Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أخطاء الترميم "تنفخ بطن" رمسيس الثاني في مصر

آثاريون يطالبون بتشكيل لجان مشتركة من خارج الوزارة لمراجعة جميع الأعمال المنفذة منذ عام 1983

آثاريون انتقدوا عملية ترميم تمثال رمسيس الثاني في معبد الأقصر (أ ف ب)

ملخص

ظهر تمثال أحد أشهر الملوك الذين حكموا مصر في العصر القديم ببطن منتفخ أمام المدخل الرئيس لمعبد الأقصر، في حين يصر المشرفون بالموقع على عدم وقوعهم في أخطاء.

أثارت الصور المتداولة أخيراً لتمثال رمسيس الثاني الذي وضع في المدخل الرئيس لمعبد الأقصر، المدرج على قائمة التراث العالمي من قبل "يونيسكو"، ردود فعل غاضبة من قبل متخصصين في الشأن الأثري المصري، ممن أبدوا عدم رضاهم عن أعمال الترميم التي خضع لها الأثر وظهور تمثال أحد أشهر الملوك الذين حكموا مصر في العصر القديم ببطن منتفخة، بينما يصر المشرفون في الموقع على عدم ارتكابهم أخطاء، معلنين تمسكهم بأن يترك التمثال بصورته الحالية في موضعه من دون تغيير، مما أثار الحديث مجدداً عن أخطاء الترميم التي أدت إلى انهيار مبانٍ أثرية وأحدثت أضراراً بالغة في بعض المناطق التراثية.

وأرجع علماء آثار ومسؤولون سابقون ممن تواصلنا معهم تلك الأخطاء إلى مجموعة من العوامل، أبرزها استخدام مواد غير ملائمة تؤدي إلى تآكل سطح الحجر الأثري،وإجراء تدخلات زائدة أو غير ضرورية على الآثار، مما يتسبب في تغيير طابعها التاريخي والفني، أو إضافة أجزاء جديدة بألوان زاهية إلى مبانٍ قديمة تعكس أذواقاً حديثة وعدم التزام إجراء تقييم دقيق لحال الأثر قبل بدء عمليات الترميم.

أخطاء في الترميم

يقول الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار محمد عبدالمقصود إن النتيجة المؤسفة لتدخلات الترميم غير المدروسة أدت إلى ظهور تمثال رمسيس الثاني ببطن منتفخة في بهو معبد الأقصر، كما لم يسلم تمثالان آخران من تلك المعالجة التي أضرت بالتماثيل الثلاثة التي خضعت لأعمال ترميم شابها الإهمال والقصور، موضحاً أن "الجزء الأصلي من التمثال يشكل 20 في المئة فقط، بينما استكمل الفريق القائم بأعمال الترميم 80 في المئة لتعويض الأجزاء المفقودة منه" وواصفاً هذا التدخل بأنه "فضيحة"، خصوصاً أن معبد الأقصر مدرج على قائمة التراث العالمي لـ"يونيسكو" منذ عام 1979.

 ويذكر عبدالمقصود أنه تمت تغطية تمثال رمسيس عام 2019 بعد اكتشاف أخطاء الترميم خلال حضور رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي حفل إزاحة الستار عن التمثال، ثم ظهر التمثال مرة أخرى بهذا الشكل الغريب، موضحاً أن "حدوث أخطاء في ترميم تماثيل غير أثرية تعرض في الأماكن العامة يدفع المسؤولين إلى إزالتها فوراً، فكيف تترك تماثيل أثرية عولجت بشكل خاطئ في مواقع فريدة من دون اتخاذ قرارات للحفاظ على صورتنا أمام العالم"، وتابع "هناك إصرار غير مبرر للاحتفاظ بتماثيل الأقصر الثلاثة في هذه الحال"، معتبراً أن هذا التصرف يخالف جميع المعايير والقواعد المعتمدة.

ويشدد على أن المعبد يفتح أبوابه للزوار من مختلف الجنسيات، وظهور تماثيل بهذه الحال غير ملائم تماماً، موضحاً أن تمثال رمسيس الثاني الذي نقل من ميدان رمسيس إلى المتحف المصري الكبير، خضعت أجزاء منه لعمليات ترميم دقيقة من دون أي تلف، ويرى أن واقعة ترميم تماثيل معبد الأقصر تستوجب اتخاذ قرارات حاسمة.

"الآثار" تتمسك بموقفها

في مطلع الشهر الماضي قدم مدير معبد الأقصر أحمد بدر الدين جاد المولى ومدير عام المعبد أحمد عربي يونس مذكرة إلى الأمين العام لمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري للرد على الانتقادات والتعليقات التي تعكس عدم رضا بعضهم عن ترميم وإعادة إقامة تمثال الملك رمسيس الثاني بالواجهة الرئيسة لمعبد الأقصر، إضافة إلى تمثالَي المدخل الغربي للمعبد، مؤكدين أن تلك الاتهامات بلا شك صدرت عن بعض المهتمين بشؤون الآثار وحفظ التراث، همهم الأساسي حب الوطن وتراثه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت المذكرة إنه تم الانتهاء من تلك التماثيل منذ أكثر من أربعة أعوام، وأشرفت على الترميم لجنة أثرية علمية مشتركة بين بعثة جامعة شيكاغو الأميركية والمجلس الأعلى للآثار، وعرضت الخطة على اللجنة الدائمة للآثار المصرية، كما أن أعمال الترميم لتلك التماثيل كان الغرض منها الحفاظ على أجزاء وقطع التماثيل المتناثرة على مصاطب حفظ الأحجار في المعبد التي بلغت أكثر من 40 في المئة من كتلة التمثال الخاص بالواجهة الرئيسة و25 قطعة لتماثيل الواجهة الغربية ولولا التدخل في الترميم لما تم الحفاظ على هذا الكم من الكتل الخاصة بالتماثيل.

وأشارت إلى أن معظم الصور المتداولة للتمثال أثناء إزاحة الستار عنه، واستكمل فريق العمل أعمال الترميم لمدة شهرين أو أكثر بعد هذه الصور وذلك لتصويب النسب الخاصة بالتمثال للوصول إلى الشكل الأمثل وفي النهاية يمكن أن نذكر أن جميع الانتقادات مقبولة طالما أنها للمصلحة العامة وطالما أنها في خلاف علمي يمكن الأخذ منه والرد عليه.

وكان أستاذ الآثار المصرية القديمة أحمد عيسى فتح باب النقاش من جديد بنشره صورة لتمثال رمسيس الثاني في معبد الأقصر على صفحته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" معلقاً عليها "تمثال ’مسخ‘ لكبير الرعامسة في وضع أوزيري لا يصح وجوده في هذا المكان، كما أنه أحدب الظهر، وحجم ذراعيه وساعديه رفيعان لا يتناسبان مع بقية حجم أجزاء الجسم وبطنه منتفخة نسبياً، وطوله أقصر مما اعتاد عليه الفنانون المصريون القدماء تمثيله في تماثيلهم الواقفة".

لجان من خارج الوزارة

على الجانب الآخر، يدعو الأستاذ المتخصص في الآثار والحضارة والعميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة محمد حمزة الحداد في حديثه إلى  "اندبندنت عربية"، إلى تشكيل لجنة مؤلفة من متخصصين وطنيين لا يعملون بالمجلس الأعلى للآثار لمراجعة جميع أعمال الترميم التي تم تنفيذها منذ عام 1983 وحتى الوقت الحالي، ويرى أنه من غير المنطقي أن يتم وضع تمثال رمسيس الثاني في واجهة معبد الأقصر بهذه الطريقة، خصوصاً أن نسبة استكمال ترميم التمثال 80 في المئة.

وأوضح الحداد الذي سبق أن كان عضواً في مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، أنه وفقاً للمواثيق الدولية مثل ميثاق أثينا لعام 1934 واتفاق البندقية لترميم وحفظ المعالم والمواقع التراثية عام 1964، وغيرها من التوصيات والبروتوكولات التي صدرت سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مثل وثيقة نارا للأصالة التي صيغت واعتمدت من قبل المجلس الدولي للمعالم والمواقع عام 1994، فإن عملية استكمال الآثار تجرى في إطار ضيق بهدف الحفاظ على التراث الثقافي من الأخطار التي تهدد سلامته، وإما ترك القطع الأثرية بحالها الأصلية.

وأشار الحداد، الخبير المعترف به في منظمتي "يونيسكو" و"إيسيسكو"، إلى ضرورة أن يحتوي التمثال بأقل تقدير على 75 في المئة من القطع الأصلية، على أن تقتصر عملية المعالجة على نسبة 25 في المئة بحد أقصى، مع وضع علامات توضح للزائرين الأجزاء المضافة وغير الأصلية، ويرى أن تمثال رمسيس الثاني ذي البطن المنتفخ كان يمكن وضعه في الفناء الداخلي بدلاً من الصرح، مبدياً اعتراضه على عرض تمثال أحد أشهر ملوك مصر في سياسة الحرب والإنجازات المعمارية بهذه الطريقة.

ويتطرق إلى ضرورة الاعتماد على دراسات استشارية معدة بعناية قبل بدء عمليات الترميم وتنفيذها بدقة من دون إدخال تعديلات غير مبررة، مشدداً على أهمية الاعتماد على الصور والوثائق التاريخية أثناء القيام بأعمال الترميم.

قطع غير مطابقة للمواصفات

ويسلط الحداد الضوء على أنه اختير من قبل النيابة العامة المصرية ليكون جزءاً من لجنة تم تشكيلها لمراجعة أعمال ترميم سور القاهرة الشرقي، معلقاً "تبين لنا وجود أخطاء في عمليات الترميم. وبناءً على هذه الملاحظات، تم إصدار أحكام ضد المسؤولين عن ذلك الإهمال".

وقضت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر مطلع العام الماضي بمجازاة 10 مسؤولين في وزارة الآثار بعقوبات تأديبية مشددة في واقعة الإهمال الجسيم الذي شاب أعمال ترميم سور القاهرة التاريخي بعدما تبين لها نزع الأحجار الأثرية من السور من دون ضرورة واستبدالها بأحجار جديدة غير مطابقة للمواصفات وعدم الإشراف الجيد على الترميم وإقامة كرفانات خاصة بالمكاتب الإدارية ودورات المياه في المشروع على رغم وقوعها داخل الموقع الأثري، مما يعرض الحفريات الأثرية للتلف.

انهيار منازل تاريخية

يتفق الخبير الدولي في مجال الترميم الأثري حجاج إبراهيم مع وجهة نظر الحداد، فيشير إلى ضرورة احترام أصالة القطع الأثرية وتجنب استخدام مواد تسبب الضرر على المدى البعيد، والتزام المتابعة الدورية لها لضمان تجنب حدوث مشكلات مستقبلية، مسلطاً الضوء على معضلة تتمثل في عدم اتباع المعايير الأساسية للترميم في بعض المناطق التي تتمتع بتراثها الفريد، ويلفت إلى حالات مثل استخدام الرخام في ترميم بيت رمضان في رشيد، حيث كان البناء الأصلي مصنوعاً من الطوب الأسود، مما أدى إلى انهيار جزء منه.

وانهار سقف منزل رمضان في رشيد في منتصف يونيو (حزيران) 2017، على رغم خضوعه لأعمال ترميم في إطار مشروع تجديد منازله التاريخية عام 2000، ويعزو المتخصصون السبب وراء هذه الحادثة إلى عدم تقييم أعمال الترميم من قبل مكاتب استشارية واستخدام مواد ذات جودة منخفضة من الخشب الأبيض، وفي يوليو (تموز) 2021 انهار سقف حجرة في منزل "عثمان طبق" الأثري بالطريقة نفسها، مما أثار تساؤلات حول الآلية التي اعتمدت في ترميم منازل هذه المنطقة التاريخية.

 

ويردف إبراهيم "تعرضت منطقة آثار فوة بكفر الشيخ لأعمال هدم وإعادة بناء، وهذه الإجراءات لا يمكن تسميتها ترميماً. يجب أن يتضمن ترميم الآثار معالجة وصيانة القطع الأثرية من دون المساس بقيمتها التاريخية"، ويسلط الضوء على طريقة ترميم قبة مسجد الحسين، معتبراً أنها أثرت بشكل سلبي في قيمة الأثر وأدت إلى فقد جزء من أصالته ومشيراً إلى ضرورة الحفاظ على خصائص الآثار أثناء عمليات الترميم.

وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي، كلف طارق النبراوي، نقيب المهندسين المصريين، الشعبة المعمارية بمراجعة أعمال الترميم التي تمت في مسجد الحسين، وأوضح في بيانه أن الرأي العام الهندسي أبدى بعض الملاحظات حول تلك الأعمال الترميمية التي تمت في هذا المسجد المسجل على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979.

لجان مشتركة

من جهته قال مدير المتحف المصري السابق سيد حسن إن عملية ترميم تمثال رمسيس الثاني في معبد الأقصر تمت بطريقة غير صحيحة، معتبراً أن وضعه في الواجهة الأمامية للمتحف لم يكن مفهوماً، خصوصاً مع وجود عدد من التماثيل الفريدة لرمسيس الثاني. وأضاف أن ترميم التمثال شهد أخطاء وعيوباً في النسب الفنية، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية دراسة الفن في عصر الأسرة الـ19 التي تنتمي إليها القطعة أثناء اتخاذ إجراءات الترميم حتى تتوافق مع أسلوب الفن في ذلك العصر.

واستدل حسن في حديثه على قيام خبيرة أجنبية بترميم تمثال آمون في المتحف المصري، وبدأت البحث عن القطع المفقودة في مناطق أثرية مختلفة وقررت وضع التمثال في هيكل معدني وتركت الأجزاء المفقودة من دون العبث بها.

وأكد أنه يجب الاعتماد على لجان تجمع أثريين ومرممين وفنانين لمناقشة الأمور قبل بدء عمليات الترميم وعدم اتخاذ قرارات فردية من دون استشارة متخصصين، موضحاً أن الهدف من هذه اللجان تحقيق توازن بين مظهر القطعة إضافة إلى التوجه الزمني الدقيق لها للوصول إلى تنفيذ أفضل لعمليات الترميم.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات