Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا تقيم الولايات المتحدة عروضا عسكرية منتظمة؟

تمتلك أقوى جيش بالعالم لكنها لا تحتاج إلى إظهار القوة أو إهدار الملايين عليها

أوباما لم يتردد في إقامة عرض عسكري احتفاء بوصوله إلى البيت الأبيض (مواقع التواصل)

ملخص

أقوى جيوش العالم تلجأ إلى عروض عسكرية سنوية على غرار الصين وروسيا والهند لكن أميركا تمتنع عن ذلك بشكل منتظم... فما السر؟

بدءاً من شهر مايو (أيار) وحتى أغسطس (آب) تتباهى العديد من الدول بعروضها العسكرية الضخمة المتخمة بالدبابات والطائرات والصواريخ النووية مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكن على رغم أن هذه العروض يصورها البعض في الولايات المتحدة بأنها ترتبط بحكومات غير ديمقراطية، فإن دولاً ديمقراطية مثل الهند وفرنسا تجري أيضاً هذه العروض كل عام.

ومع ذلك لا تنظم الولايات المتحدة عروضاً عسكرية إلا لمناسبة نهاية صراع، مثلما حدث عام 1991 عندما أقام الرئيس جورج بوش الأب عرضاً في واشنطن للاحتفال بنهاية حرب الخليج الأولى، وباستثناء العرض العسكري المحدود الذي أقامه الرئيس دونالد ترمب عام 2019 وأثار كثيراً من الجدل، لا يشهد الأميركيون عروضاً وطنية عسكرية منتظمة تحتفي بأقوى جيش في العالم، فما السبب وراء ذلك؟

على رغم أن العروض العسكرية الوطنية الكبرى تتضاءل في معظم بلدان الغرب، فإنها أصبحت شكلاً شائعاً من أشكال التوظيف السياسي المطلوب في العديد من الدول حول العالم، إذ يعتبرها البعض عاملاً محفزاً للحس الوطني ورفع الروح المعنوية وربط الجنود بالجمهور عبر الإحساس المثير الذي يستحضره سير الجنود في تزامن مثالي مع نغمة الموسيقى العسكرية، كما أنها تعد بمثابة إعلان عن الإنفاق العسكري وإظهار ما يشتريه دافعو الضرائب من أموال وبخاصة لدى الدول التي تكشف فقط عن إجمالي الإنفاق العسكري من دون تفاصيل.

لكن غالباً ما يكون الدافع هو ترهيب الأعداء والخصوم، بخاصة أن هذه المواكب والعروض المعروفة بالإنجليزية باسم (باريد) تأتي في الأصل من كلمة (بارير) اللاتينية والتي تعني التحضير والاستعداد، وعلى مر التاريخ ساعدت هذه العروض العسكرية على تهيئة وإعداد المواطنين للحرب.

نزعة عسكرية

غير أن المتخصص في معهد الشرق والغرب فرانز ستيفان يعتبر أن هذا الحجم من العروض يشير إلى النزعة العسكرية وانعدام الأمن الوطني، وهو مزيج قابل للاشتعال لأنه يخلق غالباً حالة من عدم الاستقرار عبر دورة مستدامة من المنافسة القاتلة التي تدفع الدول الأخرى، بخاصة المجاورة، إلى مواصلة سباق التسلح الاستعراضي من أجل تبديد مفاهيم الضعف وتعزيز الردع، مثلما ساعدت العروض العسكرية السنوية للصين وكوريا الشمالية في تعزيز اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان من إنفاقها العسكري خلال السنوات الأخيرة.

ويمكن ملاحظة هذه النزعة العسكرية في كيفية سير الجنود، والتي غالباً ما تتميز باختلافات في خطوة الإوزة البروسية التي تحظى بشعبية خاصة في الصين وروسيا وكوريا الشمالية، والتي أشار إليها الكاتب والروائي الإنجليزي الشهير جورج أورويل بأنها واحدة من أفظع المشاهد في العالم لأنها تؤكد القوة المجردة بوعي وقصد تام من خلال رؤية الحذاء ينهار على الوجه.

ولهذا يرى البعض أن ما يبدأ بعرض عسكري قد ينتهي بالحرب والموت مثلما يشير العرض العسكري في الساحة الحمراء بموسكو لإحياء الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يؤدي إلى تغذية مشاعر الروس إزاء الهيبة العسكرية التي كانت سائدة في الحقبة السوفياتية، وهو ما يعتقد البعض أنها ساعدت أيضاً على تهيئة الروس للحرب في أوكرانيا، وفق أورويل.

عروض متنوعة

ومع ذلك، فإن العروض العسكرية تختلف من حيث الشكل والحجم والإنفاق والأهداف من دولة لأخرى، فعلى رغم أنها ترتبط غالباً لدى الغرب بحكومات غير ديمقراطية أو استبدادية، فإن الدول الديمقراطية مثل فرنسا والهند لديها مثل هذه العروض أيضاً، كما أن عرض يوم الباستيل الفرنسي في 14 يوليو (تموز) عام 2017 كان مصدر إلهام للرئيس ترمب لإقامة عرض مماثل في واشنطن العام التالي وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، وتقيم كذلك المملكة المتحدة عروضاً عسكرية في مناسبات معينة مثل عودة الجنود إلى ديارهم، وفي المناسبات الملكية مثل عيد ميلاد الملكة أو الملك ويتم ارتداء الزي التقليدي لهذه الأحداث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان العرض العسكري الروسي الذي يجرى في 9 مايو كل عام للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية أو كما تسميها الحرب الوطنية العظمى هو أحد أكثر العروض شهرة منذ العهد السوفياتي نظراً إلى أنه يشتمل على عروض أحدث الأسلحة من دبابات وطائرات، فإن الصين تقدم أكثر العروض العسكرية تباهياً وإسرافاً، بحسب موقع "إنسايدر" الأميركي، نظراً إلى مشاركة نحو 12 ألفاً من الجنود مع 500 دبابة في الأقل ومركبات وقاذفات صواريخ وتحليق مئات الطائرات.

وفيما تقيم الهند عرضاً عسكرياً سنوياً في 26 يناير (كانون الثاني) لمناسبة اعتماد دستور البلاد، والذي عادة ما يهدف إلى تخويف باكستان التي حاربتها ثلاث مرات عبر التاريخ الحديث، تجذب كوريا الشمالية الأنظار بعروضها العسكرية التي تحتفل بنهاية الحرب الكورية أو ما تسميه يوم النصر، وتسلط الأضواء على صواريخها الباليستية التي تطورها وتزيد مداها باستمرار مما يثير قلق جارتها الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، بخاصة أنها عرضت في الاحتفال الأخير قبل نحو شهر طائرات درون هجومية وتجسسية جديدة.

أين العروض الأميركية؟

لكن إذا كانت الدول الأقوى عسكرياً في العالم والتي تحتل المراكز الثاني والثالث والرابع، بحسب "غلوبال فاير باور"، وهي بالترتيب روسيا والصين والهند، تجري سنوياً عروضاً عسكرية دورية، فما سبب تغيب القوة الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة؟

لا يوجد سبب واحد محدد حول غياب العروض العسكرية الأميركية، ولكن عدة أسباب أبرزها هو أنه لم تعد هناك حروب كاملة تشتبك فيها القوات في قتال مباشر مع خصم قوي كما كان الحال في الماضي، فقد كانت معظم العروض العسكرية للاحتفال بالانتصارات وتكريم مساهمات الجنود في الحروب.

 

 

ولهذا كان آخر هذه العروض الضخمة هو العرض الذي أعقب حرب الخليج الأولى (حرب تحرير الكويت) عام 1991، عندما أقام الرئيس جورج بوش الأب استعراض النصر الوطني في واشنطن والذي شارك فيه ثمانية آلاف جندي، وتم عرض طائرات الشبح إلى جانب صواريخ باتريوت بحضور ما لا يقل عن 800 ألف متفرج، وكان هذا هو الاحتفال الوطني الأخير.

بكم الكلفة؟

سبب آخر هو أن كثيراً من الأميركيين لا يؤيدون دفع ملايين الدولارات من دافعي الضرائب للإنفاق على العروض العسكرية، ولهذا يعتقد الناس أن الأموال التي أنفقت على تنظيم وتنفيذ العرض العسكري المحدود الذي أصر الرئيس السابق دونالد ترمب على إقامته عام 2018 كان من الممكن توظيفها في استخدامات أخرى.

وعلى سبيل المثال اقترح دينيس روهان وهو قائد عسكري أميركي سابق، إنفاق الأموال بشكل أفضل لتحسين حياة المحاربين القدامى ومنح أسر القوات أفضل رعاية ممكنة، كما أثار بعض المشرعين في واشنطن اعتراضاتهم في شأن كلفة العرض.

ووصف السيناتور الديمقراطي ديك دوربين العرض الذي أقامه ترمب بـ"مضيعة للمال لتسلية الرئيس"، كما ذكر بعض المحللين أنه من دون تحقيق نصر عسكري مهم لتبرير العرض فإنه يشبه العرض العسكري لكوريا الشمالية، فيما اعتبر المؤرخ العسكري توماس ريكس أنه لا يوجد سبب للقيام بذلك سوى تعزيز غرور ترمب.

وكان البنتاغون قد قدر كلفة العرض العسكري بـ92 مليون دولار، إذ ركز على العروض الجوية من طائرات "أف 22" و"أف 35" وقاذفات "بي 2" الشبحية، وعرض لطائرات "بلو إنجلز" للأكروبات التابعة للبحرية الأميركية وطائرة "بوينغ 747" المعدلة التي تنقل الرؤساء، فضلاً عن مشاركة محدودة للغاية لدبابة "أبرامز" ومركبات "برادلي" والتي كانت محمولة فوق عربات نقل خاصة بها.

لا احتياج لها

لكن آخرين يرجحون أن أحد الأسباب المهمة وراء عدم إقامة العروض العسكرية في الولايات المتحدة هو أن مثل هذه العروض تقام غالباً في بلدان يحكمها نظام شمولي أو ديكتاتوري، ولإثبات أن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية تقف ضد هذه الأنظمة فإن العروض تلقى الرفض في واشنطن.

وينظر البعض إلى عرض العضلات العسكرية على أنه استعراض لا يشير إلى القوة وإنما الضعف، فقد نشر سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، على "تويتر" وقت العرض العسكري لترمب عام 2018 قائلاً "هذه الصورة تذكرني بالاستعراضات التي كنت أحضرها في الاتحاد السوفياتي، وهو ليس المظهر المناسب لأميركا".

وإضافة إلى ذلك نشر العديد من الأميركيين منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إن الولايات المتحدة دولة "مهيمنة"، وهي لا تحتاج إلى عروض عسكرية لاستعراض قوتها.

تاريخ من عروض الحرب

غير أن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة لم تقم عروضاً عسكرية طوال تاريخها، إذ يعود العرض العسكري الوطني الأول إلى أكثر من 150 عاماً، وبالتحديد في عهد الرئيس أندرو جونسون الذي تولى السلطة بعد اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن، وكان العرض في نهاية مارس (آذار) عام 1865، للاحتفال بنهاية الحرب الأهلية وتكريم القوات.

لكن تاريخياً، كان هناك العديد من العروض العسكرية الأميركية خلال فترات الحرب وكانت كبيرة مثل العروض العسكرية في أي دولة أخرى، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، يوليو 1914 – نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، كان لمشاة البحرية الأميركية عام 1919 عرض عسكري في مدينة نيويورك شارك فيه نحو 25 ألف فرد بملابسهم القتالية الكاملة.

وخلال الحرب العالمية الثانية، أقيم أحد أكبر العروض العسكرية الأميركية عام 1942 تحت اسم "عرض يوم الجيش" في مدينة نيويورك، وسار 30 ألف رجل وامرأة لمدة 11 ساعة تقريباً، وفي عام 1946 أي بعد نهاية الحرب، كانت هناك أيضاً عروض عسكرية في نيويورك احتفالاً بالنصر، فقد سار أكثر من 10 آلاف جندي للاحتفال بقوات الحلفاء بقيادة الجنرال جيمس جافين وبمشاركة الفرقة 82 المحمولة جواً.

عروض تنصيب الرؤساء

وإضافة للعروض العسكرية الوطنية التي تتعلق بالحروب الضخمة، دأب كثير من الرؤساء الأميركيين على استعراض قواتهم العسكرية في يوم تنصيبهم أو اليوم التالي كجزء من الاحتفال بالرئيس الجديد، وكان أبرز هذه العروض عام 1953 والذي أقيم للرئيس دوايت أيزنهاور بمشاركة 22 ألف جندي، وشهد خلاله الأميركيون مدفعاً ذرياً جديداً يبلغ وزنه 85 طناً قادراً على إطلاق قذائف على مسافة 20 ميلاً للأمام.

ثم في عام 1957 كان هناك حفل تنصيب آخر للرئيس أيزنهاور في واشنطن، وسار الآلاف من القوات العسكرية وعرض صاروخ "ريدستون" الذي يبلغ طوله 69 قدماً، وهو أول صاروخ باليستي أميركي ناجح، وحضر هذا العرض 75 ألف شخص.

 

 

ومع تنصيب الرئيس جون كينيدي عام 1961 أقيم عرض لأفراد الخدمة العسكرية، بما في ذلك البحارة والجنود على متن قوارب البحرية، وكانت عشرات الصواريخ موجودة في هذا العرض على طول شارع بنسلفانيا.

وفي السنوات الأخيرة أقام الرئيس الأسبق باراك أوباما عرضاً في شارع بنسلفانيا بواشنطن، خلال اليوم الثاني من تنصيبه، شارك فيه أكثر من 8800 شخص في العرض، منهم ما لا يقل عن ألفين من أفراد الخدمة العسكرية، كما أقام الرئيس جو بايدن عرضاً ضمن احتفالات تنصيبه ضم أكثر من 20 ألف جندي من الحرس الوطني.

ترتيبات أصغر

ولا يعني عدم وجود المزيد من العروض العسكرية الوطنية المستقلة أن العروض العسكرية الأصغر حجماً في الولايات المختلفة توقفت أيضاً، بل هي مستمرة بخاصة خلال الأيام العسكرية الخاصة، مثل يوم المحاربين القدامى وعيد الاستقلال الأميركي في 4 يوليو كل عام، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الأميركية، ومن غير المرجح أن تنتهي هذه الأشياء في أي وقت قريب.

إضافة إلى ذلك، واستمراراً لتقليد قديم منذ خمسينيات القرن الماضي، هناك أسابيع الأسطول السنوية التي تقام في المدن الساحلية الكبيرة، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وسان دييغو، إذ تتضمن العروض في أيام الأسطول دائماً طائرات مقاتلة ومشاركات مبهرة من فريق طائرات الأكروبات، وعادة ما تشارك حاملات طائرات تابعة للبحرية الأميركية، مع وجود السفن والطرادات والمدمرات وحتى الغواصات.

المزيد من تحقيقات ومطولات