طوى السودانيون السبت 17 أغسطس (آب) رسمياً أطول حقبة حكم شمولي في تاريخ بلادهم منذ الاستقلال في 1956، بتوقيع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في العاصمة الخرطوم وثائق الانتقال إلى الحكم المدني، بعد مفاوضات شاقة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
يوم فاصل
وبالتزامن مع مراسم التوقيع الذي أضفى طابعاً رسمياً على الوثيقة الدستورية التي صادق عليها المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في الرابع من أغسطس (آب) الحالي، خرج آلاف المواطنين في مدن السودان المختلفة إلى الشوارع للاحتفال، مردّدين هتافات وشعارات الثورة الشعبية.
وفيما انتقلت الاحتفالات الشعبية إلى ساحة الحرية، وصل قطار عطبرة الذي يمثل رمز الثورة إلى الخرطوم، حاملاً مئات الثوار للمشاركة في الاحتفالات. واعتبر الشارع السوداني التوقيع على هذه الوثائق حدثاً فاصلاً ونقطة فارقة في تاريخ البلاد.
وقال الناشط عماد الفكي "إنها البداية الحقيقية نحو تحقيق أهداف ومطالب شعب طال صموده وانتظاره"، مشيراً إلى أن "الشارع السوداني سيظل هو الفيصل عند أي خروج عن مبادئ ارتضاها الجميع، كما يظل هو الضامن والحارس لما حصده بعد مخاض عسير".
وطالب الناشط ابراهيم عبدالله بطي "صفحات المعاناة والمرارات والألم، واستبدالها بصفحات الإرادة والوعي والحفاظ على وحدة الشعب".
أما عضو لجنة الأحياء خلال الثورة الشعبية ميسرة فضل، فقال "نريد أن نحافظ على شعارات الثورة، حرية سلام وعدالة، ونريد القصاص من قتلى شهداء الثورة بعد تقديمهم إلى محاكمات عادلة وفق القانون، لأننا نطمح إلى دولة ديمقراطية تحكم من خلال دستور ونرفض سلطة ديكتاتورية"، لافتاً إلى أنهم يدركون أن التحديات كثيرة، "لكن نود أن نزرع الأمل وأن نتفرغ جميعاً لبناء السودان الجديد الذي ظل قابعاً 30 عاماً تحت سلطة شمولية كرّست جهدها ومواردها لصالح فئة محددة لا تمثل 5 في المئة من الشعب السوداني".
جوانب سلبية
في سياق متصل، ذكّر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف في تصريح لـ"اندبندنت عربية" بالموقف الواضح لحزبه من الوثيقة الدستورية التي جرى التوقيع عليها، أي أنها تحمل جوانب سلبية وأخرى إيجابية. ويتمثل الجانب السلبي في كونها أعطت مجلس السيادة سلطة تنفيذية لم يكن متفقاً عليها داخل مكونات قوى الحرية والتغيير، ما يشكل ضعفاً واضحاً وتدخلاً في مهمات يجب عدم التفريط فيها، لكنه اعتبر أن الانتقال إلى الحكم المدني يُعد إنجازاً لا يضاهي أي حدث آخر. وأكد التزام حزبه بالمواثيق والاتفاقيات الموقعة مع حلفائه السياسيين ودعمه أي عمل إيجابي تقوم به الحكومة الانتقالية من سياسات وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً للوثيقة الدستورية، يُعلن الأحد عن تشكيلة مجلس السيادة الذي يتكون من 11 عضواً مناصفة بين العسكريين والمدنيين، على أن يكون العضو الحادي عشر شخصية مدنية مستقلة، وأن يؤدي أعضاء المجلس برئاسة عبد الفتاح برهان، الاثنين، اليمين أمام رئيس القضاء، فيما يُعيّن مجلس السيادة الثلاثاء 20 أغسطس رئيس الوزراء الذي سيختار في 28 أغسطس أعضاء حكومته العشرين، ليُصار إلى اعتمادهم رسمياً من قبل مجلس السيادة في 30 أغسطس، اليوم الذي يشهد أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد أداء اليمين، في حين يلتئم مجلسا السيادة والوزراء في اجتماع مشترك مطلع سبتمبر (أيلول)، إيذاناً ببدء صفحة جديدة من تاريخ السودان الديمقراطي.
يُذكر أن الاتفاق الحالي يؤسس لحكم انتقالي مدته 39 شهراً، اتفق خلاله الطرفان على تشكيل مجلس تشريعي بعد ثلاثة أشهر من بدء أعمال الحكومة الانتقالية، على أن تذهب 40 في المئة من مقاعد هذا المجلس إلى النساء، بينما ستخضع القوات شبه العسكرية، ممثلةً في قوات الدعم السريع وقوات الأمن والمخابرات إلى سلطة الجيش والمجلس السيادي.