Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أغاني الصيف أعمال فنية بصلاحية محدودة

بات الفنانون وشركات الإنتاج يحضران أعمالاً خاصة بهذا الفصل من السنة للترفيه عن الجمهور

يحب الجمهور هذا النوع من الأغاني الخفيفة (مواقع التواصل)

ملخص

تكون هذه الأغاني تمهيدية للحفلات الشعبية التي يقيمها بعض الفنانين خلال الصيف، سواء داخل بلدانهم الأصل أو خارجها.

تلعب السهرات والحفلات دوراً كبيراً خلال فصل الصيف، فالفضاءات الترفيهية مثل الغابات والجبال والشواطئ، لا تستطيع لوحدها خلق الترفيه والتسلية، إذ إن الناس في حاجة ماسة في فصل الصيف إلى الاستمتاع بسهرات غنائية مع نجومهم المفضلين، حتى باتت هذه السهرات الغنائية بمثابة عادات وتقاليد لا يمكن التخلي عنها داخل البلاد العربية.

ففي مصر ولبنان يستحيل مرور فصل الصيف، دون تنظيم ليال موسيقية وسهرات غنائية وأروقة فنية داخل فضاءات مفتوحة منها ومغلقة، وذلك تأكيداً لمكانة الغناء والموسيقى في حياة هذه المجتمعات.

فالسهرات تسهم بشكل قوي في خلق رواج تجاري في المنطقة وتدعو الناس أحياناً إلى السفر وشراء تذاكر للمشاهدة والاستمتاع.

من الترفيه إلى الاستهلاك

هذا الأمر، فطنت له المؤسسات الإنتاجية، فبدأت تعمل على استهداف جماهيرها الهلامية من خلال كتابة وإنتاج أغان خاصة بفصل الصيف. يحرص النجوم العرب على إطلاقها في هذه الفترة بالضبط للتحكم في إيقاعها.

كما تكون هذه الأغاني تمهيدية للحفلات الشعبية التي يقيمها بعض الفنانين خلال الصيف، سواء داخل بلدانهم الأصل أو خارجها، لكن على العموم، تحرص مؤسسات الإنتاج في العالم العربي على صناعة نوع من الوهم بالنسبة إلى المتلقي الذي يجد نفسه قد انخرط بقوة في هذه الأغاني التي يكون وقع صداها أكبر من قيمتها الحقيقية.

 

 

فالنقد الموسيقي مغيب، ويستحيل العثور داخل مؤسسة إنتاجية أو مهرجان موسيقي على ناقد واحد له القدرة على توجيه المؤسسات صوب المناخات التجديدية التي أضحت تتحرك داخلها الصناعة الموسيقية في العالم ككل.

غياب كهذا له تداعياته على الراهن الغنائي العربي، بعدما بات يقدم أصنافاً شتى من أشكال فنون التعبير الرديئة. هذا الأمر، يطالعنا في أغاني الصيف وعدم قدرتها على التأثير في الراهن الفني، ولا حتى أن تغدو موعداً سنوياً جاداً للفنانين والنجوم من أجل إنجاح مشاريعهم الغنائية.

وذلك من أجل خلق نوع من التنافس القوي الذي يفضي إلى الثورة على الأشكال الموسيقية والقوالب الغنائية الجاهزة وتحريرها من كل ذوق أعمى لا يرى في الأغنية إلا وسيلة ترفيهية. قطعاً، لم تكن الموسيقى يوماً ترفيهية، بل إنها تفكير فلسفي وعملية تأملية تفتن الحواس وتدعو إلى إعمال الفكر، لأن جوهرها عبارة عن تفكير قبل أن يكون عزف ونغم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المشكلات العويصة التي تتخبط فيها الأغنية العربية، أنها لاتزال نغمية تقتصر اشتغالاتها على الغناء. فهي ليست آلية كما هي حال نظيرتها الغربية، وحتى الأخرى التي تركز على الجانب الموسيقي أكثر من الغنائي، فإنها لا تعمل سوى على محاكاة نظام الأغنية، ويعتبر "النشاز" مصدر فرحة وبهجة للأغنية الغربية. فهناك تجارب موسيقية تراهن على هذا النشاز، باعتباره مفهوماً جمالياً معاصراً، يخلق التقاطع بدل الالتقاء في نظام العف الموسيقي.

ربما لأنه في تشكلاته الفنية يكون عبارة عن سفر روحي وتوق للامنتهي، لا يعرف نجومنا العرب معنى النشاز في الموسيقى أو أنهم غير قادرين على بلورته فنياً، فهو يعد صلب الحداثة الموسيقية، لأنه يقوى على تهديم كل المكتسبات الفنية السابقة ويعطي للصنعة الموسيقية الراهنة بعداً آخر تجديدياً وكونياً.

يقول الناقد علي موره لي "الفنون بطبيعة الحال، والموسيقى واحدة منها، ما هي إلا مرآة تعكس التبدلات الفكرية، ففي أوروبا منذ القرن السادس عشر، مثل كل من اللحن، والانسجام والإيقاع ثالوثاً يقينياً شابه في تجلياته الحقيقة، كما هجس بها الفلاسفة منذ كانت وحتى هيغل، سرعان ما تبدل ذلك في منتصف القرن العشرين، بتبلور مدارس تلحين أعلنت الطلاق من التوافق السلمي والقالب الإيقاعي، متخذةً من النشاز قيمة جمالية، أو بالأحرى، مضادة للجمال، محدثةً موسيقى أقرب إلى أن تكون هي الأخرى "مضادة للموسيقى".

تضخم الإنتاج

يبقى المستفيد الأكبر من هذه الأغاني، شركات الإنتاج الموسيقي التي تغني خزينتها السنوية، ولا يهمها الرداءة الفنية التي يتم تقديمها للجماهير خلال فصل الصيف، لأن أغانيها خلال هذا الفصل لا تقدم أي جديد يعول عليه فنياً.

 

 

فالمتابع يسجل مدى حرصها على الإفراط في الإنتاج الموسيقي لاستغلال المتلقي واستدراجه بشكل سريع، صوب سهرات وحفلات خاصة بفنانين ومغنين عرب وأجانب، لهذا يعثر المستمع داخل السوشيال ميديا على كوكبة من النجوم الذين غدوا يعمدون إلى الإنتاج والعمل على إعداد أغان مشتركة من أجل الرفع من "أهمية" الأغنية في متخيل الناس.

لا يهم هذه الشركات قيمة المحتوى الغنائي الذي تقذف به صوب المستمع، بقدر ما تراهن مادياً على مداخيل الأغنية، وفي هذا الأمر، ضرب للمشروع الغنائي العربي الذي تحاول بعض الأسماء تجديده وجعله يمتطي صهوة العالمية، إن أكبر عدو للأغنية اليوم هي مؤسسات الإنتاج، لكونها تسعى جاهدة إلى تنميط الصناعة الغنائية والزج بها في سراديب الاستهلاك اليومي القائم على العرض والطلب.

صحيح، أنه لا وجود لأعمال غنائية، من دون هذه الشركات التي تضخ أموالاً ضخمة في سبيل كتابة وإنتاج وتصوير الكليبات الغنائية، وما يرافقها من مونتاج واكسسوارات، لكن رأس المال لا يكون دائماً عامل جذب وتشجيع، لأنه في هذه الحالة يغدو وسيلة تملك قاهرة أمام كتابة أغان أصيلة مبتكرة تضمر قيمة مضافة للصناعة الفنية بشكل عام.

تمويه بصري

ونظراً للأهمية التي باتت تلعبها الصورة في المجال الغنائي، تحرص هذه الشركات على خلق نوعٍ من التمويه البصري على مستوى الكليبات، بحيث تصبح وسيلة لدغدغة مشاعر المشاهد من طريق الألوان وتنوع الفضاءات وغزارة الأجساد وغيرها من الإكليشيهات البصرية.

يصبح الكليب وسيلة تحكم في المشاهد، من أجل التغاضي عن مضمون الأغنية وسخافتها، وأحياناً يتم الرفع من منسوب الموسيقى الإلكترونية للتغاضي عن صوت الفنان وعدم قدرته على تجسيد خامة صوتية معينة، من ثم فإن أغاني الصيف ليست سوى ابتذال حقيقي، لما لا ينبغي أن يكون عليه المشهد الغنائي راهناً ومستقبلاً.

كل هذا في وقت تحرص فيه مؤسسات أخرى على الموازنة بين الجد والترفيه، لكن هذا الأخير يغلب دائماً، لأن طبيعة المناخ الصيفي يغلب عليه الاستجمام، فالأغاني التي تحركها هذه الرغبة تبقى ذات نفس ترفيهي واستهلاكي، إذ بمجرد ما ينتهي الصيف تنسى كما لو أنها لم تكن يوماً، فالأغاني التي تبقى هي الموشومة بـ "الأثر" أي تلك التي تخلق أثراً فنياً أو جرحاً جمالياً في جسد المستمع، وتدفعه دائماً إلى خلق علاقة قوية قوامها الإبداع والابتكار.

فكلمات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وبليغ حمدي، ظلت في باطنها تستشعر الراهن العربي وتحاول أن تقبض على هسيسه داخل أغنية، والمتلقي العربي حين يستمع إلى أغانيهم يشعر وكأنه يقبض على ألمه الشخصي فيها ويحوله إلى تجربة شخصية مؤثرة في ذاتيته، فبلاغة الكلمة وصدق الأداء والتوزيع الموسيقي، تجعل الأغنية ترسم لها أفقاً مختلفاً في جسد المتلقي، إنها نوع من التعاقد الفني المبني والمؤسس على مفهوم الالتزام.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة