول احتمال مطالبة المستهلكين بدفع المزيد مقابل الغذاء.

كلفة الأعلاف والأسمدة والطاقة 

لم تكن اللحوم متاحة دائماً بهذه السهولة، فقبل انتشار الزراعة المكثفة إلى المملكة المتحدة من الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن الماضي كانت الدواجن تعتبر رفاهية لا تأكلها الأسر أكثر من مرة واحدة في الأسبوع، وكان مؤسس مركز أبحاث السوق الحرة التابع لمعهد الشؤون الاقتصادية، أنتوني فيشر، هو من حول الصناعة المنزلية إلى واحدة من أسرع القطاعات نمواً في بريطانيا، وبحلول عام 1964 كانت شركة فيشر "بكستيد للدواجن" تعالج أكثر من 500 ألف طائر كل أسبوع عبر ثلاثة مصانع. 

وتم بيع "بكستيد" لشركة استحوذت عليها لاحقاً "سيسترز فود 2 غروب"، إلى جانب شركتي التصنيع العملاقتين "أفارا" و"موي بارك"، وواصلت شركة "سيسترز فود 2 غروب" إرث فيشر، من خلال زيادة الإنتاجية وخفض أسعار الدجاج من خلال عملية لا هوادة فيها لتوحيد سلسلة التوريد والتربية الانتقائية والعمالة الرخيصة. 

نتيجة لذلك، تعد سلاسل توريد الدواجن من بين الأكثر تكاملاً في القطاع الزراعي، كما تدير أكبر المعالجات نظاماً شاملاً يشمل الزراعة وتصنيع الأعلاف ومفرخات البيض والجزارة والتعبئة والنقل، أيضاً لعبت محال السوبر ماركت دوراً كبيراً في توحيد المنتجات والتسويق والتسعير، وفي الخمسينيات من القرن الماضي، حث تجار التجزئة مثل "سينسبري" المنتجين على تقليل حجم الطيور من خمسة أرطال إلى ثلاثة أرطال من أجل زيادة الإنتاجية، وهو ما تم تحقيقه من طريق ذبح الدجاج عند عمر 10 أسابيع بدلاً من 12 أسبوعاً. 

واليوم، وبفضل تقنيات الانتقاء الوراثي، يمكن أن ينمو الدجاج اللاحم أربع مرات أكبر مما كان عليه في الخمسينيات، ويتم تربية أكثر من 90 في المئة من الدجاج في المملكة المتحدة اليوم لينمو بسرعة، ويتم ذبحه في أقل من ستة أسابيع، وفقاً لجمعية "آر أس بي سي أي".

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "كرانسويك"، إحدى شركات إنتاج اللحوم الكبيرة في المملكة المتحدة، آدم كوتش، للصحيفة، "لقد جعلت شركات التصنيع سلسلة التوريد فعالة للغاية وجعلت الدجاج في متناول المستهلكين، لكن هذه الطبيعة التنافسية تعني أن الهوامش كانت ضئيلة"، وبالنسبة إلى المزارعين مثل هيلديتش أصبح هذا الهامش الضيق غير مستدام، فهذا العام كان مشروع الدواجن الخاص بها يعمل بخسارة وسط ارتفاع كلف المدخلات الزراعية، كما تضاعفت فاتورة الكهرباء المعتادة التي تبلغ 160 ألف جنيه استرليني (199.44 ألف دولار أميركي) سنوياً ثلاث مرات تقريباً، وارتفعت كلفة العمالة بنسبة 10 في المئة، في حين ارتفعت الكلف الإضافية مثل التنظيف واستبدال المعدات بنسبة 20 في المئة، وعلى رغم انخفاض كلفة الطاقة والأعلاف والأسمدة منذ أعلى مستوياتها في نهاية العام الماضي فإنها لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا. 

وحصلت هيلديتش والمزارعون الآخرون الذين يزودون شركة "أفارا" على زيادة قدرها 10 بنسات خلال فصل الصيف، الأمر الذي أتاح بعض المجال للتنفس، لكنها تقول إن هذا لا يغطي سوى كلف المدخلات، من دون أن يتبقى أي شيء للاستثمار في الابتكار، أو الحفاظ على المعدات على مستوى عال، أو تمويل مشاريع الاستدامة. 

وحصلت المزارعة على قرض بقيمة ثلاثة ملايين جنيه استرليني (3.74 مليون دولار أميركي) لتركيب غلايات تحول فضلات الدجاج إلى طاقة تستخدم بعد ذلك لتدفئة حظائر الدجاج، بمساعدة برنامج حوافز الحرارة المتجددة التابع للحكومة، وخططت هيلديتش لسداد القرض في سبع سنوات، لكنها تقدر الآن أنه سيكون أقرب إلى 10 سنوات. 

عواقب وخيمة 

ويقول الرئيس التنفيذي لمجلس الدواجن البريطاني، وهو هيئة صناعية، ريتشارد غريفيث، إن "العبء المالي لم يكن يتم تمريره إلى السوق، وهذا له تأثير مدمر".

سجلت شركة "أفارا" خسارة قدرها 16.1 مليون جنيه استرليني (20 مليون دولار أميركي) بحلول العام المنتهي في مايو (أيار) الماضي، مقارنة بأرباح بعد الضريبة بقيمة 16.9 مليون جنيه استرليني (21 مليون دولار أميركي) في العام السابق، في حين أبلغت منافستها "سيستر2" عن خسارة تشغيلية قدرها 29.5 مليون جنيه استرليني (36.77 مليون دولار) في العام حتى يوليو 2022، وهو تحسن عن خسارة قدرها 44.85 مليون جنيه استرليني (55.91 مليون دولار) في العام السابق. 

"المديونية الضخمة" في قطاع تصنيع الأغذية

وكانت كلفة الوقود صعبة بشكل خاص بالنسبة إلى الدواجن، وهي واحدة من أكثر قطاعات الأغذية الزراعية استهلاكاً للطاقة، لأنها تعتمد على كميات كبيرة من الغاز لتوفير التحكم في درجة الحرارة في حظائر الدجاج، كما يتعرض المنتجون أيضاً لتقلبات أسعار الأعلاف، التي ارتفعت العام الماضي جنباً إلى جنب مع كلفة القمح. 

ويقول كوتش إنه "بينما كانت كلف العلف تتراجع فإن الوضع غير المؤكد في أوكرانيا، أحد أكبر منتجي الحبوب في العالم، يسبب تقلبات شديدة في أسواق العلف"، كما أنه يشعر بالقلق من أن "المديونية الضخمة" في قطاع تصنيع الأغذية الأوسع تعوق الابتكار، مع ما يترتب على ذلك من عواقب طويلة الأجل مثل انخفاض الإنتاج البريطاني والاعتماد المتزايد على الواردات. ويقول "هذا مصدر قلق حقيقي مع ارتفاع أسعار الفائدة، بخاصة عندما يتعلق الأمر بإعادة التمويل".

وسارع منتجو المواد الغذائية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى محال السوبر ماركت لخفض الكلف، لكن البعض في صناعة تجهيز الدواجن يعترفون بأن البقالين يواجهون ضغوطهم الخاصة. 

وإلى جانب حروب الأسعار في المتاجر الكبرى هناك عامل آخر يؤدي إلى تفاقم مشكلات صناعة الدواجن وهو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ومثل عديد من الصناعات في قطاع الأغذية والزراعة يطالب قادة الأعمال الحكومة بتوسيع مخطط العمال الموسميين لخفض كلفة العمالة، ومنذ انتهاء حرية التنقل تدفع بعض الشركات حالياً أكثر من 10 آلاف جنيه استرليني (12.464 ألف دولار أميركي) لتأمين تأشيرات لكل عامل مهاجر لا يشمله المخطط، ولكن بالنسبة إلى مربي الدواجن فإن الأزمة موجودة، لكن لا يوجد أي مؤشر إلى الحل. 

اقرأ المزيد