Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مدى حقيقة الازدهار الاقتصادي في الهند؟

دلهي تقود ثورة الدفع الرقمي في العالم لكن النقاد يحذرون من أن "الضجيج" يخفي أزمة وظائف   

التعامل الهندي مع العدد المتزايد بسرعة من السكان الشباب سيحدد مسار البلاد المستقبلي (أ ف ب)

ملخص

مسؤول دولي سابق يرى أن قصة النجاح الهندية مبنية على لعبة "أرقام مخادعة ووهم" خلقته أرقام الناتج المحلي

اعتاد أرجون كومار إرسال الأموال النقدية إلى منزله من أحد الأحياء الفقيرة في دلهي إلى زوجته وطفليه الصغيرين عبر سمسار أموال، على رغم أن الرسوم كانت باهظة، والعملية بطيئة، واليوم يقوم العامل بتحويل الأموال إلى قرية عائلته في ثوانٍ – بجزء بسيط من الكلفة والأخطار – عبر بضع نقرات على هاتفه، باعتباره مستفيداً من الثورة الرقمية الأكثر طموحاً في العالم.

بينما يستعد زعماء العالم للسفر إلى العاصمة الهندية لحضور قمة مجموعة العشرين في نهاية الأسبوع المقبل، يدعم رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي التحول المالي في بلد كان النقد هو الملك فيه في السابق. 

وقال مودي الأسبوع الماضي، "إن حقيقة أن 46 في المئة من معاملات المدفوعات الرقمية العالمية تجري الآن في الهند هي مثال ساطع على نجاح البلاد".

يعمل كومار، 31 سنة، في مواقع البناء ويؤجر غرفة في مستوطنة متداعية مكونة من مبانٍ منخفضة الارتفاع مصنوعة من الطوب وأكواخ من الصفيح، وحتى وقت قريب، كان واحداً من مئات الملايين من الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك في الهند، ولا يملكون دخلاً منتظماً أو عنواناً ثابتاً، والآن، وبفضل منصة المدفوعات العامة غير المكلفة، انضم كومار إلى النظام المالي الرسمي، ويمكنه الاشتراك في حسابات مصرفية، وإجراء المدفوعات واستلامها عبر تطبيق هاتف بسيط، وفي هذه العملية، يولد بيانات قيمة لم يكن من الممكن جمعها من قبل عن دخله وعادات إنفاقه. 

تعتمد حملة "التعامل المصرفي مع من لا يملكون حسابات مصرفية" على خلفية برنامج هندي مبتكر لبطاقة الهوية الرقمية البيومترية، وقد طرحته حكومة مودي بالشراكة مع قطاع التكنولوجيا الهندي بعد وقت قصير من وصوله إلى السلطة في عام 2014، لكنه انطلق بقوة عندما وصل الوباء.

وأعربت عديد من الدول الأخرى منذ ذلك الحين عن اهتمامها باعتماد النظام، الذي مكن المعاملات الرقمية الهندية من تجاوز المدفوعات الرقمية المجمعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، وفقاً للإحصاءات الحكومية، وتثير هذه الرقمنة السريعة للاقتصاد مخاوف كبيرة في شأن الخصوصية والأمن عبر الإنترنت، لكن كومار يقول لصحيفة "التايمز"، إنها "حسّنت حياة عائلتي بشكل كبير". 

ويوافق البائع على ذلك في كشك طعام قريب، حيث يبيع المستلزمات ويأخذ المدفوعات من العملاء عبر رموز "كيو آر" (QR)، وقال "العمل أصبح أكثر سلاسة، وأصبح التخطيط لأموري المالية أسهل". 

التمويل الرقمي أعطى دفعة للاقتصاد الهندي 

هذا الاختراق في التمويل الرقمي هو أحد الأسباب التي جعلت الهند، بعد عقود من الكفاح ضد الروتين الضخم وسياسات الدولة الثقيلة والحمائية، تصبح أسرع اقتصاد كبير نمواً في العالم، إذ حققت نمواً تجاوز ستة في المئة هذا العام، مع نمو مماثل متوقع العام المقبل. 

وبينما تبحث الدول المتقدمة عن طرق للخروج من أزمة ما بعد الجائحة، وتعاني الصين، منافستها الإقليمية، من أزمة عقارية وتراجع الإنفاق الاستهلاكي والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة، فإن الهند في طريقها للتقدم على ألمانيا واليابان بفارق ملحوظ بحلول 2030 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم. 

"اقتصاد مودينوميكس"

اليوم يقفز المستثمرون الأجانب، ويتحدثون بطموح عن "عقد الهند"، في حين يتحدث مودي بحماسة عن "القرن الهندي"، وتزعم حكومته أن موجة بناء الطرق والسكك الحديدية ستوفر تحديثاً للبنية التحتية طال انتظاره، واليوم تصدر شركة "بي أتش بي"، أكبر شركة تعدين في العالم، 40 في المئة من فحمها المعدني من أستراليا إلى الهند لتزويد مصانع الصلب بالوقود الذي يغذي طفرة البناء هذه، وفي مومباي، تتجمع الرافعات في الأفق كما هي الحال في شنغهاي ودبي. 

وفي الشهر الماضي، وضعت الهند مركبة فضائية على سطح القمر، وهي استراتيجية تعمل بالوقود الصاروخي لاستعراض نفسها كقوة عالمية، والآن قمرية، ووصف مودي هبوط المركبة بأنه "صرخة انتصار للهند الجديدة والمتقدمة" لكنه يعد أيضاً "نجاحاً للإنسانية"، مستشهداً به باعتباره مصدر إلهام لمجتمع الدول النامية الذي ستدافع عنه نيودلهي في قمة مجموعة العشرين. 

على الأرض حققت الهند علامة فارقة أخرى هذا العام عندما حلت محل الصين لتصبح الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم فهي موطن لنحو 1.5 مليار شخص، في حين أن كيفية تعاملها مع هذا العدد المتزايد بسرعة من السكان الشباب سيحدد مسارها المستقبلي. 

وصل مودي إلى السلطة في عام 2014، ثم فاز بإعادة انتخابه بعد خمس سنوات على خلفية وعود كبيرة بإصلاح الاقتصاد لتحقيق النمو والتنمية، وقد أطلق على هذا النهج اسم "اقتصاد مودينوميكس"، على رغم أن مودي يفضل أن يطلق عليه اسم النموذج "المرتكز على الإنسان". 

كما صمم مودي مبادرة مودي "صنع في الهند" - الصناعية - لتحويل الهند إلى قوة تصنيعية، لكن حصة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ظلت راكدة عند نحو 16 في المئة ولم يكن هناك أي دعم لوظائف التصنيع، أما في قطاع الخدمات، بما في ذلك البرمجيات، فضلاً عن البناء والسياحة فهي تمثل نحو 60 في المئة من الاقتصاد. 

محرك الاستهلاك المحلي وفرص العمل الصغيرة 

ويشير المنتقدون إلى أن القطاع الرقمي الذي يحظى بتقدير كبير - محرك الاستهلاك المحلي - لا يوفر سوى فرص عمل لنسبة صغيرة من القوى العاملة في البلاد، لكن عضو المجلس الاستشاري لمودي وأحد مهندسي استراتيجية النمو الاقتصادي للحكومة، سانجيف سانيال، فيشعر بالارتياح، فقد استكمل سانيال إصلاحات عصر مودي، بما في ذلك قواعد الإفلاس الجديدة، وبيع الشركات الحكومية الخاسرة، وفرض ضريبة وطنية على السلع والخدمات لتحل محل فسيفساء معقدة من التعريفات الحكومية.

وأضاف للصحيفة، "إذا حافظنا على النمو وضاعفناه، فسنتمكن من خلق فرص العمل، فالأمر كله يتعلق بالنمو." 

ومن بين المنتقدين البارزين المتخصص في الشأن الاقتصادي المولود في الهند، والمسؤول السابق في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأستاذ الحالي في جامعة "برينستون"، أشوكا مودي، والذي كتب كتاب "الهند مكسورة" في وقت سابق من هذا العام، إذ قال إن تصوير الهند على أنها "قصة النجاح العظيمة في القرن الـ 21" كان "مبنياً على لعبة أرقام مخادعة" و"وهم خلقته أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرئيسة"، مضيفاً "الأسوأ من ذلك أن هذه الضجة تخفي مشكلة تنامت على مدى 75 عاماً منذ الاستقلال والمتمثلة في خلق فرص عمل هزيلة". 

وفي حين يعاني قسم كبير من آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية من الأعباء المالية الناجمة عن الشيخوخة السكانية، يتحدث مستشارو مودي عن قوة العمل الشابة والمتنامية في الهند. 

لكن البطالة تتجاوز 10 في المئة في المدن، إذ تتوافر البيانات، في حين لا يوجد مسار دقيق للبطالة وتقاسم الوظائف في المناطق الريفية. 

ولكي تتمكن الهند من الوقوف في مكانها، فإنها تحتاج إلى خلق أكثر من ثمانية ملايين فرصة عمل سنوياً، وفي أرقام الوظائف الجديدة، الأسبوع الماضي، انخفض إجمالي التوظيف والمشاركة في القوى العاملة، كما أن مشاركة الإناث في القوى العاملة سيئة بشكل خاص، فأقل من ربع العاملين هم من النساء، وأيضاً المؤشرات الاقتصادية الأخرى أقل إثارة للإعجاب مما تشير إليه الأرقام الرئيسة. 

الميزان التجاري بين العملاقين 

ولدى الهند طبقة متوسطة مزدهرة تُعرف بأنها تجني ما بين 4750 إلى 28600 جنيه استرليني (ستة آلاف و36 ألف دولار) سنوياً وفقاً للإحصاءات الهندية، والتي تضاعف حجمها من 14 في المئة من السكان في عام 2005 إلى 31 في المئة في العام الماضي، ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بنصيب الفرد من الدخل، تظل الهند في المركز 149 من بين 194 دولة، وكان متوسط الدخل في الهند والصين مماثلاً في الثمانينيات قبل أن تشرع بكين في تحقيق النمو، لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند الآن لا يتجاوز 2500 دولار، مقارنة بنحو 12700 دولار في الصين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن الميزان التجاري بين العملاقين الآسيويين غير متوازن أيضاً، إذ تمثل الواردات الهندية من الصين ما يقرب من 90 في المئة من التجارة السنوية التي تبلغ 93 مليار جنيه استرليني (117 مليار دولار) بين البلدين. 

ويحتل الهنود المستويات العليا في بعض الشركات الرائدة في العالم، بما في ذلك توفير الرؤساء التنفيذيين لشركة "مايكروسوفت" و"غوغل" و"آي بي أم". 

هجرة العقول الهندية 

ولكن على رغم الفخر بالهنود الذين ينجحون في الخارج، هناك أيضاً مخاوف في شأن استمرار البلاد في خسارة العديد من عمالها ذوي المهارات العالية، إذ يعيش نحو 32 مليون هندي في الخارج، كما غادر الهند ما لا يقل عن 23 ألف مليونير منذ عام 2014. 

ويصر مودي وكبار الوزراء على أن "هجرة الأدمغة" يُمكن تحويلها إلى "كسب العقول" من خلال تسخير مساهمات المغتربين، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بينهم ويجذب حشوداً كبيرة منهم في زياراته الخارجية، كما يعترف المسؤولون سراً بتأثير خروج المواهب والثروة على الاقتصاد الهندي. 

مودي وارتباطاته بقضية الملياردير أداني 

وفي الأسبوع الماضي، واجه رئيس الوزراء الهندي أسئلة حول حليفه التجاري الملياردير الذي ارتبطت عائلته بانتهاكات مالية مزعومة في استخدام الأموال الخارجية، غوتام أداني، وهو مواطن غوجاراتي ازدهرت إمبراطوريته التجارية، بما في ذلك الاحتكارات في الموانئ والطاقة، ومنذ تولى مودي السلطة، تم تصنيف أداني كأغنى رجل في آسيا حتى وقت سابق من هذا العام عندما اتهمته شركة أبحاث استثمارية أميركية بارتكاب "أكبر عملية احتيال في تاريخ الشركات". 

وقال زعيم حزب المؤتمر المعارض راهول غاندي، إن المزاعم الأخيرة - التي ينفيها أداني - تثير تساؤلات حول الشفافية والنزاهة المالية في الهند في عهد مودي. 

وقال الأستاذ في جامعة "برينستون" أشوكا مودي، "إن مجموعة العشرين هي بمثابة فرصة لالتقاط الصور"، وأضاف "النخب الهندية تشعر بالدوار إزاء التوقعات الاقتصادية لبلادهم، وهذا التفاؤل ينعكس في الخارج، ولكن في الواقع فإن الهند تسير على طريق محفوف بالأخطار". من جانبه، استهجن المستشار الاقتصادي سانيال، مثل هذه الانتقادات، قائلاً "نحن ننمو هذا العام، وننمو في العام المقبل، وننمو لسنوات مقبلة، وهذا هو النمو الحقيقي". 

اقرأ المزيد